التعامل مع الموتى من منظور الشريعة الإسلامية: اعتبارات الطب الشرعي في مجال العمل الإنساني

العدد 65 / قانون الحرب

التعامل مع الموتى من منظور الشريعة الإسلامية: اعتبارات الطب الشرعي في مجال العمل الإنساني

يناقش هذا المقال عددًا من المسائل والتحديات المعاصرة المرتبطة بالتعامل مع الموتى في النزاعات المسلحة المعاصرة وحالات العنف الأخرى والكوارث الطبيعية في إطار الشريعة الإسلامية الدولي الإنساني. ومن بين المسائل والتحديات التي تواجه المتخصصين في مجال الطب الشرعي في السياقات والحالات والقانون التي تتضمن أطرفًا من المسلمين في الوقت الراهن، الدفن الجماعي والتعجيل بالدفن واستخراج رفات الموتى وتشريح الجثث. ويخلص المقال إلى أن النظامين القانونيين وضعا أحكامًا تهدف إلى حماية كرامة الموتى واحترامهم وإلى أنهما يكملان بعضهما بعضًا من أجل تحقيق هذه الحماية في السياقات والحالات المحددة التي تتضمن أطرافًا من المسلمين.

      1) البحث عن الموتى وجمعهم

استندت الأحكام الفقهية القديمة، التي تنظم النزاعات المسلحة، إلى نصوص معينة- دينية وتاريخية وقانونية- عالجت في المقام الأول حالات الحرب في القرن السابع الميلادي وفيها (1) كانت الأطراف المتحاربة في بعض الحالات تعرف أعداءها من المقاتلين بالاسم، ويرجع بعض السبب في هذا إلى الانتماءات القبلية، (2) وكانت درجة الدمار والإصابات محدودة للغاية بسبب الأسلحة البدائية المتاحة وما جرت عليه العادة من مباشرة العمليات العدائية بمبعد عن المناطق المأهولة بالسكان. والمقصد من ذلك هو الاشارة إلى التوثيق الدقيق الذي لا يزال بين أيدينا حتى اليوم، ويشمل قوائم بأسماء من قتلوا في المعارك الأولى التي دارت رحاها في حياة النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)- وتحديدًا بين عامي 624 و632- وأسماء أسرى الحرب فضلًا عن بعض من شهاداتهم التي تبين المعاملة التي كانوا يتلقونها وهم أسرى.

وتشير كتب الحديث والسيرة النبوية إلى أن النساء في حياة النبي كنَّ يقدمن في ميدان القتال الأعمال والخدمات الإنسانية التي تقدمها طواقم الرعاية الصحية وجمعيات العون الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة. وعلى الرغم من أن بعض النساء كن يقاتلن في ميادين المعارك في ذلك الوقت- وهو أمر وثقته العديد من الروايات- فقد تضمنت أدوارهن، كما بينت ذلك نُسيبة بنت الحارث الأنصارية رضي الله عنها (راوية من رواة الأحاديث النبوية وفقيهة كنيتها “أم عطية” (توفيت عام 643)، علاجَ الجرحى والعناية بالمرضى وتحضير الطعام، وقالت الرُبيع بنت معوذ بن عفراء (توفيت عام 665) “كنا نرد القتلى والجرحى إلى المدينة”.

ويُستنبط من رواية الرُبيع التي تبين أن المرأة شاركت في إخلاء رفات موتى المسلمين ومن توثيق حالات القتلى في كل اشتباك عسكري، كما يتبين ذلك على وجه الخصوص في السيرة النبوية، أن عملية البحث عن الموتى وجمعهم من الإجراءات الضرورية التي يجب الاضطلاع بها لضمان احترام كرامة الإنسان. فعلى سبيل المثال، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في معركة أحد، طلب النبي من أصحابه البحث عن سعد بن الربيع رضي الله عنه (توفي عام 625) ليتبينوا إن كان من القتلى أم لا يزال على قيد الحياة. وفي المعركة ذاتها، بحث النبيُ عن جثة عمه حمزة رضي الله عنه (توفي عام 625) بعد أن انفض القتال. وتبين السنة النبوية أن البحث عن الموتى في صفوف الجيش المسلم وتحديد هويتهم وجمعهم فرضٌ على المسلمين. وسنناقش فيما يلي التعامل مع الموتى من الأعداء. 

      2) إعادة الرفات والأمتعة الشخصية الخاصة بالموتى

دفن الموتى فرض كفاية على المجتمع المسلم. وهذا يعني أن المجتمع المسلم بأسره يأثم إن لم يدفن موتاه، إلا إذا كان ذلك يخرج عن نطاق علمهم أو يتجاوز حدود قدرتهم. وكما يتبين من رواية الرُبيع، يلتزم المسلمون بإعادة الموتى من الجنود المسلمين من ميدان القتال إلى أهلهم. وبخلاف ذلك، عندما تستحيل إعادة الموتى من ميدان القتال إلى أهلهم، يُباح دفنهم في قبور جماعية في هذه الحالة من حالات الضرورة كما سيتبين في المناقشة فيما يلي. وبالمثل، هناك سابقة في مطلع التاريخ الإسلامي لإعادة الموتى إلى الطرف المعادي. ففي غزوة الخندق في عام 627، وكان عدد المسلمين فيها أقل من ثلث التحالف الذي ضم مهاجميهم من الأعداء، لقي نوفل بن عبد الله بن المغيرة مصرعه حين حاول القفز وهو يعتلي صهوة جواده ليقتحم الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد هجوم أهل مكة. وعندما عرض أهل مكة مبلغًا من المال مقابل جثة نوفل، أعطاهم النبي جثته ورفض أن يقبل المال.

وفي الواقع، فإن الأحكام الفقهية القديمة لا تتسق في هذا الصدد مع القانون الدولي الإنساني فحسب، بل تتجاوز على ما يبدو قواعد القانون الدولي الإنساني التقليدية في حماية كرامة الموتى واحترام احتياجات أحبائهم. ففي كثير من الحالات، يجيز القانون الدولي الإنساني دفن رفات الميت دون محاولة إعادته إلى أهله طالما أنه “يُدفن بطريقة لائقة”. فعلى سبيل المثال، لم يدفع أحد بأن دفن الجنود في الحرب العالمية الثانية على شواطئ نورماندي، بدلًا من إعادة رفاتهم إلى أحبائهم، يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، بينما يتوقع الأهل اليوم أن يعاد إليهم رفات أحبائهم بعد الموت.

وعلى أي حال، تنص الأحكام الفقهية القديمة على أن ممتلكات العدو غير المسلم المتوفى تصبح غنيمة حرب- على غرار القاعدة المعمول بها في العلاقات الدولية آنذاك. وتستند هذه الأحكام بشأن غنائم الحرب إلى حد كبير إلى مصادر نصية- القرآن الكريم (الآية 41 من سورة الأنفال) والسنة النبوية- وهي منظمة بالتفصيل في كتب الفقه الإسلامي. وباختصار، يوزع خمس الغنائم على فئات معينة، ويوزع الباقي على الجيش. ويعطي بعض فقهاء الحنفية والشافعية لولي الأمر حرية إعادة الممتلكات إلى الخصم المهزوم. وتنص القاعدة العامة والصارمة على أن ولي الأمر هو الذي يعهد إليه بتوزيع الغنائم، ومن ثم يحرم على المسلمين أخذ أي شيء من الغنائم قبل أن يوزعها عليهم ولي الأمر؛ فهذا من الغلول وهو من الكبائر التي أشار إليها القرآن الكريم في الآية 161 من سورة آل عمران. وبعث الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب (حكم من عام 634 إلى عام 644) بوصايا مكتوبة إلى عماله قال فيها “لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدًا واتّقوا الله في الفلاحين”.

وفي النزاعات التي دارت رحاها بين المسلمين أو فيما يمكن تصنيفه بأنه نزاعات مسلحة غير دولية، تنص أحكام الفقه الإسلامي القديمة على أن تعاد الأموال والأسلحة المصادرة من المتمردين المسلحين – الأحياء منهم والأموات- إليهم بعد توقف العمليات العدائية. وبمعنى آخر، يحرم على طرفي النزاع أخذ غنائم الحرب في القتال الذي يدور بين المسلمين. وهذا الحكم المحدد، إن اُحترم في القتال بين المسلمين، فإنه كفيل بحماية الكثير من الأعيان المدنية مثل الممتلكات الثقافية والخاصة من النهب أو التدمير. ويصح هذا القول على وجه الخصوص إذا كان أي من الطرفين أو كلاهما يستخدم الشريعة الإسلامية كمصدر مرجعي.

      3) التعامل مع الموتى

            أ‌. رفات الموتى المسلمين

وضعت الشريعة الإسلامية أحكامًا تفصيلية بشأن التعامل مع الموتى من المسلمين، والأهمّ من هذا فيما يتعلق بمجال اهتمام هذا المقال أنها تنطوي على مجموعة من الأحكام الخاصة بالتعامل مع الشهداء. خلاصة القول، يجمع الفقهاء المسلمون الأوائل على أن الشهيد هو من يلقى حتفه وهو يقاتل الكفار- أي المقاتلين من الأعداء غير المسلمين على وجه التحديد- أو الحالات التي يمكن تصنيفها على أنها نزاع مسلح غير دولي حسب نموذج الخلافة التقليدي الذي يوحد فيه جميع المسلمين تحت سلطان حكم واحد. وبموجب هذا النموذج، فإن أي نزاع مسلح بين المسلمين يُعتبر نزاعًا مسلحًا غير دولي، في حين أن القتال مع بلد ذي أغلبية غير مسلمة يُعتبر نزاعًا مسلحًا دوليًا. تداول الفقهاء القدامى في مسألة ما إذا كانت الأحكام الخاصة بشأن التعامل مع الشهداء تسري في حالة من يموتون في القتال بين المسلمين، وتحديدًا في حالة قتال البغاة. واتفق أغلب الفقهاء على أن الأحكام نفسها التي تسري على الشهداء تسري في هذه الحالة كذلك. وعلى الرغم من أن المسلم الذي يلقى حتفه في كوارث طبيعية أو يُحرق أو يغرق خارج حالات القتال المشار إليها أعلاه يُصنّف ضمن الشهداء من جانب معين، فإن جسده يخضع لنفس الإجراءات العادية المتبعة شأنه شأن من يموتون في ظروف عادية. أما الـمُرتَثّ، فهو من يجرح في السياقات المبينة أعلاه، ثم يُنقذ ويعيش حياة طبيعة لفترة من الزمن ثم يموت بعد ذلك متأثرًا بجراحه التي أصيب بها في الحرب، فحكمه أنه لا يخضع لنفس إجراءات التعامل مع الشهيد، حسب رأي أغلب الفقهاء.

شكلت المعركتان المشار إليهما أعلاه، بدر التي وقعت في آذار/ مارس 624 وأحد التي وقعت في آذار/مارس 625، على التوالي سابقتين اشتقت منهما الأحكام الخاصة بالتعامل مع القتلى من المسلمين وغير المسلمين، ويرجع السبب الرئيسي في هذا إلى أن هاتين المعركتين شهدتا أكبر عدد من القتلى في صفوف المسلمين وأعدائهم في حياة النبي. وبالتالي، استنادًا إلى أسلوب التعامل مع الشهداء المسلمين في معركة بدر والروايات المنسوبة إلى النبي في هذا الصدد، يجمع الفقهاء المسلمون على أن الأحكام الثلاثة التالية ينبغي مراعاتها حصرًا في حالة الشهداء. أولًا، يجمع الفقهاء المسلمون، باستثناء سعيد بن المسيب (توفي عام 712 أو 713) والحسن البصري (توفي عام 728)، على أن جثة الشهيد لا تُغسل. يقدم [فقهاء] آخرون مبررات دينية تتعلق بالمكانة الخاصة التي يتبوأها الشهداء وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون (الآية 169 من سورة آل عمران) وأن ذنوبهم تغفر بالفعل وبالتالي ليس هناك حاجة إلى إقامة صلاة الجنازة عليهم. 

وبسبب هذه المكانة العظيمة للشهداء في ظل الشريعة الإسلامية والثقافات الإسلامية، من المهم أن نضيف هنا أن الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، الذي قُتل في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011، كتب في وصيته أنه إن قتل على يد أعدائه، “فإني أوصي بألا أغسل، وأن أدفن وفق تعاليم الشريعة الإسلامية ]المعمول بها في حالة الشهداء[ وفي ثيابي التي أموت فيها”. ويشير هذا بوضوح إلى أن القذافي كان يتوقع أنه سيقتل وكان يرى أنه يستحق أن يعامل كشهيد؛ فقد كان من الواضح أنه يعتبر قضيته عادلة. وبالمثل، تبين صور الفلسطينيين الذين تقتلهم قوات الجيش الإسرائيلي أنهم يدفنون كشهداء- أي دون شعائر الغسل أو التكفين. 

            ب. رفات الموتى غير المسلمين

هناك واجب إزاء الأعداء من المسلمين وغير المسلمين يتمثل في جمع الموتى من الطرف المعادي ودفنهم، وعلى النحو المبين أعلاه، تجد مسألة إعادة جثث الموتى من الطرف المعادي سابقة في مطلع التاريخ الإسلامي. وإذا حال أي سبب من الأسباب دون قيام الخصم بدفن موتاه، يصبح لزامًا على المسلمين أن يضطلعوا بهذه المهمة. ويبرر الفقيه الأندلسي ابن حزم (توفي عام 1064)، صاحب المذهب الظاهري المندثر، هذا الالتزام من خلال الدفع بأن المسلمين إن لم يدفنوا جثث العدو في هذه الحالة، فإنها ستتحلل أو ستأكلها الوحوش أو الطيور، مما يشكل فعل التمثيل بالموتى الذي تحرمه الشريعة الإسلامية. ومن بين الوصايا الكثيرة التي قالها النبي بشأن حرمة التمثيل بالموتى ما يلي: “لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا”.

            ت. القبور الجماعية

تنص القاعدة في الشريعة الإسلامية على أن كل ميت ينبغي أن يدفن في قبر منفرد. ولكن يمكن عند الضرورة دفن اثنين أو ثلاثة من الموتى أو حتى أكثر من ذلك في القبر نفسه إذا دعت الحاجة. وينبغي أن يدفن الرجال والنساء في قبور منفصلة، ولكن إذا اقتضت الضرورة خلاف ذلك، يقول الفقهاء المسلمون الأوائل بوضع حاجز من التراب بين الموتى. وقد بُلي المسلمون في معركة أحد بأكبر عدد مسجل من القتلى في ذلك الوقت في مواجهة عسكرية واحدة، وقال المسلمون للنبي إنهم استصعبوا حفر قبور منفردة لكل شهيد من الشهداء السبعين. ومن ثم، أمرهم النبي بحفر قبور أعمق ودفن اثنين أو ثلاثة من الشهداء في كل قبر. واستنادًا إلى هذه السابقة، يجمع الفقهاء المسلمون على أن القبور الجماعية مجازة في حالات الضرورة في النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى أو الكوارث الطبيعية.

وتشيع في الوقت الحاضر القبور الجماعية للموتى الذين يكونون عادة من الأسرة نفسها في الكثير من البلدان المسلمة، ويرجع السبب في هذا ببساطة إلى ضيق المساحات المتاحة للقبور في القرى والبلدات أو بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف بناء قبر منفرد لكل ميت. ويجدر بنا أن نضيف هنا أن هناك أحكامًا إسلامية مختلفة وممارسات إقليمية وثقافية وتقليدية في جميع أنحاء العالم المسلم بشأن حفر القبور أو بنائها وتعليم القبور بأسماء الموتى. فعلى سبيل المثال، تُبنى القبور في بعض البلدان فوق الأرض وتُميز بأسماء الموتى وتاريخ الوفاة بغرض التعرف على مختلف الموتى، وهو أمر تبيحه الشريعة الإسلامية وفقًا للفتوى رقم 4341 التي أصدرها مفتي الديار المصرية الحالي في 7 آذار/مارس 2018. ومع ذلك، يدفن الموتى في بلدان مسلمة أخرى تحت الأرض دون بيان أسمائهم. 

يجمع الفقهاء المسلمون الأوائل على أن المسلمين وغير المسلمين ينبغي دفنهم في قبور منفصلة. غير أنهم ناقشوا شتى الحالات المحددة في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، يقدم الفقهاء آراء متعارضة في الحالات التي يستحيل فيها تحديد الهوية الدينية لعدد من الموتى. فترى الأغلبية وجوب دفنهم في قبور خاصة، وليس في قبور المسلمين ولا قبور غير المسلمين. إلا أن أقلية منهم ترى وجوب دفنهم في قبور المسلمين، وترى أقلية أخرى وجوب دفنهم في مقابر غير المسلمين. وعلى الرغم من هذا الاختلاف في الآراء، يجمع الفقهاء على أن الطفل الميت إن وجد ولم يتسن تحديد هويته، ينبغي أن يدفن في قبور المسلمين. ولا تزال ممارسة فصل قبور المسلمين عن قبور غير المسلمين تراعى في البلدان المسلمة. 

            ث. الدفن اللائق دون تمييز مجحف

تبين المناقشة أعلاه أن دفن قتلى الجيش المسلم فرض على ذلك الجيش، في حين أن دفن قتلى العدو ليس فرضًا إلا إذا لم يدفن جيش العدو قتلاه. ومن المنظور الإسلامي، يُولد جميع الناس على الفطرة، وحين يموتون، تنتهي أي أسباب للعداء أو العداوة التي كانت موجودة تجاههم قبل موتهم. ويعتبر أنهم قد انتقلوا إلى حياة أو حالة أخرى أصبحوا فيها بين يدي الله تعالى، وبات احترامهم من قبيل احترام إنسانيتهم. ففي السنوات الأولى من العقد الأول من العصر الإسلامي، اندلعت الأعمال العدائية بين المجتمع المسلم الوليد والقبائل اليهودية الثلاث الرئيسية في المدينة، ولكن حين مرت جنازة يهودي بالنبي وقف احترامًا لها. ويبدو أن أحد أصحاب النبي استغرب ذلك، فقال إنها ليهودي. فرد النبي باقتضاب، وكأنه يستنكر التساؤل عن احترام أي ميت، فقال: “أليست نفسًا؟”

ومن غير الواضح على ما يبدو ما إذا كان سياق السفر الذي يشير إليه يعلى بن مرة كان في أثناء نزاع مسلح أم لا، ولكن على أي حال من المهم أن نشير إلى أن هذه الرواية تذكرنا بالقاعدة 112 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي من جانبين، ضمن جوانب أخرى، الأول هو عدم التمييز بين الموتى (أي من حيث انتمائهم إلى الجيش المسلم أو العدو) والثاني ما إذا كانوا قد شاركوا في العمليات العدائية أم لم يشاركوا فيها.

وفي نفس سياق دفن الموتى في إطار احترام كرامة الإنسان الميت وأهله، تقتضي الشريعة الإسلامية أيضًا أن تُدفن أطراف الجسم أو حتى الأطراف المبتورة من الأشخاص الذين لا يزالون على قيد الحياة، كما هو الحال في العمليات الجراحية أو عمليات البتر التي تتم في إطار العقوبات الجسدية المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية. ويتفق الفقهاء المسلمون على نطاق واسع على أن أجزاء الجسم التي يُعثر عليها بعد دفن الموتى ينبغي أن تُدفن، ويضيف فقهاء المذهب الحنبلي أن أجزاء الجسم المذكورة يجب أن تدفن بجانب القبر أو داخله دون الكشف عن جسد الميت لإعادة جمعها.

            ج. تحريم التمثيل بجسد العدو

في نفس سياق حماية جسم الإنسان في إطار احترام كرامة الإنسان، تحظر أحكام الشريعة الإسلامية التي تنظم النزاعات المسلحة التمثيل بالعدو حظرًا باتًا. وقد سُجل التمثيل بالأعداء كعلامة على الانتقام في القتال بين العرب، وذكرت ممارسة حمل رؤوس قادة جيوش العدو بعد قطعها في الحروب بين الروم والفرس. وفي معركة أحد التي وقعت في آذار/مارس 625، تعرض الكثير من قتلى المسلمين لتشويه وحشي، ومنهم عم النبي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وتوعد النبي والمسلمون بالانتقام من أعدائهم بالتمثيل بهم في الاشتباكات العسكرية التي ستقع في المستقبل، ولكن عندما نزلت الآيتان 126 و127 من سورة النحل، حرم النبي التمثيل. ومن بين وصايا النبي التي تنظم استخدام القوة في أثناء النزاعات المسلحة قوله: “لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا”. وأكد النبي على وحشية التمثيل، فحرمه “ولو بالكلب العقور”. وبالمثل، أرسل الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه (توفي عام 634) وصايا مكتوبة إلى عامله على حضرموت باليمن قال فيها: “وإياك والمثلة في الناس؛ فإنها مأثمٌ ومنفرة”. وعندما قدموا عليه برأس يناق البطريق، قائد الجيش السوري، وبرروا ذلك بقولهم “إنهم يفعلون ذلك بنا”، وبخهم رضي الله عنه وقال: “أَفَاسْتِنَان بِفَارِس وَالرُّوم؟ لا يحمل إِلي رأْس، فإنما يكفِيني الكتاب والخبر”، ويقصد في قوله بالكتاب القرآن الكريم وبالخبر سنة النبي. وجاء جواب أبي بكر رضي الله عنه كاشفًا، إذ يبين أن المسلمين لديهم دوافع ذاتية للتقيد بالشريعة الإسلامية، ومن ثم إذا نشر العلماء المسلمون أحكام الشريعة الإسلامية التي تنظم النزاعات المسلحة بين المسلمين، فقد يكون لهذا تأثير كبير على استخدام القوة في بعض الحالات التي يستخدم فيها حملة السلاح الشريعة الإسلامية كمرجع.

وينبغي أن نضيف في هذا الصدد أنه على الرغم من هذه النصوص القاطعة التي تحرم التمثيل، يرى عدد محدود من الفقهاء مثل المواردي (توفي عام 1058) والشوكاني (توفي عام 1834) أن قطع رؤوس قادة جيوش الأعداء إن كان يخدم مصلحة المسلمين (أي يساعدهم على الانتصار في الحرب)، فلا بأس من القيام به كوسيلة لترهيب الخصم وإرغامه على وقف الحرب. ومن الواضح أن اللجوء إلى مبدأ المصلحة العامة، كما في هذا المثال، يمكن استخدامه لتبرير الأفكار المتعارضة استنادًا إلى تقديرات الشخص/ الأشخاص لما يشكل مصلحة المسلمين. 

            ح. التعجيل بالدفن

هناك مظاهر مختلفة لمبدأ احترام الموتى في شتى الثقافات والفترات الزمنية. ففي الشريعة الإسلامية والثقافات المسلمة، يعد دفن الموتى في الأرض هو الطريقة المناسبة لاحترامهم، بينما تحرم الشريعة الإسلامية حرق الجثث لأنه، خلافًا لما هو عليه الحال في بعض الثقافات، يعد انتهاكًا لكرامة جسم الإنسان. وتبيانًا لهذا الأمر، على الرغم من أن مفتي الديار المصرية الحالي الدكتور شوقي علام قد أصدر الفتوى رقم 3246 المؤرخة 14 أيار/مايو 2015 التي تجيز حرق جثث الموتى ضحايا إيبولا ثم دفنها في قبور بعدئذ إذا كان الحرق هو الوسيلة الصحيحة لوقف انتشار المرض، لاقت هذه الفتوى رفضًا من بعض العلماء والمفتين الآخرين لأنهم اعتبروا أن الحرق يظل محرمًا حتى في هذه الحالة. أما في الظروف الطبيعية، فقد أشارت الروايات المتواترة عن النبي إلى استحباب التعجيل بدفن الموتى، ومعنى الاستحباب أن المسألة ليست من قبيل الفرض أو الواجب. ولكن، لم ترد في هذه الروايات المتواترة إشارات تحدد مقدار المدة الزمنية التي تحقق مقتضيات التعجيل بالدفن. ولكن في حالة المطعون (المصاب بالطاعون) والمفلوج (المصاب بالشلل النصفي) والمسبوت (المصاب بغشية أو غيبوبة)، ذهب الفقهاء المسلمون الأوائل إلى استحباب أن ينتظر المسلمون يومًا وليلة إلى أن يتحققوا من وفاة هؤلاء الأشخاص. وسبب الانتظار في هذه الحالات الثلاث أن هناك احتمالًا أن الشخص لم يتوف بعد.

            خ . استخراج رفات الموتى

يرتبط مصطلح “نبش القبور” في الكتابات الإسلامية وتاريخ المسلمين الأوائل بجريمة سرقة القبور؛ واستخدم الفقهاء مصطلح “نبش القبور” سواء في الإشارة إلى استخراج الميت لاتخاذ إجراءات جنائية أو لأغراض أخرى كالأمثلة المبينة فيما يلي. وتعرف الموسوعة الفقهية الكويتية المرتبة في خمسة وأربعين مجلدًا نبَّاش القبور بمن يفتش القبور عن الموتى ليسرق أكفانهم وحليهم، وهي جريمة تحرم مرتكبها من قبول شهادته. وأدى هذا الربط التاريخي جزئيًا إلى وجود دلالة سلبية للغاية لهذه في كثير من الثقافات المتحدثة باللغة العربية. وفضلًا عن ذلك، فإن مبدأ احترام الموتى يقتضي ألا تنبش قبورهم، ومن ثم يجمع الفقهاء المسلمون الأوائل على تحريم نبش القبور إلا في الضرورة. ومن السمات المميزة للشريعة الإسلامية أن الفقهاء المسلمين الأوائل لم يكتفوا بوضع أحكام تنظم المواقف التي تواجه المسلمين في حياتهم اليومية في كثير من مجالات الشريعة الإسلامية فحسب، بل تصوروا أيضًا حالات افتراضية ووضعوا أحكامًا تنظمها تحسبًا لوقوعها فعليًّا. وبناءً على ذلك، تداول الفقهاء المسلمون الأوائل في مسألة جواز نبش القبور في عدد من الحالات منها الحالات التي يبدو أنها افتراضية.

ومن الأمثلة على استخراج رفات الموتى لأغراض دينية استخراج ميت دُفن دون أداء شعائر الغسل أو التكفين أو إقامة صلاة الجنازة. 

ومن أمثلة نبش القبور في حالات المسؤولية المدنية أن يُدفن مع الميت ذهب أو أموال أو مقتنيات ثمينة أو إذا ابتلع المتوفى قطعة من الحلي قبل الوفاة أو إذا دفن في أرض مغتصبة وطلب صاحب الأرض إزالة القبر من الأرض أو في حالة وجود جنين حي في رحم امرأة ميتة. ويؤيد الفقهاء في جميع هذه الأمثلة نبش القبور لأن ملكية جميع الأشياء التي ترافق الميت تؤول بحكم القانون إلى ورثته حسب نصيبهم الشرعي الذي تحدده الشريعة الإسلامية. وبالتالي، فإن المقتنيات والأشياء القيمة الشخصية التي يعثر عليها مع الموتى في أثناء النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية ينبغي أن تسلم إلى أهلهم. وبالمثل، فإن أداء حق الحي، في هذه الحالة المتعلقة بصاحب الأرض المغتصبة التي يبنى عليها القبر، أولى من احترام الموتى. وينطبق الأساس المنطقي نفسه على إنقاذ الجنين الحي، وإلا فإن هذا يشكل جريمة ضد روح إنسان حي وإن لم يولد بعد.

ومن أمثلة استخراج رفات الموتى تحقيقًا لغرض المصلحة العامة نبش القبور لبناء الطرق العامة أو إذا ضرب القبور فيضانات أو تسريب للمياه. ومن ثم، فإن اعتبارات المصلحة العامة هنا تشكل أسبابًا شرعية لنبش القبور.

            د . التشريح

التشريح أو الفحص بعد الوفاة يعني تشريح الجثة لأغراض تعليمية أو علمية أو قانونية- أي لتحديد سبب الوفاة. ولم تكن هذه الممارسة مجهولة في التاريخ الإسلامي. فقد استخدم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (ولد عام 854 وتوفي عام 925)، والحسين بن عبد الله بن سينا (توفي عام 1037)، وعاش كلاهما في البلاد المعروفة اليوم باسم إيران، التشريح لأغراض تعليمية. إلا أن عليًّا بن أبي الحزم بن النفيس (توفي عام 1288)، الذي وُلد وتعلم في سورية، ثم تبوّأ منصب رئيس البيمارستان الناصري بالقاهرة وعُرف أيضًا بأنه أول من وصف الدورة الدموية الرئوية، لم يؤد عمليات التشريح لأغراض تعليمية لأنه كان يرى أن هذا لا يجوز وفقًا للشريعة الإسلامية.

يمارس التشريح في الوقت الراهن في البلدان المسلمة على يد متخصصين في إدارات الطب الشرعي الموجودة في وزارات العدل أو وزارات الصحة. ومع ذلك، ما لم يؤد التشريح في حالة صدور أمر من المحكمة بسبب وجود شبهة في وقوع الوفاة نتيجة لفعل جنائي وكان الأهل مهتمين بمعرفة سبب الوفاة، هناك اتجاهٌ شائعٌ في المجتمعات المسلمة لرفض التشريح لأنه يؤدي إلى تشويه الميت ومن ثم انتهاك حرمته ولما كانت مسألة التشريح غير مطروحة في الكتب الدينية الإسلامية أو الأدبيات القانونية القديمة، فإن المداولات الشرعية الإسلامية الراهنة بشأن هذه المسألة من جانب عدد من المفتين تعكس في المقام الأول نوعًا من التداول بين مبدأ احترام الميت من ناحية والواجبات القانونية المتمثلة في تحديد سبب الوفاة في حالة الاشتباه في فعل جنائي والفوائد العلمية والتعليمية المترتبة على التشريح من ناحية أخرى. 

واستنادًا إلى مبدأ المصلحة العامة والمبدأين الشرعيين الإسلاميين “الضرورات تبيح المحظورات” و”اختيار أخف الضررين”، يبيح أغلب الفقهاء المسلمين ومجالس الشريعة والفتوى الرئيسية في العديد من البلدان الإسلامية مثل مصر والسعودية والأردن وفلسطين، التشريح توخيًا لأغراض التحقيقات الجنائية والمنافع العلمية والتعليمية. وجدير بالذكر أن المثال الخاص بتشريح رحم امرأة ميتة لإنقاذ الجنين الذي ساقه الفقهاء المسلمون الأوائل اقتبسه في هذا الصدد المفتون المعاصرون لإباحة التشريح

         ذ‌. تعامل الجنس الآخر مع الميت

يسير التعامل مع الجثث من جانب المتخصصين في مجال الطب الشرعي من الجنس الآخر، من حيث المبدأ، على نهج نفس الموقف الإسلامي بشأن فحص المرضى من جانب المتخصصين في المجال الطبي من الجنس الآخر، وهو موضوع أحد أبواب أدق كتب الحديث والذي جمعه محمد بن إسماعيل البخاري (توفي عام 870). وأصدر المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في جدة القرار رقم 85/12/8د في مؤتمره الثامن المعقود في بروناي من 21 إلى 27 حزيران/يونيو 1993 الذي قرر فيه أن الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة. غير أن هذه الأحكام لا تنطبق في حالات الضرورة استنادًا إلى القاعدة الفقهية الإسلامية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات. وبالتالي، أولًا، يمكن للمتخصصين في المجال الطبي من الجنس الآخر إجراء الفحص في حالات الضرورة التالية: الافتقار إلى التخصص أو انعدام الثقة في كفاءة المتخصصين في المجال الطبي المعنيين أو في أثناء النزاعات المسلحة التي يقاتل فيها المسلمون من الرجال وتكون هناك حاجة إلى طواقم رعاية صحية من النساء لعلاج الجرحى والمصابين. ثانيًا، لا يسري الشرط الذي يقتضي حضور زوج أو محرم في أثناء الفحص كذلك في حالات الحوادث وطب الطوارئ لأنها من حالات الضرورة.

            ر. دفن الموتى في البحر

من المثير للاهتمام أن نجد أن الفقهاء الأوائل قد تداولوا في مسألة الدفن في البحر على الرغم من أن مناقشتهم لم ترتبط بالضرورة بظروف النزاع المسلح. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الفقهاء المسلمين الأوائل قد تداولوا في هذه المسألة منذ القرنين السابع والثامن حيث (1) لم تكن هناك اتفاقيات دولية تحكم هذه المسألة و(2) كانت حالة الحرب هي القاعدة السائدة في العلاقات الدولية آنذاك ما لم يبرم اتفاق سلام، وذلك على النحو المبين في مداولات الفقهاء حول هذه المسألة. ونقول بإيجاز إن الأساس المنطقي لمناقشتهم حول هذه المسألة هو على ما يبدو ضرورة كفالة الدفن اللائق للموتى في حالة وقوع الوفاة على متن سفينة في البحر.

وفي هذا السياق، توخى موقف الفقهاء المسلمين الأوائل الحالات الثلاث التالية. الحالة الأولى، إذا كان من الممكن الانتظار إلى حين الوصول إلى الشاطئ دون أن يطرأ تغيير على جثة الميت، فينبغي تأجيل الدفن إلى حين وصول السفينة إلى البر ودفنه على النحو المعتاد في قبر. يستند هذا الحكم إلى حالة أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الذي مات على متن سفينة في البحر وحُفظ جسده سبعة أيام حتى وصلت السفينة إلى أول جزيرة ودفن فيها. الحالة الثانية، إذا لم يكن من الممكن الانتظار إلى حين الوصول إلى الشاطئ دون أن يطرأ تغيير على جثة الميت، فينبغي أن يربط في قطعة من الخشب وأن يوضع في الماء حتى يطفو ويأخذه الموج إلى أقرب شاطئ إذا كانت تلك المنطقة يسكنها مسلمون سيحترمون الميت ويكرمون دفنه. أما الحالة الثالثة، إذا كان الميت سيتلقاه في أقرب شاطئ أعداء قد ينتهكون حرمته، فينبغي أن يربط الميت في شيء ثقيل وأن يرسل في البحر.  

ويصف الموقع الإلكتروني الرسمي لمكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، ممثل المرجعية الدينية العليا الشيعية، بإيجاز موقف الإسلام فيما يلي:

إذا مات ميت في السفينة فان أمكن التأخير ليدفن في الأرض بلا عسر وجب ذلك، وإن لم يمكن لخوف فساده أو لمنع مانع يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه ويوضع في خابية ويوكأ رأسها ويلقى في البحر مستقبل القبلة على الأحوط، وإن كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال، أو يثقل الميت بحجر أو نحوه بوضعه في رجله ويلقى في البحر كذلك.

تبين المناقشة الواردة أعلاه أن دفن القوات الأمريكية أسامة بن لادن سرًا في البحر لم يكن وفقًا للشريعة الإسلامية فيما يتعلق بمكان الدفن. فعلى الرغم من أن القوات الأمريكية تزعم أن بن لادن دُفن وفقًا لشعائر الدفن الإسلامية، والتي يقصدون بها على الأرجح شعائر الغسل والتكفين وصلاة الجنازة، فليس هناك مبرر لدفنه في البحر في ضوء مناقشة الفقهاء المبينة أعلاه. وتقتضي الشريعة الإسلامية أن يدفن الموتى في قبور في الأرض ولم تتداول مسألة الدفن في البحر إلا في الحالة المذكورة أعلاه. واتخذت الإدارة الأمريكية القرار بدفن بن لادن في مكان سري في البحر لاعتقادها بأنه إن دفن في قبر فعلي في الأرض، فسيصبح ضريحًا يزوره بعض المسلمين.

5) الخاتمة

إن دراسة أوجه الالتقاء بين القانون الدولي الإنساني والتقاليد القانونية والثقافية والمحلية القديمة ستؤدي إلى إضفاء الطابع العالمي على مبادئ القانون الدولي الإنساني المعاصرة ونشرها بين عموم الناس ببساطة لأن هذه المبادئ لا تتعارض في جوهرها مع المحاولات السابقة التي بذلتها شتى التقاليد القانونية والثقافية والمحلية الأولى. وبالتالي، سيُعزز الطابع العالمي للقانون الدولي الإنساني أولًا عن طريق توضيح أن مبادئه وفلسفته الإنسانية بديهية عمومًا، وثانيًا عن طريق التأكيد على أنه النظام القانوني الأشمل والأكثر تخصصًا والأحدث والقادر على إضفاء مسحة من الإنسانية على النزاعات المسلحة المعاصرة. وهذا يعني أن التقاليد القانونية والثقافية والمحلية السابقة يمكن أن تضطلع بدور مهم في تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني في سياقات محددة.

وهذا المقال نسخة مختصرة من دراسة أوسع حول التعامل مع الموتى من منظور الشريعة الإسلامية: اعتبارات الطب الشرعي في مجال العمل الإنساني. وقد نُشرت نسخة منها بالإنجليزية في العدد الأخير من «المجلة الدولية للصليب الأحمر». انظر هنا لقراءة محتويات هذا العدد بالعربية، وهنا للاطلاع على النسخة الإنجليزية من الدراسة.

عن الدكتور أحمد الداودي

وُلد الدكتور أحمد الداودي في مصر وهو يشغل منصب المستشار القانوني لشؤون الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي باللجنة الدولية للصليب الأحمر. وهو أستاذ زائر بأكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في مدينة جنيف بسويسرا. وقبل التحاقه بالعمل لدى اللجنة الدولية، عمل أستاذًا مساعدًا للدّراسات الإسلامية والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر في القاهرة.

شغل الداودي منصب المدير المساعد لقسم الدراسات العليا بمعهد دراسات العالم الإسلامي ومنسق برنامج الماجستير في الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة زايد في دبي بالإمارات العربية المتحدة. واشتغل بمهنة التدريس في مصر والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وسويسرا. ونُشر له أكثر من عشرين مقالًا وفصلًا عن الشريعة الإسلامية، وألَّفَ كتابًا بعنوان The Islamic Law of War: Justifications and Regulations وترجمته بالعربية: قانون الحرب في الإسلام: أسبابه وأحكامه، ونشرته دار “بالجريف ماكميلان” في عام 2011.

انظر أيضا:

استهداف المدنيين وأوضاع النساء المقاتلات في قانون الحرب في الإسلام- حوار

حماية المدنيين في قلب قانون الحرب في الإسلام- مقال

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا