ar
إغلاق

نزاعات وأزمات تلقى بظلالها على مائدة الأسرة العربية في رمضان

القانون الدولي الإنساني

نزاعات وأزمات تلقى بظلالها على مائدة الأسرة العربية في رمضان

ما الذي يخطر على بالكم حين تقرؤون كلمات مثل هذه أو تشاهدون برنامجًا فيه من يشرح سر طبخة:

«يُذاب السمن في وعاء، ثم نخفق عددًا من البيضات في وعاء آخر، وليكن خمسًا. عندئذ يحين الوقت لإضافة الملح والخميرة ومسحوق الخبيز [بيكنج باودر] إلى مقدار معلوم من الدقيق. تُخلط هذه المقادير معًا قبل أن نضيف عليها البيض المخفوق ومقدار السمن المذاب. ستعجن هذه المقادير جيدًا، وفي المراحل التالية، عندما تتخمر العجينة، سنضعها في فرن متوسط الحرارة إلى أن يَحْمَر وجه العجينة، فتستقبل بعدها العسل».

قد يتعرف بعض أو معظم القراء أو المشاهدين ممن حباهم الله بنعمة الطبخ على هذه الوصفة. إنها باختصار للحلوى اليمنية الشهيرة «بِنْت الصَّحْن»، تلك الوصفة التي برع فيها اليمنيون كما برعوا في غيرها، وذاعت شهرتها خارج حدود بلادهم.

لكن تحضير «بِنْت الصَّحْن» في يمن اليوم لم يعد بهذه السهولة. فمزيج النزاع المسلح سواء في داخل اليمن أو خارجه، أثر تأثير ساحقًا على مكونات هذه الوصفة. لم يعد السمن بهذه الوفرة بسبب التأثير المباشر للنزاع على الإنتاج الحيواني، والأمر نفسه ينسحب على بقية المقادير: القمح والبيض والسكر. وحتى لو توفرت كل هذه المقادير، فكيف نطهو طعامًا في ظل أزمة كهرباء متفاقمة؟

مائدة ينقصها الكثير

«حول مائدة الطعام» هو عنوان الحملة التي تطلقها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شهر رمضان لهذا العام، وفيها تلقي الضوء على التغير الذي طرأ على مائدة الأسر العربية في الشهر الكريم، فترصد المكونات الغذائية التي اختفت من أشهر الأطباق العربية والبدائل التي حلت محلها، والسبب في هذا كله هو التحديات الجسيمة التي فرضت ذاتها على الأمن الغذائي في العالم العربي.

وخلال السنوات الماضية، تضافرت عوامل عديدة مثل تبعات جائحة كوفيد-19، والآثار الممتدة للتغيرات المناخية، ثم النزاع المسلح في أوكرانيا ودوره في رفع أسعار المحاصيل الزراعية، لتهوي بملايين السكان عبر العالم في هوة سحيقة من انعدام الأمن الغذائي، حسبما تقول اللجنة الدولية.

وحسب برنامج الأغذية العالمي فقد زاد عدد الجوعى حول العالم زيادة كبيرة، وارتفعت أعدادهم من 282 مليونًا إلى 345 مليونًا خلال الأشهر الأولى فقط من عام 2022.

وفي المنطقة العربية، يئن ثلثا سكان سورية بفعل أزمة غذاء عميقة سببها النزاع ثم الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد الشهر الماضي. وفي اليمن، الذي يعاني منذ سنوات أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، يعتمد 80 بالمئة من السكان (البالغ عددهم 32.6 مليون) على المساعدات الإنسانية.

تقول زينب غصن، مديرة المركز الإقليمي للإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

«طقوس الطعام والشراب لها خصوصية كبيرة في شهر رمضان الكريم. وفي السنوات الماضية، لاحظنا التأثير الكبير للنزاعات المسلحة القريبة والبعيدة على مكونات الأطعمة في بلداننا العربية. يأتي شهر رمضان هذا العام في ظل استمرار النزاع المسلح في أوكرانيا والأزمة العميقة التي سببها في مجال الأمن الغذائي في العالم وكذلك في المنطقة العربية حيث تقع اثنتان من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم: اليمن وسورية علاوة على العراق الذي يعاني وضعًا لا يُحسد عليه بفعل التأثيرات المهولة للتغير المناخي على الإنتاج الزراعي».

وخلال السنوات الماضية، اعتادت اللجنة الدولية أن تطلق حملات توعوية بمواضيع تستلهم الأجواء الروحية لشهر رمضان المعظم، فأطلقت في العام الماضي حملة عن الإسلام وقواعد الحرب، وقبلها حملة عن أخلاقيات الحرب في السير الشعبية الشفاهية العربية.

ستقدم الحملة محتوى حاول معدوه أن يجعلوه مختلفًا وجذابًا، ومعبرًا عن سياقات مختلفة لبلدان عربية طالما اشتهرت بثراء مطبخها، لكنها وفي الوقت نفسه، صارت للأسف أسيرة نزاعات مسلحة وأزمات إنسانية متفاقمة ألقت بظلالها على ملامح الحياة في هذه البلدان، ومنها ما أثر سلبًا على مطبخها ونوعية الطعام الذي تستهلكه.

سترصد الحملة، من خلال محتوى مرئي سينشر أسبوعيًا، كيف أثر النزاع المسلح في بعض من أشهر الأطباق التي يعتز بها المطبخ العراقي كـ «الدُولْمَة» والتي سيقدمها لنا نادر نهدي، وهو منتج محتوى بريطاني من أصول يمنية. كما سيقدم لنا أحد أبناء العراق وصفة «المسكوف» الشهيرة.

وعلى المنوال نفسه، سنرى ماذا أصاب طبق الحلوى اليمنية الشهير «بِنْت الصَّحْن» بفعل سنوات الحرب والنزاع. وكذلك طبق المقبلات «الشفوت» والذي ستطهيه لنا سيدة يمنية هي أم علي، بتعليق من المصور الفوتوغرافي اليمني الموهوب عبد الرحمن الغابري.

وفي سورية، ستطهو لنا الفنانة لينا شماميان طبقًا سوريًا شهيرًا هو «الأرز بالبازلاء»، لكنها ستحضره بمكونات اقتصادية للغاية، لذا ستستخدم البصل والجزر والبازلاء فقط، وتستغني عن المكسرات والبروتين الحيواني سواء كان لحمًا أو دجاجًا.

وفي لبنان، إحدى قلاع الطبخ المعروفة في العالم العربي، تجهز الأسر سفرة الطعام وهي تنتظر الأحبة الغائبين بفعل الأزمات المتتالية على هذا البلد.

يمكنكم متابعة حلقات هذه الحملة على حساباتنا المختلفة بمواقع التواصل الاجتماعي: فيسبوك، يوتيوب، تويتر، انستغرام

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا