حلت الذكرى السنوية الـ 60 لوجود اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) في اليمن عام 2022. عند اندلاع حرب شمال اليمن الأهلية في عام 1962، ربما لم يكن يتخيل المندوبون الذين بدأوا عملهم في المنطقة أن هذا النزاع سيدوم ثماني سنوات. ولم يتوقعوا استمرار الأنشطة التي بدأوها في البلاد لستة عقود. يشمل تاريخ وجود اللجنة الدولية في اليمن جميع الأنشطة التي تنفذها المنظمة: الحماية والمساعدة ونشر القانون الدولي الإنساني وتعزيزه، والتعاون مع الهلال الأحمر اليمني، والحوار مع العديد من الأطراف المعنية. وسطرت المنظمة في اليمن تاريخًا حافلًا بالنجاحات والإخفاقات والخطر والفرح ممتزجًا بالكثير من المعاناة كذلك. ومن ثم، يستحق أن نفسح له حيزًا أكبر من مجرد مدونة.
لا يقدم هذا البحث سوى لمحة تاريخية عامة. ومع ذلك، فإنه يظهر التزام اللجنة الدولية تجاه اليمن، وتنوع الأنشطة التي قدمتها لمساعدة سكان البلاد على مدى الستين عامًا الماضية.
منذ العام 1962، تقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر جنبا إلى جنب مع اليمنيين خلال أصعب لحظاتهم.
لطالما كان عملنا غير متحيزًا ومدفوعًا باحتياجات الناس فقط.
نشكر الشعب اليمني على استضافتنا على مدى السنوات الستين الماضية. pic.twitter.com/8Ipe8lf2zL— ICRC Yemen (@ICRC_ye) December 28, 2022
حرب شمال اليمن الأهلية (1970-1962)
اندلعت حرب شمال اليمن الأهلية بعد وفاة الإمام أحمد البدر ملك المملكة المتوكلية في أيلول/ سبتمبر 1962 وتمرد بعض الضباط الذين أعلنوا تأسيس الجمهورية العربية اليمنية بعد بضعة أيام. لجأ ابنه محمد البدر والقوات الملكية إلى جبال اليمن بينما سيطرت الجمهورية العربية اليمنية على المدن الرئيسية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1962، طلب مندوب الإمام البدر في نيويورك مساعدة اللجنة الدولية. وبعد محادثات مع الطرفين، أعلنت اللجنة الدولية أن مندوبين سيزوران أسرى الحرب في اليمن والمملكة العربية السعودية، على الرغم من عدم توقيع أيا من طرفي النزاع على اتفاقيات جنيف لعام 1949. ومع ذلك، تعهد الطرفان باحترام أحكام تلك الاتفاقيات.
أنشأت اللجنة الدولية مستشفىفًا ميدانيًّا في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1963 وفي كانون الأول/ ديسمبر، بات يعمل بكامل طاقته بدعم من جمعيات الصليب الأحمر السويسرية، والبريطانية، والفرنسية، والألمانية. وكان يقدم الرعاية الصحية للمقاتلين الجرحى والمدنيين الذين كانوا يسعون للحصول على رعاية طبية أولية. وأنشأت «”كتلة سكنية»” صغيرة حول المستشفى. غير أن بُعد موقع المستشفى جعله كابوسًا من الناحية اللوجستية. وفي شباط/ فبراير 1966، سُلمت غرفة العمليات المتنقلة “Clinobox” المستخدمة في المستشفى إلى المسؤولين الملكيين.
تمكن مندوبو اللجنة الدولية من زيارة المحتجزين المصريين والجمهوريين في قبضة الملكيين. وللوصول إليهم، كان عليهم العبور وسط بيئة عدائية – جبال، وخطوط مواجهة متحركة، وألغام أرضية، إلخ. وساعد المندوبون المحتجزين على إعادة الاتصال بعائلاتهم. كما تمكنت اللجنة الدولية من الوصول إلى المحتجزين الملكيين لدى الجمهوريين أو المصريين. وفي آذار/ مارس 1964، زارت اللجنة الدولية أعضاءً من العائلة المالكة محتجزين في منازل بالقاهرة.
اجتمعت أطراف النزاع في مستشفى عقد، تحت رعاية اللجنة الدولية، للتفاوض بشأن الإفراج عن محتجزين وإعادتهم إلى أوطانهم. وأسفرت هذه المفاوضات عن بدء عمليات إعادة محتجزين إلى أوطانهم في 16 آب/ أغسطس 1965 واستمرت حتى تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي عام 1966، أرسلت اللجنة الدولية أربعة فرق طبية بالقرب من خطوط المواجهة. وفي جانب الجمهوريين، أرسلت مواددًا غذائية وملابس إلى صنعاء. وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 1967، نقلت بعثتها الطبية إلى مكان أقرب إلى صنعاء، في منطقة كانت خاضعة لسيطرة الملكيين. وفي 8 كانون الثاني/ يناير 1969، سحبت اللجنة الدولية فريقها الجراحي الأخير واستبدلت به بثلاث ممرضات.
وفي نيسان/ أبريل 1968، تمكنت اللجنة الدولية من نشر جراحين في صنعاء أرسلتهم الجمعيات الوطنية من أوروبا الوسطى. وافتتحت كذلك مركزًا للأطراف الاصطناعية في آب/ أغسطس عام 1970. وفي نهاية المطاف، عمل فريق جراحي تابع للجنة الدولية في صعدة في الفترة من 6 كانون الثاني/ يناير إلى 14 شباط/ فبراير 1970 حتى اضطر إلى المغادرة بسبب انعدام الأمن ونقص الإمدادات الطبية. وفي صنعاء، واصل المندوبون زيارات أماكن الاحتجاز وتوزيع المساعدات على المحتاجين.
وجرى استخدام أسلحة كيميائية في النزاع. وأدى قصف جوي على قرية كتاف في 5 كانون الثاني/ يناير عام 1967 إلى مقتل أكثر من 120 شخصًا. وعندما وصل طبيبان من اللجنة الدولية في 7 كانون الثاني/ يناير وجدا دلائل على استخدام أسلحة كيميائية.
ووقع انفجار آخر في 12 أآيار/ مايو عام 1967 أسفر عن مقتل 75 مدنيًّا في جعار. وفي طريقهم إلى القرية، تعرض رئيس البعثة وبرفقته خمسة مندوبين آخرين، بينهم طبيبان وممرضة، لهجومٍ بقنبلة. ولحسن الحظ، نجوا من الهجوم ووصلوا أخيرًا إلى القرية. وفي الثاني من حزيران/ يونيو 1967 قدمت اللجنة الدولية تقريرًا إلى طرفي النزاع وأصدرت بيانًا صحفيًّا يدين استخدام الأسلحة الكيميائية.
وواصلت اللجنة الدولية تنفيذ عملياتها الأوسع نطاقًا في الشرق الأوسط حتى اندلاع حرب عام 1967.
من الحرب اليمنية الأولى إلى إعادةُ توحيد البلاد (1972-1990)
في آذار/ مارس 1972، أغلقت اللجنة الدولية بعثتها في الجمهورية العربية اليمنية وسلمت مسؤولية إدارة مركزها لإعادة التأهيل للحكومة في صنعاء. وفي الوقت ذاته، كانت تدور مناقشات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن) والجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) بشأن توحيد البلاد. بيد أن القتال استؤنف في أيلول/ سبتمبر 1972 حتى جرى التوقيع على اتفاق في القاهرة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر.
وكان مندوبٌ من اللجنة الدولية قد وصل إلى المنطقة قبل بضعة أيام. وتمكن من زيارة محتجزين على خلفية النزاع ومحتجزين سياسيين في 3 سجون في صنعاء. كما أرسلت اللجنة الدولية طنًّا من الإمداد الطبية إلى تعز في النصف الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر. ومن يوم 6 إلى يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، تفقد مندوبٌ طبيب المستشفى المحلي والبنية التحتية الطبية.
وعلى الجانب الآخر، عرض مندوبٌ في عدن مساعدة اللجنة الدولية. وفي أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 1972، سُمح له بزيارة جنودٍ من الجمهورية العربية اليمنية محتجزين في معسكر الجيش في عدن. واستمرت زيارات أماكن الاحتجاز حتى عام 1976 في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفي الجمهورية العربية اليمنية حتى عام 1977.
اندلعت الحرب اليمنية الثانية في شباط/ فبراير وآذار/ مارس عام 1979. تدخلت الجامعة العربية لوقف الحرب، وأكد رئيسا الدولتين من جديد رغبتهما في الوحدة في آذار/ مارس 1979.
وعند اندلاع العمليات العدائية، لجأ المدنيون إلى المنطقة الوسطى من الجمهورية العربية اليمنية. ومن ثم، أطلقت جمعية الهلال الأحمر اليمني التابعة للجمهورية العربية اليمنية نداءً للمساعدة. بدورها، أرسلت اللجنة الدولية مندوبًا لتقييم الاحتياجات والتنسيق مع السلطات. وأدى نداء مخصصٌ أطلقته اللجنة الدولية لجمع الأموال في 19 آذار/ مارس إلى تنفيذ أنشطة مساعدة استفاد منها 45,000 نازحٍ داخلي، من بينهم الكثير من النساء والأطفال. كما سعت اللجنة الدولية إلى زيارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لكن دون جدوى.
وفي حقبة الثمانينيات، سافر المندوب الإقليمي عدة مرات إلى الجمهورية العربية اليمنية، حيث زار أماكن احتجاز عديدة ومخيمات للنازحين داخليًّا وقدم إليهم مساعدات في بعض الأحيان. وفي أعقاب زلزال ضرب البلاد في نهاية عام 1982، تبرعت اللجنة الدولية بـ 900 خيمة وطنٍّ من الملابس للمتضررين من الكارثة.
وفي عام 1984، سافر رئيس اللجنة الدولية ألكسندر هاي إلى الجمهورية العربية اليمنية وحضر المؤتمر الخامس عشر لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وفي نهاية عام 1984، سُمح للجنة الدولية بزيارة جميع سجون البلاد، ومن بينها سجون يقبع بها محتجزون لأسباب أمنية. وبدأت الزيارات في عام 1985.
وفي شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس 1981، تمكن المندوب الإقليمي من زيارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للمرة الأولى منذ عام 1976. علاوة على ذلك، سُمح له للمرة الأولى منذ عام 1973 بالوصول إلى 400 محتجز، من بينهم سبعة سجناء سياسيين في مرفقي احتجاز.
وفي 13 كانون الثاني/ يناير 1986، اندلعت حرب أهلية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. واستمر النزاع لأكثر من شهرٍ وأسفر عن وقوع آلاف الضحايا. ونتيجة لذلك، فر نحو 60,000 شخص إلى الجمهورية العربية اليمنية.
وعند اندلاع العمليات العدائية، عرضت اللجنة الدولية خدماتها على السلطات لتقديم الحماية والمساعدة للمتضررين من النزاع. وبالتعاون مع الجمعية الوطنية، قدمت اللجنة الدولية إمدادات مياه صالحة للشرب ودعمًا طبيًّا تضمن مساعدات جراحية وإعادة تأهيل جرحى الحروب.
من إعادة توحيد البلاد إلى نهاية القرن العشرين (1990-1999)
في 22 أآيار/ مايو 1990، اندمجت الدولتان معًا لتصبحا الجمهورية اليمنية. ومع ذلك، استمر تضارب المصالح القبلية والإقليمية والدينية والسياسية في تقسيم البلاد. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1991، أبرمت اللجنة الدولية اتفاق مقر مع السلطات الكويتية دخل حيز النفاذ في شباط/ فبراير 1992. ومنذ ذلك الحين، أسندت إلى بعثة اللجنة الدولية الإقليمية في الكويت مهام المنظمة في اليمن. واستمرت أنشطة اللجنة الدولية المتعلقة بالاحتجاز في اليمن بعد إعادة توحيد البلاد.
وفي عام 1993 والسنوات اللاحقة، تلقى آلاف اللاجئين في اليمن الذين فروا من بلدان في القرن الأفريقي، وبالتحديد الإثيوبيون والصوماليون، دعم اللجنة الدولية لإعادة الاتصال بذويهم. وعلى الرغم من إعادة توحيد البلاد، لم تتوقف التوترات، واندلع نزاع جديد في الفترة من أآيار/ مايو إلى تموز/ يوليو عام 1994. وللوفاء بمهمتها، أنشأت اللجنة الدولية بعثة جديدة في صنعاء وبعثة فرعية في عدن. ووصل أول مندوبيها في 4 أآيار/ مايو وزاروا صنعاء وتوجهوا بعدها إلى عدن وتعز والمكلا. وبنهاية النزاع، كان هناك 29 موظفًا أجنبيًّا يعملون في اليمن، بينهم أطباءٌ وجراحون ومهندسون في مجال الصرف الصحي.
أجرت اللجنة الدولية 24 زيارة إلى 18 مركز احتجاز؛ وكما ذكر أحد المحتجزين:
«فجأة، أتى إلى زنزانتنا 3 مندوبين من اللجنة الدولية. تحدثوا معنا وسألونا عن ظروف احتجازنا وتفقدوا المراحيض. لم تكن زيارتهم متوقعةً على الإطلاق وكنا في غاية الامتنان لوجود من يهتم لأمرنا».[1]
كما زار المندوبون 24 مستشفىفًا وقدموا 35 طنًّا من المساعدات الطبية لمعالجة جرحى الحروب. أرسلت المساعدات من جيبوتي إلى عدن بحرًا وإلى صنعاء جوًّا. بالإضافة إلى ذلك، قدمت اللجنة الدولية إلى السلطات قطع غيار ومولدات ومضخات لإعادة إمدادات المياه. كما جلبت 300,000 لتر من المياه يوميًّا لعدة أسابيع بعد انتهاء القتال عن طريق شاحنات تحمل صهاريج حتى جرى إصلاح محطتي الضخ الرئيسيتين بدعم من اللجنة الدولية.
أعقب نزاع عام 1994 عمليات نهب واسعة النطاق في عدن واندلاع اشتباكات متقطعة بين جماعات مسلحة في عدن وحضرموت. وفي عام 1995، عززت اللجنة الدولية أنشطتها للسكان المدنيين وأجرت أنشطة الوقاية لمكافحة الألغام والذخائر غير المنفجرة.
وبعد انتهاء العميلات العمليات العدائية، زارت اللجنة الدولية 6,500 محتجز في 40 مرفق احتجاز وسجلت 140 شخصًا جديدًا. وفي آذار/ مارس 1995، سُمح للمندوبين بالوصول إلى المحتجزين لدى دائرة القضاء العسكري للمرة الأولى. ونتيجة لذلك، استفاد أكثر من 70 % من المحتجزين من مرافق إمداد مياه ونظم صرف صحي مُحسنة. وفي أيلول/ سبتمبر 1995، أطلقت اللجنة الدولية مشروعًا لمساعدة المحتجزين المصابين بأمراض عقلية في قسم الأمراض النفسية في سجن صنعاء المركزي. أُعد المشروع بالشراكة مع السلطات، ومندوبين من الجمعيات الوطنية والصليب الأحمر الهولندي.
غادر آخر المندوبين صنعاء في 18 كانون الثانيالأول/ ديسمبر 1995 وتولت البعثة الإقليمية في الكويت مرة أخرى المسؤولية عن أنشطة المنظمة باليمن. في كانون الأول/ ديسمبر 1995، اندلع قتال بين اليمن وإريتريا من أجل السيطرة على جزيرة حنيش الكبرى في أرخبيل حنيش. لم يستغرق القتال سوى ثلاثة أيامٍ، في الفترة بين 15 و17 كانون الأول/ ديسمبر. وناشدت اللجنة الدولية طرفي النزاع باحترام القانون الدولي الإنساني. كما عرضت خدماتها باعتبارها وسيطًا محايدًا. وقبلها الطرفان، وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر، تمكنت اللجنة الدولية من إعادة 17 مدنيًّا يمنيًّا و196 أسيرًا يمنيًّا أسرتهم القوات المسلحة الإريترية إلى وطنهم.
إعادة تأسيس بعثة للجنة الدولية وتمرد الحوثيين (1999-2014)
في عام 1999، كان اليمن ما يزال يعاني تبعات نزاع عام 1994، ومن بينها الصعوبات الاقتصادية والعنف العشوائي ضد المدنيين والاختطاف والاحتجاز لأسبابٍ أمنية. ومن ثم، قررت اللجنة الدولية تغيير وضع مكتبها في اليمن وحولته من جديد إلى بعثة تضطلع بعملياتٍ ميدانية.
وبعد اتفاق حدودي بين الحكومة والسعودية، تصاعدت التوترات بين الحكومة والحوثيين، ما أدى في النهاية إلى وقوع تمرد. وفي حزيران/ يونيو 2004، بدأت السلطات إلقاء القبض على مئات الحوثيين. ودار قتالٌ حتى أيلول/ سبتمبر ومقتل الحوثي، قبل استئنافه من آذار/ مارس إلى حزيران/ يونيو 2005. واستؤنفت أعمال القتال من جديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، حتى جرى التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في حزيران/ يونيو 2007، على الرغم من استمرار القتال في السنوات التالية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1999، زارت اللجنة الدولية، للمرة الأولى منذ تموز/ يوليو 1997، أكثر من 3,000 محتجز في السجن المركزي في صنعاء وعدن. كما واصلت إجراء أعمال الصيانة للمراحيض في سجون صنعاء والحديدة وتعز وإب.
تواصلت الزيارات في السنوات التالية. على سبيل المثال، في شباط/ فبراير 2001، سُمح اللجنة الدولية بالوصول إلى مراكز الاستجواب، ومراكز الاحتجاز المؤقت الخاضعة لسلطة مكتب النائب العام ووزارة الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الزيارات في صنعاء وعدن في تموز/ يوليو.
وفي العام ذاته، عملت اللجنة الدولية مع الجمعية الوطنية وأطلقت مشروعًا تجريبيًّا لمساعدة المحتجزات في سجن المحويت المركزي. تضمن المشروع تقديم الرعاية الطبية لهن ولأطفالهن ومستلزمات النظافة وتعليمهن مهارات– دورات محو الأمية وتعليم الخياطة – للمساعدة في إعادة إدماجهن في مجتمعاتهن عند نهاية مدة احتجازهنم. وامتد المشروع في مرحلة لاحقة ليشمل أماكن احتجاز أخرى. كما استمر برنامج المساعدة للمحتجزين المصابين بأمراض عقلية حتى عام 2003 وبعدها سُلم إلى السلطات.
في عام 2001، وبدعمٍ من اللجنة الدولية، اعتمدت وزارة الصحة استخدام تكنولوجيا البولي بروبلين التي تستخدمها اللجنة الدولية في مركز للأطراف الاصطناعية في صنعاء. وفي آذار/ مارس 2003، افتتحت اللجنة الدولية مكتبًا في المكلا لدعم مشروع تقويم العظام.
في آب/ أغسطس 2002، سُمح للجنة الدولية بالوصول إلى المحتجزين لدى جهاز الأمن السياسي في صنعاء على صلة بـ«الحرب العالمية على الإرهاب». علاوة على ذلك، طلبت العديد من عائلات المحتجزين اليمنيين في مرافق الاحتجاز الأمريكية في أفغانستان والعراق وغوانتانامو دعم اللجنة الدولية لإعادة الاتصال بأقاربهم. من جانبها، بدأت اللجنة الدولية تقديم دعم طويل الأمد لهم. على سبيل المثال، في عام 2010، يسرت اللجنة الدولية إجراء 240 مكالمة وأربع مكالمات جماعية لأول مرة.
في عام 2002، شكل ممثلون من مركز البحوث والتطوير التربوي ووزارة التربية والتعليم لجنة فنية لمباشرة البرنامج الخاص باستكشاف القانون الدولي الإنساني. وقدم البرنامج مجموعة موارد للمعلمين لتعريف القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني للشباب ممن تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والثامنة عشرة. وعُقدت أولى حلقات العمل التدريبية حول برنامج استكشاف القانون الدولي الإنساني في أيلول/ سبتمبر 2002 وخلصت إلى عدم وجود تناقض بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية.
تلقى مهاجرون غير شرعيين من القرن الأفريقي بانتظار ترحيلهم مساعدةً – مواددًا غذائية ومكملات غذائية وأوانينٍ للمطبخ ومستلزمات النظافة والعلاج الطبي – من اللجنة الدولية والجمعية الوطنية. وفي عام 2007، تلقى ما يتراوح بين 100 و400 شخص تلك المساعدات. استفاد مائتا شخص من دعم اللجنة الدولية في عام 2008، و250 إلى 350 شخصًا في عام 2009. وفي عام 2010، تلقى 3,800 مهاجر غير نظامي في صنعاء و1,072 شخصًا في سجني الحديدة وتعز المركزيين مختلف المساعدات. كما تلقى 1,200 شخص مساعدات في عام 2011.
في أيلول/ سبتمبر 2004، تمكن الهلال الأحمر اليمني من الدخول إلى منطقة النزاع في شمال اليمن للمرة الأولى منذ تصاعد العنف. كما وزعت اللجنة الدولية إمدادات إغاثية للنازحين داخليًّا. عملت اللجنة الدولية مع اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني لإدماج القانون الدولي الإنساني في التشريعات الوطنية.
