صدر اليوم عدد جديد من مجلة «الإنساني» التي تصدرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة العربية بملف شامل عن التحديات الإنسانية لجائحة كوفيد-19 علاوة على مجموعة من المواضيع التي تخص العمل الإنساني، وكذلك استعراض لبعض القضايا الإشكالية في القانون الدولي الإنساني.
وأفرد العدد، الذي يحمل رقم 67، مواضيع متنوعة تخص جائحة كوفيد-19، منها ما يعالج التحديات التي فرضها الوباء في سياقات معينة كقطاع غزة أو سورية أو الجزائر أو العراق أو اليمن، ومنها ما يحلل قضايا محددة في سياق هذا الوباء كالآثار النفسية والعقلية، أو للأدوار الاستثنائية التي بذلها الأطباء والعاملون الصحيون في التخفيف من وطأة الجائحة.
انقر هنا لتصفح العدد 67 من الإنساني.
ولا يقتصر العدد على المقالات والتقارير الخاصة بجائحة كوفيد-19، فهناك أيضًا مواضيع تختص بالقانون الدولي الإنساني كإشكالية الحرمان من الحرية زمن الحرب أو نظرة البوذية للقانون الدولي الإنساني.
تقرير من اليمن
في نهاية العام 2020، استقبلنا خبرًا قاسيًا. انفجار في مطار عدن يودي بحياة مدنيين، منهم ثلاثة من زملائنا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. من ضمن الضحايا زميل كان يساعد في تنسيق أنشطة النقل الجوي التي تضطلع بها اللجنة الدولية، التي شملت الإشراف على نقل أكثر من 1000 محتجز سابق إلى ديارهم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
مثلت هذه العملية واحدًا من أهم الأنشطة ذات التأثير الواضح التي اضطلعت بها اللجنة الدولية مؤخرًا. زميلتنا سلمى عودة، مسؤولة الإعلام الرقمي في المركز الإقليمي للإعلام في القاهرة، حضرت عملية التبادل، ونقلت إلينا قصصًا و«تفاصيل خلف الكواليس أظهرت مشاعر شهد عليها جنود مجهولون ممن كانوا يعملون لإنجاحها. أيام قليلة كانت كافية بأن تغمرنا جميعًا بسيل من المشاعر عرفنا من خلالها مرة أخرى جدوى عملنا الإنساني».
الملف: كوفيد-19 في العالم العربي… تحدي وقف عدَّاد الجائحة
فيما العالم العربي يستعد لذكرى قاتمة وهي مرور عشر سنوات على اندلاع نزاعات مسلحة دامية في عدة بلدان عربية، يجد نفسه الآن أمام تحدٍّ صحي لا مثيل له؛ تفشي وباء كوفيد-١٩. لقد خلَّفت الجائحة آثارًا منهكة للمجتمعات والأنظمة الصحية حول العالم، فخلال أقل من عام أودت الجائحة بحياة أكثر من مليون شخص وأصابت أكثر من 30 مليون شخص في 190 بلدًا. وكان التأثير مضاعفًا في المجتمعات الفقيرة أو تلك التي تنهشها النزاعات المسلحة، ومنها سياقات عدة في العالم العربي.
في البداية يأخذنا سيدريك كوتر، وهو باحث قانوني يعمل في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف، في جولة تاريخية للمقارنة بين جائحة كوفيد-19 وجائحة الإنفلونزا التي امتدت في الفترة من 1918 إلى 1919، المعروفة باسم «الإنفلونزا الإسبانية». خلال هذه الجولة التاريخية، يستقصي كوتر دروسًا اكتسبتها البشرية بشق الأنفس من هذه الفترة، وهي دروس يقول إنها تستحق منا إمعان التفكير بشأن كيفية تأثير النزاعات المسلحة على الطرق التي نتحدث بها عن الوباء الحالي وسبل تخفيف وطأته.
التاريخ ودروس الماضي كانا محور مقال مي عجلان، وهي باحثة مصرية في العلاقات الدولية. عنوان المقال هو «الصحة جسرًا للسلام: مكافحة الوباء مدخلًا محتملًا لحل النزاع»، وفيه تقول إن الكوارث والأزمات قدمت حاجات مشتركة بين أطراف الصراع لوقف العنف والقتال؛ أي يمكن للأزمات المفاجئة أن تكسر أنماط السلوك الراسخة وتحولها من سلوكيات عدائية إلى سلوكيات تعاونية. ومن هنا جاء التساؤل: هل يمكن أن تكون جائحة كورونا مدخلًا للسلام بعد سنوات من الحرب؟
إذا كان الأمل والتفاؤل قد غلبا على مقاربات سيدريك كوتر ومي عجلان، فإن النص الثالث في ملف جائحة كوفيد-19 يعالج أمرًا مقلقًا وفائق الأهمية، وهو تأثيرات جائحة كوفيد-١٩ في الصحة النفسية. فحسب تقارير، زادت الاضطرابات الوجدانية التي تتراوح بين الشعور بالملل والإحباط والتهيج والغضب والاكتئاب والأرق والميول الانتحارية. وكشف استطلاع شمل سبعة بلدان أن الصحة النفسية لشخص واحد من كل شخصين قد تأثرت من جراء الجائحة. يتناول هذا المقال الأبعاد المختلفة للوباء، سواء من خلال التأثيرات التي يحدثها انهيار الحياة الاعتيادية، أو الضغوط التي يمر بها المصابون والمخالطون، أو الاحتراق الوظيفي الذي قد يواجه الأطقم الطبية.
الأبعاد النفسية والعقلية هي محور تقرير الصحافي الفلسطيني يحيى اليعقوبي الذي يتتبع أثر الجائحة على مضاعفة البطالة ورفع معدلات الاكتئاب وسط الشباب في قطاع غزة. يكتب اليعقوبي: «شباب غزة يتقدمون في السن، وهم في ريعان الشباب يحملون على كاهلهم هموم الشيوخ، وكأن الدهر أَدَارَ لَهُم ظَهْر الْمجَنِّ. تتعدد أزمات الشباب في قطاع غزة نتيجة عوامل عدة أبرزها قيود الحصار الإسرائيلي، والتبعات السلبية للانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي ساهم بانخفاض معدلات التوظيف وتغييبهم عن المشاركة السياسية، وارتفاع تكاليف الزواج، وصعوبة في التعليم والتنقل من وإلى القطاع».
جدير بالذكر أن هذا المقال فاز بالمركز الأول في مسابقة اللجنة الدولية للصحافة الإنسانية 2020.
الصحافية السورية نور أبو فرَّاج تمنحنا فرصة للتجول ومعرفة أوضاع السوريين في ظل الجائحة. في مقالها المعنون «كورونا في سورية: شبحٌ يراه الأطباء فقط». وفيه تتلمس في تقريرها واقع الوباء في سورية التي أنهكها النزاع المسلح التي على الرغم من كل المآسي فإنه «بعد سنوات طويلة من الحرب أن يكون التكافل بين الناس ما زال حاضرًا كقيمة اجتماعية، ففي سورية ما زال هناك من يتطوع لمساعدة الآخرين وإعانتهم ماديًّا وصحيًّا، كما لو أن اللاشعور الجمعي ينشد الخلاص من كل ما مر وما قد يأتي».
الملف يستمر في إلقاء الضوء على تداعيات الجائحة في سياق نزاع مسلح ممتد. الصحافي العراقي محمود النجار شاهد عن كثب الأوضاع الإنسانية الحرجة في الموصل المنكوبة في وضع يهاجم فيه الفقر والجوع حياة العراقيين وسط اضطراب سياسي، وفي ظل تراجع أسعار النفط.
الصحافي اليمني نشوان العثماني يلفت نظرنا إلى حقيقة أن النساء في اليمن يمثلن الخاسر الأكبر في مزيج الحرب والوباء. ينقل نشوان عن الدكتورة هدى باسليم، وهي متخصصة بارزة في طب المجتمع والصحة العامة في جامعة عدن، صورة قاتمة لمشهد النساء في اليمن. تقول إن تأثير كوفيد-19 كبير على «المرأة اليمنية التي تعاني مرارة الحرب والنزوح، والضائقة الاقتصادية المتفاقمة. وقد أسهمت الإجراءات الاحترازية مثل إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام المسافرين وتقليص عدد الموظفين في القطاع العام والخاص والمختلط في ضعف المردود الاقتصادي للأسر، وعدم قدرة بعض المغتربين للسفر والعودة لأعمالهم. وقد انعكس هذا على الاستقرار المادي والنفسي للأسر، وزيادة احتمالات العنف الأسري. كما أن دور المرأة خلال هذه الأزمة قد تراجع اقتصاديًّا، بسبب تركيزها على كيفية المحافظة على أسرتها قبل كل شيء».
في مقال مصور، تعرض زينب غصن، رئيسة تحرير مجلة «الإنساني»، بعضًا من قصص عاشها ورواها أطباء وممرضون وقابلات وفنيون في زمن الكورونا، منهم زملاء في الأقسام الصحية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، استمروا في أداء أدوارهم الحاسمة في مناطق مزقتها الحروب على الرغم من الوباء. المقال يشمل رسومات من أعمال الفنان المصري أحمد ثابت.
ومن دول النزاع إلى دول مرت بتحولات سياسية كبيرة مثل الجزائر التي تعيش تجربة مختلفة في إدارة أزمة تفشي جائحة كوفيد-19، الصحافي الجزائري محمد الفاتح عثماني يرصد أبعاد الوضع الصحفي في الجزائر، مع تركيز على الدور الاستثنائي الذي اضطلع به الأطباء الجزائريون.
نقاشات وإشكاليات معاصرة في القانون الدولي الإنساني
يستعرض علي البدراوي، وهو مستشار في القانون الدولي الإنساني في اللجنة الدولية، في مقال مطول قضية الأشخاص المحرومين من الحرية في زمن النزاعات المسلحة، وهو موضوع يُعد واحدًا من أهم مواضيع القانون الدولي الإنساني وأكثرها جدلًا. وترجع تلك الأهمية إلى أنه بمجرد وقوع أي شخص في قبضة العدو ووضعه داخل أماكن الاحتجاز أو الاعتقال يكون أكثر عرضة للانتهاك الذي لا يكون بالضرورة في أكثر صوره فجاجة، كالتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بل من الممكن أن يكون في أبسط مقومات الحياة التي يحميها القانون الدولي الإنساني أيضًا كالمأكل والمشرب والملبس.
وفي هذا العدد، نقدم لقراء العربية نصًّا فريدًا وهو «معاملة أسرى الحرب.. وجهة نظر بوذية». في هذا المقال يستعرض أكاديميون وعاملون في المجال الإنساني إمكانية «تطوير منظور بوذيٍّ حول هذه المسألة، ومجموعة من الممارسات الجيدة بشأن كيف يعامَلون بما يحفظ إنسانيتهم وكرامتهم».
ما فعله النزاع ببلادنا؟
يقدم الصحافي السوري ماهر المؤنس قراءة لمعاني الحرب في سورية. عشر سنوات كاملة من النزاع، ومع ذلك يختلف معنى الحرب من طرف لآخر. في المقال يركز ماهر على ماهية الحرب «بالنسبة لي.. بالنسبة لوالدتي.. لوالدي الستِّيني.. لصديقتي الثلاثينية.. لبائع القهوة في حارتنا.. لسائق سيارة الأجرة.. لطالب جامعي.. لأمٍّ حديثة الولادة، ترعى ابنتها وترضعها وتحاول أن تشعرها بالدفء.. لأولئك الذين عايشوا الحرب طيلة عشر سنوات، واليوم يُجاورونها».
الصحافية اللبنانية مي اليان تطرح الأسئلة المفتوحة ذاتها، ولكن عن بيروت التي هزها انفجار غادر قبل عدة أشهر. تقول مي «وصل وجع بيروت إلى أقاصي الأرض. تُرى ماذا نفعل بكل ما حل بنا؟ كيف نهضمه؟ كيف نمضي بحياتنا؟ كيف نواسي الذين فقدوا أحبتهم، كيف ننظر في عيونهم وعيون من مزق الزجاج عيونهم؟».
ذكرى أشخاص وأحداث
في العام 2020، يكون قد مر أربعون عامًا على تأسيس أول مكاتب اللجنة الدولية في العراق. أربعة عقود من العمل داخل بلد لا تعني بالضرورة لنا أنها مناسبة سعيدة، كما تقول مسعدة سيف، مسؤولة الإعلام في بعثة اللجنة الدولية في بغداد، إذ إنها أربعة عقود من حروب ونزاعات وقتل وتدمير في بلد كان في مراحل مختلفة من التاريخ مركزًا للإشعاع الحضاري والثقافي للعالم بأسره. في هذا المقال، تتتبع مسعدة أهم المحطات التي شكلت ذاكرة اللجنة الدولية في العراق طيلة تلك السنوات.
في مناسبة أخرى، ينظر الباحث العشعاش إسحاق إلى مناسبة مرور ستين عامًا لانضمام الجزائر إلى اتفاقيات جنيف. هذا الانضمام لم يكن أمرًا عابرًا، إذ إنه «اعتُبر واقعة غير مسبوقة طرحت إشكالًا قانونيًّا لم يكن معروفًا من قبل، وقد أفضى ذلك الجدل في الأخير إلى تغيير المنظومة القانونية لقانون النزاعات المسلَّحة، لتصير حركات التحرُّر الوطنية أطرافًا في النزاعات المسلَّحة الدولية لأوَّل مرَّة».
يقدم المستشار عمر مكي في مقال تأبيني عرضًا لإنجازات القانوني المصري البارز القاضي محمد أمين المهدي (1936-2019). حاز الفقيه القانوني شهرة واسعة وتميز وصار علامة من علامات أفرع مختلفة في البحث القانوني. ففي بلده مصر ارتقى في مدارج السلَّم القضائي حتى وصل إلى رئاسة مجلس الدولة، وهو مؤسسة قضائية لها أحكامها المشهودة في الانتصار لحقوق الإنسان وحرياته. وعلى الصعيد العالمي، اختير المستشار المهدي قاضيًا في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 (حتى 2005). كما أن للمستشار المهدي آثارًا جليلة في الكتابات القانونية، خاصة في القانون الدولي الإنساني. هذا المقال يلقي الضوء على بعض المحطات في مسيرة الفقيه القانوني الراحل.
Comments