عائدة من إثيوبيا بتجربة مُلهِمة… تمار أبو حنَّا: الأمر يستحق العناء

قانون الحرب

عائدة من إثيوبيا بتجربة مُلهِمة… تمار أبو حنَّا: الأمر يستحق العناء

تصوير: تمار أبو حنَّا

«مزيج من لحظات السعادة والإحباط»، هكذا وصفت تمار أبو حنَّا، مندوبة اللَّجنة الدولية للصليب الأحمر، بعثتها إلى إثيوبيا التي عادت منها مؤخرًا. تلخص تمارا رحلتها: «فكرة أنني موجودة لمساعدة الآخرين جعلت من ذلك أمرًا يستحق العناء».

تقول تمار: «عندما علمتُ بأنني سأذهب إلى إثيوبيا كمندوبة للَّجنة الدولية فرحتُ كثيرًا. وخلال ساعات قليلة جدًّا كنت قد شاركت الخبر مع كل من يهمني أمره، فقد حصلت أخيرًا على ما أردته لفترة طويلة من الزمن. وقد تراوحت ردود الأفعال بشكل كبير، من’ ما الذي تفعلينه؟ ‘و’ لماذا قد ترغبين بالذهاب إلى هناك؟‘ إلى ’إنه لقرار جريء للغاية‘ و ’لا تضيعي هذه الفرصة على نفسك‘».

هذا وقد انتقلت تمار من مسقط رأسها في الناصرة للعيش في القدس قبل أربع سنوات بهدف العمل لدى اللجنة الدولية، وقد عبَّرت عن ذلك قائلة: «لطالما أردت أن أعمل في مؤسسة دولية، ناهيك عن أن فرصة العمل في المجال الإنساني قيِّمة ومثرية».

تعمل تمار في دائرة الإعلام والنشر في القدس، وهي ترى أن «جوهر عمل اللجنة الدولية يكمن في’ العمل الميداني‘، ولذلك أردتُ أن أعيش تجربة الميدان وأن أخالط البشر بدلًا من الجلوس في المكتب طوال اليوم». وحقيقة أنها وُلدت في ظل الصراع كان له دورٌ كبيرٌ في اتخاذها قرار العمل في دولة أخرى، حيث قالت: «لقد أردتُ أن أجرب وأرى سياقًا مختلفًا». وأضافت: «لقد تعلمت خلال بعثتي أن هناك صراعات تترك خلفها قدرًا كبيرًا من المعاناة الإنسانية، والتي قد لا يعلم عنها الكثير من الناس هنا».

إنَّ نطاق عمل اللجنة الدولية في إثيوبيا يتسع ليضم عدة أمور، منها استعادة الروابط الأسرية وإعادة التأهيل الجسدي والعمل بالتعاون مع الصليب الأحمر الإثيوبي، إلَّا أنه يصح القول إن زيارة أماكن الاحتجاز تشكل أحد أهم الأنشطة التي تنفذها المؤسسة في تلك الدولة، حيث تزور اللجنة الدولية السجون الفدرالية والإقليمية بدعمٍ من السلطات المحلية، وذلك بهدف تحسين ظروف الاحتجاز وطريقة معاملة السجناء بما يتوافق مع القواعد والمعايير الدولية.

صورة من الجو لإثيوبيا. تصوير: تمار أبو حنَّا

إثيوبيا بلدٌ مترامي الأطراف تفصل بين مواقع السجون المختلفة فيه مسافات شاسعة. «كانت زيارات السجون تستغرق منا من ثلاثة إلى خمسة أيام، نقوم خلالها بالذهاب إلى سجن معين والتحدث مع المحتجَزين عن ظروفهم داخل السجن، وكنا أيضًا نتواصل مع السلطات التي تنفذ الاحتجاز. وعندما نعود إلى أديس أبابا، كنا نقضي معظم أوقات العمل في إعداد التقارير التي تتناول الزيارة التي قمنا بها خلال الأسبوع الذي يسبقه».

قد تملأ التحديات هذا النوع من البعثات، «ولكن إنْ لم تكن هناك صعوبات وتحديات لن تتحلى التجربة بذات القيمة ولن ترسخ في الذاكرة». هذا ما قالته تمار، وأضافت: «أحد التحديات التي واجهتها، والذي قد يُعتبر بديهيًّا، هو الاشتياق للأهل وبعض أصناف الطعام. وبمناسبة الحديث عن الطعام، قد يتحول التسمم الغذائي إلى روتين يومي بسهولة كبيرة، إن لم ينتبه الشخص للطعام الذي يتناوله هناك. لقد مرضتُ بضع مرات، وكانت أسوأها تلك المرة التي عانيت فيها من أعراض مرض المالاريا، ولكن لحسن الحظ لم يكن الأمر كما اعتقدت».

«أديس أبابا مدينة لطيفة وودودة حيث يمكن أن يمارس الشخص حياته بشكل طبيعي، حتى إنه بإمكانك أن تتناول الفلافل والحمص».

إلى جانب مصاحبة الفريق في زياراتهم إلى أماكن الاحتجاز، كانت تمار قد سُلّمت ملف الأحداث، فعقَّبت على ذلك قائلةً: «من الثمار التي قطفتها إثر استلامي هذا الملف زيارة مركز احتجاز وإعادة تأهيل الأحداث في أديس أبابا». يتم خلال الزيارة تحديد احتياجات المرافق بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم لتحسين ظروف السجن لليافعين. وأضافت تمار: «من الأمور التي أحزنتني وتركت أثرًا عميقًا داخلي مقابلة أطفال الشوارع داخل السجن وهم يرتدون أقل قدر ممكن من الملابس، وكان بعضهم يعاني من مشاكل نفسية وأحيانًا لم يكن لديهم عنوان يتَّجهون إليه بعد إطلاق سراحهم».

إن هذه الزيارة هي من أكثر اللحظات التي ستبقى محفورة في ذاكرة تمار من بعثتها. «لقد تعرفت على قدير، وهو صبي يبلغ من العمر 16 عامًا ويعاني من بتر في إحدى ساقيه. ومن خلال دعم فريق الصحة وبرنامج إعادة التأهيل الجسدي تمكنَّا من تزويده بعكازات جديدة، كما حدَّدنا له موعدًا لتركيب طرف صناعي. وعلمتُ مؤخرًا أنه قد تم إطلاق سراح قدير من مركز الاحتجاز وأنه الآن قادرٌ على المشي دون عكازات!».

«خلال عملي كمندوبة للّجنة الدولية للصليب الأحمر، مررتُ بلحظات سعيدة وأخرى محبطة، ولكن يصبح الأمر أسهل عندما نُبقي في بالنا أننا نساعد الآخرين. إنَّ الجزء البسيط من العمل الذي قدمته لكي أساعد قدير على المشي غيَّر حياته للأفضل، كما أنه ملأني بالبهجة. وحتى إنَّ الدردشة مع محتجز صومالي باللغة العربية حول أماكن نشأتنا غمرت كلَيْنا بالسعادة حتى لو للحظات قصيرة».

«إثيوبيا بلدٌ جميلٌ وأروع ما فيه غروب الشمس، كما أن سماءه تخطف الأنفاس في كل الأوقات. إنَّ أكثر الصور تفضيلًا بالنسبة لي هي تلك التي التقطتها لسماء إثيوبيا وغيومها، وبالأخص في لاليبيلا».

«إنَّ الانتقال إلى أديس أبابا ساعدني على الانفتاح على بيئة عمل جديدة ومختلفة عن تلك التي اعتدتُ عليها في مكان عملي الأصلي في بلدي، كما أنه أتاح لي فرصة التعرف على أشخاص وثقافات وعادات جديدة. لقد كانت هذه البعثة من أجمل التجارب في حياتي».

اقرأ أيضا:
ماريا سوليداد رويدا، التحديات والآمال نفسها… العمل الإنساني من أميركا اللاتينية إلى غزة
إيكو باوتيستا جارسيا، البسمة عندما تجعل غزة وطني الثاني

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا