Close

الكارثة المناخية ما تزال ماثلة: تفاؤل حذر بنتائج ميثاق غلاسكو للمناخ

العدد 69

الكارثة المناخية ما تزال ماثلة: تفاؤل حذر بنتائج ميثاق غلاسكو للمناخ

ما زال العالم مُتَّجهًا نحو كارثة مناخية كما يقول خبراء، على الرغم من نجاح خجول خرجت به قمة المناخ (كوب 26) التي عُقدت في غلاسكو بإسكتلندا، لا سيما فيما يخص النص صراحة على تخفيض استخدام الفحم مصدرًا للطاقة، وكذلك فتح المجال أمام دعم الدول الأضعف في مكافحة تغير المناخ.

كان واضحًا غياب التوافق الدولي في «مؤتمر الأطراف في نسخته السادسة والعشرين» الذي عُقد في غلاسكو في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. إذ إن المؤتمر عُد حدثًا مفصليًّا لإبقاء “اتفاقية باريس حول المناخ” قابلة للتطبيق على المدى الطويل، لكنه لم ينجح في خلق أرضية مناسبة للعمل أكثر من أجل مكافحة التغير المناخي الذي صار يهدد البشرية أكثر من أي وقت مضى.

الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لخص النتائج قائلًا: «كوكبنا الهش، يقف على المحك، ولا زلنا نقف على أعتاب كارثة مناخية».

وخرجت للعلن النسخة النهائية من وثيقة الاتفاق، التي أُطلق عليها اسم «ميثاق غلاسكو للمناخ»، بعد مفاوضات ماراثونية صعبة استمرت أسبوعين بين مندوبي 200 دولة. وحوت الاتفاقية نصوصًا ملزمة لتقليل معدلات الانبعاثات حتى العام المقبل، ليتماشى مع إبقاء معدل زيادة درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية. كما أن الوثيقة نصت صراحة لأول مرة على تقليل استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي.

وأخيرًا طرح الاتفاق فكرة تدشين حوار حول تمويل الدول النامية الأكثر عرضة لآثار التغيرات المناخية. وبهذا فإن «ميثاق غلاسكو للمناخ» يحوي قواعد أفضل للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي. إلا أنه أبقى على مقترحات مثيرة للجدل، قادتها دول كالصين والهند، وهما من أكبر الدول المسببة للانبعاثات في العالم. وشمل ذلك صياغة بشأن تقليل استخدام الفحم والوقود الأحفوري اللذين يتسببان في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي، على الرغم من الدعوات المتزايدة للتخلي نهائيًّا عن استخدام الفحم.

ورد وزير الطاقة الهندي بوباندار ياداف على هذا المطلب بالتساؤل عن الطريقة التي يمكن للدول النامية أن تتوقف فيها عن استخدام الفحم، كمصدر للطاقة الرخيصة، في الوقت الذي «تعاني فيه هذه الدول من تبعات التعامل مع متطلبات التنمية، والتخلص من الفقر».

كما أخفق الميثاق في إيجاد آلية لتمويل ودعم الدول المعرَّضة لخطر الجفاف والفيضانات والعواصف جرَّاء ارتفاع منسوب مياه البحار. لقد عبر الاتفاق عن «أسف عميق» بسبب فشل الدول الغنية في جمع مبلغ سنوي منفصل قدره 100 مليار دولار وعدت به منذ أكثر من عقد لتمويل الجهود الخاصة بمكافحة تغير المناخ. وحض الميثاق الدول على دفع المبلغ «بشكل عاجل وحتّى عام 2025».

أقرت اتفاقية “كوب 26” للمناخ بأن الالتزامات التي تعهدت بها الدول حتى الآن لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض ليست كافية لمنع تجاوز ارتفاع درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة بالمقارنة بدرجات حرارة ما قبل الثورة الصناعية.

وفي محاولة لحل هذه المشكلة، طلب الاتفاق الجديد من الدول ومن الحكومات تعزيز تلك الأهداف بحلول نهاية العام المقبل بدلًا من فترة الخمس سنوات التي كان منصوصًا عليها في السابق. إذ أنه، بموجب اتفاقية باريس لعام 2015، تعيَّن على الدول الأطراف في الاتفاقية أن تقدم خططًا جديدة لخفض الانبعاثات كل خمس سنوات، كل منها أكثر طموحًا من السابقة.

ومن المقرر أن تستضيف مصر القمة المقبلة في 2022، فيما تستضيف الإمارات قمة العالم 2023.

العالم رهين تغير المناخ من المكسيك إلى الولايات المتحدة شمالًا، ومن ألمانيا إلى الصين مرورًا بأفغانستان، ومن الجزائر مرورًا بمصر حتى دول إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى، يكافح العالم من أجل مواجهة مظاهر متفاقمة للتغيُّر المناخي وتطرف الطقس كارتفاع درجة حرارة الأرض، وتزايد معدلات الجفاف، وتصاعد الفيضانات المدمرة والأعاصير القوية التي أضرت الأنظمة البيئية وأثرت سلبًا على سبل الحياة لعشرات الملايين من السكان حول العالم. وتهدد هذه المظاهر بمحو مدن وجزر بأكملها. ويشير الطقس إلى حالة الغلاف الجوي في فترة قصيرة كيوم حتى أسبوع، أما المناخ فهي حالته لفترة زمنية طويلة، يمكن أن تصل إلى عقود أو لمدد أطول.

وكشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في افتتاح مؤتمر “كوب 26″، أن السنوات (2015 -2021) هي على الأرجح أكثر الأعوام حرارة تسجل حتى الآن، وأن المناخ العالمي «دخل في المجهول». ويقدر خبراء أميركيون أن مظاهر التغير المناخي، من أعاصير وحرائق الغابات، كلَّفت الولايات المتحدة خسائر قياسية بلغت 100 مليار دولار في عام 2020.

وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2020، أجلت السلطات نص مليون شخص في ولاية أوريجون الأميركية نتيجة حرائق الغابات الضخمة التي تؤججها الرياح والتي اجتاحت ولايات الساحل الغربي للولايات المتحدة ودمرت آلاف المنازل كما أودت بحياة نحو ثلاثين شخصًا.

وفي الصين التي تواجه العواصف الاستوائية التي تتسبب بأمطار عاتية، واجه إقليما سيتشوان، جنوب غربي البلاد، وقانسو، في الشمال الغربي، خطرًا محدقًا بسبب موجة الأمطار الغزيرة التي تضرر بفعلها أكثر من 45 مليون شخص منذ بدء موسم السيول والفيضانات في حزيران/ يونيو.

وفي القارة الأوروبية، شهدت ألمانيا في الصيف فيضانات غير مسبوقة، ما أدى إلى مئات القتلى والجرحى، كما تأثرت البنى التحتية لعدة مناطق ودمرت أجزاء منها. وفي حوض البحر المتوسط، عانت تركيا واليونان والجزائر ولبنان من حرائق الغابات التي كافحت السلطات لأسابيع لكبح جماحها.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

ظل النزاعات

ومما يزيد الطين بلة هو آثار التغير المناخي في دول النزاعات المسلحة أو الدول التي لم تتعافَ بعد من آثار الحروب. ففي أفغانستان، يعاني الملايين من تفاقم الوضع المعيشي البائس أصلًا بفعل الجفاف الذي أصاب نهر كابول، الذي تحول إلى ما يشبه البرك الموحلة على حد تعبير “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة.

وتكافح عدة دول في إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى التفشي الكبير للجراد منذ العام 2020. وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن تغير المناخ يؤثر في انتشار الحشرات الشرهة انتشارًا متزايدًا في المناطق الجبلية حيث تسبب أضرارًا جسيمة غير مسبوقة.

وفي الصومال أدت أنماط الطقس المتقلب وموجات الجفاف والفيضانات إلى خسائر لدى الرعاة الصوماليين في حين زادت الأمور سوءًا بسبب النزاع وجائحة كوفيد-19 وانتشار الجراد مؤخرًا. كل هذا المزيج دفع الرعاة في الصومال إلى التخلي عن نمط حياتهم.

وقد تعرضت الصومال إلى أكثر من 30 خطرًا ناجمًا عن تغير المناخ بما في ذلك موجات الجفاف والفيضانات منذ عام 1990، وذلك ثلاثة أضعاف الحوادث التي ضربتها بين عامي 1970 و1990 (حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية). وتجعل الطبيعة المتكررة لهذه الحوادث من الصعب على المجتمعات المحلية استرداد قدرتها على التعافي.

وهذا لا يعني أن ثمة علاقة ترابط مباشرة بين تغير المناخ والنزاع المسلح، لكن يشير مؤشر التكيف العالمي إلى أن البلدان التي تعاني من النزاع هي أقل قدرة على مواجهة تغير المناخ، وتحديدًا لأن النزاع يضعف قدرتها على التكيف معه.

ويبحث مؤشر التكيف العالمي لجامعة نوتردام في مدى تأثر البلدان بتغير المناخ والتحديات العالمية الأخرى، مقابل قدرتها على تحسين صمودها أمامهم. تحتل اليمن ومالي وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال، وجميعها تشهد نزاعات، ترتيبات من بين الأدنى. وبالتالي، فإن الناس الذين يعيشون في مناطق النزاع هم من بين الفئات الأكثر ضعفًا إزاء أزمة تغير المناخ والأكثر تجاهلًا من العمل المناخي.

ويتفق العلماء بشكل عام على أن تغير المناخ لا يتسبب في نشوب نزاعٍ مسلح بشكلٍ مباشر، ولكنه قد يزيد بشكل غير مباشر من خطر اندلاع النزاع من خلال مفاقمة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية القائمة.

على سبيل المثال، عندما يُدفع رعاة الماشية والمزارعون لتقاسم الموارد المتناقصة بسبب تغير المناخ، يمكن أن يثير ذلك توترات في الأماكن التي تفتقر إلى الحوكمة القوية والمؤسسات الشاملة.

ويقيس تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعنوان «عندما تمطر غبارًا»، مدى تضرر البلدان التي تعاني ويلات النزاع المسلح من تغير المناخ وتقلبه أكثر من غيرها.

ويذكر التقرير أن انعدام الأمن يحد من قدرة الناس على مواجهة الصدمات المناخية. فمثلًا عانت منطقة غرب أفريقيا من الجفاف لفترة طويلة في السبعينيات، ما أدى إلى مجاعة. في أوائل عام 2019، أصبحت المراعي شحيحة في جنوب غاو، بسبب الفيضانات. انتاب الرعاة القلق من السفر مع ماشيتهم خوفًا من تعرضهم لهجوم من جماعات مسلحة أو قطاع طرق.

وبدلًا من ذلك، كانوا يتجمعون في أغلب الأحيان في مناطق قريبة من مصادر المياه، ما أثار توترات مع المزارعين والصيادين. ونظرًا لأن ماشيتهم صارت هزيلة، اضطر الرعاة إلى بيعها بِثَمَنٍ بَخْسٍ. كما حال انعدام الأمن دون وصولهم إلى أسواق الماشية في أماكن أبعد، إذ كانوا يأملون في الحصول على أسعار أفضل.

التحديات بالأرقام

ذكر تقرير «فجوة الانبعاثات 2021: درجة حرارة الأرض ما زالت ترتفع»، الذي صدر قبيل انعقاد قمة غلاسكو، أن التعهُّدات التي قطعتها دول العالم على نفسها غير كافية للحد من الأخطار الجسيمة للتغير المناخي.

وعلى الرغم من التعهدات المناخية الوطنية، فإن درجة الحرارة العالمية قد ترتفع بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، حسب التقرير.

وهذا الرقم أعلى بكثير من الهدف الذي تعهد به اتفاق باريس للمناخ في العام 2015 بإبقاء معدَّل ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية. ويحتاج العالم إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف في السنوات الثماني المقبلة من أجل الحفاظ على الاحتباس الحراري دون 1.5 درجة مئوية.

ووصف التقرير تعهدات الدول لخفض التلوث الكربوني بأنها «وعود ضعيفة لم تنفَّذ بعد».
وسيكون للتقاعس عن اتخاذ إجراءات جادة لخفض الانبعاثات عواقب وخيمة. ويقول علماء إن تجاوز ارتفاع الحرارة 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر وكوارث من بينها شدة الجفاف والعواصف العاتية وحرائق الغابات بمستويات أسوأ بكثير من تلك التي يشهدها العالم حاليًّا.

ما المقصود بتغير المناخ؟

يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية.

ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيس لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.

ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.

تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تنتج هذه الغازات، على سبيل المثال، عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني.

يمكن أيضًا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

مدافن القمامة تعتبر مصدرًا رئيسيًّا لانبعاثات غاز الميثان. ويُعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
– المصدر: الأمم المتحدة.

نٌشر هذا المقال في العدد 69 من مجلة «الإنساني» الصادر في خريف/ شتاء 2021. للاطلاع على محتويات العدد، انقر هنا. للاطلاع على العدد كاملًا، انقر هنا.

يمكنكم الحصول على عدد مطبوع من المجلة التي توزع مجانًا من خلال بعثاتنا في المنطقة. انقر هنا لمعرفة عناوين البعثات.

Share this article

Comments

There is no comments for now.

Leave a comment