في 25 يوليو/ تموز الماضي، نظمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر حوارًا على منصة الإعلام الاجتماعي تويتر أدارته الزميلة صفاء مجدي، المسؤول الإقليمي للتواصل الرقمي في المنظمة، مع الزميلة آلاء نايل، المتحدثة الرسمية للجنة الدولية للصليب الأحمر في أوكرانيا. في هذا الحوار مع جمهور اللجنة الدولية على منصة تويتر، استعرضت آلاء أبعاد الكارثة الإنسانية المؤلمة في أوكرانيا، وتبعاتها على المدنيين سواء في أوكرانيا أو في مناطق أخرى من العالم.
في هذه السطور، تسجيل لأهم ما ورد في الحوار.
صفاء: أرحب بكم مرة أخرى، واليوم نتحدث عن أوكرانيا، أردنا أن يكون هذا اللقاء باللغة العربية حتى يتعرف الناس أكثر على الوضع الإنساني في أوكرانيا، وكذلك للتعرف على عملنا في أوكرانيا وكيف نستجيب وبماذا نطالب وبعض التحديات التي نواجهها في عملنا هناك.
أيضًا من ضمن أسباب أن هذا اللقاء باللغة العربية وجود زميلتي العزيزة آلاء نايل، وهي المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية الصليب الأحمر، موجودة الآن في أوكرانيا وتحدثنا من هناك كي تخبرنا عن الوضع هناك وتعرفنا آخر المستجدات.
صفحتنا على تويتر تغطي بشكل أساسي المنطقة العربية وتحديدًا منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، ولكننا دائمًا نشعر خلال عملنا في النزاعات المسلحة أن جميع النزاعات متصلة ببعضها، وتأثيرها أو صداها أوسع بكثير مما نتخيله، وأيضًا نحن كجهة تقدم دائمًا الحماية وتتحدث عن الإنسانية، نرى عمومًا أن الهجوم أو تهديد الإنسانية في أي مكان هو تهديد لها في كل مكان، أيًّا كان مكان النزاع فمن المهم أن نتكلم عنه وأن يعرف الناس عنه، وأن يكون هناك احترام للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات كما نطالب دائمًا.
أستطيع أن أقول إننا جميعًا في كل البلاد قد نكون تأثرنا بشكل ما بالنزاع في أوكرانيا، ففي العالم كله الآن هناك موجة من ارتفاع الأسعار وأصبحت المعيشة صعبة لناس كثيرين في أماكن كثيرة في العالم، وهذا لأسباب تتنوع من مكان إلى آخر، ولكن قد يكون النزاع الأوكراني زاد من حدة الجوع حول العالم، وقد يكون هذا السبب لأن الأرقام تقول إن روسيا وأوكرانيا تنتجان ربع إنتاج القمح العالمي، وعندما يكون هناك نزاع بينهما فبالتأكيد سيتأثر العالم كله، الأسعار تزيد وترتفع في كل الأماكن، لكن دائمًا ما تكون أماكن النزاعات هي الأشد تأثرًا، لأن الوضع يكون صعبًا على الناس وهذا يزيد العبء عليهم، نرى أن أماكن مثل الصومال متأثرة بالفعل بالنزاع وتستورد بالفعل 90 في المئة من احتياجاتها من القمح، وتحديدًا من روسيا وأوكرانيا.
بالتالي عندما يحدث النزاع في روسيا وأوكرانيا تكون الحياة في الصومال أصعب، لا تجد احتياجاتها والموارد الأساسية مثل القمح، نحن نتحدث عن أساسيات الحياة، هناك عند بعض الناس يتطور الأمر ويصل إلى أن بعض الأسر تحرم أطفالها من التعليم مضطرين لأنهم لا يستطيعون دفع المصاريف بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، بلاد كثيرة مثل سوريا واليمن ومالي وإثيوبيا وأفغانستان. للأسف البلاد التي بها نزاعات بالفعل يزيد عليها العبء مع ظهور نزاع جديد، لذلك النزاع في أوكرانيا ليس بالبعيد عنا كجمهور عربي، وللأسف نحن متأثرون به، واليوم سنتحدث أكثر عن هذا النزاع والوضع على أرض الواقع، كيف نستجيب في اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبماذا نطالب، نريد الآن أن نسمع من آلاء وأتمنى أن تكوني بخير، أحب أن تبدئي بشرح ووصف الوضع الإنساني في أوكرانيا الآن.
آلاء نايل- صورة من اللجنة الدولية
آلاء: شكرًا صفاء على الاستضافة، أحب في البداية أن أقول إن ما كنت أراه وأسمعه من خلال شاشات التليفزيون وقراءتي للأخبار مجرد جزء مما يحدث على أرض الواقع، يزداد الوضع الإنساني في أوكرانيا سوءًا ويأسًا حيث نعمل على زيادة استجاباتنا ساعة بساعة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة، تحولت المنازل إلى أنقاض وتتكدس العائلات تحت الأرض لساعات طويلة بحثًا عن الأمان، مئات الآلاف من الناس يفتقرون إلى الطعام والماء والكهرباء والرعاية الطبية اللازمة، وملايين الأشخاص فروا من منازلهم إلى البلدان المجاورة، في حين أن هناك آلافًا غيرهم محاصرون في مدن أصبحت جبهات للقصف، وللأسف الناس الذين لم يتمكنوا من الفرار فئات هشة وأكثر ضعفًا، ككبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويجدر هنا التذكير أن هناك بعض المناطق لا تعاني من النزاع المسلح منذ قرابة ستة أشهر فقط بل تشهد ويلاته منذ ثماني سنوات. فمن خلال عملي هنا رأيت دمارًا ومباني مقصوفة وعاصمة يطبق عليها الصمت المخيف في الليل، وهناك قرى بجوار خط المواجهة، قابلت هناك وتحدثت مع ناس عانوا من أهوال وويلات النزاع المسلح، لا أستطيع وصف إحساس الذعر والألم النفسي الذي شعرت به من حديثي معهم، قابلت سيدة كبيرة في السن من إقليم بوتشا فقدت ابنها الوحيد، عندما رأتنا ونحن نقوم بتوصيل المساعدات الإغاثية قالت لنا: متى سينقضي هذا الكابوس؟
سيدة أخرى كانت ترفض أن تبكي خوفًا من أن يشعرها البكاء أن ما تعيشه واقع، قابل فريقنا أطفالًا وسمع عن أحلامهم، هناك طفل اسمه آرثم عمره عشر سنوات في قرية باروتين، قال إنه يريد أن يكون خبَّازًا أو موسيقارًا عندما يكبر، لم أستقر بعد ولكني واثق أنني أريد أن أبني لا أن أدمر، أرى أيضًا أطفالًا يستقلون حافلات للمجهول بدلًا من الذهاب إلى المدارس، حتى إن هناك الكثير من زملائنا الأوكرانيين نازحون من مدن كثيرة، أحيانًا أشرب معهم القهوة وأسمع قصصهم، وكل ما أراه أو أسمعه من كلامهم أن النزاع قتل أحلامهم، يعيشون في حالة شلل، لا يستطيعون تحديد أو اتخاذ أي قرار للغد، لا يعرفون ماذا سيحدث غدًا. هناك زميل آخر قال «نحن في حالة مجاهدة للبقاء على قيد الحياة، نحن لا نعيش حياة طبيعية»، زُهقت الأرواح وتشتت شمل العائلات ويعيش آلاف من المدنيين في دوامة القلق من المستقبل، وهناك الكثير منهم يشعرون بالقلق لأنهم يجهلون مصير أحبائهم وأقاربهم من أسرى الحرب.
أريد أيضًا أن أتطرق للنقطة الأولى التي ذكرتها عن تداعيات النزاع الملموسة والمحسوسة، ليس فقط بداخل أوكرانيا ولكن خارجها أيضًا، وطبعًا النزاع هنا له أثر رجعي وسلبي على مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب توقف تصدير القمح من أوكرانيا، أريد أن أشير إلى انعدام الأمن الغذائي العالمي، هناك طبعًا صفقة البحر الأسود للسماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا التي تم توقيعها مؤخرًا وهي تعتبر خطوة إيجابية ولكن يجب أن تستمر الجهود في هذا الاتجاه، لا أعرف أن أصف بالكلمات حجم الدمار والمأساة سواء كانت الملموسة أو حتى غير المرئية كالعبء النفسي على المدنيين داخل أو خارج البلاد.
صفاء: أشكرك آلاء وأعتقد أن وصفك واضح وليس بالغريب، وهذا هو نفس المعنى الذي ذكرته في بداية حديثي، ونحن هنا في منطقتنا الحروب ليست بالشيء الغريب عنا، فنحن لدينا وعي ونفهم معنى أن تبحث سيدة كبيرة في السن عن ابنها وليس لديها غيره في الدنيا، فهي معاناة واحدة نتشارك فيها جميعًا، ولكن دائمًا يكون هناك بصيص أمل في جهود الفاعلين الإنسانيين الذين يحاولون تحسين الوضع للمدنيين، أحب أن تخبريني أكثر يا آلاء عن دورنا هناك، وبالتأكيد الأمور ليس بالسهلة على زملائنا خاصةً زملاءنا الأوكرانيين تحديدًا، ولكن بالتأكيد ترينهم في الميدان وهم يحاولون بكل ما بوسعهم تحسين الوضع ولو قليلًا، نريد أن نعرف أكثر عن الاستجابة.
آلاء: نحن كلجنة دولية للصليب الأحمر نعمل هنا في أوكرانيا منذ عام 2014، ومنذ اندلاع النزاع في فبراير 2022 كثفنا استجابتنا للاحتياجات الإنسانية الواسعة والمتنامية، فرقنا ساعدت أكثر من 900 ألف شخص من المستضعفين بتقديم المساعدات الغذائية وسبل كسب العيش والمساعدات النقدية، بالإضافة طبعًا إلى مواد طبية ومواد نظافة شخصية، قدمنا أيضًا الأدوية والمعدات لأكثر من 75 منشأة صحية للمساعدة في علاج نحو 100 ألف شخص أو أكثر، كما نواصل دعم شبكات المياه والغاز التي يستفيد منها أكثر من 9 ملايين شخص في أوكرانيا.
قمنا أيضًا بنقل مرضى مدنيين وأناس يحتاجون إلى الرعاية الصحية من ميكولايف وأوديسا إلى حدود مولدوفا للعلاج اللازم، وطبعًا تستمر الجهود وشاركنا كلجنة دولية للصليب الأحمر في عمل ممرات آمنة في سومي وماريوبول وساعدنا أكثر من 650 شخصًا محاصرين في الأعمال العدائية للوصول إلى أماكن أخرى آمنة في أوكرانيا، أرسلنا موظفين إضافيين منهم مثلًا أنا، وأرسلنا أناسًا كثيرين جدًّا في أوكرانيا وبلاد مجاورة بما فيها مولدوفا وبولندا والمجر لتنسيق الاستجابة الإغاثية في المنطقة ككل، ومن بين هؤلاء العاملين هناك عاملون طبيون وجراحون وأخصائيون نفسيون وأيضًا متخصصون في تلوث الأسلحة ومهندسون ولوجستيون، قدمنا جلسات دعم نفسي في ملاجئ في جميع أنحاء سفيرودنياسك وقابلنا سيدة في الميدان قالت «لا أريد أن آكل ولا أريد أموالًا، أريد أن أنام»، فنحن نقدم جلسات الدعم النفسي للأشخاص كي يتمكنوا من العيش في ظل الأزمة التي نعيشها الآن، وطبعًا مع دخول فصل الشتاء لن تتوقف جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمساعدة المنكوبين هنا في أوكرانيا أو حتى في دول أخرى بها نزاع مسلح.
صفاء: أشكرك آلاء، وهذا كان تلخيصًا لعملنا على أرض الواقع ويمكن للمستمعين معرفة المزيد عن جهودنا من خلال زيارة موقعنا بالعربية والإنجليزية، ولكني أريد أيضًا أن أسأل آلاء، أنا أعرف أننا نفعل كل ما بوسعنا، ما هي التحديات التي تواجهونها خلال عملكم؟ أو ما هي الأمور التي إن تحسنت أو أصبحت متوفرة بشكل أفضل نستطيع توفير مساعدة لعدد أكبر من الناس، أو إن كانت هناك احتياجات معينة يحتاج إليها الناس بشكل أكبر، الغذاء أم المساعدات الطبية؟
آلاء: سأحاول اختصار التحديات في عدة نقاط لفهم الوضع كاملًا، الوضع الأمني المتأزم في مناطق تشهد تصاعدًا في وتيرة العنف يحد من قدرتنا على إيصال مساعدات إغاثية لفئات هشة ومتضررة، وهذه مسألة حياة أو موت للموجودين على الأرض، مثلًا في سيفيرو دونيتسك وما حولها كان الوصول صعبًا جدًّا بسبب شدة القتال مما تسبب في معاناة هائلة للمدنيين، والإمدادات الطبية للمدنيين أصبحت أمرًا صعبًا للغاية، كذلك من أهم التحديات التي نواجهها أننا دائمًا نبحث عن حلول لوجستية مبتكرة، نحن دائمًا نفكر كيف نمد الناس بالمساعدات الإغاثية، هذا ملخص أن الوضع الأمني يؤزم السكان، وأيضًا يحد من استجابتنا بشكل أكبر واستجابة الفاعلين الإنسانيين بمن فيهم الصليب الأحمر الأوكراني، أيضًا أحب أن أضيف إلى هذه التحديات أننا واجهنا مؤخرًا حملات مضللة هددت استجابتنا والقبول من قبل السلطات أو حتى الفئات المستهدفة، وفوق كل ذلك مبدأ الحيادية الخاص بنا قد يكون غير مفهوم للجميع، لذلك واجهنا انتقادات شرسة وصعوبات في تقبُّلنا على الأرض في بعض الأوقات، نحن كلجنة دولية للصليب الأحمر نتحدث مع جميع أطراف النزاع لتذكيرهم بواجباتهم فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني لمساعدة المحتاجين والمتضررين من النزاع والمدنيين.
صفاء: أشكرك آلاء، طبعًا الصورة واضحة جدًّا وقد أشرت إلى نقطة مهمة جدًّا خاصةً لنا كموظفين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قسم الإعلام، حيث إن بعض الناس لا تحصل على معلوماتها من مصادر موثوقة، لذلك نقوم بعمل مثل هذه الجلسات أو اللقاءات المباشرة سواء هنا أو على فيسبوك أو على القنوات الأخرى الخاصة بنا للتواصل على السوشيال ميديا، حتى يتمكن الناس من معرفة المعلومة من المصدر تحديدًا بدلًا من أن تعرف عن الصليب الأحمر من مكان آخر، تعرف على المعلومة من موقعنا، فنحن نشجع الناس أن يتحروا الصدق مثلما نقول دائمًا والدقة في المعلومات قبل نشرها، لأن للأسف الشديد قد يصل الأمر إلى تهديد حياة موظفين أو ناس في مناطق نزاع لأن هذه المناطق تكون مناطق حساسة جدًّا، أنا سعيدة لأنك أثرت هذه النقطة آلاء، وأريد أن أنتقل منها، بعد حديثك عن التحديات التي نواجهها على الأرض في أوكرانيا، إلى ما هي مطالبنا اليوم؟ وما هي أهم رسالة نريدها أن تصل إلى من يسمعوننا؟
آلاء: نناشد أطراف النزاع أن يغتنموا كل فرصة للبناء على خطوات صغيرة لتخفيف المعاناة عن المدنيين، حتى بدون وقف إطلاق النار، هناك خطوات عملية يجب على الأطراف اتخاذها لأن من خلال احترام القانون الدولي الإنساني سيحدون من معاناة المدنيين، وفوق كل ذلك العمل على استبعاد البنية التحتية المدنية من الهجمات بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والكهرباء، فالهجمات على مثل هذه المنشآت لا ينتج عنها سوى المزيد من المعاناة الإنسانية، كذلك يجب السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة جميع أسرى الحرب أينما احتُجزوا، وعلى الرغم من أننا تمكنا من زيارة بعض أسرى الحرب لم يُسمح لنا بالوصول إليهم جميعًا، وزيارة البعض منهم لا تكفي طبعًا، لأننا بحاجة إلى توفير الإجابات للعائلات التي تنتظر ردودًا عن مصير ذويهم، كما يجب على أطراف النزاع ضمان إيصال وتيسير المساعدات الإنسانية المحايدة ليتسنى لنا ولجميع العاملين في المجال الإنساني أن يوصلوا الإغاثة اللازمة لضحايا النزاع الذين هم في أمس الحاجة إليها. هذا ما نناشد به وهذه هي مطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
صفاء: أشكرك آلاء وأريد أن أؤكد مرة أخرى على هذا المطلب الذي ذكرنا، أنه يجب على الناس أن تتحرى صدق المعلومات التي تنشرها خاصةً في نزاع قائم بالفعل مثل النزاع في أوكرانيا، هذا مطلب منا نحن كعاملين في قسم الإعلام أحب أن أضمه إلى قائمة المطالب التي ذكرتها. آخر ما أريد سؤالك عنه وقد يكون له اهتمام شخصي مني كزميلة لك في الصليب الأحمر، نريد أن تشاركينا انطباعك، أنا أعلم أنها أول تجربة لك في الميدان وهي ليست بتجربة سهلة، أريد أن تخبرينا عن مشاعرك وكيف أثرت هذه التجربة معك، أعلم أن زملاءنا في الميدان كان الله في عونهم، وأن العمل في منطقة نزاع يؤثر على صحتك وسلامك النفسي، حتى لو كان عملنا في مناطق ليس بها نزاع أو عمل إداري إلا أن الصور والقصص التي تصلنا مرهقة نفسيًّا، فكيف الحال إذا كنت حاضرة في الميدان، هل هذا له تأثير نفسي عليك؟ أتمنى أن تكوني بخير، وأحب أن تخبرينا عن تجربتك الأولى في الميدان.
آلاء: سأركز على الأمور الإيجابية لأنني أشعر بأني شخص إيجابي ومتفائل بطبعي، خلال رحلتي هذه في الميدان أردت أن أرى الأشياء الجميلة حتى لو كانت في أقتم وقت مثل هذا النزاع المسلح، رأيت قدرة الناس على انكماشهم على الحياة، الناس تريد أن تعيش مهما كانت الظروف، استوقفني أيضًا أن الأطفال لديهم قدرة على الصمود في حالات الحرب، وأن يستمر الضحك واللعب، وهذه أيضًا كانت تذكرة لي أن بنية الإنسان قوية على الرغم من أي أزمة يمر بها ومهما كان حجمها، وهذا كان ملموسًا وواضحًا جدًّا من القصص التي سمعتها ومما رأيته في الميدان، المثابرة على الحياة، وبعيدًا عن الواقع السياسي هناك أمر آخر لمسته وهو تقديس معنى البيت أو الأصل، الشعور بالانتماء، «لن أترك بيتي حتى لو كان هناك قصف لأن هذا البيت لا يمثل فقط جدرانًا بالنسبة لي، هذه الجدران تروي حكايات عشتها، وتُعد أعيانًا على عمر مضى بها».
وفوق كل ذلك انفطار قلب الأهالي والأبناء على عائلاتهم، مثل زميلة لي هنا تريد الرجوع إلى مدينتها فقط لكي ترى أهلها، رفضوا ترك بيتهم واضطرت هي إلى أن تتركهم، وحلمها بسيط جدًّا، أن تراهم فقط وتحتضنهم، وهو ما ذكرني بنعمة العائلة، قد لا يشعر الشخص بنعمة الأهل والعائلة والسكن الدافئ، ولكن هذه أمور مهمة يجب أن نركز عليها، وآخر شيء استوقفني أيضًا كيف أن النساء يعشن مع عواقب الحرب ويتفاعلن معها وهن لسن ضحايا سلبيين، رأيت نساء كثيرات ألهمنني، أن المرأة مصدر رئيسي للاستقرار في مناطق النزاع ويجمعن ليس فقط عائلاتهن بل المجتمع من حولهن ككل. هذه أول مرة أنزل الميدان ولكن الميدان غيرني، وأحب أن أنهي حديثي بأنه كما نقول إن الصحافة تكتب المسودة الأولى من التاريخ، أريد أيضًا أن أقول إن العمل الإنساني يضع المسودة أو النسخة الأولى من الاستقرار في مجتمعات دمرها النزاع المسلح، ونحن نُدخل الطمأنينة على قلوب هؤلاء الناس نوعًا ما، وهذا أمر يسعدني أن أرى الناس سعيدة بأبسط الأشياء التي تحتاج إليها.
صفاء: أشكرك آلاء ولن أستطيع ختم هذا اللقاء بخاتمة أفضل من تلك، وأتمنى لك السلامة ولكل زملائنا هناك ولكل الناس بأوكرانيا. كان هذا لقاءنا اليوم عن أوكرانيا، وأنا سعيدة لمن شاركونا اليوم وفي حال وجود اقتراحات للقاءات أخرى مباشرة على twitter space راسلونا في أي وقت، أشكركم جميعًا وأشكرك آلاء وإن شاء الله تعودين بالسلامة. آلاء: إن شاء الله، أشكرك صفاء وأشكر جميع المستمعين.
تعليقات