أصدرت اللجنة الدولية مؤخرًا التعليقات المحدَّثة للجنة الدولية على اتفاقية جنيف الثالثة، مقدمة تحديثًا وتفسيرًا معاصرًا لتدابير الحماية الفعلية الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية الثالثة
وهذه التعليقات هي آراء اللجنة الدولية وكذلك خبراء وفقهاء للقانون الدولي حول أحكام اتفاقيات جنيف الأربع التي صدرت في العام 1949. ومنذ إقرار هذه الاتفاقيات، ونظرًا للأهمية البالغة لأحكامها، انبرت مجموعة من الخبراء القانونيين التابعين للجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين شاركوا في صياغة تلك الاتفاقيات وفي المفاوضات التي جرت بشأنها، في كتابة تعليق تفصيلي على كل حكم من أحكامها (أكثر من أربعمائة مادة).
وكانت النتيجة هي صدور تعليقات على الاتفاقيات الأربع فيما بين عامي 1952 و1960. وعلى مر السنين، صارت هذه التعليقات مرجعًا رئيسيًّا لتطبيق اتفاقيات جنيف وتفسيرها.
ولكن، وكما تقول اللجنة الدولية، فإنه ومع مرور الوقت وتزايد التحديات على صعيد النزاعات المسلحة وكذلك معضلات حماية المدنيين في هذه النزاعات، ظهرت الحاجة إلى تحديث هذه التعليقات من أجل توثيق وتحليل وتفسير التطورات المعاصرة في العمليات القتالية.
مشروع طموح
ومنذ العام 2011، شرعت اللجنة الدولية في مباشرة مشروع طموح لتحديث التعليقات التي صدرت في الخمسينيات والستينيات. وخلال خمس سنوات صدر التعليق المحدَّث على اتفاقية جنيف الأولى في العام 2016، ثم صدر التعليق المحدَّث على اتفاقية جنيف الثانية في العام 2017. وفي العام الماضي، صدر التعليق المحدَّث على اتفاقية جنيف الثالثة.
وتحمي اتفاقية جنيف الثالثة أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص من فئات محددة ممن يقعون في قبضة العدو في زمن النزاعات المسلحة. وتشدد الاتفاقية بصرامة على أنه لا يجوز معاقبة أسرى الحرب لمجرد مشاركتهم في الأعمال العدائية؛ واحتجازهم ليس عقوبة بل إجراء يُتوخى به الحيلولة دون مشاركتهم في مزيد من الأعمال العدائية.
والاتفاقية تحدد بوضوح عددًا من مبادئ الحماية الأساسية الملزمة التي تنطبق على جميع أسرى الحرب، كوجوب معاملة أسرى الحرب في جميع الأوقات معاملة إنسانية، مع احترام شخوصهم وصون شرفهم، ومعاملتهم على قدم المساواة دون تمييز. وهذه المبادئ تكملها بتفصيل – غير مسبوق وقت صدور الاتفاقية – أحكامٌ تنظم معاملة أسرى الحرب، وتشمل أحكامًا متعلقة ببدء الأسر، وتقديم الاحتياجات الأساسية للسجناء، ونقل السجناء، واستخدام عمل السجناء، وفرض إجراءات تأديبية أو قضائية، والإفراج النهائي عن السجناء وإعادتهم إلى أوطانهم.
ما الجديد؟
وكتب أربعة خبراء في مقال مفصل عن التعليق المحدَّث: «تطلَّب تحديث التعليقات على كل مادة من مواد اتفاقية جنيف الثالثة البالغ عددها 142 النظرَ في مجموعة عريضة من المسائل التاريخية والقانونية والعسكرية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. وكما هي الحال مع التعليقات المحدَّثة على اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية، تضمن تطوير التعليق المحدَّث على اتفاقية جنيف الثالثة جهدًا تعاونيًّا، بإسهامات من محامين تابعين للجنة الدولية للصليب الأحمر ومن خارجها، ومتخصصين ذوي خبرة في موضوعات بعينها (بمن في ذلك الأفراد العسكريون وموظفو الحماية المتخصصون في الاحتجاز، والأكاديميون)، وغيرهم. بالإضافة إلى ذلك، استفاد إعداد هذا التعليق من قدرة اللجنة الدولية على الاعتماد على السجلات الأرشيفية لعملها في زيارة أسرى الحرب على مدى السنوات السبعين الماضية.»*
وعلى الموقع الإنجليزي للجنة الدولية، مدخل كامل وسهل التصفح لكل المواد الخاصة بالاتفاقية والتعليق المحدَّث الذي يضم أيضًا «عملية استعراض الأقران» أي آراء مجموعة تضم 50 خبيرًا من خارج اللجنة الدولية، من الجامعيين والممارسين الذين استعرضوا كل التعليقات بصفتهم الشخصية، وأُدرجت تعليقاتهم في مشاريع النصوص.
وكان التعليق على اتفاقية جنيف الثالثة قد صدر في نهاية الخمسينيات. ويقول خبراء إنه من الطبيعي أن العقود الستة الماضية شهدت الكثير من التطورات في مجال القانون وفي طريقة فهم كيف تُخاض النزاعات المسلحة، وأشكال الحماية اللازمة للأفراد.
وتقول هيلين دورهام، مديرة دائرة القانون الدولي والسياسات الإنسانية في اللجنة الدولية: «لقد رأينا في الـ60 عامًا الماضية ارتفاعًا كبيرًا في عدد النساء اللواتي يشاركن في العمليات العدائية. لذا، ستجدون في هذا التعليق المحدَّث، جزءًا مفصلًا بمزيد من الوضوح عن موضوع النساء من أسرى الحرب، وخاصة حمايتهن ومسائل ترتبط بالخصوصية مثلًا.»
وتمثل التعليقات المحدَّثة أداة توجيهية للممارسين الذين عليهم تطبيق اتفاقية جنيف الثالثة وتفسيرها، من الدول عمومًا والدبلوماسيين، وأعضاء القوات المسلحة، وأيضًا واضعي السياسات والأشخاص المعنيين بتحسين فهمهم للقانون الدولي الإنساني.
وتقول إيلينا ميلسانكو، وهي مندوبة متخصصة في القوات المسلحة وقوات الأمن في بعثة اللجنة الدولية في مالي: «التعليقات أداة مفيدة جدًّا تساعد القادة العسكريين، وعناصر الجيش على أن يفهموا بدقة ما ينبغي فعله لاحترام القانون الدولي الإنساني والالتزام به اليوم».
وتستهدف اللجنة الدولية نشر هذه التعليقات على أوسع نطاق بين صفوف المقاتلين بهدف تقليل التفسير الخاطئ للاتفاقيات، ومن ثم ضمان حماية أكبر للفئات التي يحميها القانون الدولي الإنساني.
وتضيف ميلسانكو: «لم أقابل يومًا أي قائد عسكري، أو أي جندي، قال لي «كلَّا، لن أمتثل للقانون الدولي الإنساني لأنني «ضده». كلَّا، هذا لم يحدث قط، لكني قابلت الكثيرين الذين قالوا لي: «حسنًا، هذا واضح، لكن ماذا عليَّ أن أفعل عمليًّا في الميدان؟».
هامش
* جيما أرمان، وجان-ماري هنكرتس، وهيلين هيمسترا، وكفيتوسلافا كروتيوك، التعليق المحدَّث للجنة الدولية للصليب الأحمر على اتفاقية جنيف الثالثة: أداة جديدة لحماية أسرى الحرب في القرن الحادي والعشرين، المجلة الدولية للصليب الأحمر (2020)، 102 (913)، 389-416
نشرنا في الشهور الأخيرة طائفة منوعة من المساهمات التي تعالج قضية أسرى الحرب والحماية القانونية التي توفرها اتفاقية جنيف الثالثة، انظر:
على البدراوي- إخفاقات قانونية في قضية إنسانية: الحرمان من الحرية زمن الحرب
جيما أرمان-التعليق على اتفاقية جنيف الثالثة: صون شرف أسرى الحرب
أحمد الداودي- التعليق على اتفاقية جنيف الثالثة: معاملة أسرى الحرب من منظور إسلامي
مرايمي محمد- الإسلام كمرجعية لحماية أسرى الحرب…إسهام الأمير عبد القادر الجزائري في تطوير القانون الدولي الإنساني
أسانغا تيلاكاراتني (وآخرون)- معاملة أسرى الحرب.. وجهة نظر بوذية
ُنشر هذا الموضوع في عدد مجلة الإنساني رقم 68 الصادر في ربيع/ صيف 2021. للاطلاع على محتويات العدد، انقر هنا. لتصفح العدد كاملًا، انقر هنا
هذا المقال رائع و مفيد شكرا.على المعلومات المقدمة .
hayet.