تعليم القانون الدولي الإنساني “2.0”: من خيبة الأمل إلى إرساء ثقافة عالمية من الامتثال

يواجه الأطفال في مناطق النزاع تحديات لا تُحتمل. التعليم في القانون الدولي الإنساني هو أداة أساسية لبناء ثقافة عالمية تحمي المدنيين.

يؤدي الرأي العام دورًا محوريًا في رسم ملامح عمليات اتخاذ القرارات إبّان النزاعات المسلحة. لذا من الضروري التواصل مع الشباب والجمهور العام وتوعيتهم بالقانون الدولي الإنساني، لضمان الامتثال لأحكامه وتعزيز المساءلة. ويُعدّ تعليم هذا القانون، سواء في إطار التعليم النظامي أو غير النظامي، عنصرًا أساسيًا لتحقيق هذه الغاية.

ومن المهم أيضا إشراك جميع الأجيال وفئات الجمهور، العسكرية والمدنية على حدّ سواء، لضمان فهم أهداف القانون الدولي الإنساني فهمًا دائمًا وواسع النطاق، والمساهمة في نهاية المطاف في منع المعاناة في النزاعات المسلحة والحدّ منها، بفضل جمهور مستنير يتحلى بالهمّة اللازمة. وتقل أعمار أكثر من 42% من سكان العالم عن 25 عامًا، مما يمنح الشباب دورا محوريا في هذه الجهود.

في هذا المقال يعرض الكتاب أفكارًا مستمدة من مدرّسي القانون الدولي الإنساني وخبراء عالميين في هذا المجال بشأن ضرورة زيادة الاستثمار في تعليم هذا القانون من أجل إرساء ثقافة عالمية من الامتثال له.

يتسم المشهد السياسي الراهن بمزيد من الاستقطاب يومًا بعد يوم. وبات من المألوف تجريد السكان المتضررين من إنسانيتهم، إلى جانب تنامي مشاعر خيبة الأمل تجاه القانون الدولي الإنساني. وتفرض هذه البيئة الحافلة بالتحديات على مُدرّسي القانون الدولي الإنساني في مختلف أرجاء العالم تجديد التزامهم بنشر هذا القانون، وإرساء ثقافة عالمية من الامتثال له، مستندين في ذلك إلى التشجيع والدعم من الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف وأعضاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذين تقع على عاتقهم التزامات قانونية ومسؤوليات نظامية واضحة في هذا المجال.

وفي إطار موضوع المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين بشأن “إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني“، أُجريَت مناقشات حول تعليم القانون الدولي الإنساني خلال فعالية جانبية شاركت في استضافتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والصليب الأحمر الأميركي، والصليب الأحمر الكندي، والصليب الأحمر الدانماركي، بدعم من وزارة الخارجية السويسرية.

وافتُتحت حلقة النقاش بكلمة ألقاها القاضي العسكري العام، العميد هولمان، الذي يشغل أعلى منصب عسكري في كندا، وشارك في النقاش متحدثون من اللجنة الدولية، وفريق الدعم القانوني الأوروبي للجمعيات الوطنية، ومركز القانون الدولي الإنساني في أديس أبابا بإثيوبيا، والأكاديمية الإنسانية التابعة للصليب الأحمر الصيني، من أجل تبادل الأفكار والخبرات بشأن أهمية تعليم القانون الدولي الإنساني ومبادئه وقِيَمه.

وعرض المتحدثون تجاربهم وخبراتهم بشأن التأثير الواسع النطاق لتعليم القانون الدولي الإنساني في تعزيز الامتثال لقواعده، مستعينين بإفادات وعروض مرئية ومناقشات ركزت على الأدلة والابتكارات والممارسات الجيدة.

وشملت هذه التجارب الترويج لثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني من خلال اعتماد أساليب تعليمية مبتكرة، وإشراك شرائح واسعة من الجمهور، والتصدي بفعالية لظاهرتي تجريد الناس من إنسانيتهم وخيبة الأمل تجاه هذا القانون.

وعلينا اليوم أن نستفيد معا من خبراتنا العالمية لحشد المزيد من الجهود والاهتمام بتعليم القانون الدولي الإنساني ودوره في تعزيز تنفيذ أحكامه والامتثال لها، إذ نحن في أمس إليه في عصرنا هذا.

