الإسلام وحقوق الإنسان

العدد 1

بمناسبة الذكرى الخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، نظمت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ندوة أو حلقة دراسية حول “إثراء عالمية حقوق الإنسان: وجهة نظر الإسلام بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” وذلك بجنيف يومي 9-10/11/1998 بمقر المفوضية. وجاءت الندوة تتويجًا لجهود المفوضية السامية السيدة “ماري روبنسون”، رئيسة جمهورية أيرلندا سابقًا، إلا أن المبادرة الأصلية تعود إلى وزير خارجية إيران، باعتبار بلاده تترأس منظمة المؤتمر الإسلامي منذ انعقاد مؤتمر قمة الدول الإسلامية بطهران في أواخر العام 1997. والتأمت ندوة جنيف بالتنسيق والتعاون بين مفوضية حقوق الإنسان ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكان أمينها العام حاضرًا طوال أعمال الندوة التي تولت تسيير جلساتها السيدة روبنسون نفسها.

وبناءً على المبادرة الإيرانية، وجهت المفوضية السامية رسائل إلى رؤساء مجموعة من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بغية إيفاد خبراء للمشاركة في الندوة. وهكذا حضر إلى جنيف عشرون خبيرًا يمثلون الدول العربية (المغرب- الجزائر- تونس- مصر- السودان- سوريا- لبنان- فلسطين- الأردن- السعودية- الكويت) وأفريقيا (توغو- غينيا- السنغال- كينيا) وآسيا (إيران- بنغلاديش- ماليزيا- أندونيسيا) وأوروبا (البوسنة). وتابعت أعمال الندوة وفود من الدول المراقبة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، واقتصرت دائرة النقاش وتبادل الآراء على الخبراء، وقدم هؤلاء أوراق عمل تركزت على ثلاثة محاور:

1) الإسلام ومبدأ عدم التمييز والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛

2) الإسلام والحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛

3) الإسلام والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

تناول المشاركون تحت العنوان الأول موضوعي الإسلام وحقوق غير المسلمين والإسلام وحقوق المرأة، وفي إطار المحور الثاني تطرقوا إلى حرية الفكر، حرية التعبير، حرية التنقل ونظام القضاء الجنائي. أما المحور الثالث فقد خُصص لبحث موضوع الزكاة ومبدأ التكافل والواجبات تجاه المجتمع وعدد من الحقوق الجماعية مثل تقرير المصير والمشاركة الشعبية والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والغذاء والصحة والسكن. واختتمت الندوة باستعراض وجهة نظر الإسلام بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

حددت السيدة “روبنسون” منذ الافتتاح هدف الندوة وإطارها العام فأوضحت أن الغاية من تنظيم هذا اللقاء تتمثل في إجراء حوار بنّاء وتبادل الآراء بشكل صريح حول ما يتصل بحقوق الإنسان، واعتبرت أن معرفة وجهة نظر الإسلام ضرورية ومفيدة، وبالخصوص إذا ما عُرضت من قِبَل علماء الإسلام أنفسهم، ولذلك لم يكن واردًا أن يتبنى المشاركون مواقف محددة أو أن يخلصوا إلى نتائج قاطعة أو يدعوا إلى مراجعة الأوضاع الحالية. واتفق المشاركون والمفوضية السامية على اعتبار الندوة بداية لمسيرة تندرج في إطار السعي نحو إدراك معنى الأسس الثقافية والدينية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بصورة أفضل.

واتضح من خلال ما عُرض أثناء أعمال الندوة أن الخبراء المسلمين حرصوا على إظهار موقف موحد وضعوا أسسه في اجتماعين سابقين أحدهما في جدة في منتصف أكتوبر الماضي، والآخر في مقر السفير الإيراني المندوب لدى الهيئات الأممية بجنيف قبيل انعقاد الندوة.

وأجمع خبراء الطرف الإسلامي على أن حقوق الإنسان ليست غريبة على تقاليد الإسلام وشرعته، بل إنها من ثوابته منذ انبثاقه كما يدل على ذلك المصدران الأساسيان للتشريع: القرآن والسّنّة. أما السيدة “روبنسون” فقد ألحّت على “عالمية” إعلان 1948 ورحبت بما ردده المشاركون من أن لا تعارض بين تعاليم الإسلام والإعلان العالمي، ونوّهت بالتكافل الاجتماعي والحرص على صيانة الكرامة الإنسانية اللذين أكدهما الإسلام بقوة. اتفق الطرفان على مواصلة الحوار، وتمنى بعض المشاركين أن يتحول التقارب الذي آذنت به الندوة إلى اتحاد، وتم تقديم اقتراح تشكيل لجنة متابعة، لكن الندوة لم تكن مخولة لاتخاذ قرار بهذا الشأن، وربما يُرفع الأمر إلى حكومات الخبراء المشاركين. واكتفت المفوضة السامية بالالتزام بنشر أبحاث الندوة والكلمات التي ألقيت خلالها ومكاتبة رؤساء الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي التي شارك خبراؤها في الندوة، ونظرًا إلى طابع هذه الندوة، فإنها انفضّت دون إصدار بيان أو إعلان ختامي.

لا شك أن الوقت المخصص للندوة لم يكن كافيًا لبحث المواضيع المقترحة المذكورة أعلاه بصورة معمقة، فما بالك بمواضيع أخرى تتصل بحقوق الإنسان ولا تقل أهمية عن نقاط البرنامج. أضف إلى ذلك أن الصيغة المتفق عليها لتنظيم الندوة (تبادل الآراء والبحث عن “إثراء الإعلان العالمي”) لا تدع مجالًا للجدل وبحث “المسائل الأخلاقية” ولو إجمالًا. وحاول بعض المشاركين عرض حقوق الإنسان في السلم والحرب في ضوء تعاليم الإسلام، لكن الوقت لم يسعفه، ونأمل أن يتم إعداد الأبحاث للنشر بما يساهم في تقديم صورة متكاملة لحقوق الإنسان في الإسلام ونحن على عتبات ألفية جديدة.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا