حياة الشقاء من أجل البقاء: التماس الملجأ في يمن الحرب

العدد 60 / من الميدان

في ظل النزاع الدائر حاليًّا في اليمن، تتضاعف معاناة اللاجئين في مختلف المدن اليمنية. فر هؤلاء من بلدانهم أملًا في الإبحار نحو حياة أفضل، لكن الواقع المثقل بالصراعات المسلحة والوضع الاقتصادي الخانق يفرض على اللاجئين تعاسة مزدوجة.

شكل اليمن، منذ تسعينيات القرن الماضي، مقصدًا للهجرة، ومحطة عبور للكثير من اللاجئين، خاصة أولئك الذين هربوا من جحيم الصراعات في منطقة القرن الأفريقي كالصومال وإريتريا وإثيوبيا. وطيلة تلك السنوات، بات اليمن محطة استراتيجية في إدارة تهريب المهاجرين ما بين دول أفريقيا والجزيرة العربية. ولطالما اشتكى مسؤولون يمنيون من موجات الهجرة واللجوء إلى بلد يُعد الأفقر في العالم العربي، حيث يضرب الفقر أكثر من نصف سكانه.

والآن، وفي ظل الصراع المستعر في اليمن، تطالعك مشاهد لمهاجرين ولاجئين في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء. بعضهم يطلب المساعدة من أجل تأمين قوتهم اليومي، وآخرون يصارعون لإيجاد فرصة عمل والتأقلم مع الواقع الجديد.

من بين هؤلاء حيدر محمد سيف، وهو إثيوبي الجنسية يبلغ من العمر 35 عامًا. يصف سيف انتقاله من بلاده إلى اليمن بالقول إنه انتقل «من المزارع الخضراء في إثيوبيا إلى نار شوارع الهجرة في صنعاء». التمس سيف في اليمن ملاذًا بسبب الأوضاع السياسية المضطربة في إثيوبيا. هجر مزرعته الخاصة والحياة الوادعة في قرية ذدر بريف إثيوبيا وترك خلفه أباه وأمه. وصل سيف مدينة صنعاء في العام 2009.

كانت الظروف جيدة في البداية، فقد اشتغل عاملًا للنظافة في مستشفيات عدة، ثم تزوج وأنجب طفلين: محيي الدين وخالد. لكن تغير الوضع الآن في ظل الصراع المستعر في البلاد، يقول سيف: «الوضع في اليمن هذه الأيام سيِّئ، ولا يوجد عمل. أعتمد على ما يقدمه الناس لي من مساعدات كي أطعم أولادي.». ويتابع: «ما يشغل تفكيري طول الوقت هو مصير أولادي الصغار في الظروف الحالية. الوضع مأساوي لأبناء البلد، فكيف يكون لي وأنا مهاجر؟ قبل هذا النزاع كان هناك العديد من فرص العمل. الآن لا يوجد شيء».

ومع ذلك، لم يمنع تفاقم الصراع في اليمن، في الشهور الأخيرة، تدفق المهاجرين واللاجئين من القرن الأفريقي. ويدخل معظم هؤلاء البلاد عن طريق مهربين يطلبون مبالغ مالية كبيرة. وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن يوهانس فان در كلاو لوسائل الإعلام، إن «37 ألف وافد جديد وصلوا إلى اليمن منذ الأول من كانون الثاني/ يناير من العام الحالي (2015)، عشرة آلاف منهم وصلوا منذ 26 آذار/ مارس، أي نحو الثلث، منذ تصاعد وتيرة النزاع في البلاد».

ووفقًا لإحصاءات رسمية يمنية نُشرت منتصف العام، فقد تجاوز عدد اللاجئين في اليمن المليون لاجئ. وتقول تقديرات رسمية وغير رسمية إن أعداد المهاجرين غير المسجلين لدى الجهات الحكومية في اليمن، أو لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ربما يصل إلى 750 ألف شخص.

ويعيش هؤلاء اللاجئون والمهاجرون ظروفًا معيشية صعبة، على غرار كين فارع، وهي لاجئة إثيوبية تبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا. تقول كين إن الحياة لم تبتسم لها منذ عشر سنوات. في العام 2006، اندلع النزاع في منطقة دولو، بإقليم أوغادين المحاذي للحدود الصومالية في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين. ونتيجة لهذا النزاع، دُمرت القرية التي تنتمي لها فارع، وقُتل المئات من أبناء القرية، من ضمنهم معظم أفراد عائلتها.

ومثل كثيرين من الناجين، قررت فارع الهروب من القرية والذهاب إلى مدينة بوصاصو الصومالية بحثًا عن الأمان مع بناتها الأربع وأخيها الأصغر. تقول فارع: «في بوصاصو كان الوضع سيئًا، فلا يوجد عمل، ولم أستطع تلبية احتياجات أسرتي الصغيرة. مكثت عامين في بوصاصو وكانت الحياة لا تحتمل. قررت بعدها الرحيل. تعرفت على أحد أصحاب القوارب التي تقوم بتهريب الأشخاص إلى السواحل اليمنية. اتصل بي المهرب في إحدى الليالي، وقال لي كوني مستعدة مع أطفالك غداً سننطلق إلى اليمن».

استغرقت الرحلة، كما تقول فارع، تسعة أيام، في قارب مزدحم بالعشرات، وبكميات قليلة جدًّا من الطعام. لكن في النهاية وصل الجميع إلى سواحل شبوة بالقرب من مدينة بير علي. تستدعي فارع تلك اللحظة من ذاكرتها: «وصلنا اليمن بلا مال أو طعام أو أمل. تواصلت مع بعض أقارب لي في صنعاء ممن سبقوني في الهروب. أرسلوا لي بعض المال الذي تمكنت من خلاله من السفر، أنا وأسرتي، إلى صنعاء».

كانت الأمور جيدة لفارع لدى وصولها إلى صنعاء. فقد شعرت، لأول مرة منذ وقت طويل، بالأمان والاستقرار. وبمساعدة أقربائها بدأت بالعمل في المنازل لإطعام أسرتها الصغيرة. لكن لم يدم الحال هكذا، فمع تصاعد النزاع في اليمن، عجزت فارع عن الحصول على أي عمل مع ارتفاع النفقات ودخول بناتها إلى المدارس. وهي لا تزال تعاني من أجل إطعام أسرتها، والوفاء باحتياجاتهم الأساسية.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا