تواجه النساء والفتيات في أفريقيا والشرق الأوسط ما يشبه “عاصفة مثالية” من التحديات – أزمة مناخية متفاقمة، ونزاعات مستعرة، وفقر متزايد، وتراجع في المكاسب الديمقراطية. هذه الصورة القاتمة هي استنتاج توثقه مراجعة عالمية شاملة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تقريرها “حقوق المرأة بعد 30 عاماً من إعلان بيجين” لعام 1995. وبعد ثلاثة عقود من هذا الالتزام العالمي، تقف المنطقتان العربية والأفريقية في نقطة متأخرة محاصرتين بين إرث من التمييز وتحديات معاصرة غير مسبوقة لاسيما النزاعات المستعرة فيهما منذ عقود.
“نساء المنطقة يدفعن ثمناً مضاعفاً – فالظلم التاريخي المتمثل في التمييز يتفاقم الآن بفعل التغير المناخي والنزاعات المسلحة والتدهور الاقتصادي،” تقول ماما كواتي دومبيا، رئيسة منصة القيادات النسائية في مالي، إحدى المساهمات في تقرير “حقوق المرأة بعد 30 عاماً من إعلان بيجين”. وتكشف الأرقام واقعاً صادماً: فنسبة الفقر المدقع بين النساء في المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة أعلى بـأكثر من سبع مرات من المناطق المستقرة. وتلقي الحروب المستمرة بظلال قاتمة على النساء في المنطقتين. ففي عام 2023، وجد التقرير أن 612 مليون امرأة وفتاة يعشن على بعد أقل من 50 كيلومتراً من أحد النزاعات المسلحة البالغ عددها 170 نزاعاً، بزيادة مقلقة بلغت 54% عن عام 2010. أظهرت المراجعة الشاملة التي شملت 159 دولة أن المكاسب التي تحققت للنساء على مدار الثلاثين عاماً الماضية تتراجع بشكل دراماتيكي في مناطق النزاع. وتشير المعطيات إلى حالة مقلقة حيث يستخدم العنف الجنسي كسلاح حرب منهجي، وتتعرض الخدمات الصحية لهجمات متعمدة، وتتفاقم الآثار الاقتصادية للحروب على الشرائح الأكثر هشاشة، وعلى رأسها النساء.
تشير البيانات إلى تصاعد حاد في العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في دول عدة في المنطقة، مع تسجيل حالات تزيد بنسبة 2.5 مرة عن السنوات السابقة. لكن التقرير يشير أيضاً إلى أن “95% من ضحايا هذه الجرائم لا يحصلن على العدالة أو التعويض.”
“الصراعات المسلحة تفرض على النساء معاناة مضاعفة – فهن يواجهن العنف بكل أشكاله، ويتحملن عبء رعاية الأسر في ظروف الحرب، ويعانين من انهيار الخدمات الأساسية، بينما يتصاعد الإنفاق العسكري العالمي إلى مستويات قياسية بلغت 2.44 تريليون دولار سنوياً، وهو ضعف المستوى في عام 1995″، كما جاء في التقرير الأممي.
الفقر والهشاشة: المرأة في دائرة الخطر
سجل التقرير تقدماً في اعتماد خطط العمل الوطنية بشأن المرأة والسلام والأمن، حيث بلغ عدد الدول التي اعتمدت هذه الخطط 112 دولة وإقليم. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في نقص التمويل والتنفيذ، إذ زادت 28% فقط من هذه الدول التمويل اللازم لتنفيذ هذه الخطط.
يشير التقرير إلى أن النساء والفتيات في السياقات الهشة للغاية أكثر عرضة للعيش في فقر مدقع ب 7.7 مرة مقارنة باللواتي يعشن في سياقات غير هشة. وفي ظل الأزمات المتعددة، تزداد معاناة النساء في الحصول على الغذاء والصحة والتعليم.
أزمة المناخ: النساء في خط المواجهة
في أفريقيا، حيث تعتمد 80% من الأسر الريفية على الزراعة، تواجه النساء الأفريقيات أعباءً متزايدة بسبب تغير المناخ. يحذر التقرير من أنه “في أسوأ سيناريوهات المناخ، قد يُدفع 236 مليون امرأة وفتاة إضافية إلى انعدام الأمن الغذائي بحلول عام 2050.”
في المغرب وتونس والجزائر، تشير الدراسات إلى أن النساء يقضين ما يصل إلى خمس ساعات يومياً في جمع الماء والحطب، وهو وقت يتزايد مع الجفاف وتراجع منسوب المياه الجوفية.
لكن هناك أيضاً بصيص أمل. ففي كينيا، تقود نساء الماساي جهوداً لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة في محمية أمبوسيلي الوطنية، مما ساهم في استصلاح مئات الهكتارات. وفي المغرب، نجح “الائتلاف المدني للميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي” في الدفع نحو تخصيص موارد أكبر للمبادرات المناخية التي تستهدف النساء.
المشاركة المجتمعية: خطوات متعثرة
من بين التحديات الخطيرة التي تواجه النساء في مناطق النزاع، يبرز الاستهداف المتزايد للمدافعات عن حقوق الإنسان. تقول ليديا ألبيزار دوران، المديرة التنفيذية المشاركة في مبادرة “ميسو أمريكان للمدافعات عن حقوق الإنسان”: “المدافعات عن حقوق الإنسان في طليعة الحركات النسوية والاجتماعية. نضالاتهن ومقاومتهن لتشكيل عالم أكثر عدلاً ضرورية في ظل موجة التراجع الكبيرة اليوم.”
رغم تضاعف نسبة النساء في البرلمانات العالمية منذ العام 1995، تظل أفريقيا والشرق الأوسط متأخرتين في هذا المجال. باستثناء بعض الدول مثل رواندا (61% من البرلمانيين من النساء) والإمارات العربية المتحدة (50%)، تظل نسبة النساء في معظم برلمانات المنطقتين دون 20%.
وعلى صعيد القيادة، كشف التقرير أنه من بين 87 دولة شهدت وجود امرأة في منصب قيادي، ثلاث فقط في أفريقيا (ليبيريا وإثيوبيا وتنزانيا)، واثنتان في العالم العربي (تونس وموريتانيا).
المرأة غائبة عن طاولات السلام
رغم إصدار قرار مجلس الأمن 1325 قبل أكثر من عقدين، والذي يدعو إلى مشاركة المرأة في جهود السلام، إلا أن التقرير يكشف أن النساء ما زلن مهمشات في عمليات صنع السلام. ففي عام 2023، شكلت النساء فقط 10% من المفاوضين و14% من الوسطاء و27% من الموقعين على اتفاقيات السلام تقول ليندا العباهي، مستشارة الشؤون السياسية والوساطة في مبادرة مسار السلام: “في عالم يسوده عدم الاستقرار والعنف، تُعد المشاركة المتساوية للمرأة في عمليات السلام أمراً لا غنى عنه لتحقيق تأثير دائم. عندما تتمكن النساء من تشكيل هذه العمليات بشكل هادف، تكون النتائج تحويلية حقاً – حيث تقدم حلولاً شاملة واستقراراً دائماً ومساراً نحو السلام المستدام”.
وتظهر الأدلة أن اتفاقيات السلام التي تشارك فيها النساء كموقعات تدوم لفترة أطول في المتوسط بـ 15 شهراً مقارنة بالاتفاقيات التي لا يشاركن فيها. ومع ذلك، فإن الفجوة العميقة في المشاركة تعكس تهميشاً منهجياً ومستمراً.
الإنترنت: فجوة جديدة وفرصة ضائعة
بينما يتسارع الاتجاه العالمي نحو الرقمنة، تتسع الفجوة الرقمية بين الجنسين في المنطقتين. في أفريقيا جنوب الصحراء، تقل احتمالية استخدام النساء للإنترنت بنسبة 30% مقارنة بالرجال، وفي الشرق الأوسط تصل هذه النسبة إلى 24%. وفي الوقت نفسه، تتعرض النساء للعنف الرقمي. فقد كشف التقرير أن 53% من النساء البالغات المستخدمات للإنترنت في 12 دولة من أوروبا وآسيا الوسطى تعرضن لشكل من أشكال العنف الإلكتروني، وهي ظاهرة تتفاقم أيضاً في الشرق الأوسط وأفريقيا.
يسلط التقرير الضوء على بعض المبادرات الواعدة التي يمكن البناء عليها لتحسين وضع النساء في مناطق النزاع. فقد قدم صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني نموذجاً فعالاً للتمويل المباشر للمنظمات النسائية، حيث دعم 582 من المدافعات عن حقوق الإنسان في 24 دولة متأثرة بالأزمات، وقدم تمويلاً حيوياً لأكثر من 1300 منظمة نسائية منذ 2016. وأطلقت ألمانيا وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وأوكرانيا “التحالف من أجل التعافي المستجيب للنوع الاجتماعي والشامل” لضمان إدماج حقوق المرأة في خطط التعافي وإعادة الإعمار. هذا النموذج يمكن تطبيقه في سياقات أخرى.
ويشير التقرير إلى تطور إيجابي يتمثل في اهتمام هيئات حقوق الإنسان الدولية المتزايد بالروابط بين النزاعات وحقوق المرأة، واتخاذ خطوات نحو تقنين “الفصل العنصري القائم على النوع الاجتماعي” كجريمة جديدة بموجب القانون الدولي.
نحن في لحظة حرجة،” تقول سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، “فعدم المساواة بين الجنسين هو أحد أكثر التحديات إلحاحاً في عصرنا، لكنه يقدم أيضاً فرصة لا مثيل لها لتحويل المجتمعات.” وتضيف بحوث: “منذ ثلاثين عاماً، تخيل المجتمع الدولي عالماً من المساواة الكاملة للمرأة. اليوم، رغم الرياح المعاكسة، هذا الحلم ما زال في متناول اليد – إذا تصرفنا بحزم.”
يختتم التقرير بدعوة ملحة لأن يكون القانون الدولي الإنساني الذي ينظم النزاعات المسلحة قوياً وواقياً ويمكن التعويل عليه لإنقاذ الأرواح. ففي عالم ينفق 2.44 تريليون دولار سنوياً على الأسلحة، ما زالت حياة 612 مليون امرأة وفتاة تحت رحمة قذائف تسقط في أي لحظة. لا يزال طريق النساء في مناطق النزاع طويلاً، لكن صمودهن ومقاومتهن، إلى جانب الجهود الدولية المستمرة، قد يفتح أفقاً جديداً للسلام والعدالة.
*التقرير متوفر باللغة الإنكليزية للقراءة والتحميل عبر هذا الرابط
أمل في الأفق: حلول واعدة
استجابة للتحديات التي تواجه النساء، طورت هيئة الأمم المتحدة للمرأة “أجندة عمل بيجين+30” التي تتضمن ست أولويات استراتيجية، مع تركيز خاص على احتياجات المنطقتين:
1.الثورة الرقمية الشاملة: سد الفجوة الرقمية بين الجنسين وضمان استفادة النساء من الفرص الاقتصادية الرقمية.
2. القضاء على الفقر: الاستثمار في الحماية الاجتماعية والخدمات العامة، مع التركيز على صحة المرأة وتعليم الفتيات والرعاية.
3. صفر عنف: تبني وتمويل تشريعات وخطط عمل وطنية شاملة للقضاء على العنف ضد المرأة
4. المشاركة المتساوية في صنع القرار: تسريع تحقيق المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة في المجالين العام والخاص.
5. السلام والأمن: دفع المساءلة في أجندة المرأة والسلام والأمن والعمل الإنساني المستجيب للنوع الاجتماعي.
6. العدالة المناخية: إعطاء الأولوية لحقوق النساء في الانتقال إلى الاستدامة البيئية، مع التركيز على المجتمعات الريفية والأصلية.
تعليقات