قضيتُ في أروقة العمل الصحافي والإخباري سنوات طويلة، لم أتوقف خلالها إلا للدراسة أو التدريس الجامعي اللذين لم يبعدا كثيرًا عن عالم الحروب والنزاعات وأزمات الدول وانتهاكات لبني البشر، لأعود مجددًا إلى صالة الأخبار وكأنها قدري.
في صالة الأخبار، تهرب مني اللغة التي تناسب الكتابة الذاتية التي أفر إليها وأختبئ فيها، لمصلحة لغة إخبارية جافة، طوَّرها عبر السنوات «محترفون» لتناسب نقل الخبر إلى القراء والمستمعين والمشاهدين محققًا مدققًا، مدعين أنه غير مُسيَّس ولا مصطبغ ولا ملون، قبل أن يمرروه لـ«محترفين» آخرين ليقرأوه بصوت محايد، لا يسمح لقلبك أن يميل شرقًا ولا غربًا.
نعم… لصالة الأخبار، أهديت سنوات طويلة من العمل الاحترافي المحايد، أو هكذا بدا لي ولهم، وفي صالة الأخبار، كنت «مسخًا جميلًا مُدرَّبًا»، على حد تعبير كاتب بريطاني وارى اسمه النسيان، على صناعة المحتوى الإخباري بحياد ودقة بغض الطرف عن انحيازاتي ومواقفي.
لكني في خلواتي لم أكن بكل هذا الاحتراف والحياد. لم أكن إلا امرأة مذعورة تختزن في عينيها آلافًا من المقاطع المصورة والصور الفوتوغرافية التي احتشدت في العينين عبر سنوات وسنوات، تحمل رائحة البارود والأشلاء وزوارق المهاجرين المنكفئة والغابات المحترقة من مناطق النزاعات والتظاهرات والقارات البعيدة… وفي الأيام الرائقة، كانت تكفيني أخبار جنازات الملوك ومسيرات لنسويات في أوروبا أو شمال أفريقيا ومهرجانات تملأ العيون بريقًا في أمريكا اللاتينية!
اليوم لا أكتب في صالة الأخبار، بل أكتب عنها، بلغتي أنا لا بلغتها…أكتبُ مستدعية كلمات محمود درويش العابرة للحدود وللغة والمفاهيم والحياة ذاتها:
«ومعي مفكرتي الصغيرةُ
كلَّما حك السحابةَ طائرٌ، دوَّنتُ
فكَّ الحلمُ أجنحتي…
أنا أيضًا أطيرُ»
دعم نفسي
يقول صديقي المعالج النفسي إننا – معشر صناع الأخبار في هذا العصر المحموم بالصورة وتكنولوجيا الاتصال – بائسون مثيرون للشفقة، وأن الدعم النفسي ليس ترفًا في حالتنا، وأن عيادات الطب النفسي في الماضي كانت تستقبل العائدين من الجبهة، أما اليوم، فالجبهة باتت تأتينا إلى مقاعد غرفة المعيشة الوثيرة… وحين ترتبط أرزاقنا – نحن صانعي المحتوى الخبري – بتسقُّط أخبار العالم شرقًا وغربًا، فإن الوضع أفدح وأكبر إنهاكًا.
ثم إننا – في الغالب – ندمن عملنا مع الوقت ودون أن ندري، لنصحو يومًا ما وقد غدت أخبار المدن المحتلة والمـُحررة، وأزمات الدول الاقتصادية، وحكايات صفقات السلاح في الشرق والغرب، امتدادًا لأخبارنا الشخصية، وسببًا في تعكُّر مزاجنا أو صفوه..
تتسرب المواد البصرية إلى حياتنا رويدًا رويدًا، فنرى صور الحروب والنزاعات والمقاتلات الحديثة جنبًا إلى جنب مع سيارات الشوارع بينما نعبرها، وعلى واجهات المحلات بينما نبتاع الآيس كريم، وعلى شاشات الهواتف التي يشاهد عليها أطفالنا أفلام الجنيَّات الطيبات.
أذكر أنه في مطلع الألفية، كان الحيز المحتلُّ من حياتنا بالصور الوافدة من عالم الأخبار أقل مما هو عليه اليوم مع كل نوافذ الاتصال والمعلومات على هواتفنا الذكية. ما زلتُ أذكر أول صور طيَّرتها للعالم وكالات الأنباء لأحداث سجن أبوغريب مثلًا، وكان هذا في 2004، أي قبل أن تلقى وسائل التواصل في مصر كل هذه الشعبية التي تلقاها اليوم، فلم يكن متاحًا في بداية الحدث للكثيرين أن يطالعوا الصور التي سرَّبها آنذاك الصحافي الأمريكي سيمور هيرش.. كنت يومها أقلِّب في الصور على أحد المواقع الأميركية بصالة الأخبار، فمر بي صحافيٌّ مسنٌّ لم يكن على علاقة تُذكر بالإنترنت، واستوقفته الصور وبدأ يسائلني منفعلًا مروَّعًا كيف لفتاة مهذبة أن تفتح صورًا «غير لائقة» في صالة الأخبار، ولم يهدأ خاطر الرجل حينها حتى شرح له الزملاء حقيقة ما يجري وكيف أن تلك الصور هي حديث العالم بأسره!
كانت الأخبار في تلك الأيام تأخذ قليلًا من الوقت لتنتقل إلينا.. أما اليوم، فلا وقت تكاد تستغرقه الأخبار والصور لتطير وتستقر في أعيننا.. فالحدث يحدث الآن والخبر يأتيك الآن والصورة تسقط أمام عينيك الآن.
جبهة صناعة الخبر
حين سقطت بغداد في العام 2003، كنت أعمل بالفعل «على جبهة» صناعة الأخبار في إحدى صالات الأخبار العربية العريقة، وكنت حديثة عهد بهذا العمل. كنت أرقب هذا المشهد المهول وأتابع تفاصيله القاسية وسط زملائي الأقدم عهدًا بالمهنة، أحاول أن أقرأ وجوههم أمام مشاهد دمار المدينة العظيمة، لكن غلب على الوجوه ثبات الاحترافيين.
لم أكن أعلم أن تلك كانت البداية فقط، وأني سأظل لسنوات أدور في فلك ملف العراق الذي لا يكاد ينغلق.. لم أكن أدري أني ولسنوات طويلة بعدها ستطاردني صور سجناء أبو غريب، تأبى أن تبرح، مصرة إصرارًا غريبًا على أن تصطف في عمق مقلتي إلى جوار صور أخرى كثيرة تنتمي إلى الملف ذاته: لقطات كثيرة لا أذكر عددها لسيارات مفخخة تنفجر هنا وهناك.. مواجهات مسلحة بين ملثمين…. احتجاجات في 2011، ثم احتجاجات أخرى في 2019، وصمت كثيف متوتر مع انقطاعات الإنترنت المتتالية عن أجزاء العراق… مشاهد «للتوك توك» ينسل وسط المحتجين العراقيين بحجمه الصغير وحركته السريعة، ينقل المصابين إلى المشافي، وفي الخلفية شباب يرسمون غضبهم الملوَّن في «جرافيتي» على أسوار المدن..
سنوات وسنوات تتراكم المقاطع المصورة من العراق في عينَي، أدرك أنها هنالك تشوش رؤيتي، أرى حياتي اليومية عبرها، وأعجز عن إزالتها… وفي أذنَي يتردد قول الشاعر: «بغدادُ.. لها أن تحسَّ التعب»..
وليست صور العراق وحده التي تأبى أن تنزاح من عينَي.. ثمة الكثير من الصور التي لا أستدعيها غالبًا بإرادة كاملة، وإنما تسري هي في عينَي غالبًا كشريط مصور يعمل تلقائيًّا وقتما شاء، منتقيًا ما يحب من الصور بشكل عشوائي..
أفغانستان بدورها صاحبتني – ولا تزال – طويلًا..
صور متفرقة لفتيات يقفن صامتات في البرقع الأزرق على مسافة من عدسات التصوير، وفي أذيال أثوابهن صغار ينظرون إلى المصورين بمزيج من الدهشة والخوف.. صور لأناس يفرون من خطر ما يلاحقهم.. صور أسلحة مبعثرة هنا وهناك.. صورة لسيارة تابعة لجهة دولية معطلة على الطريق لا أدري ما حلَّ بطاقمها.. صورة لتمثالي بوذا العملاقين في وادي باميان.. ومقاطع مصورة صامتة لجبال في شرق البلاد، حيث قُتل طبيب ياباني عمل لعقود في أفغانستان لإغاثة السكان من الكوارث المتتالية التي حلت وتحل عليهم كل يوم… هلمَّ أيها الطبيب الياباني! تعال لتصطف إلى جوار أطباء إغاثة آخرين في عينَيَّ.. أطباء لا يكفون عن العمل على خط النار وينتظرون حتفهم في كل حين.
تعيدني الصور مهرولة من أفغانستان إلى الجوار القريب.. الأراضي المحتلة، التي لا تكاد تغيب عن العيون والحكايات والسينما والأغنيات.. ومتى غابت فلسطين؟
شيرين تسكن العينين
لكن من بين كل أيام الله في فلسطين، يلح علي يومُ استشهاد شيرين أبو عاقلة.. لماذا شيرين وصورها تسكن العينين دون سواها؟ لا أدري حقًّا… فعيناي لهما إرادتهما المستقلة عني..
أذكر يومها أني وصلت مكتبي بموعدي في الصباح الباكر، جلست أتصفح حساباتي على السوشيال ميديا سريعًا قبل أن أطلق الدوام، قبل أن تصدمني صورة شيرين الأخيرة..
جلست أردد همسًا: قتلوها… قتلوا شيرين..
قتلوا الفتاة الحلمَ لنا منذ أن خطونا خطواتنا الأولى في عالم الصحافة والاهتمام بالميادين والحروب والصراعات والزعماء وحركات التحرير.
منذ تخرجي في الجامعة، وأنا أتابع طلة شيرين على الشاشة.. أراها في النشرات الإخبارية، في المداخلات، أتتبعها في الفواصل بين البرامج.. أعرف صوتها، وأعرف أنها صوت لكثيرين لا صوت لهم.. كنت أخالها دومًا تمس حجارة في كفها لا ميكروفون، وأندهش لثباتها وسط صوت الرصاص والانفجارات.. رحلت شيرين ولم أجد من اللائق أن أنعيها تحت وسم «ارقدي في سلام».. لا يليق بها إلا وسم «ارقدي بقوة»>
لم أهدأ خاطرًا إزاء الأمر إلا بعد أن رأيت رسمًا زيتيًّا لمشهد استهداف شيرين، وانحناء الرأس دون انحناء القلب، وبدلًا من كل بقعة دماء على جسدها، ثمة وردة حمراء صغيرة متفتحة.. انشرحت للفكرة وهنأت خاطرًا..
لكن صورة كلبها الصغير ينتظرها أمام النافذة تؤلم عينَيَّ.. تعال أيها النابح الصغير.. اصطف إلى جوار كثيرين في عينَيَّ.. ثمة متسعٌ للحيوانات الوفية أيها الصغير..
صور أخرى تحملني شمالًا، مع زوارق المهاجرين الفارين من منطقتنا المنكوبة إلى حلم الشمال لا أكثر منها في عينَيَّ..
زوارق كثيرة تسبح خاوية في ركني كل عين، بعضها منكفئ على الجوانب، أو لأعلى، وبعضها مكدس بأناس كثيرين، بعضهم أطفال ومراهقون وكثيرهم بالغون، والكل على تفاوت الأعمار صامت متطلع للمجهول..
تسبح الزوارق بحُريَّة في عينَيَّ، في مشهد متحرك باستمرار لا يكاد يثبتُ فيه إلا جسد طفل صغير في قلب المشهد.. إيلان السوري الكُردي ينام نومته الأخيرة وادعًا على الشاطئ، مصدِّرًا فردتَي حذائه الصغيرتين إلى الأبد لعينَيَّ… يا الله! كم أحب هذا الحذاء الصغير!
ضيف ثقيل
في نهايات 2019، وبينما كنا ننخرط، الزملاء وأنا، في تغطية احتفالات رأس السنة الطويلة 2020، كان بعض عقلي منشغلًا بتقارير الفيروس الفتاك في الصين.
كنت أحاول سرقة شيء من البهجة فكدست على «الديسكتوب» أمامي صورًا عدة لأشجار الميلاد من هنا وهناك، وبعض صور لصلوات عيد الميلاد من كنيسة المهد في بيت لحم، وترانيم من هنا وهناك.. وفي لبنان، الأزمة المالية الطاحنة لم تمنع اللبنانيين من صنع أشجار ميلاد اقتصادية شاخصة بنجومها الصغيرة اللامعة في وجه المصارف المفلسة والاشتباكات على هامش الاحتجاجات.. أتابع مبتسمة مقاطع مصورة لاستعدادات سانتا كلوز لرحلته السنوية على زلاجاته السحرية الظريفة، وخلافًا طريفًا بين فنلندا والدنمارك اللتين تحاول كل منهما إقناع العالم بأن أرضها هي الموطن الأصلي لرجل الهدايا الطيب.. أكتب سكريبت فيديو أدور فيه العالم بالمشاهدين، أشاطرهم بعض بهجتي مع الاحتفالات في الشرق والغرب..
لكن تقارير الفيروس القاتل تطل برأسها على استحياء قادمة من الشرق الأقصى.. لم أعلم وقتها كذلك أن تلك التقارير الإخبارية القليلة التي تُلغز أكثر مما تُفصح، لم تكن إلا البداية لمشهد سوريالي عالمي سيطول زمنه، وإغلاق ثقيل سيلقيني في نوبة اكتئاب بدت كأنما لن تنتهي أبدًا، ودوامة تقارير مصورة ومكتوبة ومقالات ومنشورات وداع عدة سأكتبها بينما أختبئ وأخبئ ابنتي صغيرتي وأمي في المنزل من الفيروس المتوحش، وأقف له متحفزة على كل ثغر، وفي يدي بخاخة المطهر..
أيامها، كانت حواسي منهكة، فصوت سارينة الإسعاف أكثر ما ملأ أذنَيَّ، مع طوفان الصور التي سكنت عينَيَّ من فترة الإغلاق.. لذلك حين كُلِّفت بكتابة سكريبت توثيقي بنهاية العام 2020، لم تكن المادة الصوتية التي صاحبت بداية الفيلم التوثيقي القصير إلا الانتقال الخاطف من أصوات صلوات عيد الميلاد إلى صوت سارينة إسعاف يرتفع تدريجيًّا، مصحوبًا بصوت تنفُّس بطيء، خبرناه جيدًا في أيام الكورونا.. صوت واهن يصارع الموت دون كثير أمل.
غزو النفوس
يقول أهل الاختصاص في علل النفس والنوم ودهاليز العقل الباطن إن فترة الجائحة خلَّفت اضطرابات نفسية جماعية في العالم من شرقه إلى غربه، وأن أحلام الناس (ممن خضعوا للفحص وللتجارب) أثبتت أن الفيروس غزا العقول والنفوس كما غزا الأجساد.. اجتمع المبحوثون في تلك التجارب الخاصة باضطرابات النوم أيام الجائحة على رؤية كائنات شريرة تركض خلفهم، تحاول اقتناصهم، وتفنن عقل كل مبحوث في تصوير الكائن الشرير.. فهو تارة عنكبوت عملاق، وتارة أخرى وحش بأضراس طاحنة… مهما يكن.. أنا لم تطاردني الوحوش في كوابيس ما بعد الجائحة.. كانت أحلامي بيضاء باهتة خالية من المعنى، ولم أكن – لأيام طويلة – أفكر إلا في الموت، وفي أني لن أدع الفيروس الدقيق المتسلل هذا يظفر بأي ممن أحب..
وبينما أحارب الفيروس على جبهتي الداخلية، كنت أملأ عينَيَّ بالمزيد من الصور من العالم الخارجي: صور الطائرات المدنية المكدسة وقوفًا على المدارج منذرة بتقطع أوصال الكوكب.. صور الحيوانات تمرح في المدن وعلى مواقف الحافلات وقد ارتاحت من ضوضاء بني الإنسان.. صور قرويات من الهند يبكين أمام مستشفيات رقيقة الحال.. مقطع مصور لشاب مصري يفر من الحجر الصحي ركضًا في الشوارع خشية أن يموت وحيدًا منسيًّا.. ومقاطع لأناس من روسيا وإسبانيا ولبنان يرقصون في شرفات المنازل تحديًا لوحدة العزل وكآبته، بينما ينخرط باحثون يظهرون – متأنقين – على شاشات التلفزة العالمية ليشتبكوا في حوارات عصبية حول أصل الفيروس وإن كان مُخلَّقا أم طبيعيًّا..
هؤلاء جميعًا وآخرون ما زالوا محتشدين، يرقصون ويتنفسون بصعوبة ويبكون ويركضون فارين من الحجر، في عينَيَّ.. يروحون ويجيئون بين زوارق الهجرة غير النظامية التي تسبح هنا وهنالك.
صور صور صور
ثم جاء العام 2022 بالأزمة الأوكرانية، واعدة عينَي بالمزيد من المادة البصرية: صورة لمجندة تنتظر في خندق ما.. ناقلات جنود.. مسنَّاتٌ يتدربن على حمل السلاح.. نازحون ونازحات يحتشدون على البوابات في المناطق الحدودية. تهديدات نووية وعقوباتٌ اقتصادية تصاعدية وأزمة طاقة فادحة وأحاديث عن شتاء أوروبي مظلم على الأبواب.. مروحيات متعددة الأغراض كثيرة بدأ أزيز محركاتها يسكن أذنَي في أسابيع قليلة، ودرونز صغيرة كثيرة بدأت تسكن سماوات عينَيَّ، بعضها للاستطلاع وجمع المعلومات، وبعضها ينفجر في قلب هدفه.. صواريخ باليستية ودروع جوية ودفاعات متطورة وقاذفات أسرع من الصوت ومُسيرات بحرية لا أدري ما تفعل تحديدًا!
صور صور صور.. وحرب تستمر لأطول مما خُطط لها بكثير.
لليوم، ومنذ أواخر فبراير 2022، ما زلت أملأ عينَيَّ بصور قادمة من عالم الحرب العالمية الثالثة، ولا أدري ماذا تخبئ تلك الحرب لعينَيَّ، لكنها تبدو حربًا واعدة بمادة بصرية غنية. وفي عينَيَّ متسعٌ لبعض الدرونز والمروحيات على أي حال!
ذاكرة بصرية جديدة
ما زال صديقي النفساني ينصحني بالنوم مبكرًا، بتمارين الاسترخاء، بإغلاق الهاتف واللابتوب لساعات متواصلة كلما أمكن، ويذكِّرني: متابعة المحتوى الإخباري لمدة تزيد على الست ساعات يوميًّا خطر على الصحة النفسية والعقلية، والدراسات تقول إن 80 في المائة من الصحافيين في العالم عرضة للصدمة واضطرابات ما بعد الصدمة.
أعده أن أجتهد أكثر لحفظ عينَي من المادة البصرية المؤلمة، وأن أتخفف من التعرض للمحتوى الإخباري، لكنه يعرف أنني لن أفعل، ويعرف كلانا أن الزوارق والدرونز وطلقات الرصاص ودوي المدافع لن تتوقف، وأن أطباء الإغاثة والنازحين لن يكفُّوا قريبًا عن الترحال عبر عينَيَّ.
على الأقل ليس قبل أن يجلس قادة العالم إلى مائدة المفاوضات ويتوصلوا لاتفاق يعيد كل تلك الألعاب الحربية العملاقة – بجنازيرها ومحركاتها وذخيرتها – إلى مخازنها، وقبل أن ينجح الساسة ورجال الأمن في تفكيك شبكات تهريب البشر إلى الأبد.. حينها فقط، ربما.. ربما تسكن الزوارق والمروحيات في عينَيَّ، وأنشغل بحياكة ذاكرة بصرية جديدة قوامها صور من الفضاء والمهرجانات وحكايات سانتا كلوز وهدايا أعياد الميلاد.
نُشر هذا المقال في العدد 70 من مجلة «الإنساني» ضمن ملف العدد عن «أنسنة الإعلام». للاطلاع على محتويات العدد، انقر هنا. للاطلاع على العدد كاملًا، انقر هنا
تعليقات