أصوات من الميدان” هو فيلم قصير عُرض إبّان المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين في إطار فعالية جانبية خُصصت لموضوع تعليم القانون الدولي الإنساني، ويعرض إفادات مؤثرة أدلى بها أشخاص من جميع أرجاء العالم.

تجريد الناس من صفتهم كبشر والشعور بخيبة الأمل: محنة الناس في النزاعات المسلحة المعاصرة

إنَّ تجريد المقاتلين أو السكان المدنيين الذين يُنظر إليهم “كأعداء” من صفتهم كبشر، سواء في الخطابات الرسمية أو الخاصة، يعد اتجاها يثير قلقًا شديدًا، وغالباً ما ينبع من المعلومات المضللة أو الخاطئة. ويمكن أن يتسبب تجريد الناس من صفتهم كبشر في التغاضي عن وقوع ضروب معيّنة من الأضرار، أو يفضي إلى تفسيرات متساهلة تساهلًا مفرطًا للقانون الدولي الإنساني، يُتذرع بها لاحقا لتسويغ أعمال التدمير والقتل غير المبررة.

ووُضع القانون الدولي الإنساني لحماية الأشخاص الذين لا يشاركون (أو لم يعودوا يشاركون) في الأعمال العدائية، وكذلك للحدّ من وسائل الحرب وأساليبها. وعندما لا تطبق بعض الجهات القانون الدولي الإنساني تطبيقًا حسن النية، يتسلل إلى نفوس الناس انطباع بوجود “معايير مزدوجة”، مما يسفر عن شعورهم بخيبة الأمل من القانون. ويثير هذا الشعور بخيبة الأمل القلق بوجه خاص عندما يمس القائمين على تدريس القانون الدولي الإنساني، أو الأشخاص الذين يجب أن يتعلموه، سواء كانوا من السلطات أو القوات المسلحة أو الطلاب.

ويضطلع مدرّسو القانون الدولي الإنساني، من خلال تعليم هذه الفئات من الحضور، بدور رئيسي في تهيئة بيئة مواتية لاحترامه. وفي نهاية المطاف، يتحمل الأشخاص المتضررون من النزاعات المسلحة ضريبة خيبة الأمل من القانون أكثر من غيرهم، لأن ذلك يقوض التزام الجميع بالامتثال له في جميع الأحوال. ويساعد ذلك أيضًا على شيوع الانطباع الخاطئ بأن عدم احترام القانون الدولي الإنساني قد يكون “الوضع الطبيعي الجديد”.

“يساعد القانون الدولي الإنساني الطلاب على تحسين فهمهم للنزاعات العالمية. وأتحدث كثيرًا مع طلابي في الصف عن الأخلاقيات ووجهات النظر المختلفة. وأعتقد أن الاطلاع على القانون الدولي الإنساني يساعدهم على فهم الحرب وكيفية حماية الناس في مناطق النزاع فهمًا أفضل”.

إفادة مُدرّس في القانون الدولي الإنساني

إفادة مُدرّس في القانون الدولي الإنساني

نحو ثقافة عالمية من الامتثال يعززها تعليم القانون الدولي الإنساني

سعياً إلى مواجهة التحديات المذكورة آنفًا، اعتمد المؤتمر الدولي الرابع والثلاثون للصليب الأحمر والهلال الأحمر القرار رقم 1 المعنون “إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني“. الذي تنص الفقرة 9 من منطوقه على ما يلي:

إن المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر (…) يدعو الجمعيات الوطنية، إلى أن تمضي قدماً، بدعم من الاتحاد الدولي واللجنة الدولية، في نشر القانون الدولي الإنساني والـمُثل الإنسانية العليا للحركة، كما هي مُكرّسة في المبادئ الأساسية، في التعليم الرسمي وغير الرسمي ولدى الجمهور عامة، ويُشجّع الدول، ولا سيما سلطات التعليم، على التواصل مع الجمعيات العامة بهدف دمج هذه المواضيع في المناهج الرسمية أو أهداف التعليم، بدءاً بالتعليم الابتدائي، حسبما هو مناسب؛ […].

وفي ضوء ما تقدَّم، كيف يمكن لتعليم القانون الدولي الإنساني التصدي لظاهرَتي تجريد الناس من صفتهم كبشر وخيبة الأمل من القانون، والمساهمة في إرساء ثقافة عالمية من الامتثال للقانون الدولي الإنساني؟ في ما يلي ثلاث ركائز نوصي بأن يرتكز عليها تعليم القانون الدولي الإنساني “2.0” لضمان أن يكون على قدر المهمة المسندة إليه:

1. أن يكون مؤثرًا: يجب أن يتضمن التعليم في مجال القانون الدولي الإنساني 2.0 استطلاعات رأي لقياس مقدار تأثيره، ويفسح المجال لآراء الجمهور، ويُنظر إليه على أنه التزام مجتمعي طويل الأمد

تتسم الوقاية بصفة عامة بكونها أكثر فعالية من حيث التكلفة، وأقدر على إنقاذ عدد أكبر من الأرواح، وأكثر تأثيرًا مقارنةً بالإجراءات التصحيحية المتخذة في الأجل الطويل. أما فيما يخص الوقاية من انتهاكات القانون الدولي الإنساني من خلال تهيئة بيئة مؤاتية لاحترام القانون، فغالبًا ما تلقي خطورة الانتهاكات الصارخة والفظيعة للقانون الدولي الإنساني بظلال قاتمة على هذه الجهود فتحجب تأثيرها، كما تفيد بذلك تقارير وسائل الإعلام.

بيد أنه يمكن قياس التأثير الوقائي لتعليم القانون الدولي الإنساني، بل وينبغي قياسه، ليس فقط لضمان مواصلة تحسين جودته، بل ولتسليط الضوء أيضًا على مساهمته الحيوية في إنقاذ الأرواح.

وتندرج مسابقة جان بيكتيه في مجال القانون الدولي الإنساني ضمن الأمثلة البارزة على كيفية قياس التأثير الذي يُحدثه تعليم القانون الدولي الإنساني. فقد أتاحت هذه الفعالية العالمية، التي تُقام منذ عام 1989، تزويد أكثر من 4500 طالب بمعارف قائمة على الممارسة العملية في مجال القانون الدولي الإنساني.

ولم تقتصر هذه المعارف على النهوض بمساعيهم المهنية الرامية إلى تعزيز الامتثال للقانون الدولي الإنساني وحمايته فحسب، بل أتاحت أيضًا الترويج للقانون الدولي الإنساني وتطبيقه في جميع أرجاء العالم.

وتبيّن نتائج آخر استطلاع رأي أُجري بشأن قياس تأثير مسابقة جان بيكتيه أن التعليم القائم على الممارسة العملية والتعاطف في مجال القانون الدولي الإنساني يتيح تزويد الطلاب بالوسائل اللازمة لتمكينهم من أن يصبحوا مهنيين يساهمون في تحسين تنفيذ القانون الدولي الإنساني.

ويمكن أيضًا قياس التأثير الذي يُحدثه تعليم القانون الدولي الإنساني من خلال استطلاعات الرأي بشأن تغيير المواقف في صفوف أية فئة من فئات الجمهور قبل الالتحاق بدورة دراسية وبعدها. وتتمثل إحدى الممارسات الجيدة التي يوصى بها في أن يُجري مُدرّسو القانون الدولي الإنساني تقييمًا منتظمًا لبرامجهم.

ويمكن أن تساعد نتائج عمليات تقييم تعليم القانون الدولي الإنساني إذا كانت إيجابية، كما هي الحال في معظم الحالات، على إعادة بث الحماس والرضا في نفوس مُدرسي القانون الدولي الإنساني. كما تسهم هذه النتائج في تعزيز المساعي الرامية إلى توفير التعليم في هذا المجال.

اقتباس لمدرّس في القانون الدولي الإنساني يتحدث عن تأثير دورة دراسية ساعدت الطلاب على تفهّم زملائهم اللاجئين وتعزيز التعاطف داخل الصف.

“الدورة الدراسية في القانون الدولي الإنساني ساعدت طلابي على فهم معاناة زملائهم اللاجئين وتعزيز التعاطف داخل الصف.” – مدرّس في القانون الدولي الإنساني

ومن الممارسات الجيدة أيضا أن ينتمي مُدرّسو القانون الدولي الإنساني إلى الفئة العمرية ذاتها التي ينتمي إليها جمهورهم من الطلاب، لضمان تحقيق التأثير المنشود لهذه المساعي. وليس أدلّ على ذلك من الحملات التفاعلية التي يتولى الشباب ريادتها في مجال القانون الدولي الإنساني، والتي ينظمها الصليب الأحمر الأميركي.

أما من حيث المدة، فيجب أن يكون التعليم المؤثر في مجال القانون الدولي الإنساني استثمارًا طويل الأمد، يمكن أن يتجسد في إدماج القانون الدولي الإنساني نظاميًا في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وكذلك في برامج التعليم غير الرسمي التي تضم، مثلًا، حملات الصليب الأحمر/الهلال الأحمر، أو الدورات التدريبية المخصصة لهذا المجال. وسيزداد أيضًا تأثير تعليم القانون الدولي الإنساني إذا حظي بدعم من جماعة عالمية من المهنيين، الذين يبدون الالتزام به أو يعيدون إبداء الالتزام به، ويتشاطرون معارفهم ويعملون معًا.

 

اقتباس لباحث في مركز الدراسات العسكرية يؤكد حاجة المجتمع إلى جمهور مستنير يطالب بالامتثال للقانون الدولي الإنساني.

“ما أحوجنا إلى جمهور مستنير وواعٍ يطالب بالامتثال للقانون الدولي الإنساني.” – باحث في مركز الدراسات العسكرية

2. أن يكون قائماً على التعاطف: يجب ألا يقتصر دور تعليم القانون الدولي الإنساني 2.0 على التعريف بقواعد القانون فحسب، بل يجب أن يتيح أيضًا التعريف بدلائل أهمية هذه القواعد للأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة، وأثرها في حياتهم

قد يسفر تعليم القانون الدولي الإنساني، إذا لم يبن على نهج قائم على التعاطف، إلى الابتعاد عن مقاصد القانون وروحه. فالتعليم القائم على التعاطف ضروري، لأنه يساعد المتعلمين على استيعاب القواعد، وتقدير أهميتها، والالتزام بتطبيقها. وهو يتيح للمتعلمين رؤية الجانب الإنساني للنزاع، من خلال ربطهم بالتجارب الحية التي يواجهها الأشخاص المتضررون، مثل مخاوفهم من النزوح، والصدمات النفسية الناجمة عن فقدان أحبائهم، ومشاعر المقاتلين الجرحى، ومصاعب العيش في مناطق الحرب. كما يتيح لهم أيضا فهم التأثير الذي تُحدثه هذه القواعد على أرض الواقع.

ويتيح تعليم القانون الدولي الإنساني للناس من منظور الواقع الذي يعيشه الأشخاص المتضررون، بالاستعانة بقصص حقيقية ودراسات حالة وإفادات واقعية، زيادة وضوح القواعد وتعزيز قابليتها للتطبيق. وقد ثبت أن هذه النهوج التعليمية الشاملة وتجارب التعلم الغامرة ، مثلما استُخدمت في إطار مبادرة الشباب كوسطاء لتغيير السلوك للاتحاد الدولي، وبرنامج استكشاف القانون الإنساني للّجنة الدولية، تساعد المتعلمين على استشعار الإلحاح والتحلّي بالمسؤولية الشخصية، وهو ما يدفعهم دفعًا إلى الدعوة إلى الامتثال للقانون الدولي الإنساني وإنفاذه.

وينتاب الكثير منّا، بمن فيهم الطلاب، شعور بالعجز والجزع عندما تغيب الأدوات أو الوسائل اللازمة للتفكير السليم. لذلك، علينا أن نلتزم، أو نجدد التزامنا جماعيًا، بتهيئة تجربة تعليمية تحفز على العمل، وتسعي إلى تحويل القانون الدولي الإنساني والمبادئ والقِيم الإنسانية من مجرد موضوع تقني إلى قوة تحويلية تحافظ على هذه القِيم خلال النزاعات المسلحة.

اقتباس لمدرّس يوضح تأثير دورة في القانون الدولي الإنساني على وعي الطلاب، ويذكر أن طالبتين غيّرتا توجههما المهني نحو العمل الإنساني.

“ساهمت الدورة الدراسية في إلهام طالبتين لتغيير مسارهما المهني نحو العمل الإنساني.” – مدرّس في القانون الدولي الإنساني

 

3. أن يكون ابتكاريًا: يجب أن يسعى تعليم القانون الدولي الإنساني 2.0 إلى استطلاع أدوات قائمة على البيانات، للتشجيع على التعاطف والمبادرة إلى العمل، من خلال وسائل تشمل استخدام التكنولوجيا الرقمية

قد تضاهي طريقة إيصال الرسالة أهمية فحواها. وتبيّن نتائج البحوث إلى أن أدوات التعلم الغامر أكثر فعاليةً في التأثير على السلوك البشري مقارنة بحملات التوعية. وتشير أدلة إلى أن استخدام الأساليب القائمة على الألعاب في الصفوف الدراسية يحقق نتائج تعليمية أفضل مقارنةً بالاقتصار على أساليب المحاكاة.

وتشير أيضا إلى وجود صلة بين التعلم الغامر والتعاطف. وقد شجّع القرار المعنون “إدماج القانون الدولي الإنساني وطنيًا“، الذي اعتمده المؤتمر الدولي الثالث والثلاثون، على استحداث أساليب رقمية مبتكرة لتعليم القانون الدولي الإنساني.

وتحقيقًا لهذه الغاية، وبناءً على ما يوجد من أدلة، تعاون الشركاء في حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر[1] من أجل استخدام أساليب التعلم الغامر والتعلم بواسطة الألعاب ، لتوجيه الجمهور بواسطة قصص تثير لديهم إحساسًا بالتعاطف الشديد. إذ تتيح للمستخدم أن يعايش ويرى بعينيه كيف يمكن أن يُحدث القانون الدولي الإنساني فرقًا بناءً على القرارات التي يتخذها كل فرد.

وقد تمخض هذا التعاون عن فيلم بعنوان “إذا شُنّت الحرب على عتبة بابكم” (If War Comes to You)، وهو فيلم من منظور المتكلم، يختار فيه المستخدم مساره الخاص، حيث يمكنه أن يختار معايشة تجربة أحد المدنيين أو الجنود أو العاملين في مجال الإغاثة، للوقوف على كيفية تأثير الخيارات التي يتخذها على الحد من المعاناة في الحرب.

ولا تقتصر هذه التجربة على كونها مجرد فيلم، فهي تتضمن نوافذ منبثقة تظهر على الشاشة وعناصر تفاعلية أخرى تتيح للمستخدم فرصة سبر أغوار المواضيع المرتبطة بالقانون الدولي الإنساني. ويُتاح الفيلم بعشر لغات، ويتضمن أيضاً “دعوة إلى العمل” ذات طابع ترفيهي، حيث يُطلب من المستخدم نشر “تغريدة” دعم في إطار الوسم المعنون limitstowar#  (حدود الحرب)، وهو اسم فريق الشباب المناصِر للقانون الدولي الإنساني الذي يظهر في الفيلم.

صورة تحتوي على ثلاث رسائل توعوية من مشاركين في حملة #Limitstowar حول أهمية نشر القانون الدولي الإنساني وتقييد آثار الحروب على المدنيين، مع شعارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الصليب الأحمر الدنماركي، والمجموعة القانونية الأوروبية.

مساهمات المستخدمين تلبيةً للدعوة إلى العمل في إطار وسم Limitstowar#: دعوات لاحترام القانون الدولي الإنساني، ونشر التوعية، وحماية المدنيين في أوقات النزاع.

وحصد فيلم “إذا شُنّت الحرب على عتبة بابكم” مجموعة من الجوائز من الأوساط المعنية بقطاع التواصل الإعلامي. شملت هذه الجوائز فئة “التواصل الإعلامي الهادف”، وفئة “التجربة الرقمية”، متفوقا بذلك على شركات بارزة في مجال التواصل الإعلامي مثل مرسيدس وبورش.

ولكن كما أن السفينة لا تبنى لتبقى في المرفأ آمنة، بل لتبحر وتحقق غايتها، فإن الابتكار في مجال تعليم القانون الدولي الإنساني يعني تجاوز الحلول التقليدية والآمنة، والسعي إلى تبني أساليب جديدة وشراكات مبتكرة لضمان زيادة استيعاب الجمهور المعني لحصيلة هذا التعليم قدر المستطاع.

وقد استفاد الصليب الأحمر الدانماركي، مثلًا، من الوسائل الترويجية التي يتيحها قطاع صناعة الألعاب من خلال تنظيم جلسات مباشرة عبر الإنترنت تُعرض على منصات البث المباشر لشخصيات مؤثرة شهيرة (وملائمة) في مجال الألعاب الإلكترونية. ويتمثل ذلك في أن يخوض اللاعبون التجربة مشفوعة بالتعليق، بينما يتفاعل المشاهدون مع ما يرونه من خلال خاصية الدردشة.

ويفتح قرار المؤتمر الدولي المشار إليه آنفًا الباب أيضًا أمام الجمعيات الوطنية للعمل مع السلطات المحلية، سعيًا إلى إدماج القانون الدولي الإنساني في المناهج الدراسي. ويمكن للجمعيات الاستعانة بفيلم “إذا شُنّت الحرب على عتبة بابكم”، الذي يوفر وسيلة مبتكرة وحاصلة على جوائز وملائمة للطلاب، لتحقيق هذه الغاية.

دعوة إلى العمل

“التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم”، على حدّ تعبير نيلسون مانديلا. ويؤدي تعليم القانون الدولي الإنساني دورًا رئيسيًا في السعي إلى إحداث التغيير المنشود لجعل الجمهور أكثر امتثالًا للقانون، وأكثر دراية وحماسًا، ويساهم في نهاية المطاف في إرساء ثقافة من الامتثال العالمي للقانون الدولي الإنساني.

لذا ندعو ممثلي الحكومات، والمجتمع المدني، وحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وجميع مُدرسي القانون الدولي الإنساني عمومًا، إلى الالتزام أو تجديد الالتزام بتعليم القانون الدولي الإنساني، من خلال تبني النهج المتجدد “2.0”. ويهدف هذا النهج إلى تحقيق التأثير المنشود وقياسه، وحفز التعاطف والابتكار، من خلال عدم الاقتصار على تدريس القواعد، بل شرح دلائل أهميتها للأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة، وكيفية تأثيرها عليهم.

هنالك شبكة هائلة من الممارسين المتفانين في هذا المجال، وعلينا أن ندعم بعضنا بعضًا، ونعزز المساعي الرامية إلى تعليم القانون الدولي الإنساني في جميع أرجاء العالم. صحيح أن تعليم القانون الدولي الإنساني لا يستطيع بمفرده أن يضمن الامتثال للقانون، ولكن لا مناص من أن نبذل قصارى جهدنا للمساعدة على تحقيق ذلك.

ويجب أن تهدف جهودنا التعليمية إلى تزويد أفراد الجمهور بالوسائل اللازمة التي تمكّنهم من المساهمة في تحقيق هذا الامتثال، سواء بوصفهم مهنيين سيعملون مستقبلا في هذا المجال، أو مواطنين يطالبون حكوماتهم بالامتثال للقانون.

وفي ضوء التحديات الراهنة، ومنها “المعايير المزدوجة” المتصورة، يصبح هذا النهج المتجدد لتعليم القانون الدولي الإنساني 2.0 ضرورة حتمية، لا مجرد أمنية نطمح إلى تحقيقها، بل غدا ضرورة ملحة. وهذا واجبنا تجاه من يعانون من خطاب يجرّدهم من إنسانيتهم، أو يعيشون خيبة الأمل من القانون الدولي الإنساني، فضلًا عن معاناتهم من انتهاكات هذا القانون، وهو في الوقت نفسه واجبنا تجاه البشرية قاطبة، إذ تجمعنا إنسانية واحدة.

اقتباس لمدرّس في القانون الدولي الإنساني يشير إلى أن طلابه أصبحوا أكثر وعيًا بالأزمات الإنسانية، ودور القانون الدولي الإنساني في تحسين أوضاع المتضررين.

“أصبح الطلاب أكثر وعيًا بكيفية مساهمة القانون الدولي الإنساني في تحسين أوضاع الأشخاص المتضررين من الأزمات.” – مدرّس في القانون الدولي الإنساني


الهوامش

[1] فريق الدعم القانوني الأوروبي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، واللجنة الدولية، والصليب الأحمر الدانماركي.↩︎

 

نشر هذا المقال بالإنكليزية على مدونة القانون الإنساني والسياسات

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا