ميانمار/ بنغلاديش: ستة أسابيع قرب أطول شاطئ رملي في العالم

من الميدان

ميانمار/ بنغلاديش: ستة أسابيع قرب أطول شاطئ رملي في العالم

هناك دائمًا وقت للاستمتاع بلعبة سريعة في مخيم بريتيش بارا. ابتسامات الأطفال وضحكاتهم هنا معدية. (تصوير: Jacqueline Fernandez/ اللجنة الدولية)

قضيت مؤخرًا ستة أسابيع قرب أطول شاطئ في العالم، وكان المنظر خلابًا. إنه كوكس بازار، منتجع بنغلاديش السياحي الذي يفخر بكونه شاطئًا رمليًّا “«يبلغ طوله 155 كيلو مترًا دون انقطاع». ومؤخرًا برز اسم المنطقة مرارًا في العناوين الرئيسية للصحف عقب تدفق ما يزيد على 655 ألف شخص يعيشون حاليًّا في مخيمات في المنطقة بعد فرارهم من ميانمار المجاورة.

تجربتي العملية في هذه الأزمة كانت مهمة قصيرة، انتهت مباشرة عقب أعياد الميلاد عام 2017. بوصفي مندوبة الاتصال في اللجنة الدولية للصليب الأحمر كنت واحدة من ضمن الفريق العامل في كوكس بازار في خدمة النازحين. ذهبتُ إلى هناك في وقت كانت الأوضاع فيه «مستقرة» إلى حد ما، إذ كان التدفق اليومي للنازحين آخذًا في التباطؤ وكان النازحون يحصلون بالفعل على بعض المساعدات الطبية والغذائية. كانت المنطقة تعج بوكالات المساعدات المحلية والدولية. نُظمت اجتماعات عديدة للقطاعات وأُعدت برامج ترمي إلى تحقيق استجابة أكثر استدامة.
كان وجود منظمات الإغاثة وموظفيها في الميدان كثيفًا. ووصل عدد المنظمات في بعض الأوقات إلى حوالي 89 منظمة دولية، بما فيها 27 جمعية شريكة من جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، كل منها حاضرة بخبرائها ومنسقيها. وكنتُ مشارِكة في فريق للجنة الدولية يتألف من متخصصين في الحماية والمياه والسكن والصحة والأمن الاقتصادي والتعاون، يعاونه إداريون وأفراد من الدعم اللوجيستي وقسم الترحيب والمستشارية والسائقين الذين يجوبون بكل كفاءة المناطق التي تتسم بوعورة تضاريسها أحيانًا.

كان الفريق صغيرًا لكن زاد عدد أفراده مع زيادة التوظيف من أجل تأسيس وجود أطول أمدًا في المنطقة. الروح العالية والحماس والعمل الجاد للفريق بوصفه وحدة واحدة لم يكن شيئًا مؤثرًا فحسب، لكنه كان محفزًا أيضًا للمشاركين فيه.
وكما في أية عملية أخرى للجنة الدولية، يحتشد أفراد الفريق بعضهم حول بعض، ويفعلون الشيء الضروري، ويحلُّ بعضهم محل بعض إذا دعت الضرورة. انضممتُ إلى اجتماع لمجموعة تعمل في مشاريع المياه والصرف الصحي والنظافة لزملائي في وحدة المياه والسكن، وليس لديَّ سوى فكرة ضئيلة عما يتحدثون عنه. أما ملاحظاتي التي ثبت في ما بعد أنها مفيدة لمهندسينا، فقد كانت إنجازًا بالنسبة لشخص مثلي لم تكن تعرف ابتداءً ما هي البئر الأنبوبية.
لازمني شعور بالرهبة تجاه ما نجح الفريق في تحقيقه يوميًّا، إذ كنا نضيف إسهامنا إلى آلية الاستجابة لحالات الطوارئ الجماعية.
 إحصائياتنا المثيرة للإعجاب
منذ 25 آب/ أغسطس 2017 فرَّ أكثر من 688 ألف شخص عبر الحدود من ميانمار إلى بنغلاديش. محنتُهم وحكاياتهم وصورهم وُثِّقت توثيقًا جيدًا في وسائل الإعلام. كان اهتمام الإعلام كبيرًا لا سيما مع الحديث المتواتر عن نقل النازحين إلى مكان جديد وإعادة توطينهم.
غالبًا ما كنا نرى الصحافيين في المخيمات والمخيمات العشوائية يوثِّقون التجارب ويتحدثون إلى النازحين بحثًا عن صور متفردة تصاحب المادة التي يكتبونها. وكان للَّجنة الدولية نصيبها من اهتمام الإعلام، إذ تدفقت إلينا أسئلة من الصحافيين من كل أنحاء العالم – من روما وإسبانيا والبرازيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والفلبين وسويسرا.
بالتعاون مع المتطوعين المخلصين من جمعية الهلال الأحمر البنغالي، نجح أطباؤنا ومسعفونا في إجراء الكشف الطبي على 30 ألف شخص وتقديم علاج منتظم لهم في 3 أشهر (ويقارب العدد الآن 40 ألف شخص)، وقدمت فرق الأمن الاقتصادي التابعة للجنة الدولية المساعدات الغذائية وغيرها من المساعدات لزهاء 80 ألف شخص كما حصل أكثر من نصف هذا العدد على حصص غذائية شهرية بصفة متكررة. وتدخلت فرقنا آلاف المرات لتحسين مستوى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية، وتمكن أكثر من 8500 شخص نازح من الاتصال بعائلاتهم.
في الوقت الذي قضيته هناك، انتهزتُ أكثر الفرص المتاحة لكي أكون ضمن فرق الرحلات الميدانية، ليس فقط لكي أجمع المادة التي يمكن أن نستخدمها، لكن أيضًا لكي أكون مشاركة في الأنشطة التي نضطلع بها في الميدان. وسريعًا ما اكتشفتُ أن حمل خمسة أطقم نظافة شخصية دفعة واحدة لم يكن عملًا هينًا، رغم أن زملاءنا في الأمن الاقتصادي جعلوا هذا العمل يبدو سهلًا للغاية.
ورأيتُ بنفسي كيف نضطلع بأنشطتنا، والحوار اليومي والأساسي والمفاوضات التي نجريها، وكيف تبني الفرق الثقة وتعززها لدى السلطات والمجتمع المحلي، وكيف نعمل على الارتقاء بمستوى التوعية الخاص بمن نحن وما القيم التي ندافع عنها. كل هذه الأنشطة نقدمها ونحن نعيش مع أشخاص في ظروف صعبة متقلبة، بينما السلطات والمجتمعات التي رحَّبت بالنازحين صارت هي نفسها منهكة.

مظلة في أونشيبرانغ
أكثر سؤال وُجِّه لي لم يكن «كيف كانت الأوضاع في المخيمات؟» إنما «ما أكثر شيء أدهشك في المخيمات؟» الشيء الذي تراءى أمامي، إجابةً على هذا السؤال، هو كرم النازحين وروحهم المعنوية. حكايتي المفضلة هي مظلة رأيتها في أونشيبرانغ. وهي قصة محورها العطف والإنسانية وسط كل هذا الكم من انعدام اليقين.
في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، كنتُ ضمن الفريق المرافق لمديرنا الإقليمي الذي يزور أونشيبرانغ حيث التقى المدير الإقليمي بعض قادة المجتمع المحلي. وفي غضون وقت قصير احتشد جمعٌ من الناس وبدأتُ ألتقط الصور، وبقيتُ خارج الكوخ الصغير الذي اجتمعوا فيه. ورأيت عائلة تجلس في الجهة المقابلة لذلك الكوخ، تعلو وجوههم الدهشة (وربما كانوا مستمتعين) بسبب مظهر هذه السيدة الغريبة التي تشبههم لكنها ترتدي قميصًا خارجيًّا يحمل شارة الصليب الأحمر.
وبينما كنت أنصتُ للحوار من موقعي وراء الحشد، شعرتُ كأن غيمة هائلة أخفتْ الشمس وراءها فجأة، حتى صرتُ تحت ظلها. نظرتُ خلفي فرأيت صبيًّا صغيرًا من تلك العائلة يرفع مظلة من ورائي ليحميني من أشعة الشمس الحارقة.
تلك هي الروح التي استقرت في أعماقي.

***

اقرأ أيضا شهادة «مسعدة سيف» حول الأزمة الإنسانية في ميانمار، والمعنونة «طحن الأمل وانتظار المجهول»
اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا