إرث الحرب الطويل: جدوى اتفاقيات جنيف بعد مرور 75 عامًا

قانون الحرب / وجهات نظر

إرث الحرب الطويل: جدوى اتفاقيات جنيف بعد مرور 75 عامًا

يوافق الأسبوع المقبل حلول الذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. وعلى خلفية اندلاع ما يزيد على 120 نزاعًا مسلحًا في جميع أنحاء العالم، ينبغي ألا يدفعنا هذا إلى الاحتفال، بل إلى التأمل: كيف صيغت هذه المعايير الإنسانية المقبولة عالميًا في الوقت الراهن، وهل لا تزال تفي بالغرض منها اليوم؟

في هذا المقال، تتناول إلين بوليسينسكي، المستشارة القانونية باللجنة الدولية للصليب الأحمر كيفية تفسير اتفاقيات جنيف وتطبيقها في الوقت الراهن، بتقديم أمثلة ملموسة مستقاة من التعليقات المحدثة للجنة الدولية على تلك الاتفاقيات. وتبحث بوليسينسكي في النقد المتكرر القائل بأن القانون الدولي الإنساني عفا عليه الزمن، وفي الأطراف المستفيدة من السردية القائلة بأن اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني بشكل عام ليست أدوات قانونية ملائمة لتحكم النزاعات المسلحة اليوم.

اعتمدت اتفاقية جنيف الأولى في العام 1864، وهي استلهمت من نشاط رجل الأعمال السويسري هنري دونان وعمل اللجنة الدولية لإغاثة المقاتلين الجرحى التي سبقت إنشاء اللجنة الدولية. وتهدف الاتفاقية إلى حماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة، وكذلك الأشخاص الذين يساعدونهم ويعتنون بهم. بمرور الوقت، نُقحت اتفاقية جنيف وحُدثت أربع مرات في أعوام 1906 و1929 و1949.

صيغت اتفاقيات جنيف في عام 1949، في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية. وكما يظهر بوضوح في سجل صياغتها، فقد تركت الحرب أثرًا في جميع المشاركين في المفاوضات بطريقة أو بأخرى – أكانوا  دبلوماسيين، أو مقاتلين، أو مدنيين يعيشون في أراضٍ محتلة، أو مندوبين في اللجنة الدولية أو الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر يسعون إلى تقديم الإغاثة الماسة.

ونظرًا لما تحظى به هذه الاتفاقيات من قبولٍ عالمي اليوم، فمن الصعب تقدير مدى الابتكار الذي انطوت عليه آنذاك القواعد التي أرستها تلك الإتفاقيات، ولا سيما حماية المدنيين في اتفاقية جنيف الرابعة. وبالنظر إلى مصادر معاصرة، يمكننا أن نرى الأثر الذي أحدثته هذا الاتفاقية عند اعتمادها.

ففي العام 1952، وبعد بضعة سنواتٍ من اعتمادها، كتب هيرش لوترباخت: “بينما تقتصر الاتفاقيات الثلاث [الأولى] على تنقيح معاهدات قائمة بالفعل وتوسيع نطاقها – وإن كان على نطاق كبير جدًا -، فإن الاتفاقية الرابعة، وهي المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، تغطي في جوانب كثيرة منها مجالاتٍ جديدة تمامًا لم تتطرق إليها اتفاقيتا لاهاي.”

وأشار لوترباخت كذلك إلى ابتكار آخر يتمثل في الحماية المنصوص عليها في المادة الثالثة المشتركة في النزاعات المسلحة غير الدولية: “تفرض الاتفاقية حدًا أدنى من الالتزامات المتعلقة بالمعاملة الإنسانية حتى في النزاعات المسلحة التي ليست ذات طابع دولي، حتى لو لم تكن أطراف النزاع، التي قد تكون من غير الدول، أطرافًا في الاتفاقية – وهو مثال مثير للاهتمام على الالتزامات المفروضة على كيانات لا تخضع عادة للقانون الدولي.”

 مستقبلية رجعية؟ تطبيق ابتكارات أربعينيات القرن الماضي في العقد الحالي

بعد مضي خمسة وسبعين عامًا، قد يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الاتفاقيات، التي طرحت في العام 1949، لا تزال تحمل الأهمية نفسها في حروب اليوم، والتي تبدو مختلفة تمامًا عن الحرب العالمية الثانية. يتمحور جزء من الإجابة في أن هذه المبادئ صيغت بعبارات عامة بالقدر الكافي للصمود في وجه الزمن. كان واضعو الاتفاقية يدركون تمامًا أنهم يصيغون وثائق لا بد أن تستمر عبر الزمن. وكثيرًا ما أشاروا أثناء المفاوضات إلى ضرورة تجنب صياغة أحكام تُفسر تفسيرًا ضيقًا.

على سبيل المثال، عند اقتراح قواعد أكثر تفصيلًا لتنظيم إيصال الإغاثة الإنسانية في أراضٍ محتلة، أشارت اللجنة الدولية إلى “أن النزاعات في المستقبل يمكن أن تتطور على نحوٍ غير متوقع، واقترحت ألا توضع سوى بعض المبادئ العامة بعبارات مرنة بالقدر الكافي بما يتيح الاضطلاع بأعمال الإغاثة في جميع الظروف.” ولفت واضعو الاتفاقية كذلك إلى أنه لم يكن من المؤكد أن يلائم نموذج تقديم المساعدات الذي ثبتت نجاعته إبان الحرب العالمية الثانية حالات الاحتلال بشكل جيد في المستقبل. علاوة على ذلك، أشاروا إلى أن اتفاقيات جنيف لعام 1929 كانت وثيقة الصلة بأحداث الحرب العالمية الأولى، ما جعل تطبيقها صعبًا خلال الحرب العالمية الثانية. وفي نهاية المطاف، اختار واضعو الاتفاقية بالفعل نصوصًا شكلت المواد 59 حتى62 من الاتفاقية الرابعة التي تتضمن لوائح عامة نسبيًا تتماشى مع التطورات المستقبلية التي قد لا يمكنهم التنبؤ بها.

ويُعزى شق آخر من الإجابة إلى أن الدول دأبت على تفسير اتفاقيات جنيف وتطبيقها طوال الوقت بقدر كاف من المرونة يضمن لنصوص الاتفاقية قدرتها على التماشي مع العالم المتغير. فقد أخذت تفسيرات الدول بعين الاعتبار التطورات في مجالات التكنولوجيا والقانون والتطورات الطبية والأعراف الاجتماعية. على سبيل المثال، تطورت تكنولوجيا الاتصال، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، بطرق لم يكن من الممكن لواضعي الاتفاقية التنبؤ بها. وهو، على سبيل المثال، أمر يؤثر على مبدأ الالتزام بحماية أسرى الحرب وغيرهم من الأشخاص المتمتعين بالحماية من فضول الجمهور.

وللسبب ذاته، لم تعد البرقيات الوسيلة الأسرع لتبادل المراسلات مع أسرى الحرب وغيرهم من الأشخاص المتمتعين بالحماية ونيابةً عنهم، على النحو الذي توخاه واضعو الاتفاقية. إذ تستخدم اليوم وسائل اتصال أكثر حداثة، على الرغم من استمرار إرسال الرسائل والبطاقات. وبالمثل، فإن أسرع طريقة للتواصل مع المكاتب الوطنية للاستعلامات والوكالة المركزية للبحث عن المفقودين، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالوفيات، من المرجح أن يكون تواصلا إلكترونيا، على الرغم من أنه ينبغي أيضًا وضع أمن المعلومات في الاعتبار وتطبيق معايير حماية البيانات على المعلومات الشخصية التي تُجمَع وتنقَل بموجب اتفاقيات جنيف.

كذلك تفسر اتفاقيات جنيف وتطبق في ضوء التطورات القانونية منذ عام 1949. على سبيل المثال، أكد تطور الفقه القانوني في مجال القانون الجنائي الدولي أن أفراد القوات المسلحة التابعة لطرف ما يستفيدون من الحماية الواردة في المادة 3 المشتركة.

وثمة مثالٌ آخر في المعاهدات التي جرى التفاوض عليها منذ عام 1949 والتي توفر حماية محددة لمجموعات محددة من الأشخاص بموجب اتفاقيات جنيف كمثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979. وهذه الاتفاقية تعزز حماية النساء في النزاعات المسلحة، بما في ذلك حظر التمييز ضد المرأة. وينبغي توفير الرعاية الطبية الكافية لجميع أسرى الحرب، والتي تشمل، الرعاية قبل الولادة وبعدها للأسيرات، حيثما كان ذلك ضروريًا. ومن شأن توظيف مستشارين للشؤون الجنسانية أن يساعد الدول في تنفيذ هذه الالتزامات.

وبالمثل، تكمل اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2006 اتفاقيات جنيف لكفالة توفير الحماية الكافية لهؤلاء الأشخاص بموجب القانون. على سبيل المثال، عندما يتعين على أطراف النزاع مساعدة بعض المدنيين المعرضين لخطر جسيم، يجب أن تأخذ التدابير التي ينفذونها في الاعتبار الأشخاص ذوي الإعاقة. وتتمثل إحدى السبل في توفير ملاجئ مؤقتة يسهل الوصول إليها عند إجلائهم.

ولأن أسرى الحرب يحق لهم التمتع بالضمانات القضائية ذاتها التي يتمتع بها أفراد قوات الدولة المحتجزة، تضفي التطورات في القانون الدولي (بما في ذلك قانون حقوق الإنسان) المزيد من الاهتمام على أحكام الاتفاقية الثالثة المتعلقة بالضمانات القضائية. وينبغي أن تؤخذ في الاعتبار التطورات في قانون حقوق الإنسان الذي يحمي الأطفال عند إصدار الأحكام بحق المدانين منهم بارتكاب جرائم جنائية أو تأديبية، والتعامل معهم.

وثمة مثال على التحول في تفسير التطورات الطبية قد يجده الكثيرون مدهشًا وهو في الموقف من تعاطي التبغ. ففي الأصل، اعتبر واضعو اتفاقيات جنيف التبغ منتجًا غذائيًا، بل وافترضوا أنه يترك أثرًا إيجابيًا على الصحة النفسية للسجناء والمحتجزين. إلا أن التطور الطبي غير في فهم تأثيرات التبغ وبالتالي كيفية تفسير الأحكام التي تسمح بتعاطيه. وبالنظر إلى المعرفة الطبية الحالية، قد تحد اليوم متطلبات توفير مكان اعتقال آمن وصحي من تدخين التبغ. وقد تكون الاعتبارات القانونية والسياسات الدولية أو المحلية الأخرى، كاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، مهمة أيضًا فيما يتعلق بتحديد أماكن تدخين التبغ ومدخنيه، كأن يحظر مثلا التدخين في المباني العامة أو بالقرب منها أو تفرض قيود عمرية على الأشخاص المسموح لهم بالحصول على منتجات التبغ.

 وقد كان للتغيرات التي طرأت على الفهم المجتمعي للنوع الاجتماعي كمفهوم عام أثر في تفسير أحكام متنوعة في اتفاقيات جنيف. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شرط المساواة في معاملة أسرى الحرب والذي يمكن أن يتطلب تلقي فريق منهم معاملةً مختلفة وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة، وأي مخاطر يواجهونها بسبب بيئتهم. ومثال على ذلك ضرورة توفير منتجات النظافة الصحية للنساء الأسيرات أثناء فترة الحيض.

وكان للتغييرات في الفهم الاجتماعي للإعاقة أثر على تفسير مجموعة متنوعة من الأحكام وتطبيقها. تاريخيًا، كثيرًا ما كان ينظر إلى الإعاقة على أنها مشكلة طبية تحتاج إلى علاج أو “إصلاح”، وكان يُنظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة باعتبارهم ضحايا بسبب إعاقتهم ويستحقون الإحسان. ويبتعد التعليق المحدث على اتفاقيات جنيف عن هذه النهج، ويعتمد بدلاً من ذلك نموذجًا اجتماعيًا قائمًا على حقوق الإنسان ومستلهمًا من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، من أجل التوصل إلى تفسير أكثر شمولاً للقانون، مع الأخذ في الاعتبار العقبات والمخاطر المتنوعة التي يواجهها هؤلاء.

سُلط الضوء على هذه الأمثلة وغيرها الكثير من خلال مشروع اللجنة الدولية المتواصل لتحديث تعليقاتها على اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977. وتوضح هذه الأمثلة كيف يمكن لمعاهدات القانون الدولي الإنساني الأساسية هذه أن تؤدي دورًا مهمًا في التحكم بالطريقة التي تخاض بها الحروب وتواصل تأدية هذا الدور. ولكي يتحقق ذلك، لا بد للدول أن تفسر القانون وتطبقه بحسن نية وتنفذ الهدف والغاية التي من أجلها اعتمدت هذه الاتفاقيات.

 هل اتفاقيات جنيف “مجدية”؟ سؤال لكل زمان

على الرغم من الأمثلة على أهميتها المعاصرة، يواصل البعض النظر إلى الطريقة التي تطبق بها اتفاقيات جنيف في الممارسة العملية للقول بأنها غير فعالة. في الواقع، لم يكَد حبر اتفاقية جنيف لعام 1864 يجف حتى اتخذت الادعاءات بعدم “نجاعة” هذه الاتفاقيات، أو القانون الدولي الإنساني بشكل عام، أشكالاً متعددة. وقد أثير الموضوع بعد تطبيق الاتفاقية للمرة الأولى في الحرب النمساوية البروسية في العام 1866. عندها سعت اللجنة الدولية إلى الرد على الانتقادات بنشر أول تعليق لها في العام 1870.

ومن المؤسف أنه في كل مرة تقريبًا يندلع فيها نزاع مسلح تبرز ادعاءات بأن القانون الدولي الإنساني لا يفي بالغرض المنوط به في حروب اليوم، عازين السبب إما لتغير طبيعة الحرب بشكل أساسي، أو لوجود خطرٍ وجودي يهدد أمن دولة ما ويجعلها تلجأ لتبرير تجاهلها لقواعد الحرب الراسخة، أو للأمرين معًا.

ويعتمد كلا الاتجاهين على وجهة نظر ساذجة ورومانسية تجاه النزاعات المسلحة الماضية. هذه الرؤية لماضٍ “أسطوري نبيل” تتجاهل الوحشية التي يمكن للخيال البشري الوصول إليها، كما يتبين من الأهوال التي شهدناها في الحروب الماضية. فالظواهر التي تقدم على أنها “جديدة” في النزاعات المسلحة اليوم لا تخلو أبدًا من سوابق تاريخية، وهي الأشياء ذاتها التي وضع القانون الدولي الإنساني لتنظيمها، بما في ذلك اتفاقيات جنيف. فإذا أمعنّا النظر في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت الخلفية التي جرى في ضوئها التفاوض على اتفاقيات جنيف لعام 1949، تتراءى لنا الإبادة الجماعية، والتجارب الطبية الزائفة، والاستخدام الواسع النطاق للتعذيب، واحتجاز الرهائن، والتدمير الكامل للمدن، والتدمير النووي لهيروشيما وناغازاكي، والقدر الهائل من العنف الجنسي، وتجويع السكان المدنيين، وسوء معاملة أسرى الحرب، واستخدام الدروع البشرية. وربما لم تعد تلك الأحداث الشائنة تصدم المشاعر بعد مرور كل هذه العقود، لكن لا شك أنها كانت مروعة.

ادعاء أطراف النزاع بأن القانون غير مجدٍ هو ادعاء بأن القانون لا ينطبق عليهم وأنهم ليسوا بحاجة إلى الالتزام بقواعده

لقد مر واضعو اتفاقيات جنيف بتلك الأهوال – حيث شاهدوها رأي العين باعتبارهم جنودًا ودبلوماسيين وعاملين في المجال الإنساني، سواء كانوا محتلين أو خاضعين للاحتلال، واحتجزوا ورُحلوا، وطلبوا اللجوء، وفقدوا الاتصال بأفراد عائلاتهم، وبعضهم أُرسل إلى معسكرات الاعتقال إلى غير رجعة. هم لم يكونوا ساذجين، وبالتأكيد لم تكن لديهم نظرة وردية للنزاع المسلح. لذا ارتكزت الاتفاقيات التي صاغوها على الحقائق المروعة للحرب، والتي لم تتغير بشكل جذري.

وهذا ما يفسر استمرار تأثير اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني على نطاق أوسع. يحظى القانون بالاحترام، لكن احترام القانون لا تبرزه مطالعة الأخبار أو مشاهدتها، لأن من طبيعة الأخبار أن لا تنقل سوى الأحداث غير الطبيعية. وهذا لا يعني أن القانون لم ينتهك أبدًا. بل ينتهك وينبغي معالجة تلك الحالات. لكن القول بأن القانون “بلا جدوى” على الإطلاق لمجرد الإشارة إلى أمثلة على سوء الفعل هو محض هراء. تحدث جرائم قتل، بل وتمر دون عقاب، وهناك عدد قليل جدًا ممن قد يشككون في القوانين التي تجرم القتل. وبالعودة إلى كلمات هيرش لوترباخت، “قواعد الحرب ليست في المقام الأول قواعد تحكم الجوانب التقنية للعبة وحيلها. بل تطورت أو سنّت صراحة لحماية ضحايا الحرب الفعليين أو المحتملين.” ببساطة، فإن القانون الدولي الإنساني مهم.

وكما أكدت اللجنة الدولية مرارًا: ليست هناك حاجة للمزيد من القواعد أو لوضع قواعد مختلفة، بل من الأفضل احترام القواعد القائمة، وهو أمر تُعنى به جميع الدول. ولا يعني ذلك أن التطبيق الأمثل لاتفاقيات جنيف سيؤدي إلى عالم مثالي. بل يشكل القانون الدولي الإنساني الحد الأدنى من المعايير. فلا تغِبْ عن بالنا حقيقة أن القانون الدولي الإنساني ترك أثرًا إيجابيًا في حياة الناس ويحظى بقبول واسع النطاق ويبقى أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.

التفكير النقدي: دعوة للعمل بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف

قد تبدو الادعاءات العامة بأن القانون الدولي الإنساني لم يعد “مجديًا”، غير ضارة عندما تطرح من منظورٍ أكاديمي، لكنها لا تبدو كذلك عندما يطرحها أطراف النزاع المسلح. وادعاء هذه الأطراف بأن القانون ليس “مجديًا” هو ادعاء بأن القانون لا ينطبق عليهم؛ وأنهم ليسوا بحاجة إلى الالتزام بالقواعد المصممة تمامًا للوضع الذي ينطبق عليهم، أو أنه يحق لهم التصرف بطريقة لا تتوافق مع إنسانيتهم، وتلحق الضرر بالبشر الآخرين.

هذه الإدعاءات ماكرة وتهدد بتقويض فعالية القانون من خلال إعطاء انطباع خاطئ لمن يعطون الأوامر ويتبعونها أنهم لا يحتاجون إلى الالتزام بقواعد الحرب. كماتهدد بتأجيج الخطاب السياسي للمسؤولين في مراكز السلطة بأنهم ينبغي ألا يزجوا بأنفسهم في قيودٍ لا يلتزم بها خصومهم. وعلى القدر نفسه من الضرر، فإن الادعاءات بأن القانون غير فعال يمكن أن تستنزف قوة الإرادة لدى الأشخاص الذين يعملون بجد لتعزيز القانون الدولي الإنساني وإذكاء الوعي به والأشخاص الذين يعملون على ضمان الامتثال للقانون.

والسؤال الذي يجب علينا طرحه، باعتبارنا مواطنين عالميين مسؤولين: من المستفيد عندما نفكر بهذه الطريقة؟

من المؤكد أن الأمر لا يتعلق بالسكان المتضررين من النزاع المسلح. يوفر القانون الدولي الإنساني ضمانات مهمة للجرحى والمرضى وأسرى الحرب والمدنيين. كما أنه يوفر ضمانات للأشخاص الذين يسعون إلى تقديم الإغاثة الإنسانية. وقد سبق للجنة الدولية أن أشارت إلى أن “القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد التي تظل مبادئها الأساسية، إذا طبقت بحسن نية ومع شحذ الإرادة السياسية اللازمة، تحقق أغراضها المنشودة – المتمثلة في تنظيم سير الحرب وبالتالي تخفيف حدة المعاناة الناجمة عن الحرب.”

وبمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف خاصة، وهي المعاهدات الأساسية للقانون الدولي الإنساني، من واجب كل منا للتفكير بطريقة نقدية في الادعاءات بأن القانون الدولي الإنساني ليس مجديًا، لأي سبب كان. لذلك، في المرة القادمة التي تسمع فيها أو تطالع ادعاءً بأن القانون الدولي الإنساني ليس مجديًا، أو أن انتهاكات القانون الدولي الإنساني ليست أخطر أنواع الجرائم الدولية، اسأل نفسك هذا السؤال: من المستفيد؟

* Ellen Policinski هي مستشارة قانونية في اللجنة الدولية

 

نشر هذا المقال باللغة الإنكليزية في مدونة القانون الإنساني والسياسات  

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا