يتسبب الارتفاع المتزايد في درجات حرارة الأرض، الناتج عن الأنشطة البشرية، في تزايد حالات الفيضانات والجفاف والعواصف المدمّرة. وهذا الأمر لم يعد سيناريو بعيد، بل هو واقع نعيشه اليوم. فبحسب تقرير صادر في العام 2023 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص بالفعل في مناطق شديدة التأثّر بتداعيات تغيّر المناخ. ومع ذلك، وعلى الرغم من سنوات من المفاوضات والتعهدات السياسية، لا تزال الجهود الدولية الرامية إلى الحدّ من الاحترار العالمي- بحيث يبقى أقل بكثير من درجتين مئويتين، بل ويفضّل ألا يتجاوز 1.5 درجة مئوية كما نصّ عليه اتفاق باريس لعام 2015- بعيدة كل البعد عن تحقيق أهدافها.
ومن بين الأكثر تضررًا المجتمعات التي تكافح في ظل النزاعات. ففي دول مثل الصومال وأفغانستان والسودان، أدّت سنوات من العنف إلى تقويض المؤسسات العامة، وتدمير البنية التحتية، وندرة الخدمات الأساسية، ما جعل النتائج كارثية حين تضربها الصدمات المناخية، سواء عبر مواسم أمطار شحيحة أو فيضانات تجرف المحاصيل؛ فتتفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي، وتتزايد موجات النزوح، ويتفكك النسيج الهش للحياة اليومية. ويصبح الانتقال القسري أمرًا لا مفرّ منه لا سيما مع استحالة التكيّف مع هذه الصدمات. حاليًا، يبلغ عدد المشردين حول العالم 122 مليون شخص، يعيش نصفهم في مناطق تواجه نزاعات ومخاطر مناخية شديدة في آن معًا.
في أنحاء أميركا اللاتينية، يتوضّح التقاطع بين تغيّر المناخ والعنف. ففي كولومبيا، تواجه المجتمعات الريفية، التي تعيش في ظل النزاع، فيضانات وانهيارات أرضية مدمّرة، بينما يعيق وجود الجماعات المسلحة إيصال المساعدات وجهود إعادة التوطين للعائلات النازحة. وفي هايتي، خلّف الانهيار السياسي وتفشي نشاط العصابات والكوارث المتكررة (من زلازل وأعاصير إلى فترات جفاف طويلة) آلاف النازحين وحرمهم من الخدمات الأساسية.
لهذا السبب، يجب علينا في قمة المناخ (COP30) أن نضمن وصول العمل المناخي والتمويل إلى أولئك الذين يعيشون في بيئات هشّة ومتأثرة بالنزاعات. لقد بدأ المجتمع الدولي يدرك هذا التقاطع. لكن ذلك وحده لا يكفي. ما يهم الآن هو ترجمة الالتزامات إلى إجراءات ملموسة.
أولًا، يجب على الحكومات تأكيد اتخاذ إجراءات سياسية عاجلة وطموحة لخفض الانبعاثات. فكل جزء من درجة مئوية يُحدث فرقًا، لاسيما بالنسبة للأشخاص الذين استنزفت إلى أقصى حد قدرتهم على الصمود. إن المسار الحالي لن يفاقم الكوارث فحسب، بل سيضاعف كذلك الأزمات الإنسانية في المناطق التي أنهكتها بالفعل النزاعات المسلحة.
ثانيًا، يجب على صنّاع القرار الاعتراف رسميًا بمدى هشاشة الدول والمجتمعات المتأثرة بالنزاعات. والحال، إن افتقار هذه الفئات غالبًا للتمويل المناخي الدولي يمثّل فجوة يجب رأبها. وإدراج هذا الاعتراف في القرارات الختامية لمؤتمر المناخ COP30 سيتيح توجيه التمويل والتدابير العملية إلى الأماكن الأكثر حاجة لها.
ثالثًا، ينبغي على العالم تعزيز العمل المناخي وتمويله في السياقات الهشّة. ينبغي أن يكون هذا التمويل، الذي يشمل آليات التكيّف وتغطية الخسائر والأضرار، كافيًا ومرنًا ومتاحًا للدول المتأثرة بالنزاعات. إذ كثيرًا ما تمنع الشروط البيروقراطية المعقّدة وصول الأموال إلى الناس على الأرض. وينبغي تصميم آلياتٍ لدعم الجهات المحلية والوطنية العاملة في ظروف صعبة، تتقاطع فيها حالة الطوارئ المناخية مع الاحتياجات الإنسانية.
نشهد في اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوميًا، كيف تُفاقم آثار تغيّر المناخ من معاناة الأشخاص العالقين في النزاعات. ففرقنا في أماكن مثل اليمن ومالي وغزة ترى مجتمعات محاصرة بين عنف النزاع والعنف البطيء والمتواصل لتدهور البيئة.
يوفّر مؤتمر المناخ COP30، الذي يُعقد في مدينة بيلم البرازيلية، فرصة لجذب انتباه العالم إلى هذه الحقائق. ففي 17 تشرين الثاني/نوفمبر، شاركت اللجنة الدولية في الفعالية الجانبية رفيعة المستوى بعنوان “تعزيز العمل المناخي في مناطق النزاع”، والتي جمعت قادة دوليين لمناقشة كيفية جعل التمويل المناخي أكثر شمولًا لأولئك الذين يعيشون في بعضٍ من أكثر السياقات هشاشة في العالم.
إذا كنا جادّين بشأن توفير العدالة المناخية، فلا يمكننا ترك هؤلاء الأشخاص خلفنا. إن خفض الانبعاثات أمر حيوي، لكن كذلك بناء القدرة على الصمود في الأماكن التي يتقاطع فيها النزاع المسلّح مع الظواهر المناخية المتطرفة. إن العواقب الإنسانية للتقاعس عن هذا الأمر تتمثل في مزيد من الجوع والنزوح وانعدام الاستقرار.
تشكل أزمة المناخ تحدٍّ عالمي، لكن آثارها شديدة التفاوت، وضمان وصول العمل المناخي إلى أولئك الذين يعيشون في ظلّ النزاعات ليس مسألة عدالة فحسب، بل هي مسألة إنسانية أيضًا.


تعليقات