ما من حرب إلا وكانت وراءها ذاكرة تغذيها وتؤججها أحيانًا، أو تتكون بنتيجتها. تقول لنا هذه الذاكرة إن حربًا ما اندلعت للدفاع عن الهوية، وأخرى نشبت انتقامًا لما حدث في الماضي، وثالثة تُشن دفاعًا عن المستقبل، إلخ. وبناء عليها يتقاتل البشر فتتكون في عقلهم الجمعي ذكريات جديدة تؤسس لما سيأتي بعدها من نزاعات أو على العكس، سلام.
ونقيض ذاكرة الحرب هنا ليس النسيان. وإنما شكل آخر منها قليلا ما يتنبه إليه وهو: ذاكرة العمل الإنساني؛ أو ما فعله الأفراد والجماعات لتخفيف وطأة النزاع وقسوته على أولئك الذين لم يشاركوا فيه. وهي ذاكرة حتمية يؤسس لها العمل الإنساني وتشكل العماد الذي قام ويقوم عليه هذا العمل الإنساني المعاصر.
اضغط هنا لقراءة عدد المجلة كاملًا، وهنا لجدول مفصل للمحتويات. كما يمكنكم الحصول على عدد مطبوع من المجلة التي توزع مجانًا من خلال بعثاتنا في المنطقة. انقر هنا لمعرفة عناوين البعثات.
قبل أكثر من قرن ونصف قرن، وعندما دوَّن رائد العمل الإنساني الحديث هنري دونان (1828-1910) كتابه المعنون «تذكار سولفرينو» فإنه كان يشارك ذكرياته المؤثرة التي ظلَّت تلاحقه طوال ثلاث سنوات بعد معركة «سولفرينو» حينما رمت به الأقدار إليها ليشهد قسوة الحرب وبشاعتها. كانت المعاناة التي حملتها ذاكرة دونان هي إشارة الانطلاق لتكوين جمعيات الإغاثة المنتشرة في كل بقاع الأرض الآن للتخفيف من معاناة البشر ومد يد العون إليهم في الشدة والخطر، ومنها أيضًا وُضِعَ حجر الأساس للقانون الدولي الإنساني.
في هذا العدد من مجلة «الإنساني»، نتطرق إلى المعاني المختلفة للذاكرة الإنسانية في علاقتها بالحرب. نبدأها بإطلالة على إحدى أبرز معارك الذاكرة المتمثلة في نضال الشعب الجزائري لنيل حريته خلال حرب التحرير. لدى الجزائريين ذاكرة حيَّة، لكنها ليست ذاكرة في خط واحد، فهي ذاكرة متشعبة شهدت أبعادًا إنسانية مختلفة على حد تحليل الروائية فضيلة ملهاق في مقالها. وفي السودان، يرسم لنا الروائي أمير تاج السر صورة قاتمة لذاكرة بلد تحول مع الوقت إلى «محربة» بسبب وقوعه مرتعًا للنزاعات، الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء.
وفي الملف نقرأ أيضًا شهادات تحملها ذاكرة العاملين في المجال الإنساني كالمستشار عمر مكي الذي يأخذنا في رحلة تمزج بين الشخصي والقانوني والمعنى الكبير لشعار مثل «حتى الحرب لها حدود». يشمل الملف أيضًا إطلالة على ذاكرة المكان التي وقفت صامدة أمام الدمار الذي خلفه النزاع المسلح، على ما تفعله الجولة التي تصحبنا فيها علا العجيلي في الأحياء القديمة لمدينة حلب.
بعيدًا عن ملف العدد الخاص بالذاكرة، أفردنا مساحة لمساهمات عدة تناقش قضايا تغير المناخ سواء من خلال مخرجات مؤتمرات القمة التي تعقدها الأمم المتحدة، أو من خلال دور وسائل الإعلام الاجتماعي في دفع النقاش نحو هذه القضية إلى الأمام.
وكعادتنا في كل عدد، نناقش مواد تتعلق بالعلاقة بين قضايا القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية. فنقرأ للدكتور أحمد الداودي وسارة غيل مقاربة حول الطابع المدني للبيئة الطبيعية بموجب القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، وأوجه التشابه بينهما ومدى التوافق وأهمية الاستعانة بالموروث القانوني والتشريعي المتنوع من أجل تعزيز حماية البيئة أثناء النزاع المسلح. وفي العدد نقرأ حوارًا مع أحد الأصوات المفكرة المهمة وهو المفكر المغربي إدريس الفاسي الفهري وفيه يشرح بعضًا من آرائه المهمة حول الحرب والسلام، والقانون الدولي والإسلام، ومعاملة الأسرى في الإسلام.
Comments