ونتيجة لذلك، تلقى دبلوماسيون يمنيون وممثلو الدولة وقضاة ومدَّعون عامون وزعماء محليون وقبليون ودينيون وصحفيون وأكاديميون وطلاب محاضرات حول القانون الدولي الإنساني، والصلة بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، وتوثيق القانون الدولي الإنساني. وفي عام 2006، أصدرت وزارة الدفاع لأول مرة أمرًا بإدماج القانون الدولي الإنساني في برامج التدريس والتدريب في المعاهد والكليات العسكرية.
في عام 2012، زارت اللجنة الدولية 5,379 محتجزًا في 19 مرفق احتجاز على الرغم من تراجع إمكانية الوصول إليهم بنهاية العام. كما تمكنت اللجنة الدولية للمرة الأولى من زيارة جنود حكوميين تحتجزهم جماعة أنصار الله الشريعة وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
اتسع نطاق المساعدات على مدار الأعوام. وفي عام 2012، دعمت اللجنة الدولية 255,829 شخصًا مستضعفًا بمساعدات غذائية وقدمت مستلزمات منزلية أساسية ومستلزمات نظافة إلى 225,470 شخصًا. وعلى الرغم من القيود المفروضة على الوصول إلى محافظة أبين، تمكنت اللجنة الدولية من مساعدة أكثر من 32,000 أسرة. وتلقى آلاف الأشخاص دعم اللجنة الدولية في إعادة التأهيل البدني خلال هذه السنوات.
أدى انعدام الأمن ومحدودية سبل وصول اللجنة الدولية إلى صعوبة جمع بيانات مباشرة بشأن الاحتياجات والانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني. كما أدى إلى إبطاء الحوار مع جميع الأطراف المعنية. وتشير العديد من التقارير السنوية صراحة إلى تأثير انعدام الأمن وقيود الوصول والقيود التي تفرضها السلطات المحلية والحد من تحركات الموظفين على عمليات اللجنة الدولية. ومع ذلك، لم تحل هذه القيود دون عمل اللجنة الدولية باعتبارها وسيطًا محايدًا. على سبيل المثال، في عام 2013، أجلت 143 شخصًا أصيبوا بجروح خطيرة في أثناء القتال في قرية دماج في خمس عمليات عبر خطوط المواجهة.
توسعت أنشطة البعثة طوال هذه السنوات. على سبيل المثال، افتتحت مكتبًا في عدن في عام 2010 وآخر في تعز في عام 2012. وفي عام 2006، كان لدى البعثة 5 موظفين متنقلين و15 موظفًا مقيمًا (بخلاف العاملين بأجور يومية). وفي عام 2007، كان هناك 11 مندوبًا و15 في السنوات اللاحقة. وفي عام 2010، كان لدى اللجنة الدولية 32 موظفًا متنقلًا و125 موظفًا مقيمًا باليمن. وفي عام 2013، كان لديها 49 موظفًا متنقلًا و214 موظفًا مقيمًا.
الحرب الأهلية اليمنية (2014-…..)
اتخذ القتال بين الحوثيين والحكومة منحًا منحى جديدًا في عام 2014. ففي أيلول/ سبتمبر، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وادعوا تشكيل الحكومة اليمنية الرسمية. وفي عام 2015، شن تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية عمليات عسكرية لإعادة الحكومة اليمنية السابقة إلى السلطة. وتصاعدت حدة العمليات العدائية بنهاية عام 2017. وأدى نقص الإمدادات إلى تفاقم الوضع بعدما كثف التحالف حصاره الجوي والبحري.
ويوضح تطور هيكل اللجنة الدولية نمو الاحتياجات الإنسانية في البلاد. وفي عام 2014، بلغت نفقات البعثة 25,456 فرانك سويسري. وزادت على مدار السنوات إلى ما يصل إلى 115,466 فرانك سويسري في عام 2020. واتبع حجم البعثة المسار ذاته. كما تضاعف عدد الموظفين المقيمين المنتظمين.
ويبرز تنوع الأنشطة التي تنفذها اللجنة الدولية في البلاد نطاق مهمتها: والتي تتضمن حماية السكان المدنيين، والاحتجاز، وإعادة الروابط العائلية، والصحة، والمساعدة، والتعاون مع الهلال الأحمر اليمني، ونشر القانون الدولي الإنساني، والحوار مع جميع الجهات المعنية المُختصة، إلخ.
بفضل الهدنة التي جرت بعد ترتيبات، واصلت اللجنة الدولية وجمعية الهلال الأحمر اليمني إجلاء الجرحى. وفي عام 2016، وقعت اللجنة الدولية والهلال الأحمر اليمني اتفاق تعاون بشأن عملياتهما المشتركة. كما تبرعت اللجنة الدولية بسيارات إسعاف إلى الجمعية الوطنية.
وعلى مدار الثماني سنوات الماضية، ساهمت قاعدة اللجنة الدولية للدعم اللوجستي في عُمان ومكتبها في جيبوتي في جهود اللجنة الدولية في اليمن. وخلال هذه السنوات، واصلت اللجنة الدولية دعمها للسجون، بمساعداتٍ من بينها مساعدات مادية – مستلزمات النظافة وحملات التنظيف، وإصلاح نظم المياه وتزويدها بمولدات ومطابخ، إلخ.
بدعم اللجنة الدولية، تمكن المدنيون من الحصول على الرعاية الصحية. وفي عام 2014، تلقى 220,000 شخص الرعاية الصحية في 11 مركزًا صحيًّا مدعومًا من اللجنة الدولية. وفي عام 2014، أسست اللجنة الدولية وحدة جراحية أجرت ما يزيد عن على 160 جراحة. وفي عام 2017، أنشأت المرافق الصحية التي تدعمها اللجنة الدولية وحدات علاجية عالجت 86,000 حالة استجابةً لتفشي وباء الكوليرا. وفي عام 2020، استجابت اللجنة الدولية لتفشي جائحة كوفيد-19 من خلال تعزيز دعمها للمرافق الحيوية – مستشفيات ومراكز صحية ومواقع الحجر الصحي ومرافق العزل والسجون – وأنشأت مركزًا لتقديم علاج مجاني للمرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 في عدن.
في عام 2017، كما في السنوات السابقة، قدمت اللجنة الدولية إمدادات طبية ودعمًا تقنيًّا لموظفي الرعاية الصحية في سجني الحديدة وصنعاء المركزيين، تضمن التدريب على إدارة الفاشيات المرضية. وفي عام 2019، زودت اللجنة الدولية 26,165 محتجزًا بفرش ومستلزمات نظافة وغيرها من المساعدات. وفي عام 2014، أجرت اللجنة الدولية 35 زيارة إلى 18 مركزًا للاحتجاز، زار خلالها المندوبون 8,630 محتجزًا. وفي عام 2020، على الرغم من تفشي الجائحة، زار المندوبون 20,454 محتجزًا في 43 مرفق احتجاز خلال 68 زيارة.
في عام 2014، التقى أكثر من 100 زعيم ديني في عدن وصنعاء لمناقشة الصلات بين الإسلام والقانون الدولي الإنساني. وكان للاجتماعات وتدريب الضباط العسكريين والمبادرات الإعلامية تأثير إيجابي على قدرة اللجنة الدولية على تنفيذ عملياتها. وفي عام 2015، عززت اللجنة الدولية استخدامها لوسائل الإعلام الرقمية للتكيف مع الصعوبات التي تكتنف إجراء محادثات مباشرة مع الأشخاص المتضررين من النزاع. كما علقت نشر القانون الدولي الإنساني مؤقتًا بسبب الوضع. وفي عام 2017، أجرت دورات نشر القانون الدولي الإنساني لـ 6,800 شخص، من بينهم مسؤولوين من السلطات وشيوخ القبائل وزعماء المجتمع المحلي. كما تمكنت اللجنة الدولية من استئناف حوارها مع الأوساط الإسلامية. وفي العام ذاته، أجرت 300 مقابلة إعلامية.
أثرت المشكلات الأمنية سلبًا على اللجنة الدولية. وذُكر في تقريرها السنوي لعام 2014 أن القيود المفروضة على وصول المنظمة واحتدام العنف دفعا اللجنة الدولية إلى إعادة النظر في أنشطتها المخطط لها وإعادة توجيه جهودها. وأدت التهديدات الأمنية إلى إغلاق البعثة الفرعية في عمران في العام ذاته.
وفي عام 2018، أدى الوضع الأمني إلى تعليق الأنشطة المتعلقة بالاحتجاز في بعض فترات العام، ما أدى إلى الحيلولة دون تنفيذ اللجنة الدولية بعض الأنشطة مثل التصدي لوباء الكوليرا والوصول إلى الرعاية الصحية وتدريب الموظفين. واستؤنفت زيارات المحتجزين على نطاقٍ أوسع في عام 2019.
على مدار السنوات الثماني الماضية، عملت اللجنة الدولية باعتبارها وسيطًا محايدًا عدة مرات. على سبيل المثال، في عام 2014 ساهمت في تبادل 21 محتجزًا ورفات بعض الأشخاص الآخرين بين القوات الحكومية والحراك. غير أن الإطار المقترح لزيارات المحتجزين ما زال يراوح مكانه. كما أجريت زيارات إلى محتجزين لدى جماعات مسلحة من غير الدول على أساس كل حالة على حدة.
في عام 2019، دعت اللجنة الدولية الأطراف لإنعاش تنفيذ اتفاق أبرمته الأطراف للإفراج عن محتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع ونقلهم وإعادتهم إلى أوطانهم. وسجلت اللجنة الدولية وأجرت مقابلات مع 290 محتجزًا أفرج عنهم الحوثيون من جانب واحد قبيل مغادرتهم. كما ساعدت في إعادة 128 محتجزًا في السعودية إلى اليمن، بينما أعيد محتجزٌ إلى السعودية.
في عام 2020، يسرت اللجنة الدولية نقل محتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع في إطار اتفاق ستوكهولم المبرم في عام 2018. وفي 15 و16 تشرين الأول/ أكتوبر، أعادت 11 رحلة جوية من وإلى خمسة مطارات في اليمن والمملكة العربية السعودية أكثر من 1,000 محتجز في النزاع اليمني.
الخلاصة
نادرًا ما يشكل إحياء الذكرى السنوية لوجود اللجنة الدولية طويل الأجل في بلد معين احتفالًا. وبالعكس، فإنه يظهر تأثر البلاد بسبب الحرب لفترة طويلة. لقد ولدت أجيالٌ بأكملها وترعرعت على مدار فترات زمنية يشوبها انعدام اليقين والعنف والمعاناة التي لا تنتهي.
وكان للعنف تأثيرٌ مباشر على اللجنة الدولية؛ إذ لا يخلو عملها من المخاطر. وخلال السنوات الماضية، تكبدت اللجنة الدولية تكلفة بشرية ضخمة وواجهت العديد من المآسي. ففي عام 2015، قُتل موظفان من اللجنة الدولية و8 متطوعين من الهلال الأحمر اليمني في أثناء أداء عملهم. وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته، اختُطف موظفاين اثناين، ما أدى إلى نقل بعض الموظفين إلى جيبوتي. وفي عام 2016، بعد الإفراج عن موظفيها المختطفين وتجديد الضمانات الأمنية، بدأت اللجنة الدولية ببطء في إعادة نشر موظفيها المتنقلين في بعض المناطق خارج صنعاء.
وفي نيسان/ أبريل 2018، اضطرت اللجنة الدولية عقب مقتل موظف متنقل في تعز، إلى تقليص عدد موظفيها وتحركاتها في اليمن، ما أثر على قدرتها على تنفيذ العديد من الأنشطة. ونقل معظم الموظفين المتنقلين إلى جيبوتي. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، لقي ثلاثة موظفين باللجنة الدولية مصرعهم في انفجار بمطار عدن، وجُرح آخرون.
وتذكِّر هذه المساهمات بمعاناة الشعب اليمني وتشيد بتضحياتهم. وما فتئت اللجنة الدولية ملتزمةً تجاه الأشخاص المتضررين من الحرب في اليمن منذ 60 عامًا وستظل كذلك في المستقبل.
نُشر هذا المقال في الأصل بالإنجليزية في مدونة القانون الإنساني والسياسات. وقد نقل عبد الله حبيشي النص إلى العربية.
مادة إعلامية نوعية وتوثيقية لمراحل وجود اللجنة الدولية للصليب الأحمر (60) عاما من العطاء والعمل الإنساني .. في كافة النزاعات المسلحة في اليمن ودورها الإنساني الذي يغفل الأغلبية عنها وخاصة لمعرفة الحيادية فيها وعدم انحيازها لأي طرف من أطراف النزاعات طوال فترات طويلة من السنوات .
شكرا اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) فأنتم مصدر فخر واعتزاز مادامتم في حياد