أصل ومبادئ وتحديات… حوار حول القانون الدولي الإنساني مع المستشار عمر مكي

قانون الحرب

أصل ومبادئ وتحديات… حوار حول القانون الدولي الإنساني مع المستشار عمر مكي

في الشهر الماضي، استضافت زميلتنا سلمى عودة من «المركز الإقليمي للإعلام» في اللجنة الدولية للصليب الأحمر المستشار عمر مكي المنسق الإقليمي للقانون الدولي الإنساني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية للصليب الأحمر في حوار موسع عن القانون الدولي الإنساني. تميز هذا الحوار الذي أجرى عبر صفحة فيسبوك باللجنة الدولية بأنه استعرض المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني في إطار مبسط للغاية.

هنا أجزاء من هذا الحوار:

مساء الخير، معكم سلمى عودة من مكتب القاهرة للإعلام، ومعنا المستشار عمر مكي المنسق الإقليمي للقانون الدولي الإنساني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما وعدناكم لكي يجيب عن أسئلتكم الخاصة بالقانون الدولي الإنساني.

أهلًا بك، سننتظر أسئلة المتابعين خلال اللقاء، لكن دعنا نبدأ بتعريف مختصر «ما هو القانون الدولي الإنساني؟»

أهم شيء فيما يخص القانون الدولي الإنساني أن نفهم الظاهرة المعني بها القانون نفسه، للأسف القانون الدولي الإنساني ككلمة ليس من السهل فهمها في المجتمع العادي أو المجتمع غير القانوني، لذلك من الأفضل أولًا أن نوضح أن الأصل التاريخي لمصطلح القانون الدولي الإنساني كان باسم قانون الحرب حتى فترة معينة بعد تجريم الحرب عام 1945، ثم بدأ استخدام مصطلح آخر باسم قانون النزاعات المسلحة، ثم بعد ذلك أصبح لدينا مصطلح «القانون الدولي الإنساني» بعد تطور حركة حقوق الإنسان وخلافه.

الفكرة الرئيسية التي نريد أن نوضحها أن القانون الدولي الإنساني معني بالنزاع المسلح أو الحرب، يحاول القانون الدولي الإنساني أن يخاطب الأطراف المتحاربة، سواء من الدول أو الجماعات المسلحة، ويعرفهم أنه من حقهم أن يستمروا في المعركة، ولكن عليهم أن يخلقوا مساحة إنسانية داخل النزاع المسلح، يتم فيها حماية فئات معينة لا تشارك في العمليات العدائية أو توقفت عن المشاركة في العمليات العدائية، وهذا أهم شيء في القانون الدولي الإنساني، أنه تم سنُّه لأن ظاهرة الحرب هي ضرورة قد تكون ملحة بالنسبة للدول، والحرب قد تكون مشروعة في إطار الدفاع عن النفس أو إطار إجازة مجلس الأمن وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، ولكن في هذا الإطار يجب أن يكون هناك حد أدنى من المعاملة الإنسانية بين الأطراف المتحاربة تجاه فئات معينة من السكان سواء من المدنيين أو الجرحى والمرضى أو خلافه.

وهنا أستطيع أن أقول بإيجاز، وقد يكون هذا الخطاب موجهًا بصفة خاصة للقانونيين، إن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من الاتفاقيات نتيجة أن المجتمع الدولي لا توجد به برلمانات أو مجالس تشريعية تستطيع أن تفرض على كل الدول قواعد معينة، لذا كان يجب أن يكون هناك ما يُسمى باتفاق دولي بين الدول المختلفة، حيث تتفق على حد أدنى من القواعد تطبق في وقت النزاعات المسلحة. إذن هو مجموعة من القواعد الاتفاقية هدفها الرئيسي هو الحد من آثار النزاعات المسلحة، وهنا كلمة «الحد» مهمة جدًّا لأن «الحد» يعني محاولة تخفيف ويلات الحرب على ضحايا النزاعات المسلحة، بمعنى أن القانون الدولي الإنساني ليس هدفه وقف الحرب أو عقد هدنة ما بين الأطراف المتحاربة، وإنما هدفه الرئيسي هو تخفيف أضرار الحرب بقدر الإمكان، وهناك فئات معينة يمكن التحدث عنها بالتفصيل في الأسئلة القادمة.

إذن هذا الاتفاق بين الدول تبلور في اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها الدول المختلفة على مستوى العالم؟

قد تكون اتفاقيات جنيف هي الأكثر شهرة بالنسبة لاتفاقيات القانون الدولي الإنساني، كان هناك الكثير من الاتفاقيات الأخرى، وهذا تطور تاريخي من بداية عام 1864 وحتى عام 1977، ولكن هناك اتفاقيات أخرى متعلقة بالأسلحة وخلافه، لكن فعلًا الاتفاقيات الأكثر أهمية بالنسبة للقانون الدولي الإنساني هي اتفاقيات جنيف الأربع، فالاتفاقية الأولى معنية بحماية الجرحى والمرضى في النزاع المسلح البري، الاتفاقية الثانية معنية بالجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار في النزاع المسلح البحري، الاتفاقية الثالثة معنية بحماية أسرى الحرب، والاتفاقية الرابعة معنية بحماية المدنيين، وكان ذلك تحديدًا بعد الحرب العالمية الثانية وكل ما أصاب المدنيين من جرح وقتل ودمار

وهل جميع دول العالم موقعة على اتفاقيات جنيف؟
كل دول العالم صدقت على اتفاقيات جنيف.


ما هي مصادر القانون الدولي الإنساني؟ كيف يستمد قوانينه؟
لا أستطيع الجزم أن مصادر القانون الدولي الإنساني هي الاتفاق فقط، ولكنْ هناك أيضًا أعراف، فالحضارات القديمة كلها عرفت القانون الدولي الإنساني بشكل أو بآخر، أي حضارة في الدنيا تريد أن تبني مجتمعًا مدنيًّا في نفس الوقت مع وجود ضرورة الحرب التي نأسف لوجودها، ولكن في النهاية هو واقع نمر به، بالتالي كل حضارة كان لديها نوع من أنواع التنظيم لقواعد سير العمليات العدائية، فمثلًا قانون حمورابي في الحضارة البابلية، قانون مانو في الحضارة الهندية القديمة، مدونة بوشيتو في الحضارة اليابانية، كتاب فن الحرب لسانت زو في الحضارة الصينية، الشرائع السماوية كلها تحدثت عن قواعد القانون الدولي الإنساني بطريقة أو بأخرى، الشريعة الإسلامية تحديدًا أسهبت بغزارة في موضوع تنظيم قواعد سير العمليات العدائية ما بين المقاتلين، فكل حضارة وكل شرع حاول أن ينظم قواعد سير العمليات العدائية بشكل أو بآخر. اتفاقيات جنيف قامت بعد تأسيس فكرة الدول الحديثة واتفاقية ويستفاليا للسلام في أوروبا عام 1648، بدأت هناك حركة في العصر التنويري من الفلاسفة حتى يحددوا ما هي قواعد سير العمليات العدائية بشكل حديث، تبلور بعد ذلك في شكل اتفاق دولي عام 1864، وتطور الوضع مع تطور ظاهرة الحرب

وما هي أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني؟

القانون الدولي الإنساني بصفة أصلية يخاطب المقاتلين، لذلك أهم مبدأ في القانون الدولي الإنساني هو المبدأ الذي يطالب المقاتلين بالتمييز ما بين المدني والمقاتل، كذلك التمييز ما بين المنشأة العسكرية أو الهدف العسكري والمنشأة المدنية أو العين المدنية. قد يكون هذا هو أهم مبدأ من مبادئ القانون الدولي الإنساني. يأتي بعد ذلك مبدأ آخر وهو مبدأ التناسب، أي أنه حتى لو تبين لك كمقاتل أن العين المدنية تحولت إلى هدف عسكري بسبب مثلًا إخفاء سلاح أو ذخيرة أو مقاتلين في مكان مدني، فقد يتحول هذا المكان إلى هدف عسكري، هنا يطلب القانون الدولي الإنساني من المقاتل أن يحترم المبدأ الثاني وهو مبدأ التناسب، حيث يطلب من المقاتل أن يوازن ما بين الميزة العسكرية التي ستتحقق من جراء العمل العسكري وبين الاعتبارات الإنسانية الأخرى، الخسائر البشرية التي قد تصيب المجتمع المحيط بالهدف العسكري أو العين المدنية التي تحولت إلى هدف عسكري. وهذان من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني.

مبنى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العاصمة السويسرية جنيف

من أكثر المنظمات التي تتحدث عن القانون الدولي الإنساني هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. لماذا تهتم اللجنة الدولية بالقانون الدولي الإنساني؟ ما علاقتها به؟

علاقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقانون الدولي الإنساني هي علاقة وثيقة جدًّا من وقت النشأة، فقد تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1863 وأول اتفاقية من اتفاقيات القانون الدولي الإنساني كانت بمبادرة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1864، فكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دائمًا، بما أنها تشهد تطورات الحرب لأنها أكثر منظمة موجودة على الأرض في وقت النزاعات المسلحة، تلحظ الظاهرة وتطورها. تلحظ مثلًا استخدام قنابل عنقودية فتخاطب المجتمع الدولي في صورة مؤتمرات دبلوماسية ودولية وتطالب المجتمع الدولي أن يتبنى اتفاقية تجرم أو تقيد استخدام مجموعة معينة من الأسلحة.

بالتالي كان دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر دائمًا طرح فكرة إنشاء اتفاقية ثم أصبح بعد وجود اتفاقيات، وتحديدًا اتفاقيات جنيف الأربع، للصليب الأحمر دور كبير جدًّا في مساعدة الدول على نشر قواعد القانون الدولي الإنساني وهو القسم الذي أنتمي إليه، وهو قسم الخدمات الاستشارية الذي يدعم الدول في نشر قواعد القانون الدولي الإنساني في شتى الأوساط سواء العسكرية أو المدنية أو القضائية. يأتي بعد ذلك دور آخر في تفسير القانون الدولي الإنساني، فهناك مصطلحات مبهمة في اتفاقيات جنيف لأنها وليدة مفاوضات بين الدول، فبالتالي بعض المصطلحات لم يستطيعوا الوصول إلى اتفاق عليها أو على معانيها، وهنا يأتي دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر حيث تتدخل عن طريق إصدار تفسيرات لمفاهيم قانونية معينة، لدينا تجميع قواعد القانون الدولي العرفي، فدائمًا اللجنة الدولية تقوم بدور يطلق عليه اسم الوصي مجازًا أو حارس قواعد القانون الدولي الإنساني، ولكن هو حارس بفكرة النشأة والنشر والتفسير وتجميع القواعد، ولكنْ للجنة دور مختلف نسبيًّا في العمليات أو المساعدات التي تقدمها اللجنة لضحايا النزاعات المسلحة.

لمَن يوجَّه القانون الدولي الإنساني؟ ومن المفترض أن يحمي مَن؟

القانون الدولي الإنساني بشكل مبسط يخاطب جميع الأطراف المتحاربة، سواء من الدول أو التحالفات العسكرية، أيًّا ما كان عدد الدول التي تشارك في العملية أو في الحرب، يخاطب القانون الدولي الإنساني كل دولة على حدة وكل فرد على حدة، وأيضًا يخاطب الجماعات المسلحة في حالات معينة، في بعض الأحيان يخاطب الشعوب التي تقرر رفع السلاح ضد النظم الاستعمارية وضد الاحتلال الأجنبي وأي نظام آخر قد يكون لديه الفكر الاستعماري. في كل حالات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية يخاطب القانون الدولي الإنساني كافة أطراف النزاع. ويحمي تحديدًا الفئات التي لا تشارك في العمليات العدائية أو التي توقفت عن المشاركة في العمليات العدائية. ولكن في نفس الوقت لا يجرم استهداف المنشآت العسكرية أو المقاتلين أو الأفراد الذين يشاركون مشاركة مباشرة في العمليات العدائية.

هناك سؤال من السيدة يارا أشرف: من المنوط به تطبيق القانون الدولي الإنساني؟

على حسب أي قاعدة تحديدًا نتحدث عنها في القانون الدولي الإنساني، ولكن بصفة أصلية القانون وضعته الدول، فبالتالي الدول هي الملتزمة بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني. فلو أننا نتحدث عن التطبيق في صورة الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، لو أن المقصود العقاب على الانتهاكات فالمنوط به تحديدًا الدول. لدى المحاكم الوطنية الاختصاص الأصيل في محاكمة من يرتكبون أبشع الجرائم الإنسانية أو ما يطلق عليه انتهاكات القانون الدولي الإنساني أو جرائم الحرب. أما إذا كانت الدول غير قادرة على المحاكمة، فيرتقي الأمر إلى طبقة أخرى في المجتمع الدولي وهي الطبقة التي بدأت من عام 1945 في صورة ميثاق الأمم المتحدة، أن يكون لدينا آليات يصنعها أو ينشئها مجلس الأمن لمحاكمة مجرمي الحرب، وهذا ما حدث في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا. قد توجد حالات للمحاكمات الدولية، ولكن هذا ليس جزءًا من القانون الدولي الإنساني، فالقانون الدولي الإنساني يلزم الدولبمحاكمة من يرتكبون انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ويطلب إما محاكمة مرتكب جرائم الحرب أو تسليمه لسلطة أو دولة أخرى ترغب في محاكمته حتى لا يفلت مجرم واحد من العقاب.

تصوير (NIC BOTHMA/Epa)

هناك سؤال آخر من السيد سومر: ما مدى التزام الجماعات المسلحة بالقانون الدولي كونها جماعات غير حكومية وغير موقعة على اتفاقيات جنيف؟

الجماعات المسلحة ملزمة بالقانون الدولي الإنساني مثل أطراف النزاع من الدول، الجماعات المسلحة وفقًا للمادة 3 المشتركة وهي المادة المعنية بالنزاع المسلح غير الدولي، لأن في النزاع المسلح غير الدولي من المفترض أن هناك طرفًا حكوميًّا أو طرفًا من الجماعات المسلحة أو جماعات مسلحة فيما بينها، فالقانون الدولي الإنساني أدرك أن الدول التي صادقت على اتفاقيات جنيف عام 1949 لم تكن تعرف هذا النموذج من الحروب. أعتقد أنه منذ 70 أو 75 عامًا لم يكن هناك اعتقاد أن الجماعات المسلحة ستنتشر بهذا القدر الذي حدث منذ ست سنوات تقريبًا، فقد انتشرت بشكل أكبر بكثير مما كانت عليه في الـ60 عامًا الماضية.

إذن الجماعات المسلحة ملزمة بالقانون الدولي الإنساني حتى لو لم تصدق على الاتفاقيات، فالأجيال الحديثة لم تحضر مناقشات اتفاقيات جنيف، ولكنها ما زالت ملتزمة بها، هناك ما يُسمى اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية تنص على أن كل فرد داخل الدولة ملتزم بالاتفاق الدولي الذي صادقت عليه دولته كممثل لهذا الشخص، بالتالي الجماعة المسلحة هي في النهاية، حتى لو أنها غير راغبة في أن تكون تحت طوع الدولة وآلياتها، ملتزمة بما أنها ما زالت جزءًا من هذه الدولة، وبالتالي عليها التزام احترام قواعد القانون الدولي الإنساني.

سؤال آخر من السيد إبراهيم شرخان: هل الجماعات المسلحة الداخلية ينطبق عليها القانون الدولي الإنساني؟

في كل الأحوال، ولكن يجب أن تكون الجماعة المسلحة طرفًا في نزاع مسلح دولي أو غير دولي، لو أنه في نزاع مسلح غير دولي فالجماعة المسلحة التي يعرفها القانون الدولي الإنساني يجب أن تكون جماعة مسلحة منظمة ويجب أن تكون قادرة على القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومتسقة، يجب أن يتوافر الشرطان: حد التنظيم وحد جسامة العمليات العسكرية. الجماعة المسلحة التي تعد مجموعة من الأفراد غير منظمين وليس لديهم قيادة مسؤولة ويحملون السلاح ظاهرًا، في هذه الحالة هذا يصبح تجمعًا آخر يُسمى حالات الاضطرابات الداخلية، ينطبق عليه فرع آخر من أفرع القانون الدولي العام يُسمى القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يطلب من الأفراد أو القوات المسلحة النظامية أن تتدرج في استعمال القوة، بمعنى أن يكون الطرف الآخر لم يرتقِ بعد إلى مرتبة العدو، أما في القانون الدولي الإنساني في حالة النزاع المسلح غير الدولي إذا كانت هناك جماعة مسلحة منظمة ولديها القدرة على القيام بعمليات عسكرية منتظمة متسقة، يكون هذا نزاعًا مسلحًا غير دولي، ويكون من حق المقاتل أن يستهدف الشخص الآخر الفرد من أفراد الجماعة بالقتل، وهذا هو الفرق بين الجماعة المسلحة في النزاع المسلح غير الدولي وبين مجموعة الأفراد الذين يحدثون شغبًا أو اضطرابات داخلية، ينطبق فرع آخر من أفرع القانون الدولي العام الذي يضع في الاعتبار فكرة أن هذا الشخص سوف يعاد تأهيله مرة أخرى داخل الدولة بعد معاقبته بالقانون الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. أما في حالة القانون الدولي الإنساني فهو يتحدث بشكل أو بآخر لأعداء، وبالتالي يسمح بهامش أوسع من استعمال القوة وحق في الاستهداف بشكل أوسع من قواعد القانون الدولي العام.

سؤال من السيدة سارة الزرقاوي: ما هي النصوص الموجودة في القانون الدولي الإنساني عن استهداف المستشفيات والمدارس؟

نحن نتحدث هنا عن أن المستشفيات والمدارس هي أعيان مدنية في الأصل، أي منشآت لا تدخل أو لا تشارك في العمليات العدائية، فتعريف العين المدنية أنها أي عين لا تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري، بالتالي تعتبر المدارس مدنية في الأصل، فقد يمكن أن تُستخدم المدارس كمخابئ للسلاح أو مخابئ للمقاتلين، في هذه الحالة لو كانت هناك ميزة عسكرية في استهدافها تتحول إلى منشأة عسكرية، هنا نقول إن المدارس في الأصل محمية طالما هي تحافظ على مدنيتها. إذن القانون الدولي الإنساني يحمي المستشفيات والمدارس بصفتها أعيانًا مدنية، طبعًا المستشفيات لها غرض أوسع بكثير وطويل المدى بفكرة استهداف المستشفى أو أي عين أو منشأة طبية، سيؤدي ليس فقط لخسائر وقتية ولكن خسائر مستقبلية، لذلك يجب عند استهداف مستشفى أو أي عين طبية، يجب التفكير في الأثر المستقبلي الذي سيترتب للسكان المدنيين الذين يسكنون في نفس المكان أو المربع السكني الموجود به المستشفى، فمثلًا في حالة غسيل الكُلى يؤدي الاستهداف إلى تدمير الجهاز أو هو المستشفى الوحيد في المدينة، وقد يؤدي ذلك إلى وفاته مستقبلًا.

سؤال من السيدة مريم عطا الله: هل هناك تناقض بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان؟

لا يوجد تناقض ولكن أستطيع القول أنها مجموعة قانونية نشأت لتنظيم أوقات مختلفة، فالقانون الدولي الإنساني ينظم ظاهرة معقدة ومتشابكة جدًّا وهي ظاهرة الحرب، فالمفترض أن هناك أعداء ورغبتهم الرئيسية أن يحيٍّدوا الطاقة العسكرية لبعض، أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو يتناول علاقة رأسية ما بين الدولة والأفراد، ولتبسيط الأمور، القانون الدولي لحقوق الإنسان يفترض أن الدولة مستقرة وأن هناك حالة سلم. حقوق الإنسان يبيح الحق في الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. أما في حالة النزاع المسلح فإن الحق في الحياة، أي المادة 6 هذه تتوقف، لأن بالنسبة للمقاتل الشخص الذي بدأ يستهدف جيش دولة أو أفراد الجماعة المسلحة، في هذه الحالة توقف الحق في الحياة، لا توجد واقعية في القول إن الحق في الحياة هو مبدأ مصون، ومن حق الدولة حينها أن تحيِّد الطاقة العسكرية للشخص الذي يهاجمها.

دخان يتصاعد من المباني في حلب السورية في كانون أول/ديسمبر 2016. الصورة من رويترز.

هل هناك انتهاكات متزايدة للقانون الدولي الإنساني خصوصًا في منطقتنا؟

لا أحد ينكر أن هناك انتهاكات متزايدة للقانون الدولي الإنساني في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، وهذا للأسف لأن الشرق الأوسط هو مسرح للعمليات العسكرية بسبب ازدياد النزاعات المسلحة، ولكن أستطيع القول إن هناك جهودًا تمارسها الدول بقدر مستمر في محاولة للتقليل من الانتهاكات أو الامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني. ولكن طبعًا لا نستطيع القول إن ظاهرة مثل ظاهرة الحرب لم تكن تنظم بشكل مثالي من قبل، سيظل لدينا هامش أو مجال للتقدم أو أن ننجز في العمل أكثر أو أن نحاول الوصول لامتثال أكثر، ظاهرة الحرب ظاهرة بطبيعتها مليئة بالأشرار، كحكم من محكمة نورمبرج عام 1945 قال إن جريمة العدوان أو جريمة الحرب هي الرحم الذي يحمل بداخله كل الشرور، لذلك يجب أن نكون مدركين استحالة أن ظاهرة الحرب ستحدث شكلًا مثاليًّا لأي شيء، ستظل هناك أضرار جانبية وخسائر في الأرواح، ولكن نحن نحاول أن نقلل الخسائر بقدر الإمكان، سواء كصليب أحمر أو أطراف معنية بتنفيذ القانون الدولي الإنساني، سواء على مستوى الدول أو الجماعات المسلحة أو حتى على مستوى الأفراد العاديين.

ما الرسالة التي تحاول اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الدولي الإنساني إيصالها للمدنيين، رغم التحديات والانتهاكات المتزايدة؟

ما نحاول إيصاله لكافة الأطراف سواء الأطراف المتحاربة أو المدنيين المحيطين أو المتضررين من النزاع المسلح، فكرة أن المساعي والجهود التي نسعى إليها لن تكتمل بدون مشاركة جميع الأطراف المعنية، فيجب أولًا على المدنيين أن يطالبوا بحقوقهم من القانون الدولي الإنساني: أولًا يجب أن يعرفوا القانون، وثانيًا يطالبوا المحاكم بتطبيق القانون الدولي الإنساني، وعلى الدول أن تتبنى عن طريق إجازتها التشريعية للقوانين الوطنية الملائمة، فيبدأ الدبلوماسي أن يدفع المجتمع الدولي لتبني قواعد معينة تلائم الظرف الراهن في منطقته، يجب أن يعمل الجميع لأن هذا يجب أن يكون جهدًا تضامنيًّا على الجميع المشاركة به.

لن تستطيع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مهما توقعت منها ومهما كانت قدراتها، إيصال هذه الرسالة وحدها، فهي رسالة يجب أن يشارك بها العديد من الأطراف، علينا جميعًا أن نحاول الوصول لهذه الفكرة مع الإدراك أن شخصًا واحدًا نستطيع حمايته جميعًا يجعلنا نفوز بحياة هذا الشخص أو سلامته، لأن المشهد في الحرب في النهاية بالتأكيد ستصل المعادلة إلى الخسارة، لأن أكبر مكسب واضح سيكون قليلًا جدًّا أمام الخسائر التي سنراها في النزاع المسلح، لذلك علينا التفكير في الفرد والأفراد مثلًا الذين زرناهم في غوانتانامو، مهما كان الوضع في غوانتانامو ولكننا استطعنا إحداث فارق بزياراتنا، الشخص الذي قدمنا له المساعدة الإنسانية وسط النزاع المسلح، هل هذا أفضل أم أن نتركه تمامًا؟ لا أقصد أن لنا فضلًا على أي أحد على الإطلاق، ولكن أقصد أن المساعدات للمدنيين وللجرحى وللمرضى هي القليل الذي نستطيع تقديمه، ولكي نقدم أكثر من ذلك، نحتاج أولًا ضوءًا أخضر أكثر من الدول أن تساعدنا وتسمح لنا بنشر عملياتنا أو مساعداتنا في كافة أنحاء مناطق أو ميادين القتال، وكذلك على المدنيين المطالبة بتطبيق القانون الدولي الإنساني سواء عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو عن طريق هيئات أخرى إنسانية محايدة وغير متحيزة، تستطيع القيام بهذه العمليات، وهذا هو دور الجمعيات الوطنية، الأهلة الحمراء في كافة أنحاء المنطقة العربية تعمل بشكل رائع وتقدم مساعدات في كافة أنحاء المنطقة العربية، لذلك يجب أن تتضافر الجهود سواء من الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو السكان المدنيين أو المنظمات غير الحكومية المصرح للدول بوجودها على أقاليمها، يبدأ الجميع العمل للوصول لهذا الهدف وهو تقليل الخسائر بقدر الإمكان، ودائمًا نكون متأكدين أنه لن تكون هناك نتيجة مرضية لأحد لأن الحرب بمجرد حدوثها هي شر بالفعل ولا محالة من وجودها، لذلك يجب تقليلها قدر الإمكان.

 ماذا تقترح على المتابعين لمعرفة معلومات أكثر عن القانون الدولي الإنساني؟

كتاب «القانون الدولي الإنساني: أجب عن أسئلتك»، ويستطيع التواصل مع أي فرع من أفرع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة العربية وطلب مطبوعات ومنشورات عن القانون الدولي الإنساني أو عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ودورها، وهناك الكثير من الكتب للمتخصصين في القانون، فهناك كتب عن القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة، ونبدأ في الحديث عن التحديات التي تواجه تطبيق القانون مثل تعريف المقاتل، المدني، الأسلحة الأتوماتيكية وذاتية التشغيل، السلاح النووي هل هو مجرَّم/ محظور/ مقيد؟، السلاح الكيماوي واستخدامه، المحاكم الدولية والآليات، هناك تحديات كثيرة، تحدثنا عن رسالة القانون الدولي الإنساني ربما هي محل نقاش وجدل.

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا