مع انطلاق الدورة الثامنة عشرة من حلقة عمل كبار الضباط حول القواعد الدولية التي تحكم العمليات العسكرية لأول مرة في الرياض هذا الأسبوع، يكشف مندوبان من قسم برنامج القوات المسلحة والأمنية باللجنة الدولية للصليب الأحمر لـ«الإنساني» كيف يساهم هذا اللقاء السنوي، كما عمل اللجنة الدولية على مدار العام، في تحويل المبادئ القانونية المجردة للقانون الدولي الإنساني إلى خطط عملياتية يمكن للعسكريين استخدامها، ولما يظل «القرار الإنساني» هو الحاسم في الحروب المعاصرة.
في قاعة مغلقة، بعيدًا عن دوي المدافع، يجلس قادة عسكريون كبار من عشرات الدول حول طاولة واحدة. أمامهم خرائط لعملية استراتيجية معقدة. لكنهم لا ينظرون إليها بالعدسة العسكرية البحتة فقط، بل بما يسميه خبراء اللجنة الدولية «العدسة الخضراء… عدسة الإنسانية».
تعد «ورشة كبار الضباط حول القواعد الدولية المنظِّمة للعمليات العسكرية»، التي يشار إليها اختصارا باسم «سويرمو» (SWIRMO)، تمرينا عمليا على دمج القانون في أعلى مستويات التخطيط العسكري. يوضح أشرف قنديل، منسق اللجنة الدولية للصليب الأحمر لشؤون القوات المسلحة وخبير القانون الدولي الإنساني: «ما يهتم به المشاركون هو التطبيقات العملية للقانون الدولي الإنساني؛ كيف يتم تحويله من الإطار النظري إلى إجراءات عملية داخل عمليات القوات المسلحة سواء على المستوى الاستراتيجي أو العملياتي».
هذه الورشة، التي تُعد حدثًا سنويًا رئيسا للجنة الدولية منذ العام 2007 وتجمع ضباطًا رفيعي المستوى من رتبة عقيد إلى لواء من أكثر من 90 دولة، هي جزء أساسي من مهمة اللجنة الدولية لتعزيز ونشر القانون الدولي الإنساني. لكن «الذي يصنع الفرق»، كما يشير قنديل، هو خلفية المدربين أنفسهم، فهم ليسوا أكاديميين، بل «ضباط متقاعدون متمرسون». قسم برنامج القوات المسلحة والأمنية باللجنة الدولية للصليب الأحمر (FAS) يعتمد بشكل كبير على ضباط عسكريين وأمنيين سابقين، متخصصين مثل اللواء متقاعد هاني نخله، الذي قضى 30 عامًا في القوات المسلحة اللبنانية و9 سنوات خبيرًا عسكريًا في الأمم المتحدة لشؤون إصلاح قطاع الأمن ووقف إطلاق النار والمفاوضات. والعميد متقاعد أشرف قنديل، الذي يحمل خبرة من بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في الكونغو وبوروندي.
يشرح نخله، المندوب الإقليمي للجنة الدولية في السودان: «يرتدي مندوبو اللجنة الدولية للقوات المسلحة والأمنية قبعتين: قبعة إنسانية وقبعة عسكرية ونترجم الهاجس الإنساني إلى بُعد عسكري، وفي المقابل، نترجم البُعد العملياتي والمفاهيم العسكرية إلى زملائنا [في اللجنة الدولية] لمفاهيم إنسانية».
هذه «الترجمة» المزدوجة هي جوهر عملهم. منصة مثل «سويرمو» لها ثلاثة أهداف واضحة، كما يلخصها نخله: «الأول، تحديث معلومات كبار القادة حول تطبيقات القانون الدولي الإنساني في الحروب المعاصرة، خاصة في عملية التخطيط واتخاذ القرار؛ الثاني، تحسين فهمهم وقبولهم لمهمة اللجنة الدولية ومبادئها؛ والثالث، وهو مهم جدًا، تعزيز شبكات التواصل والوصول».
هذه الشبكات ليست مجرد علاقات عامة، بل هي بنية تحتية للتأثير الإنساني المستقبلي. يتذكر نخله مشاركًا من غانا، وهي دولة لم يكن للجنة الدولية تواصل مع جيشها: «بعد عودته، فتح لنا جميع الأبواب. قابلتُ رئيس الأركان، ومن ثم وضعنا برنامج عمل سنوي».

لقطة من افتتاح حلقة عمل كبار الضباط حول القواعد الدولية للعمليات العسكرية 2025 في الرياض التي تنظمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر
التطبيق العملي في حلقة عمل كبار الضباط
ولكن كيف يتم تصميم هذه البرامج التدريبية لجيوش وعقائد مختلفة حول العالم؟ يؤكد المندوبان أن المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني غير قابلة للتفاوض. يقول قنديل: «المبادئ الأساسية لا تتجزأ: التمييز، والتناسب، والاحتياطات»، لكنه يضيف: «إذا كان الجو باردًا، ترتدي ملابس ثقيلة… هكذا يجب تكييف القانون الدولي الإنساني. هذا لا يعني تغيير المبادئ، ولكن كيفية وصول المعلومة وانعكاسها على التطبيق».
هذا التكيف هو المفتاح. يشرح قنديل: «إذا كانت الدولة، على سبيل المثال، تحكمها الشريعة الإسلامية، فنحن نركز على الاحترام الداخلي الذاتي للإنسان من خلال شريعته. أما إذا كانت مرجعيته القوانين الوضعية فقط، فنركز على القوانين أكثر». في بعض الأحيان، قد يكون المدخل هو احترام القائد أو شيخ القبيلة. الهدف دائماً هو إيجاد «المدخل المناسب» لضمان احترام القانون.
يتوافق ذلك تمامًا مع أبحاث اللجنة الدولية، مثل تقرير «جذور ضبط النفس» (The Roots of Restraint)، الذي وجد أن ربط القانون بالقيم والأعراف المحلية يعطيه قوة تأثير أكبر بكثير من مجرد التركيز على القانون كنص جامد.
وهنا تبرز أهمية الخلفية العسكرية للمندوبين. يقول نخله: «الجندي في الميدان، عليه أن يفهم أولًا، ثم يتقبل، ليتمكن من التطبيق والاحترام لاحقًا». ويقارن مبادئ القانون الإنساني بالنظريات العسكرية الكلاسيكية: «مبادئ الحرب عند كلاوزفيتز عمرها 200 عام وما زالت قابلة للتطبيق، ومبادئ سون تزو عمرها أكثر من 2000 عام. الفرق والاختلاف هو في كيفية تطبيق هذه المبادئ».
هذا التطبيق يتم تكييفه ليس فقط ثقافيًا، ولكن أيضًا بحسب رتب المشاركين في التدريب (بين ضابط الصف أو كبار القادة) والسياق (التدريب النظري في زمن السلم يختلف عن التدريب العملي المباشر أثناء النزاع والاحتياجات).
يصل هذا التكييف إلى درجة أن العديد من الجيوش المتقدمة تصدر كتيبات تطبيقية لـ «قانون النزاعات المسلحة» خاصة بها. «البعض يتساءل ما الفرق؟» يقول نخله. «المضمون والروح والغاية واحدة لكن الفرق هو أن قانون النزاعات المسلحة هذا هو نظام تطبيقي للقانون الدولي الإنساني، يأخذ بعين الاعتبار إمكانات الدولة، عقيدتها، تجهيزاتها، نظم التعليم والتدريب الخاصة بها وقانون عقوباتها».
القانون الدولي الإنساني والذكاء الاصطناعي
ومع تطور طبيعة وخصائص المعركة المعاصرة، تتطور التحديات. تواجه اللجنة الدولية اليوم أسئلة ملحة حول التقنيات الناشئة، والأسلحة ذاتية التشغيل، والحرب السيبرانية. يؤكد قنديل أن اللجنة الدولية تتبع نهجًا «استباقيًا»، مستشهدة بـالمادة 36 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تُلزم الدول بمراجعة الأسلحة الجديدة لضمان توافقها مع القانون. يقول: «نحن نتابع كل ما هو جديد في التسليح وأساليب الحروب المعاصرة. إذا استشعرنا أن دولة ما تمتلك أسلحة جديدة، نأخذ خطوة استباقية ونتحدث عن القانون الدولي الإنساني بأوجهه الحديثة».
وقد تجسد هذا النهج الاستباقي مؤخرًا في ورشة عمل إقليمية متخصصة عُقدت في الأردن خلال العام 2023، ركزت حصريًا على «التقنيات الناشئة والقانون الدولي الإنساني»، وجمعت ضباطًا ومستشارين قانونيين من 11 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يوضح نخله أن للجنة الدولية نهجًا مزدوجاً تجاه التكنولوجيا: «الأول، هو الاستفادة من هذه التقنيات، مثل الواقع الافتراضي، لتعزيز التدريب وجعله أكثر واقعية، أو لتقديم التدريب عبر الإنترنت في مناطق يصعب الوصول إليها. والثاني، هو مواجهة التكنولوجيا كتحدٍ للقانون وبالتالي توضيح كيفية تطبيق القانون عند استخدامها».
وعندما يُسأل عما إذا كان القانون لا يزال صالحًا في عصر الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي، يأتي رده حاسمًا: «الجواب دائمًا هو العودة إلى جذور وأسس القانون الدولي الإنساني: المبادئ. أي سلاح أو أسلوب، مهما كان نوعه، يجب أن يحترم مبادئ التمييز، والتناسب، والاحتياط مع مراعاة مبدأي الضرورة العسكرية والإنسانية».
بل يذهب نخله إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن التكنولوجيا، إذا استُخدمت بشكل صحيح، يمكن أن تعزز احترام القانون. «التقنيات اليوم يمكنها التمييز وجمع المعلومات الاستخبارية بطريقة أفضل، أسرع وأدق». يقول، «يمكنك رؤية الهدف بدقة عالية وتحديد هويته». لكنه ينهي بتحذير حاسم: «هذا كله بشرط واحد: أن يبقى القرار في النهاية للإنسان، وليس للآلة».
سويرمو: الأثر والتحديات
لكن، ما هو الأثر الحقيقي لكل هذا الحوار والتدريب؟ الأثر هو قصة غانا، حيث تحول مشارك واحد في ورشة عمل إلى جسر لدمج القانون الإنساني في برامج جيش وطني بأكمله. الأثر هو الانتقال من المحاضرات النظرية إلى «التدريب على الخرائط» والتطبيق أثناء العمليات العسكرية حيث يصبح القانون جزءًا من قرار القائد الاستراتيجي. التحدي الأكبر، كما يرى المندوبون، ليس في نصوص القانون، بل في الفكر والإرادة.
«أول تحدٍ يواجهنا هو خلط القانون الدولي الإنساني بالقوانين الأخرى»، يقول قنديل. «يجب محاربة الفكر بالفكر». ويقدم تشبيهًا بليغًا: «حينما يخطئ الإنسان أثناء قيادته للسيارة ويتخطى الإشارة الحمراء، هل الخطأ في الإشارة أم فيمن يقود السيارة؟ الخطأ فيمن لم يحترم القانون. المشكلة ليست دائمًا في القانون، بل في نية الدول في تطبيقه ودمجه في تشريعاتها الوطنية».
يوافقه نخله، مشيرا إلى «مفهوم مغلوط» شائع: «يعتقد البعض أن مسؤولية ضمان احترام القانون تقع على عاتق اللجنة الدولية. في الواقع، هي مسؤولية الأطراف والدول الموقعة على اتفاقيات جنيف. دورنا هو دور مساعد».
لا يسعى هؤلاء الممارسون لتقييد الجيوش، بل لإعادة تأطير القانون كعنصر قوة.
يلخص نخله هذه الفلسفة بالقول: «القانون الدولي الإنساني لا يمنع تحقيق الأهداف العسكرية. بل على العكس هو يعزز إنجازها بطريقة صحيحة، مع احترام مبادئ الحرب كاقتصاد الوسائل والقوى وغيرها، وفي نفس الوقت يراعي القيم والجوانب الإنسانية. القانون بالنسبة للجنة الدولية هو وسيلة مساعدة، وليس وسيلة محاسبة».
أما قنديل، فيختصر المجال بأكمله في كلمة واحدة: «القانون الدولي الإنساني هو باختصار كلمة واحدة: الإنسانية. كيف تكون إنسانًا أثناء النزاعات المسلحة. ونحن دائمًا وأبدًا في خدمة الإنسانية وفي خدمة الإنسان».
عن حلقة عمل كبار الضباط
حلقة عمل كبار الضباط حول القواعد الدولية التي تحكم العمليات العسكرية هي حدث رائد تنظمه اللجنة الدولية سنويًا منذ عام 2007، ويستهدف كبار الضباط العسكريين. عُقدت الورشة الأولى في سويسرا ، ومنذ ذلك الحين، تطورت لتصبح منصة عالمية متنقلة تم استضافتها في دول مختلفة عبر القارات، بما في ذلك فرنسا (أوروبا)، وجنوب إفريقيا والجزائر (إفريقيا)، وماليزيا والصين (آسيا)، وكولومبيا (الأميركيتان)، والإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط). وتمثل حلقة العمل منبرًا لمناقشة إدماج القانون الدولي الإنساني في التخطيط والتدريب العسكريَّين وخوض العمليات العسكرية. وشارك في استضافة نسخة 2025 من حلقة العمل وزارةُ الدفاع السعودية واللجنةُ الدولية، التي عقدت فعالياتها في مقر جامعة الدفاع الوطني السعودية بالرياض من 1 إلى 6 تشرين الثاني/نوفمبر.


تعليقات