حققت فعالية مسابقة «المحاكم الصورية»، وهي نموذج محاكاة للتعرف إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني، نجاحًا كبيرًا في نسختها الثالثة في الأردن، إذ إنها شهدت حضورًا مميزًا من الطلاب الذين أبدوا فهمًا عميقًا لقانون الحرب وقواعده
خلال السنوات الماضية، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من نشر فعالية مسابقة «المحاكم الصورية» في مناطق مختلفة في العالم. وتعتمد منهجية هذه المسابقة على الطلاب الذين يتبادلون تمثيل أدوار الادعاء والدفاع في قضية تمثل نزاعًا مسلحًا افتراضيًّا أمام محكمة جنائية دولية، بالإضافة إلى لعب دور اللجنة الدولية في وضعيات تفاوض مختلفة.
وتهدف المسابقة إلى رفع الوعي لدى الطلاب بالقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي، وكذلك تنمية اهتمام الأكاديميين بالطرق غير التقليدية لنشر المعرفة الخاصة بهذه القوانين.
ويُقيَّم الطلاب، من خلال لجنة تحكيم مكونة من قضاة وخبراء قانونيين، على أساس فهمهم للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وقدرتهم على استخدام مواد القانون لمناقشة قضيتهم، وبلاغتهم وأداء الفريق بشكل عام.
نسخة أردنية ثالثة
في هذا السياق، نظَّمت بعثة اللجنة الدولية في عمَّان بالتعاون مع اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في الأردن «المسابقة الوطنية الثالثة للمحاكمة الصورية في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي» في رحاب جامعة عمَّان الأهلية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
شارك في المسابقة 39 طالبًا وطالبةً من كليات الحقوق في ثلاث عشرة جامعة حكومية وخاصة هي: جامعة اليرموك وجامعة آل البيت وجامعة جدارا وجامعة الإسراء وجامعة عجلون الوطنية وجامعة الزرقاء وجامعة إربد الأهلية وجامعة العلوم التطبيقية وجامعة البترا وجامعة فيلادلفيا وجامعة جرش وجامعة الشرق الأوسط، إضافة إلى الجامعة مستضيفة الحدث، وهي جامعة عمَّان الأهلية.
ومسابقة المحاكمات الصورية هي واحدة من مبادرات تنفذها بعثة اللجنة الدولية في الأردن لتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني بين الأوساط الأكاديمية. وتُعد المسابقة من أكثر الأنشطة شعبية بين الأوساط الأكاديمية.
وتميزت النسخة الأخيرة بأنها الأضخم مقارنة بالنسخة الأولى التي نُظمت في العام 2015 في رحاب الجامعة الأردنية، والثانية التي نُظمت في العام 2016 في رحاب جامعة عمَّان العربية.
وقالت الدكتورة شيماء أبو فرحة، المستشار القانوني والأكاديمي في بعثة اللجنة الدولية في عمَّان: «أرست اللجنة الدولية تجربة المحاكمات الصورية بأسلوب عملي وشيق لدعم القدرات القانونية لطلبة كليات الحقوق في البحث والتحليل، وصقل مهارة فن المرافعة لديهم ولتعزيز وعيهم بالمضامين والتبعات القانونية حتى يخدموا مصالح أولئك الضحايا الذين شُرع القانون لمساعدتهم وحمايتهم».
وتتعاون اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في الأردن في تنظيم مسابقات المحاكمات الصورية سنويًّا، انطلاقًا من دور هاتين اللجنتين في ترسيخ مبادئ وأحكام قانون الحرب ورسم الاستراتيجية الأردنية لتطبيقه على الصعيد الوطني.
وقال الفريق المتقاعد مأمون الخصاونة، وهو رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، إنه «يتوجب علينا المعرفة التامة بالقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي ومفاهيمهما، ليكون لدينا القدرة على المطالبة بحقوقنا»، مضيفًا «تعمل المحاكمات الصورية على ترسيخ مفاهيم أحكام القانون الدولي الإنساني لدى الطلبة من خلال التطبيق العملي».
وفي النسخة الأخيرة من المسابقة، تُوج فريق كلية القانون في جامعة فيلادلفيا بالمركز الأول على مستوى الجامعات المشاركة. تكون الفريق من الطلاب والطالبات: نجلاء محمد نذير النجار وراما ماهر صمادي ويزن محمد بسام الصوالحة. وحصد فريق كلية القانون في جامعة العلوم التطبيقية المركز الثاني في المسابقة. ضم الفريق الطلاب والطالبات: هبة حازم خضر كوبري ومحمد نصر الدين خاطر وعمار هشام أبو دريع.
وتحدث الطالب يزن الصوالحة عن هذه التجربة: «أتاحت لي المسابقة فرصة للاطلاع على طبيعة العمل في المحاكم الحقيقية، وساعدتني على تجاوز مشاعر القلق والرهبة من الوقوف أمام قضاة المحكمة ومواجهة الجمهور. كما أنها منحتني خبرة عملية في القانون وفي فن المرافعات».
أما الطالبة راما صمادي فقد أوضحت «كسرت التجربة قيود الخوف بداخلي من مواجهة أي أمر كان، وفتحت لي الأفق لأرى ما بداخلي من قدرات كامنة». واتفق الطالب عمار أبو دريع في أن الطلاب تمكنوا من كسر حاجز الخوف والرهبة في البداية. وذكرت الطالبة هبة كوبري أنها شعرت برهبة أول مرة وقفت فيها أمام لجنة التحكيم: «كان الشعور مميزًا ورائعًا. في البداية كان هناك شعور بالرهبة، لكن سرعان ما اكتسبنا الشجاعة لنحاول تحقيق ما أتينا من أجله».
أما بالنسبة للتحديات التي واجهها الطلاب خلال هذه التجربة، فتذكر الطالبة نجلاء النجار أن «المحاكمة الصورية ليست مجرد مسابقة فحسب، وإنما هي أشبه برحلة طويلة وشيقة، فقد كان شهر التدريب من أصعب الأشهر التي مرت عليَّ وخاصة عند كتابتي للمرافعات والمناقشات وحفظ النصوص القانونية».
وعن مدى استفادة الطلاب من المسابقة قال الطالب محمد خاطر: «الاستفادة كانت في كل لحظة منذ بداية التدريب على هذه المسابقة حتى نهايتها وإعلان النتائج. كان هناك إتقان في تحليل الأحداث الواردة في القضية وكيفية تطبيق النصوص القانونية على هذه الأحداث، والبحث في المعاهدات والمواثيق الدولية. كل هذا رفع من درجة فهمي لأهمية وجود قانون دولي إنساني، وضرورة تطبيقه على النزاعات المماثلة للقضية الافتراضية التي نظرناها. كما عملت هذه التجربة على رفع روح المنافسة، وتعليمنا كيفية احترام خصومنا».
وأبدى أستاذ القانون في جامعة العلوم التطبيقية، حمزة أبو عيسى، سعادته بالجو العام للمسابقة. «كانت تجربتي في تدريب الطلبة على المحاكمة الصورية رائعة وناجحة بكل المقاييس، إذ إن الهدف من هذه المسابقة ظهر أثره على المتدربين، فمن ناحية استطاع المتدربون فهم وقائع القضية بشكل متعمق، واستخراج المسائل القانونية التي استفادوا منها في مرافعاتهم، ومن ثم كانت المرحلة الأكثر روعة وهي استخدام أدوات البحث القانوني للتوصل إلى الحل القانوني لتلك المسائل. ومن ناحية أخرى، وبعد أن تمكن المتدربون من كتابة مرافعاتهم استطاعوا أن يتعلموا ويتقنوا أصول المرافعة الشفوية أمام المحاكم، إذ أكسبهم ذلك مهارات لا يمكن اكتسابها إلا بالتدريب».
من جهته أوضح أستاذ القانون في جامعة فيلادلفيا، غازي صباريني، بأن «المحاكمة الصورية كانت منظمة بشكل لائق، وأن القضية المطروحة كانت على مستوى عالٍ مشابه لما يحدث على أرض الواقع مما زاد من فاعلية الأداء لدى الطلبة أثناء إعدادهم وتدريبهم على إلقاء المرافعات سواء كانت دفاعًا أو ادعاء».
تعليقات