منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل: متى يحين الوقت لتنظيم استخدامها؟

قانون الحرب
نيل سي. رينيك- خبير في معهد بحوث السلام والسياسة الأمنية بجامعة هامبورج

منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل: متى يحين الوقت لتنظيم استخدامها؟

archive

يفضِّل عمومًا أولئك الذين يرغبون في الحد من انتشار منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل واستخدامها وضع لوائح استباقية، إما في شكل قيود ملزمة من الناحية القانونية، أو حظرها حظرًا نهائيًّا.

تعيد هذه المقالة التأكيد على أهمية التدابير الاستباقية لكنها تضيف عنصرًا مقيدًا مهمًّا. وتدفع بأن أفضل فرصة لبسط قدر حقيقي من السيطرة على منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل من المرجح أن يكون في وقت «إمكانية نجاحه»، عندما يكون خروج نسخة مهيأة للقتال من هذه التقنية إلى النور وشيكًا.

سيحرك قرب ظهور تلك التقنية تناول المشكلة من التدابير المجردة إلى الملموسة، بينما يترك فرصة ولو كانت ضئيلة لاتخاذ تدابير قبل تجاوز حد استخدامها في ساحات القتال.

وبغية توضيح أهمية إمكانية نجاح تلك التدابير، تضرب هذه السطور مثالًا بالحظر المتعلق بأسلحة الليزر المسببة للعمى لعام 1995.

حالة المناقشات حول الأسلحة ذاتية التشغيل

…[في جنيف في العام 2019 اجتمع] فريق الخبراء الحكوميين المعني بالاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معينة. وتمحورت المناقشات حول التحديات التي تطرحها الأسلحة ذاتية التشغيل والاستجابة الدولية المحتملة لها: المنظومات التي «تستطيع، بعد تشغيلها، اختيار الأهداف والاشتباك معها دون أي تدخل بواسطة البشر».[1]

وأثار هذا الاجتماع الأخير خيبة أمل لدى عدد من الدول والمشاركين في الحملات، إذ فشل في تعزيز الحوار حول الأسلحة ذاتية التشغيل بأي طريقة جدية. جاء ذلك رغم الدعوات المتزايدة أثناء الاجتماع ذاته المطالبة باتباع نهج أكثر جرأة.

حذر مندوب الاتحاد الأوروبي من أن التقدم التكنولوجي في الأسلحة ذاتية التشغيل يمكن أن «يفوق قدرتنا على إعلاء شأن القانون الدولي». أما البرازيل فقد تحدثت عن «فرصة تاريخية ضئيلة سانحة» يمكن التصدي من خلالها إلى التحديات التي فرضتها هذه التكنولوجيا. فيما حثت تشيلي الحضور على التحرك اليوم والآن! من أجل وضع حدود لاستخدام الأسلحة ذاتية التشغيل. [2]

وكما أوضحت هذه التصريحات، يرى المهتمون بالانعكاسات الأخلاقية والقانونية لهذه التكنولوجيا أن هذه اللوائح ليست ضرورية فحسب بل ينبغي التفاوض بشأنها وفرضها قبل أن تستخدم الأسلحة في ساحات القتال. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانوا على صواب؟ إذا كان علينا أن نسلم بضرورة تقييد استخدام هذه التكنولوجيا، فهل من الضروري حقًّا أن نتعامل مع الأمر بشكل استباقي؟ إن كان الأمر كذلك، هل يمكن فعليًّا تطبيق لوائح مبكرة من هذا النوع؟

مسألة التوقيت

استكشف ديفيد كولينجريدج، في كتابه The Social Control of Technology (الرقابة الاجتماعية على التكنولوجيا)، الصادر عام 1980، صعوبة تقييد الابتكارات التكنولوجية. ودفع بوجود مشكلة مزدوجة:

تكتنف محاولات السيطرة على التكنولوجيا صعوبة. إذ إنه لا يمكن معرفة الكثير عن آثارها الاجتماعية الضارة خلال مراحلها الأولى، عندما يمكن السيطرة عليها، لكي يقتضي الأمر السيطرة على تطورها؛ ولكن بمرور الوقت الذي تكون فيه هذه الآثار واضحة، تصبح السيطرة عليها باهظة التكلفة وبطيئة. [3]

وعلى الرغم من عدم احتكام المشاركين إلى معضلة كولينجريدج مباشرةً، فإنها ألقت بظلالها على الاجتماع الأخير لفريق الخبراء الحكوميين المعني بمنظومات الأسلحة ذاتية التشغيل. إذ يرى المشاركون في الحملة استنادًا إلى أسبابٍ وجيهة أن وضع لوائح جدية سيكون أكثر صعوبة، وربما مستحيلًا، إذا ترسخ استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل. واحتجوا بأن التصدي لها بشكل استباقي سيكون أفضل كثيرًا قبل أن تكرس القوى العظمى مزيدًا من الوقت والخبرات والموارد المالية لتطوير هذه التكنولوجيا.

بيد أن هناك تفاعلًا أقل بدون شك مع الجانب الثاني من معضلة كولينجريدج وهي مشكلة المعلومات. قُطع شوط طويل بالفعل لتسليط الضوء على عوامل الخطر المحتملة لمنظومات الأسلحة ذاتية التشغيل. وعلى الرغم من ذلك، لا نزال بعيدين عن تقديم تقييم واضح للخطر الفعلي الذي تشكله التكنولوجيا على المدنيين والمقاتلين.

يرى البعض حرب الأسلحة ذاتية التشغيل على أنها تحدٍّ عميق وجوهري للمعايير الأخلاقية والقانونية للحرب. أما على الجانب الأكثر تطرفًا فيوجد أولئك الذين يحذرون من مستقبل هو الأسوأ على الإطلاق، واقع مرير ومدمر، تتجرد فيه الحروب من مبادئ الإنسانية ومن إعمال عقل البشر.

أما المؤيدون لهذه التكنولوجيا على الطرف المقابل لهذا الرأي، فيرون أن استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل قد يعزز فعليًّا من حماية المدنيين في ساحات المعارك، من خلال زيادة دقة الهجمات، وتخفيف حدة الزلات البشرية في المعارك التي تحدث بشكل أكثر وضوحًا، بما في ذلك الميل إلى ارتكاب التجاوزات العنيفة.

وما يعقد هذه الفجوة وجود لبس متواصل بشأن طبيعة الأسلحة ذاتية التشغيل وعلى وجه التحديد عدم توافق الآراء بشأن مستوى التشغيل الذاتي المطلوب لتصبح منظومة الأسلحة مثيرة للمشكلات.

كيف يمكننا تجاوز هذا المأزق؟ هل نُنظم استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل بشكل استباقي ما قد يتسبب في إيجاد إطار توجيهي لا يفي بالغرض إذا تطورت التكنولوجيا في اتجاه غير متوقع؟[4] أو هل ننتظر الكيانات العسكرية التي تتحرك أولًا لنشر منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل واستغلالها ، ما يرجح أن يؤدي إلى سباق تسلح عالمي؟

والدفع هنا في أنه على الرغم من كل عيوب وضع اللوائح المبكرة – اللوائح السابقة لاستخدام الأسلحة ذاتية التشغيل في ساحات القتال – فهو لا يزال يقدم أفضل فرصة للسيطرة على هذه التكنولوجيا، وحظرها إن لزم الأمر. ومع ذلك فإن وضع اللوائح المبكرة هو الاحتمال الأرجح للنجاح.

فرصة نجاح حظر الأسلحة ذاتية التشغيل

يرجح أن يحقق حظر الأسلحة ذاتية التشغيل التأييد المطلوب من الدول بمجرد أن يُنظر إلى أن تصنيع هذه التكنولوجيا واستخدامها بات وشيكًا. وخلال هذه «الفرصة القابلة للنجاح»، يصبح شبح سلسلة الانتشار التعاقبية للأسلحة ذاتية التشغيل – التي تحظى بزيادة سريعة في الطلب الوارد عليها – من الذرائع التي يمكن استغلالها، ويمكن اعتماد المشاركين في الحملة عليها للحشد للحاجة الملحة لإيجاد الدعم للوائح الاستباقية. ستقطع هذه اللوائح، حتى وإن فشلت في ضمان دعم الولايات المتحدة وروسيا، شوطًا طويلًا في سبيل وصم استخدام الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل في الحروب.

من أجل إدراك إمكانية نجاحها في ساحات القتال ليكون بمثابة محفز للتغيير التنظيمي، لا نحتاج إلى النظر إلى أبعد من اتفاق عام 1995 لحظر أسلحة الليزر المسببة للعمى؛ أحد الأمثلة الوحيدة لحظر وقائي ناجح للأسلحة في تاريخ مراقبة الأسلحة.

ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان قبل الاتفاق، كانت هناك جهود لحظر التكنولوجيا، بسبب عدم توافقها المحتمل مع القواعد التي تحظر التسبب في المعاناة غير الضرورية أو الإصابة غير المبررة في الحروب. غير أن ذلك لم ينجح، في ظل رفض دول للوائح المقترحة على أساس أن أسلحة الليزر المسببة للعمى تنتمي إلى عالم «الخيال العلمي». [5]

وفي الفترة من أوائل إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تغير الوضع، مع تقدم أسلحة الليزر المسببة للعمى المضادة للأفراد إلى المرحلة التي يدرس فيها بيعها. وأزعج هذا التطور لأسباب مفهومة، أولئك الذين يسعون إلى فرض حظر وقائي عليها. ومع ذلك، فبدلًا من إعلان نهايتها، فإن ما حدث هو العكس، فإمكانية نجاحها في ساحات القتال، ربما ساعدت الجهود التنظيمية لإنهاء حالة عدم الاكتراث من قبل عدد كبير من الدول التي اعتبرت أن التحدي، في حال ظهوره، يبقى أمرًا في المستقبل البعيد. [6]

تعد حملة حظر أسلحة الليزر المسببة للعمى، والتي يجب التسليم بها، قياسًا غير كامل للجهود الحالية المبذولة لتنظيم حرب الأسلحة ذاتية التشغيل. لقد أثيرت أسئلة مشروعة حول ما إذا كان يمكن للعنف الذي يتضمن استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل التمييز بين الأهداف المشروعة وغير المشروعة على نحو صحيح. وثمة صعوبة تكتنف الإقناع بالرأي القائل بأن هذا العنف يشكل معاناة غير ضرورية. أثار ما تسببه هذه الأسلحة من عمى دائم ردود فعل عاطفية جعلت لها وضعًا خاصًّا. على النقيض من ذلك، لم تُسمع أي اقتراحات، حتى الآن على الأقل، بأن الأسلحة ذاتية التشغيل ستختلف اختلافًا كبيرًا عن نظيراتها التي تعمل بواسطة البشر فيما يتعلق بنوع الضرر الجسدي الذي تحدثه بالفعل.

يمكن أن يثري مثال أسلحة الليزر المسببة للعمى النقاش الدائر حول حروب الأسلحة ذاتية التشغيل. ولكن الأهم أن ذلك لا يمكن أن يحدث من خلال المقارنات الفنية غير المناسبة بل من خلال التأكيد على أهمية فرصة نجاح حظرها للعملية التنظيمية.

أين تكون وجهة المسار؟

سيكون اجتماع فريق الخبراء الحكوميين القادم في 2020 للنظر في وضع إطار معياري وتنفيذي للتعامل مع مسألة حرب الأسلحة ذاتية التشغيل. في الوقت ذاته، سيواصل الخبراء الفنيون والمشاركون في الحملات العمل معًا بغية وضع تعريف أكثر دقة للتشغيل الذاتي يحدد بشكل أفضل التقنيات المحددة التي لا تتوافق مع قواعد الحرب. سيكون تحسن فهم ماهية تشكيل الأسلحة ذاتية التشغيل المثيرة للمشكلات الدليل الأوثق للإجراءات القادمة من حيث ما يتعين تنظيمه وتوقيت ذلك.

يجب توسيع دائرة التعاون بين الخبراء الفنيين والقانونيين والمختصين في علم الأخلاق ليشمل الأبعاد الزمنية لهذه المشكلة ولا سيما تساؤلات تتعلق بمقومات استمرارها. ما المسار الفني المحتمل للأسلحة ذاتية التشغيل من هذه المرحلة فصاعدًا؟ [7] هل يعكس دعم حظر استباقي على منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل حالة أسلحة الليزر المسببة للعمى ويصل إلى أشده عند النظر في بيع التكنولوجيات المثيرة للمشكلات؟ أو هل يكون توقع استخدامها في ساحات القتال عاملًا محفزًا أساسيًّا كخيار بديل؟ ومتى يكون من المرجح الوصول إلى كلا المستويين؟

لا تزال الإجابات القاطعة على هذه الأسئلة بلا ريب بعيدة المنال. لكن من خلال توضيحها إلى حدٍّ ما، يمكننا الحد من المخاطر التي تصل فيها الأسلحة ذاتية التشغيل إلى حد إمكانية نجاحها قبل تدخل الجهات التنظيمية.

ليست الحجة المطروحة هنا في أن قدرة ساحات القتال على التطور هو حل سحري تنظيمي، لمنع ظهور منظومة الأسلحة التي تثير المشكلات. ينصب التركيز هنا على الفرصة. أولئك الذين يرغبون في تقييد استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل في ساحات القتال أو حظرها سيكون لديهم أفضل فرصة على الأرجح عندما يكون خروج نسخة مهيأة للقتال من التقنية إلى النور وشيكًا.

سيوضح قرب ظهور التقنية مدى إلحاح المشكلة وعواقب التقاعس عن التصدي لها. وسيحفز إرادة الدول الملتزمة بالفعل بتطبيق الحظر والدول غير الملتزمة بذلك، على الأقل بعضها، على تغيير موقفها إلى اتخاذ موقف داعم أكثر نشاطًا.

صحيح أن بعض الدول ستواصل على الأرجح معارضتها لوضع لوائح بشأن استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل في الحرب، بغض النظر عن الاستعجال الناتج عن عواقب عدم وضع تلك اللوائح. في نهاية المطاف، قد تكون الفوائد العسكرية لهذه التكنولوجيا كبيرة بما فيه الكفاية بحيث تطغى على قدرتنا على منع انتشارها. قد يقع حظر الأسلحة ذاتية التشغيل أيضًا ضحية لاستمرار تقلص الإجماع الدولي بشأن الحد من الأسلحة، والذي تعزز مؤخرًا بإنهاء إدارة ترامب لمعاهدة إزالة القوات المدنية متوسطة المدى.

بات مستقبل هذه القضية غير واضح، شأنها شأن العديد من الجوانب الأخرى للحرب. لكن الأمر الواضح هو أن عامل الوقت مهم عند تنظيم استخدام الأسلحة العسكرية. ما أهمية الوقت في نهاية المطاف لحالة محددة من حرب الأسلحة ذاتية التشغيل؟ الزمن كفيل بالإجابة عليه.

نٌشر هذا المقال في الأصل بالإنجليزية في مدونة “القانون الإنساني والسياسات” وقد نقل أحمد سمير النص إلى العربية. 

انظر المقالات التي نشرناها عن القضايا المرتبطة باستخدام الأسلحة الذاتية التشغيل:

على من يطلق «الجندي الافتراضي» الرصاص؟

تيم مكفارلاند، الأسلحة ذاتية التشغيل والتحكم البشري

إيريك تالبوت جنسن، تحدي قابل للتحقق… إضفاء الطابع الإنساني على الأسلحة الذاتية التشغيل

العشعاش إسحاق، الآلة عندما تشن الحرب..الروبوتات القاتلة والحاجة إلى سيطرة بشرية هادفة

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا