جائحة كوفيد-19 والنزاع والعنف الجنسي: عبء الإثبات ليس على الضحية

قانون الحرب

جائحة كوفيد-19 والنزاع والعنف الجنسي: عبء الإثبات ليس على الضحية

يدمر العنف الجنسي المجتمعات ويمزق الروابط الأسرية من خلال إثارة الإحساس بالعار الشديد لدى الضحية إضافة إلى العذاب النفسي المدمر- اللقطة (2010) من تصوير: Marko Kokic/ اللجنة الدولية

لا يزال العنف الجنسي في خضم النزاعات المسلحة حقيقة قاسية على الرغم من حظره بموجب القانون الدولي الإنساني. وفي هذا المقال، تسلط صوفي سوتريش، رئيسة وحدة التصدي للعنف الجنسي باللجنة الدولية، الضوء على آثار العنف الجنسي في النزاعات المسلحة على الناجيات، كما تستعرض تأثيرات جائحة كوفيد-19 (فيروس كورونا).

العنف الجنسي هو أحد الآثار الجانبية المعروفة لحالات الطوارئ، وليست جائحة كوفيد-19 باستثناء. إذ يواجه المتضررون من حالات الطوارئ الإنسانية في الوقت الحالي تفاقمًا خطيرًا لأوجه ضعف متداخلة تزيد من المخاطر الصحية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالحماية. ومن بين الأمور التي تهدد الحماية، ثمة خطر واضح ومتزايد للعنف والإهمال والاعتداء والاستغلال الجنسيين والتمييز والإقصاء الاجتماعي نتيجة للآثار المتفاقمة للفيروس وتداعياته الثانوية.

تشير عناوين الأخبار الواردة من جميع أنحاء العالم إلى أن الجائحة تتسبب بالفعل في زيادة المخاطر ووقوع حوادث فعلية من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ورصدت تقارير من الصين والمتحدة والعديد من الدول الأخرى، زيادة عدد المكالمات التي تتلقاها الخطوط الهاتفية للمساعدة المتعلقة بالعنف الأسري بمعدل 60-700 في المئة. ففي جنوب أفريقيا، أصدر رئيس البلاد بيانًا يشير إلى أنه منذ دخول البلاد المستوى الثالث من التحذير ضمن إجراءات الإغلاق المتعلقة بجائحة كوفيد-19 في الأول من حزيران/يونيو، شهدت [البلاد] ارتفاعًا حادًا في معدلات… قتل الإناث”. وغُصت شبكة البيوت الآمنة في كندا البالغ عددها 550 بالمعنفات بعد مجرد ساعات من إعلان الإغلاق العام بالبلاد. كما أصدر المجلس الوطني الكيني لإقامة العدل بيانًا يشير إلى حدوث “ارتفاع كبير” في الجرائم الجنسية منذ آذار/مارس 2020.

وبينما نحتفل باليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع [19 حزيران/يونيو] في ضوء هذه الأزمة العالمية التي تمس الصحة العامة، فقد حان الوقت لإمعان النظر في كيفية تأثير الجائحة على العنف الجنسي في حالات النزاع وحالات العنف الأخرى.

عدم توفر البيانات يقول الكثير

لا تزال البيانات المتعلقة بكيفية تأثير الجائحة على انتشار العنف الجنسي في النزاعات وأنماطه نادرة. ولكن عندما يصعب الحصول على هذا النوع من البيانات، يعني ذلك عادةً تقلص الحيز المتاح للناجيات لطلب الرعاية والإفصاح عن تجاربهن. وهذا الأمر يبعث على القلق الشديد.

يجب علينا ضمان عدم توقف استجابتنا على تزايد كشف الأفراد عن تعرضهم للعنف الجنسي، بل نستمر في تحمل مسؤوليتنا أمام الضحايا أو الناجين في ضوء طبيعة هذه المشكلة واسعة الانتشار. وبعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى رفع عبء الإثبات في العنف الجنسي عن الضحية.

وفي سياقات العمل الإنساني، تتزايد مخاطر العنف الجنسي، إلا أن إمكانية الحصول على خدمات الاستجابة للعنف الجنسي تتناقص بسبب تقلص وجودنا الميداني أو بسبب توجيه الموارد الفنية والمالية والبشرية مؤخرًا للاستجابة لجائحة كوفيد-19 على حساب خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. على سبيل المثال، نرى قيودًا متزايدة على حرية التنقل، مقترنة بأناسٍ يخبرونا بخوفهم من أن الذهاب إلى العيادات سيعرضهم للإصابة بالفيروس. وهذا يعني أن الضحية أو الناجية قد لا تتمكن من الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية في فترة الـ 72 ساعة الحاسمة لتناول العلاج الوقائي بعد التعرضّ للاغتصاب.

وبالتوازي مع ذلك، قد تتقلص قدرة الوكالات الإنسانية، بما في ذلك منظمتنا [اللجنة الدولية للصليب الأحمر]، على رصد الحالات وتقديم الدعم لها. سيؤثر ذلك أيضا في البيانات؛ إذ سيصعب الحصول على الخدمات، التي كانت المدخل الرئيسي للناجيات من العنف الجنسي للكشف عن المعلومات، والحصول على الرعاية، أكثر من أي وقت مضى.

هذا يعني أنه عندما نرى تناقص البيانات حول عدد الحالات، فهذه معلومات زائفة عن الأرقام الحقيقية. ومرة أخرى، هذا أمر يبعث على القلق الشديد لأن هذه العوامل ستجعل تحديد خطر العنف الجنسي واتجاهه ومدى انتشاره وتقديم استجابة عالية الجودة له، بات أكثر صعوبة بمرور الوقت، وبالتالي تؤدي إلى انتكاسة في التقدم الذي حققناه في التصدي للعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي حتى الآن.

في حين أنه من المرجح ألا نرى أرقامًا تؤكد وجود انتشار متزايد للعنف الجنسي لبعض الوقت، فعلينا أن نفترض أن معدل انتشاره سيكون على الأقل كما كان في فترة ما قبل كوفيد-19، مع الاعتراف بزيادة عوامل الخطر والتخطيط لها. ندرك بالفعل أن معدلات العنف الجنسي تميل إلى الارتفاع في حالات الطوارئ وقد شهدنا أدلة على حدوث ذلك خلال الجائحة الحالية. ولذا لا بد من استمرار تقديم الخدمات المنقذة للحياة للتصدي للعنف الجنسي وكذلك جهود الوقاية منه. كما يلزم إيلاء هذه الجهود المزيد من الأولوية، ويجب عدم تجاهلها بأي حال من الأحوال خلال هذه الأوقات العصيبة. نحن ندين بذلك للنساء والرجال والفتيان والفتيات الناجين من العنف الجنسي أو المعرضون لخطره.

تشكل رعاية الصحة الجنسية والإنجابية، والصحة النفسية، والدعم النفسي الاجتماعي، وخدمات الحماية للناجين من العنف الجنسي، أولوية للجنة الدولية وسنواصل الانخراط في حوار بشأن العنف الجنسي في النزاعات باعتباره جريمة حرب.

ظهر المقال في الأصل في مدونة «القانون الدولي والسياسات»، وقد نقل عبد الله حبيشي النص إلى اللغة العربية.

اقرأ أيضا عن العنف الجنسي في النزاعات المسلحة:

نوبل للسلام 2018: العنف الجنسي في الحروب تحت دائرة الضوء

كولين رابنو: العنف الجنسي كوسيلة للحرب يعززها غياب آليات العقاب

العنف من منظور النوع الاجتماعي: حالة الذكور في الحرب المعاصرة

العنف الجنسي: وصمة عار في نزاع جنوب السودان

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا