الحرب السيبرانية والقانون الدولي الإنساني: كيف نحمي المدنيين من الآثار العرضية لهجوم إلكتروني؟

العدد 52

الحرب السيبرانية والقانون الدولي الإنساني: كيف نحمي المدنيين من الآثار العرضية لهجوم إلكتروني؟

في كل أرجاء العالم، ينظر واضعو السياسات والقادة العسكريون في تداعيات الحرب السيبرانية (الإلكترونية). وفي هذا الحوار، تشرح كوردولا دروغيه المستشارة القانونية في اللجنة الدولية أن الإطار القانوني القائم واجب التطبيق ويجب احترامه حتى في الفضاء السيبراني.

ماذا الذي تعنيه عبارة “الحرب السيبرانية”؟

ولماذا تثير هذه العبارة قلق اللجنة الدولية؟

مفهوم الحرب السيبرانية غامض بعض الشيء، ويبدو أن مختلف الناس يعنون أموراً مختلفة عندما يشيرون إليه. وتشير الحرب السيبرانية لأغراض هذا النقاش إلى أساليب الحرب ووسائلها التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات وتُستخدم في سياق نزاع مسلح ضمن المعنى الوارد في القانون الدولي الإنساني، بخلاف العمليات العسكرية الحركية التقليدية.

ولم يجرِ الاتفاق دولياً بالمثل على معنى قانوني لعبارات مثل “الهجمات السيبرانية” أو “العمليات السيبرانية” أو “الهجمات على شبكات الحواسيب”، وتُستخدم هذه العبارات في سياقات مختلفة (ولا تقتصر دائماً على النزاعات المسلحة) وبمعانٍ مختلفة. ودعوني أستخدم العبارة الأكثر شمولاً ألا وهي “العمليات السيبرانية” للإشارة إلى عمليات ضدّ أو بواسطة حاسوب أو نظام حاسوب من خلال تدفق البيانات.

وقد تهدف هذه العمليات إلى القيام بأمور مختلفة، مثل التسلل إلى نظام حاسوب وجمع بيانات أو تصديرها أو إتلافها أو تغييرها أو تشفيرها، أو مثل إطلاق عمليات يسيطر عليها النظام المُتَسلل إليه أو تبديلها أو التلاعب بها. ويجوز استخدام التكنولوجيا في حرب ما، وفي بعض الظروف، يمكن اعتبار بعض هذه العمليات هجمات حسب التعريف الوارد في القانون الدولي الإنساني.

وقد تثير العمليات السيبرانية شواغل إنسانية، لا سيما عندما لا يقتصر أثرها على بيانات نظام الحاسوب أو الحاسوب المستهدف. وترمي في الواقع عادةً إلى إحداث أثر في “العالم الحقيقي”. ويستطيع المرء من خلال التلاعب بنظم الحواسيب الداعمة على سبيل المثال أن يستخدم نظم العدو لمراقبة الحركة الجوية أو نظمه لتدفق خطوط أنابيب النفط أو محطاته النووية. ونتيجة لذلك، يكون الأثر الإنساني المحتمل لبعض العمليات السيبرانية هائلاً.

ولا يبدو أن العمليات السيبرانية التي نُفذت إلى الآن، في إستونيا وجورجيا وإيران، تؤدي إلى عواقب خطيرة على السكان المدنيين. ولكن، يبدو أنه من الممكن تقنياً التدخل في نظم مراقبة المطارات أو غيرها من شبكات النقل أو السدود أو محطات الطاقة النووية من خلال الفضاء السيبراني. ولا يمكن بالتالي صرف النظر عن سيناريوهات كارثية محتملة، من قبيل تصادم طائرات أو تسرب سموم من مصانع كيماوية أو تعطيل بنية تحتية أو خدمات حيوية مثل شبكات الكهرباء أو المياه. ومن الأرجح أن يكون أهم ضحايا هذه العمليات من المدنيين.

هل ينطبق القانون الدولي الإنساني على العمليات السيبرانية؟

لا ينطبق القانون الدولي الإنساني إلا إذا ارتكبت العمليات السيبرانية في سياق نزاع مسلح، أكان بين دول أو بين دول وجماعات مسلحة منظمة أو بين جماعات مسلحة منظمة. وبالنتيجة، نحتاج إلى التمييز بين المسألة العامة للأمن السيبراني وبين المسألة الخاصة بالعمليات السيبرانية في النزاع المسلح. وقد تستحضر عبارات مثل “هجمات سيبرانية” أو حتى “الإرهاب السيبراني” وسائل الحرب، غير أن العمليات التي تشير إليها لا تجري بالضرورة خلال نزاع مسلح.

ويمكن استخدام، لا بل تُستخدم في الواقع، العمليات السيبرانية في جرائم تُرتكب في حالات يومية لا علاقة لها بحالات الحرب. وفي الواقع، نسبة كبيرة من العمليات المعروفة عموماً بعبارة “هجمات سيبرانية” هي هجمات لاستغلال الشبكات تُنفذ لأغراض جمع معلومات غير مشروعة وتحصل خارج نطاق النزاعات المسلحة. غير أنه في حالات النزاعات المسلحة، ينطبق القانون الدولي الإنساني عندما تلجأ الأطراف إلى أساليب الحرب ووسائلها التي تعتمد على عمليات سيبرانية.

إذا كان القانون الدولي الإنساني ينطبق على عمليات سيبرانية، على ماذا ينص في هذا الشأن؟

لا يذكر القانون الدولي الإنساني العمليات السيبرانية على وجه خاص. ونظراً لهذا الأمر، ولمّا كان استغلال التكنولوجيا السيبرانية أمراً جديداً نسبياً ويبدو في بعض الأحيان كأنه يحدث تغييراً نوعياً كاملاً في أساليب الحرب ووسائلها، يُقال أحياناً إن القانون الدولي الإنساني مُكيف على نحو سيئ مع الفضاء السيبراني ولا يمكن تطبيقه على الحرب السيبرانية. غير أن غياب إشارات محددة في القانون الدولي الإنساني إلى عمليات سيبرانية لا يعني عدم خضوع هذه العمليات لقواعد القانون الدولي الإنساني. وإذا كانت أساليب الحرب السيبرانية ووسائلها تحدث الآثار نفسها في العالم الحقيقي كآثار الأسلحة التقليدية (على غرار التسبب بدمار أو عطل أو ضرر أو إصابة أو وفاة)، تحكمها القواعد نفسها التي تحكم الأسلحة التقليدية.

ويجري دوماً تطوير تكنولوجيات جديدة من كل الأنواع، والقانون الدولي الإنساني شامل بما يكفي ليتسع لهذه التطورات. ويحظر القانون الدولي الإنساني استخدام بعض الأسلحة بصورة خاصة (مثل الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو الألغام المضادة للأفراد) أو يحد من استخدامها. غير أنه ينظم أيضاً، من خلال قواعده العامة، كلّ أساليب الحرب ووسائلها، بما فيها استخدام كلّ الأسلحة.

ولا سيما أن المادة 36 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف تنص على ما يلي: “يلتزم أي طرف سام متعاقد، عند دراسة أو تطوير أو اقتناء سلاح جديد أو أداة للحرب أو اتباع أسلوب للحرب، بأن يتحقق مما إذا كان ذلك محظوراً في جميع الأحوال أو في بعضها بمقتضى هذا الملحق “البروتوكول” أو أية قاعدة أخرى من قواعد القانون الدولي التي يلتزم بها الطرف السامي المتعاقد”. وفي ما يتعدى نطاق الالتزام المحدد الذي تفرضه هذه القاعدة على الدول الأطراف، تبين أن القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني تنطبق على التكنولوجيا الجديدة.

وهذا لا يعني أنه قد لا توجد حاجة إلى زيادة تطوير القانون في حين تتطور التكنولوجيات، أو أن آثارها الإنسانية أصبحت مفهومة على نحو أفضل. ويجب أن تقرر الدول هذا الأمر في المستقبل. وفي غضون ذلك، من الضروري التشديد على أنه ما من فراغ قانوني في الفضاء السيبراني. وبعيداً عن ذلك، نواجه عدداً من الأسئلة حول كيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني عملياً في المستقبل.

ما الأمر الكامن في الفضاء السيبراني الذي يجعل تطبيق القانون الدولي الإنساني صعباً؟

ما زال الخبراء التقنيون الذين يضعون ويطبقون أساليب الحرب السيبرانية ووسائلها هم الوحيدون القادرون على فهم هذه الأساليب وهذه الوسائل فهماً تاماً، على ما يبدو. ويُصنف تطور التكنولوجيات الجديدة باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، من أجل تحديد ما إذا كانت أساليب الحرب السيبرانية ووسائلها تختلف نوعياً عن تلك المتعلقة بالحرب التقليدية وإلى أي نطاق تختلف، يكمن أهم أمر في فهم كيف يمكن استخدام التكنولوجيا وما هي الآثار التي قد تحدثها في النزاعات المسلحة.

غير أن الاتصالات مجهولة الهوية تشكل جانباً من جوانب الفضاء السيبراني التي تطرح صعوبات على ما يبدو. وفي العمليات السيبرانية التي تحصل يومياً، جهل الهوية قاعدة وليس استثناء. ويتبين أنه من المستحيل في بعض الحالات إقتفاء أثر المصدر. وبما أن كلّ القانون يقوم على توزيع المسؤوليات (في القانون الدولي الإنساني على طرف أو نزاع أو فرد)، تنشأ صعوبات كبيرة. وبصورة خاصة في حال تعذّر تحديد فاعل عملية معينة وبالتالي العلاقة بين العملية وأحد النزاعات المسلحة، من الصعب جداً تحديد ما إذا كان القانون الدولي الإنساني واجب التطبيق على العملية.

ويشكل التوصيل بين نظم الحواسيب بالطبع سمة أخرى من سمات الفضاء السيبراني. ومن الممكن أن يصعّب التوصيل بين نظم الحواسيب -المدنية والعسكرية- مجرد تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني الأكثر أساسية.

ما هي القواعد واجبة التطبيق على العمليات السيبرانية؟ وكيف يمكن تطبيقها في عالم التوصيل بين نظم الحواسيب؟

من المحتمل أن تكون كلّ قواعد القانون الدولي الإنساني التي تحكم سير الأعمال العدائية واجبة التطبيق خلال النزاعات المسلحة، غير أن السؤال يبقى في ما إذا كانت ذات صلة بهذا السياق وكيف يمكن تطبيقها. وقبل إعطاء بعض الأمثلة، من المهم التذكير بأن أحد الأغراض الرئيسية للقانون الدولي الإنساني تكمن في حماية السكان المدنيين والبنية التحتية المدنية من آثار الأعمال العدائية.

ودعونا ننظر في بعض القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني من أجل إظهار أهميتها بالنسبة إلى العمليات السيبرانية والأسئلة الصعبة التي يطرحها تطبيقها في الفضاء السيبراني. وتتعلق هذه الأسئلة بمبادئ التمييز والتناسب والاحتراس

مبدأ التمييز وحظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة

يتطلب مبدأ التمييز أن تميز أطراف النزاعات دوماً بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. وقد تكون الهجمات موجهة ضدّ المقاتلين أو الأهداف العسكرية فحسب. وتُحظر الهجمات العشوائية التي تُوجه أو لا يمكن توجيهها ضدّ هدف عسكري محدد أو لا يمكن الحد من آثارها، حسبما يقتضي القانون الدولي الإنساني. وتُحظر الهجمات ضدّ الأهداف العسكرية أو المقاتلين بالمثل إذا كان يُتوقع أن تتسبب في إصابات أو أضرار مدنية عرضية، الأمر الذي سيكون مفرطاً مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة (المعروفة بالهجمات غير المتناسبة).

وهذا يعني أن الأهداف المسموحة بموجب القانون الدولي الإنساني في تخطيط العمليات السيبرانية وتنفيذها هي فقط الأهداف العسكرية، من قبيل الحواسيب أو نظم الحواسيب المُستخدمة لدعم البنية التحتية العسكرية أو البنية التحتية المستخدمة على وجه خاص لأغراض عسكرية. ويعقب ذلك أن الهجمات عبر الفضاء السيبراني قد لا تكون موجهة ضدّ نظم الحواسيب المستخدمة في المرافق الطبية والمدارس وغيرها من المنشآت المدنية البحتة.

وتكمن مسألة القلق الإنساني في هذا الصدد في أن الفضاء السيبراني يتميّز بالتوصيل بين نظم الحواسيب. ويتألف هذا الفضاء من عدد لا يُحصى من نظم الحواسيب المتصلة ببعضها البعض في أرجاء العالم. وغالباً ما يبدو أن نظم الحواسيب العسكرية تتصل بالنظم التجارية والمدنية وتعتمد عليها كلياً أو جزئياً. وبالتالي، قد يكون فعلاً من المستحيل شنّ هجوم سيبراني على بنية تحتية عسكرية وجعل الآثار تقتصر على هدف عسكري فحسب. وعلى سبيل المثال، من شأن استخدام دودة تتكاثر ولا يمكن السيطرة عليها وقد تتسبب بالتالي في أضرار كبيرة في بنية تحتية مدنية أن يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.

الالتزام باتخاذ الاحتياطات

يجب على الطرف المسؤول عن هجوم ما اتخاذ التدابير، إلى أقصى قدر ممكن، من أجل تفادي أو تخفيف الضرر العرضي الذي يلحق بالبنية التحتية المدنية أو يؤذي المدنيين. وهذا سيتطلب التحقق من طبيعة النظم التي تتعرض للهجوم والأضرار المحتملة التي قد تنجم عن أحد الهجمات. وهذا يعني أيضاً أنه عندما يصبح جلياً أن هجوماً سيتسبب في إصابات أو أضرار مدنية عرضية، يجب إلغاؤه.

علاوة على ذلك، يجب على أطراف النزاعات أن تلتزم باتخاذ الاحتياطات اللازمة من آثار الهجمات. ونتيجة لذلك، تكون النصيحة الموجهة إلى هذه الأطراف هي تقييم ما إذا كانت نظم الحواسيب العسكرية منفصلة بما يكفي عن تلك المدنية، بغية حماية السكان المدنيين من آثار الهجمات العرضية. ويُمكن للاعتماد على نظم الحواسيب العسكرية والتوصيل بين نظم الحواسيب التي يديرها متعاقدون مدنييون وتُستخدم أيضاً لأغراض مدنية أن يثير القلق.

وعلى صعيد آخر، قد تساهم تكنولوجيا المعلومات أيضاً في الحد من الأضرار العرضية التي تلحق بالمدنيين أو البنية التحتية المدنية. وعلى سبيل المثال، قد يلحق تعطيل خدمات معينة تُستخدم لأغراض عسكرية ومدنية أضراراً أقل مما يُلحق تدمير البنية التحتية تماماً. وفي هذه الحالات، يفرض مبدأ الاحتياط القابل للجدل التزاماً على الدول باختيار الوسائل الأقل ضرراً بغية تحقيق أهدافها العسكرية.

ما الذي تقوم به اللجنة الدولية بالنسبة إلى الحرب السيبرانية؟

يجب ألا يغيب عن بالنا أنه ما زال ينقصنا الكثير لفهم الآثار العسكرية المحتملة والآثار الإنسانية الناجمة عن الحرب السيبرانية، رغم كل الأمور التي نطّلع عليها في وسائل الإعلام. ولكن العمليات السيبرانية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على المدنيين. ولهذا السبب، ترصد اللجنة الدولية تطورها وتذكر أطراف النزاع بالتزامها بالامتثال للقانون الدولي الإنساني. ونولي أيضاً اهتماماً خاصاً بعدد من المبادرات الرامية إلى توضيح القانون واجب التطبيق على العمليات السيبرانية في النزاعات المسلحة. ويكمن هدفنا في إعادة التأكيد على انطباق القانون الدولي الإنساني، والحد من أي شكل من أشكال إضعاف القانون الدولي الإنساني بسبب استحداث معايير جديدة، وتذكير الضالعين في ذلك بأن الحاجة إلى تحييد السكان المدنيين في عالم التوصيل بين نظم الحواسيب باتت أكبر من أي وقت مضى.

نُشر هذا الموضوع في عدد مجلة الإنساني رقم 52 الصادر في ربيع/ صيف2011

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا