ar
إغلاق

الموصل المنكوبة تصارع الوباء: مستشفيات خارج نطاق الخدمة

العدد 67

الموصل المنكوبة تصارع الوباء: مستشفيات خارج نطاق الخدمة

EPA-EFE/OMAR ALHAYALI

يعيش المجتمع العراقي أتعس أيامه، فسنوات من الحرب الدامية أثقلت كاهل العراقيين وعمَّقت جراحهم، وخلال تلك السنوات، نالت الموصل حصة كبيرة من الخراب ودفعت الضريبة من بنية تحتية متهالكة ومستشفيات ومراكز صحية مدمرة.

حلقات النزاع المسلح الذي شهدته مدينة الموصل، وانتهى في عام 2017، بعد معركة استعادة المدينة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، أفضت إلى عواقب وخيمة. فاليوم، حتى بعد مضي 3 سنوات، تتمثل إحدى هذه العواقب في الأثر الكبير الذي طال الرعاية الطبية. إذ دُمرت بالكامل العديد من المرافق الصحية في الموصل ذات المليون ونصف المليون نسمة نتيجة النزاع وأصبح هؤلاء السكان في محنة مواجهة جائحة كوفيد- ١٩ المميتة.

عندما وصل مرض كوفيد-19 إلى الموصل في وقت سابق من العام 2020، بدا واضحًا أن نظام الرعاية الصحية المحلي سيجد صعوبة كبيرة في التصدي للوباء المستجد. وعلى الرغم من نجاح التدابير التي اتَّخذتها الحكومة العراقية على مستوى البلد في إبطاء سرعة انتشار الفيروس في البداية، فإن عدد الحالات ازداد بشكل لا يمكن السيطرة عليه، إذ وصل العدد الإجمالي لإحصائيات الإصابة بكوفيد-19 في عموم العراق [حتى كانون الأول/ ديسمبر 2020]، إلى أكثر من نصف مليون حالة، وأكثر من 12 ألف حالة وفاة. وفي محافظة نينوى، ارتفعت أعداد الإصابات، لتصل إلى معدل مقلق [قرابة 1500 إصابة شهريًّا].

مستشفيات ومراكز صحية مهدمة

بعد استعادة القوات العراقية الموصل من سيطرة مقاتلي جماعة تنظيم الدولة في الـ10 من يوليو/ تموز 2017، استفاقت المدينة على واقع مؤلم، فقد جرى تدمير شبه شامل للمؤسسات الصحية في المدينة، تعرض 20 مستشفى حكوميًّا وأهليًّا لهجمات قاسية.

بحسب آخر الإحصائيات الحكومية التي أعلنت تدمير 12 مستشفى حكوميًّا من أصل 14، كما تعرض 76 مركزًا صحيًّا للقصف من أصل 98 في عموم مدينة الموصل، هذه المدينة كانت مشهورة على مستوى العراق بمستشفياتها العملاقة، وكانت أيضًا معروفة بأطبائها المهنيين والمحترفين والمختصين. كانت الموصل تضم أهم المستشفيات الحكومية بسعة 4600 سرير قبل يونيو/ حزيران 2014. لكن عدد الأسرَّة انخفض بعد الحرب عام 2017 إلى 1700 سرير مخصصة لـ3.7 مليون إنسان في عموم محافظة نينوى.

ويقول خبراء إن إعادة إعمار المدينة يتطلب عدة مليارات من الدولارات، وأن عمليات الإعمار قد تطول إلى نحو عشر سنوات. وما زالت المناطق القديمة في الجانب الأيمن من الموصل تحتوي على نحو 8 أطنان من الأنقاض، وأكثر من 300 ألف طن من مخلفات الحرب.

أبرز المستشفيات التي تعرضت للقصف إثر العمليات العسكرية، هي مستشفى ابن سينا التعليمي الذي يعتبر أكبر مستشفى في محافظة نينوى، وثاني أكبر مستشفى بعد مدينة الطب في العاصمة بغداد، ويُضاف لقائمة المستشفيات المهدمة مستشفيات السلام والجمهوري والبتول ومستشفى الأورام السرطانية.

ICRC

الأطفال هم الضحية الأكبر

بعد رفع تدابير الإغلاق الرامية لاحتواء كوفيد-19 في مدينة الموصل في الشهور الماضية، وجد الأطباء أنفسهم أمام حقيقة مؤلمة مع تدهور صحة الأطفال وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء المدينة العراقية التي حُررت من قبضة المسلحين قبل ثلاث سنوات. ويعاني الأطفال الذين شُخصوا باضطرابات عقلية عديدة بينها التوحُّد، إذ إن هناك صعوبة بالغة في الحصول على برامج علاج وإعادة تأهيل يشير الأطباء إلى أنها ضرورية، ولكن أغلب دور الرعاية أغلقت أبوابها بسبب انتشار كوفيد-19.

ويشتكي الأطباء من مشاكل أخرى من بينها الاعتقاد بأن الاعتراف بإصابة أبناء العوائل يشكل وصمة عار. كما يوضح أخصائيون في الطب النفسي من مواجهتهم لمشكلة كبيرة وهي عدم اعتراف وتقبل الأهل لنوعية المرض الذي يعانيه الطفل، وهذا يؤثر على الفترة التي نحتاجها لبدء العلاج.

قد يؤدي هذا الأمر لتحديد إصابة أطفال بالتوحد دون أن يكونوا كذلك، أو العكس عدم تشخيص آخرين رغم إصابتهم بالمرض. لكن الأمر يبدو معقدًا بالنسبة للذين تأكدت إصابتهم بالمرض، لأن مدينتهم تفتقر لمقومات الرعاية الأساسية مثل الأمن والتعليم والأمن الغذائي، وخدمات طبية، حيث تستقبل دار رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الموصل 51 طفلًا فقط، من أصل 300 ألف طفل مشرد أو فاقد للمعيل، وهذا يُنذر بحدوث أزمة صحية كبيرة بعد انتشار كوفيد-19.

ويعد توفر هذه العناصر أمرًا شبه مستحيل حاليًّا في العراق الذي تعاني أغلب محافظاته نقصًا كبيرًا في الخدمات بينها الماء والكهرباء التي أصبحت بعيدة المنال، بينما يعيش أبناؤه حروبًا وصراعات منذ أربعة عقود.

ارتفاع معدلات الفقر

عانى العراقيون مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل فرض حظر التجوال بسبب انتشار وباء كوفيد-19، الأمر الذي أدى إلى اعتقاد خبراء احتمالية ارتفاع معدل الفقر، الذي قد يصل إلى 40% وفقًا لعدم قدرة الحكومة على تعويض المتضررين على إثر انهيار أسعار النفط.

يهاجم الفقر والجوع حياة العراقيين وسط اضطراب سياسي، وفي ظل تراجع أسعار النفط تتصاعد المطالبات بإيجاد حلول واقعية لمساعدة المتضررين بسبب فرض حظر التجوال، على إثر انتشار وباء كوفيد-19، أما المشهد الاقتصادي فيعاني تخبطات معقدة تزيد من جراح المواطنين، وربما ستجبرهم على كسر القيود القانونية والنزول إلى الشوارع من أجل الحصول على لقمة العيش.

ووفقًا لآخر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، فإن أكثر من 20 في المئة يقبعون تحت خط الفقر الوطني، فيما تصل نسبة البطالة بين فئة الشباب إلى 22.7 في المئة، كما كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تزايد نسبة الفقر في البلاد بسبب جائحة كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط، علاوةً على ذلك تأخر رواتب الموظفين والمتقاعدين، وانقطاع رواتب ذوي الشهداء والمفقودين لأكثر من 6 شهور.

وكل ذلك أدى إلى تعرض المواطنين لأزمة مالية، ما اضطرهم لكسر حظر التجوال وإصابتهم بكوفيد-19، والكثير من العوائل فقدت معيليها بسبب الإصابة بالفيروس المستجد، الأمر الذي أدى إلى تعميق جراح الفقراء والمحتاجين الذين خرجوا من حرب قاسية، ثم دخلوا لمأساة الجوع بسبب وباء كوفيد-19.

قصص معاناة

عمر صباح، 43 عامًا، حمَّال يعمل في إحدى أسواق المدينة القديمة، بالجانب الأيمن من الموصل، فقد ساقيه حين تعرَّض منزله للقصف في العام 2017، ووجد نفسه غير قادر على رؤية أصدقائه القدامى الذين كان يعتمد هو وأسرته على ما يقدمونه له من دعم.

يقول «صباح» إن أقصى أحلامه هو الحصول على تعويض من الحكومة كالذي وُعد به مئات المدنيين في الموصل بعد إصابتهم أثناء حملة القوات العراقية والأمريكية لتحرير المدينة من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. لكنه ما زال ينتظر رغم مرور ثلاث سنوات على مصيبته.

كان «صباح» يعمل حمَّالًا في سوق باب السراي بالموصل، ويدفع على عربة خشبية بضاعة التجار في الشوارع الضيقة بالمدينة القديمة. وحاليًّا أصبح مشرَّدًا، فقد قُتلت أمه وشقيقته في قصف جوي، وتحول بيته إلى كومة من الأنقاض.

يوضح أنه لا يستطيع الاستمرار في عمله لأن كثيرًا من التجار يتجنبون تكليفه بأي مهمة بسبب إعاقته. يؤكد «صباح» عدم قدرته على تحمل مصاريف إيجار البيت، وأنه كثيرًا ما يأخذ المال من جيرانه على شكل قرض أو دين، ولا يعرف كيف يسدد ديونه المتراكمة.

يقول إنه لم يكن قادرًا على إطعام أطفاله أثناء قيود الحد من تفشي فيروس كورونا. ويعيش مبتور الساقين مع ستة من أبنائه، الذين اضطروا لترك مدارسهم والعمل في الشوارع، وبيع الماء، والمحارم الورقية كي يساعدوا أباهم في ظل انعدام المساعدات والتعويضات الحكومية.

ICRC

مرَّت ثلاثة أعوامٍ منذ انتهاء النزاع في الموصل بشكل رسمي. ولكن المعركة لإعادة بناء المدينة وحياة الناس لم تنتهِ بعد. إذ ما زالت الألغام، والأفخاخ المتفجرة مزروعة في المنازل المهجورة، والمرافق الصحية، ومساحات واسعة بالمدينة القديمة.

ورغم الخراب الذي طال المدينة، لا يملك بعض الموصليين خيارًا آخر، فقد تركوا مخيمات النزوح وعادوا إلى منازلهم المهدمة، وفيها يعيشون من دون مياه وكهرباء أغلب الأحيان. كما أن تردي أوضاع النظافة العامة، وانعدام الخدمات الصحية، أدى لزيادة خطر الإصابة بفيروس كورونا.

في مدينة الموصل، التي دُمرت بنسبة 80 بالمائة، وطال الخراب البنى التحتية، والمنشآت العامة، ومنازل المواطنين، وممتلكاتهم الخاصة، علاوةً على إجمالي عدد القتلى من المدنيين الذي بلغ نحو 40 ألف شخص، تقف الحكومة الاتحادية في بغداد عاجزةً عن تقديم الدعم الكافي.

تعالت أصوات الناشطين والمراقبين الموصليين لتفعيل قانون يعتبر الموصل مدينة منكوبة، وقد أقرَّه البرلمان العراقي بشكل رسمي، لكن وزارة الصحة لا تستجيب لمناشدات المواطنين بسبب العجز الاقتصادي في ميزانية الدولة البالغ 36 مليار دولار.

الرأي العام الموصلي يطالب بتدخل المنظمات الدولية الإنسانية بشكل فوري لإعادة إعمار المستشفيات، والمراكز الصحية، وإنقاذ البشر من الموت بكوفيد-19، وتخفيف معاناة البشر في المدينة.

ظهر هذا المقال في العدد 67 من مجلة الإنساني.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا