يوم المرأة العالمي: النساء فاعلات في الميدان

من الميدان

يوم المرأة العالمي: النساء فاعلات في الميدان

السيدة نسرين، فلسطينية أربعينية، تعيش بمخيم «عين الحلوة» في لبنان، مع أربعة أطفال هي عائلهم الوحيد. تصوير/اللجنة الدولية.

لا تزال ملايين النساء تدفع ثمنًا باهظًا لكونهن نساءً خلال النزاعات المسلحة وأشكال العنف الأخرى. تتعرض النساء للعنف، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، ويتعرضن لمخاطر على صحتهن، علاوة على المخاطر الأخرى التي تشترك فيها مع الرجال كالنزوح القسري والحرمان من الحرية وفقدان الأحبة أو اختفائهم.

ولا يعني طول قائمة المعاناة أن النساء في الحروب أطراف لا حول لهن ولا قوة، فالواقع أن النساء يلعبن أدوارًا عدة في أوقات النزاعات. النساء مقاتلات وناشطات سلام علاوة على أعداد غفيرة منهن توجه المساعدة والدعم لضحايا الحروب.
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 آذار/ مارس) نبرز قصصًا تسلط الضوء على كفاح النساء وقدرتهن الفائقة على الصمود أثناء الأزمات والتعافي في أحلك الظروف.
نبدأ بقصة نسرين من لبنان؛ نسرين سيدة فلسطينية أربعينية، تعيش بمخيم «عين الحلوة»، مع أربعة أطفال هي عائلهم الوحيد، إحداهن اسمها ضحى، أحد عشر عامًا، مصابة بمتلازمة داون. تكشف زفرة نسرين الصبورة والمهمومة أثناء لقائها مع اللجنة الدولية عن عناء معتاد تواجهه يوميًّا بالكثير من الابتسامات التي تكشف عن ضرس فُقد عبر أيام حافلة، تصحو فيها نسرين يوميًّا لتجهز أبناءها للمدرسة، قبل أن تتجه لعملها كمدبرة منزل، تعود بعده لتدبير أمور أسرتها الصغيرة، تنظيف المنزل وتجهيز الطعام، ومتابعة الدراسة مع أربعة أطفال في مراحل مختلفة، ثم في النهاية تتابع مشروعها الشخصي؛ أشغال يدوية تصنعها لتبيعها، ثم تنام بضع ساعات قبل أن تستيقظ لتواصل حياتها على نفس المنوال، وهكذا تمر الأيام.

الحياة في مخيم مزدحم مساحته واحد كيلو متر مربع ليست أفضل الخيارات، لكنها الخيار الوحيد المتاح للاجئة فلسطينية، وتواجه نسرين عوائق اجتماعية جمَّة في حياتها اليومية داخل المخيم، لا تقتصر فقط على فقر الموارد داخل المخيم ولا الحركة بين داخله وخارجه حتى، فضلًا عن يومها المرهق، هناك أيضًا مواجهة جيرانها وزملاء طفلتها بالمدرسة الذين يجهلون طبيعة متلازمة داون، أو الذين يسخرون أو يقللون من شأن ابنتها ضحى، تحكي نسرين بابتسامتها التي تملأ وجهها، عن اليوم الذي توقفت وعادت لتواجه شابًّا يعلق سلاحًا في جانب حزامه لتشرح له متلازمة داون، وأنه لا ينبغي أن ينادي ابنتها بـ«منغولية»، وأنها إنسان، لها قدراتها وإمكاناتها ولا ينقصها شيء، هكذا تواجه نسرين المجتمع الضيق في الحيز الضيق، وتسعى لتغيير مفهوم مجتمعها الصغير عن ذوي متلازمة داون والاضطرابات والاحتياجات الخاصة المشابهة. هكذا تربي نسرين 4 أطفال، وتعمل على مدار اليوم لتوفر حياة ملائمة داخل المخيم، وتتمنى أن تغير ثقافة الأحكام الخاطئة والسريعة على ابنتها.
يمكننا الاعتقاد بالطبع ونحن بعيدون عن حياة المخيمات، كم الصِعاب التي تواجه قاطنيها، ويمكننا أيضًا تخيل أن تلك الحياة تسلبهم قدرتهم على الابتسام، إلا أنه بعد اللقاءات مع السيدات الأمهات الوحيدات نتبيَّن أنه لا سلاح معهن غير الابتسامة والضحك لمواجهة ظروف قاسية يعانين في ظلها يوميًّا. سيدة أخرى تواجه حياة المخيم بابتسامات على أمل في العودة إلى مدينتها، السيدة هي مديحة، أم لخمسة أطفال، نزحت معهم من الموصل بعد سيطرة ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية عليها، وانتقلت الأم ذات الثلاثين عامًا وأطفالها ضمن 30 ألف نازحٍ إلى مخيم «الخازر» منذ أغسطس 2017، وفي أثناء لقائها مع الصليب الأحمر تباينت تعابير وجهها بين الأسى والابتسام والضحكات، تبدأ يومها بتجهيز الأطفال للذهاب للدراسة، وفي أثناء ذهابهم تعمل على تدبير أمور خيمتهم، تأخذ احتياجاتها من المياه من خزان ضخم في قلب المخيم، تعود لتبدأ عملية التنظيف والغسيل والطبخ، حتى عودة الأولاد الذين يذاكرون دروسهم بينما تمارس صنع الخبز كعادة يومية، ثم يأكلون وجبتهم الثالثة قبل النوم ليبدأ يوم جديد، تضيف مديحة مع ضحكة أن اليوم هنا يشبه يومها في الموصل إلا أنها تفضل العودة للموصل، ولا تنسى التأكيد على أن «الخيمة ستر لنا»، بعدما تهدم منزلها في الموصل.
لم تذكر أي شيء عن زوجها ولا ماذا جرى له، كل ما تقوله إن الحياة صعبة عليها كامرأة وحيدة بالمخيم، مسؤولة عن خمسة أطفال، تتوالى ضحكاتها وابتساماتها المتوترة مع أسى تحاول إخفاءه، ولمرة ثانية تؤكد أن الخيمة ستر لها، ترى أي حياة واجهتها هذه السيدة الثلاثينية في الموصل قبل انتقالها إلى خيمة داخل مخيم بارد حد الصقيع شتاءً، حار كالجحيم في الصيف، مع صعوبات في توفير الحاجات الأولية في الحياة لتقول إن هذا «المخيم ستر لنا»!، وكيف لها القدرة على الضحك والابتسام وسط كل هذا؟ لا شك أن ابتسامتها تستحق أن تملأ حياة أبنائها الخمسة داخل بيت أكثر استقرارًا وفي ظروف أنسب للحياة في بلدتها بالموصل.

حال السيدة مديحة العراقية بمخيم الخازر، ورغم ما فيه من تقلبات الحياة والطقس، ليست أفضل من حال السيدة ميادة – أم أسماء، المُدرسة السورية بقرية دير الزور، تلك القرية على الحدود الغربية السورية التي تعرضت لقصف عنيف ونزاعات مسلحة على مدار الأعوام الماضية. فانتقلت مع عائلتها مسافة 450 كيلو مترًا إلى الدويلعة جنوبي دمشق. لم تفقد أم أسماء زوجها ولا أحد أفراد أسرتها الصغيرة، بل فقدت جزءًا من جسدها، حيث طالتها شظايا إحدى القذائف، اضطرت بسببها لبتر جزءٍ من ساقها، وكان لديها من القوة ما يكفي لتجاوز تلك المحنة؛ بمساعدة من الصليب الأحمر تمكنت من تركيب طرف صناعي بديلًا عما فقدته من ساقها، وكذا استطاعت تأسيس مشروع صغير يساعدها على مواجهة نفقات الحياة الجديدة في بيتها الجديد، خاصة مع تعطل زوجها عن العمل.
المسافة بين منزلها ومشروعها الصغير 3 طوابق، حيث تفترش مترًا ونصف المتر إلى جوار منزل تسكن في طابقه الثالث، تبيع في هذه المساحة الصغيرة ما تستطيع من أطعمة معلبة، وحلويات وأغراض تنظيف، توفر لها قدرًا يسيرًا من الرزق، فضلًا عما يساعدها به قريب لها يعمل خارج سورية، هذه هي حياتها الجديدة، بعد حياة مستقرة تستيقظ فيها صباحًا ببيتها الآمن وعملها اليومي بالمدرسة، اضطرت للانتقال لمدينة جديدة وعمل بسيط ومسؤوليات جمَّة، تصحو باكرًا داخل شقة صغيرة من غرفة واحدة، ترتدي ساقها الصناعية، وتبدأ بتجهيز الإفطار قبل إيقاظ طفلتها الصغيرة للمدرسة، تعيد ترتيب الغرفة لتتحول من مساحة للنوم لمساحة للجلوس، تدبر أمور منزلها المتواضع بمساعدة عكازها، تستند إليه لتطبخ الطعام أو لتغسل الملابس، وتستند إليه لتنزل الطوابق الثلاثة لمتابعة بضاعتها المرصوصة بعناية على منضدة أسفل المنزل، إذا أقبلت عليها لشراء شيء ما، ستجد امرأة ممتلئة تحييك مبتسمة، أسفل لافتة صغيرة بألوان زاهية مكتوب عليها «حبة مسك» صنعها زوجها الخطاط المتعطل عن العمل بأقل الإمكانات إلا أن لها ألوانًا مبهجة وخطوطًا متناسقة، لم ينس أن يكتب ملحوظة بخط صغير «تنفيذ أعمال الدعاية والإعلان»، كإعلان عن حرفته، لعله يفتح بابًا للرزق يعين زوجته على تحمل النفقات.
لا شك أن كل هذه القوة لتحمل تغيرات الظروف، والسكينة لتقبل الأشياء التي لن تتغير، والشجاعة لتغيير ما يمكن تغييره، هي ما يعطي للحياة معنى. فمن قوة السيدة نسرين الفلسطينية التي تواجه العالم الضيق والمزدحم داخل «عين الحلوة» مع أربعة أطفال، وسكينة السيدة مديحة العراقية لتقبل تقلبات الظروف والطقس بأقل الإمكانات داخل «مخيم الخازر»، وشجاعة السيدة ميادة لتغيير حياتها بعد فقد ساقها، تولد حياة جديدة تجدد الأمل من رحم المرأة القوية في ظل ظروف الحرب والنزاع، وتنتظر الحكمة التي ستنهي تلك الظروف والحروب.
اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا