عامان من الحرب: الإنسانية تفشل في غزة

قضايا إنسانية / من الميدان

عامان من الحرب: الإنسانية تفشل في غزة

آلاف الفلسطينيين يسيرون عائدين إلى شمال غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، 27 كانون الثاني/يناير 2025، في رحلة امتدت لمسافات طويلة. تصوير: أحمد الوحيدي/اللجنة الدولية.

بعد مرور عامين من الحرب في غزة، يبدو أنّ الإنسانية فقدت بوصلتها في هذا المكان الصغير المترنّح تحت أنقاضه. إذ يعيش أكثر من مليوني شخص أزمة إنسانية بالغة غير مسبوقة في شدتها. التصعيد المتواصل أدى إلى معاناة هائلة للمدنيين. تشير تقارير إلى أن أكثر من 80٪ من المباني في غزة دمرت، وأجبر مئات الألوف على النزوح، بعضهم مرات عدة، إلى مساحات ضيقة أصلًا بينما يناضلون لتأمين الغذاء والماء والدواء والمسكن الآمن. ومع مرور 24 شهرًا من العنف، تحوّلت حياة المدنيين إلى جحيم: الحرب أزهقت الآلاف من الأرواح، وشردت مئات الآلاف، وفرقت آلاف الأسر . وهي لم تفتك بالبنية المادية للقطاع فحسب، بل نسفت التوازن النفسي لمجتمع بأكمله. فهذه الحرب أفقدت الكثيرين الأمل  بانتهائها، وكذلك أفقدتهم الأمل في الإنسانية.

 الواقع الإنساني اليوم هو الأسوأ منذ بداية النزاع. فمع اشتداد القتال، تدنّت الخدمات الأساسية إلى مستوى مخيف؛ الكهرباء مقطوعة معظم الوقت، والمياه الصالحة للشرب شحيحة إلى حدٍّ مأساوي، وأطقم الإسعاف تعمل تحت تهديد دائم، والمرافق الطبية على وشك الشلل الكامل. وتحولت المدارس إلى ملاجئ مكتظة، كما لم تعد المستشفيات أماكن علاج فقط، بل أصبحت هي نفسها ساحات يلجأ إليها الناس بحثا عن الأمان. 24 شهرًا من الأعمال القتالية المركّزة جعلت الوضع الإنساني «لا يُطاق»، كما بات من المستحيل توقّع كيف يمكن توفير الحاجيات الأساسية لكل السكان.

ويعيش المدنيون تحت خطر مستمر؛ فتدمير المدن والقرى الواسع، طال إلى جانب المنازل والمباني البنية التحتية الأساسية. وتضررت المستشفيات والمدارس في جنوب غزة إلى حدّ كبير، فقلّ عدد المستشفيات العاملة في وقت تتزايد يوميا الحاجة لخدماتها مع تزايد أعداد الجرحى كل يوم.

الحرب في غزة: نزوح متكرر وسط دوامة الفقد

تتكرّر مشاهد النزوح حتى صارت جزءًا من الذاكرة اليومية لأهالي غزة. مع كل غارة أو أمر إخلاء، يتجمع الناس على عجل، يحملون ما تيسر من متاعهم، وينطلقون دون وجهة محددة. الطرق المؤدية إلى الجنوب مدمّرة ومزدحمة، والسيارات نادرة وغالية الثمن، فيضطر كثيرون للسير على أقدامهم مسافات طويلة مرهقة. ومع وصول النازحين إلى أماكن أكثر أمنًا، ينام كثير منهم على قارعة الطريق بانتظار توفير مأوى، فيما لا يمكن للخيام المتوفرة أن تغطي الحاجة.

ترسم شهادة آية مصطفى صورةً حية لوضع العائلات المنكوبة. نزحت «آية» مع عائلتها المكونة من ستة أشخاص منذ عامين، تروي بأسى: «نعيش في خوف مع كل هذه الأصوات العالية والانفجارات. نحتفظ دوماً بأمتعتنا جاهزة للمغادرة في أية لحظة، وغالبا ما تكون اللحظة الأخيرة. ليس لدينا ملجأ، فقد استنفدنا كل الخيارات، واستنزفنا كل مواردنا النفسية والمادية. لم يبقَ لنا شيء. الأطفال مرعوبون دومًا، يهتفون ويبكون في كل مرة يقع فيها قصف قريب… لقد ضاق صدري ونحن منهكون نفسيًا وماليًا إلى حد أننا لم نعد قادرين على التحمل. لكن ليس لدينا خيار سوى الصمود، ولن نغادر ما لم نبلغ نقطة اللاعودة. فكل مرة ننتقل فيها نحتاج إلى مستلزمات جديدة، وكل شيء نحمله معنا يضيع – إمّا بسبب القصف أو السرقة».

عائلات فلسطينية عائدة سيرًا على الأقدام إلى شمال غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار خلال الحرب في غزة

عائلات فلسطينية تعود سيرًا على الأقدام إلى شمال غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، في رحلة شاقة امتدت بين 7 و10 كيلومترات عبر منطقة نتساريم عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي صباح 27 كانون الثاني/يناير 2025. تصوير: أحمد الوحيدي/اللجنة الدولية.

 

تشرح «آية» أيضًا ما تواجهه من صعوبات المالية نتيجة النزوح: «لا أحد يستطيع دفع أجرة شاحنة نقل؛ فتكلفة التوكتوك وصلت إلى 1500 شيكل (ما يعادل 465 دولار)، وسيارة الشاحنة من 3000 إلى 5000 (930-1550 دولار). لا نملك مثل هذا المال، حتى لو كان 500 شيكل. غادر كثيرون ببضعة أغراض على أكتافهم فقط، تاركين كل ممتلكاتهم خلفهم». الأبعد من ذلك، تخشى «آية» على طفلتها التي تعاني من إعاقة: «إذا طُلب مني المغادرة، فلن أستطيع أخذ فراشي أو بطانيتي. يقلقني ألا أجد خيمة ألجأ إليها، وقد أجدني نائمة في الشارع بحقيبة بسيطة وطعام قليل. وحتى الطعام وأدواتي لن أستطيع حملها كلها. لا أستطيع حتى أن أحمل ابنتي المعاقة، فهي أضعف من أن تمشي مسافات طويلة. ابنتي هي أكبر همّي، أنا حزينة وخائفة جداً عليها». العائلات انتهت مواردها وأصبحت في مواجهة مع كل تجريد جديد من مأواها ولقمتها، في ظل غياب أي حلول إنسانية فورية.

الطواقم الطبية: العمل وسط الخطر

في مواجهة هذه المأساة، يواصل منذ سنتين العاملون الطبيون وعمال الإغاثة بالقيام بدورهم وسط ظروف بالغة الخطورة. فقد شارك أكثر من 1400 موظف ومتطوع من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إلى جانب 350 موظفًا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقديم الرعاية الطبية المصيرية وتوزيع الغذاء والماء والإمدادات الحيوية. واصطفّ هؤلاء المسعفون وسط القصف، مستعملين سيارات إسعاف متنقلة لتقديم العلاج في الميادين، بالرغم من نقص حاد في المعدات الطبية والأدوية. كما تعمل الطواقم الطبية في ظروف طارئة بمستوى محدود جدًا من الإمكانات، وتسجل ساعات عمل طويلة مع تكرر وصول مفاجئ لأعداد كبيرة من الجرحى والنازحين جراء التصعيد.

وكما هي حال جميع أهل غزة، فقد طال القتل العاملين في المجال الإنساني أيضا. ففقد 30 من العاملين والمتطوّعين في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر حياتهم منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2023، بينهم ستة موظفين من اللجنة الدولية. وشكل مقتل ثمانية مسعفين من الهلال الأحمر الفلسطيني في آذار/مارس الماضي صدمة دولية، إلا أن الهجمات على العاملين الصحيين استمرت، في انتهاكٍ صريحٍ للقانون الدولي الإنساني.

في المستشفى الميداني برفح، المشاهد تفوق الوصف. عشرات الجرحى يتدفقون يوميًا، والممرضون يعملون على مدى 24 ساعة دون راحة. وخلال الشهر الماضي، شهد هذا المستشفى وغيره من المستشفيات ارتفاعًا حادًا في حوادث الإصابات الجماعية المرتبطة بمواقع توزيع المساعدات. أدى ذلك إلى إنهاك نظام الرعاية الصحية المُنهار أساسا في غزة، متجاوزًا ما تبقى من قدرته المتهالكة أصلًا، ودافعاً به إلى حافة الانهيار الكامل. كان حسن (17 عاما) يحاول الوصول إلى موقع لتوزيع المساعدات برفقة شقيقه البالغ من العمر 14 عامًا حين أُصيب بطلقة نارية في ساقه. نُقل على وجه السرعة إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني، حيث خضع لعملية جراحية، وأمضى أياما مستلقياً على سرير متنقّل داخل خيمة خانقة، في انتظار استكمال علاجه.

فريق جراحي يعالج مصابًا في غرفة عمليات ميدانية أثناء طارئ جماعي خلال الحرب في غزة

فريق جراحي يعالج مصابًا في غرفة عمليات في غزة. تدخل معقد تطلّب نقل 14 وحدة دم. تصوير: سارة ديفيز/اللجنة الدولية، 22 حزيران/يونيو 2025.

 

يقول حسن: «قبل الحرب في غزة، كنا بخير. كنا نخرج، وكان والدي يحضر لنا كل ما نحتاج إليه. كنا نذهب إلى المدرسة. كانت الحياة جيدة آنذاك. أما الآن، فقد أصبحت الحياة صعبة. لا يوجد طحين ولا غذاء. أذهب بحثاً عن أي مساعدة متاحة، ثم أعود. وقد أُصبت في أثناء محاولتي إحضار الطعام». يحب حسن كرة القدم، ولكن ستمرّ شهور قبل أن يتمكن من اللعب مجددًا. وفي الوقت الحالي، كل ما يتمناه هو العودة إلى المنزل والشعور بالأمان. يقول حسن إنه لن يغادر منزله مرة أخرى، خشية أن يُخاطر بحياته.

يخوض هيثم، وهو ممرض غرف عمليات من الصليب الأحمر النرويجي، مهمته الرابعة في غزة، في ظروف هي الأصعب حتى الآن. فمنذ 27 أيار/مايو، تجاوز حجم العمل كل التوقعات، في ظل تدفّق غير مسبوق للحالات الطبية الطارئة.

يصف هيثم المشهد قائلًا: «في المهمات السابقة، كنا نعالج ما بين 8 و10 حالات في غرفة العمليات. أما الآن، فنحن نتعامل مع 30 إلى 40 حالة يوميًا، وهو فرق هائل من حيث عبء العمل. خلال حوادث الإصابات الجماعية، نرى الناس يصرخون ويهرعون ويتدافعون ليكونوا الأوائل في تلقّي العلاج، فبطبيعة الحال، كل شخص يريد أن يحصل على العلاج في أسرع وقت ممكن. نتعامل مع مختلف أنواع الإصابات، معظمها إصابات معقدة أو ناجمة عن انفجارات، لكن الغالبية العظمى هي إصابات بطلقات نارية».

ومن بين هؤلاء العاملين، طراد أبو موسى، اختصاصي العلاج الطبيعي وإدارة البيانات الطبية. يعمل طراد على نقل المرضى في المستشفى الميداني التابع للجنة الدولية ويوثق بياناتهم. يتذكر شعوره عندما عجز الأطباء عن إيجاد وريد لطفل مصاب، فاقترح استخدام القدم بديلاً ووُفق الاقتراح. عن تلك اللحظة يروي طراد: «التفت الطبيب إلي وقال: «عمل جيد». هذا الاعتراف ذكرني بأن كلّ فعل، مهما صغُر، يمكن أن يُنقذ حياة».

ويضيف طراد: «أشعر بفخر وسعادة بكل ما أقوم به في هذا العمل، ولا أريد التوقف أبداً. أحاول أن أكون نافعاً باستخدام كل ما لدي من مهارات لخدمة الآخرين». وهو يروي أنه حين عمل في خان يونس استمر في الخدمة خمسة أشهر متواصلة «لأني شعرت بأن وجودي مهم. لا أستطيع الجلوس بلا عمل في المنزل؛ أريد دائمًا مساعدة مرضاي وزملائي. حتى الآن، لم يمت أي مريض تحت رعايتي، وأدعو أن يستمر هذا الوضع». تعكس هذه الكلمات إصرار طراد كما كل العاملين الفلسطينيين في المجال الإنساني على خدمة مجتمعهم وأهلهم في ظل هذه الأزمة الممتدة وبالرغم من كل المخاطر.

ولا تتوقف تحديات رعاية المرضى عند الأدوار الطبية، بل هي تطال أيضا تأمين الغذاء المناسب لهم طوال فترة وجودهم في المستشفى. يشرف إسماعيل على مطبخ مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح. يقول إسماعيل إن الأولوية في توزيع الوجبات هي للمرضى، ثم العائلات المرافقة، ثم الطواقم الطبية. يوضح كيف تعامل فريقه مع شحّ المواد الغذائية: «عندما نفدت الإمدادات، لجأنا إلى مخزون الطوارئ لضمان توفير الوجبات. قررنا ضبط الحصص لتأمين أقل الاحتياجات للمرضى والطاقم بعد ساعات العمل الطويلة وحالات الطوارئ الكبرى. أثّرت النواقص على تنوّع الغذاء، خاصة البروتينات والدهون الضرورية للشفاء». رغم هذه التحديات، يحكي إسماعيل: «نحن لم نتوقف لحظة عن توفير الوجبات التي يحتاجها المرضى في المستشفى الميداني على الإطلاق. جميع فرق العمل تبذل جهوداً هائلة، وبرغم التحديات، يتكيّف الجميع ويتجاوزونها للاستمرار في تقديم الخدمات لأهالي غزة».

الدعم النفسي لشفاء الأرواح

وإلى جانب الرعاية الطبية، تلعب الفرق النفسية والاجتماعية دورًا حاسمًا في التخفيف من آثار الصدمة، خصوصًا لدى الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم. ففي كثير من الأحيان، يصل إلى المستشفى الميداني أطفال مصابون لا يرافقهم أحد. وهو ما تراه دكتورة سالي، المسؤولة الميدانية لشؤون الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في المستشفى: «أطفال صغار يصلون وهم يبكون، يجتاحهم الخوف وهم يشاهدون أحباءهم يتألمون». في مثل هذه اللحظات، يتدخل فريق الدعم النفسي لتقديم رعاية فورية لهم، من خلال اتخاذ خطوات بسيطة لكنها حيوية تهدف إلى استعادة الشعور بالأمان لديهم.

كما يبذل العاملون جهودًا نفسية واجتماعية هائلة. ففي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في رفح، توفّر الأخصائية إيمان عياش دعمًا نفسيًا للجرحى خصوصًا الأطفال. تقول إيمان: «عشت حروبًا عدة، لكن لا شيء يضاهي ما نعيشه الآن. هذه أصعب حرب على الإطلاق». رغم ألمها الشخصي، فهي فقدت والدها في منتصف أيلول/سبتمبر 2024، تحافظ إيمان على عملها. تستذكر حادثة وفاة والدها فتقول: «كان من أصعب الأيام عندما توفي والدي، وكان من الصعب جدًا العودة إلى العمل بعد ذلك. لكنني شعرت بالفخر لأنني استطعت الاستمرار، لأنني أعلم أن والدي كان سيكون فخوراً بي أيضًا. بالنسبة لي، هذا هو جوهر العمل الإنساني».

الوضع في الضفة الغربية

الوضع في الضفة الغربية وجنين والضفة الشرقية ليس أفضل حالا بكثير. فعلى مدى عامين، قتِل المئات وجرح الآلاف من الفلسطينيين في الضفة بفعل أعمال العنف وقمع التظاهرات وتنفيذ مداهمات واعتقالات واسعة. كما نزح عشرات الآلاف من منازلهم نتيجة عمليات الهدم والاستيلاء، تاركين وراءهم منازلهم ومدخراتهم تحت الركام. وسط قيود صارمة على حركة الفلسطينيين، وتنامي الاعتداءات، ما زاد من حالة الخوف والتوتر. فالمجتمعات الفلسطينية كانت تعاني قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023 من قيود في التنقل ومحاولات اعتداء وهجمات للمستوطنين، لكن الأحداث الأخيرة أسهمت في تسارع العنف إلى حدّ غير مسبوق.

وانعكست هذه الأوضاع على الحياة اليومية، فقد تضررت مصادر الرزق إذ انخفضت فرص العمل، بينما يقضي الكثيرون ساعات طويلة منتظرين في طوابير الحواجز الأمنية للسفر بين المدن أو الحصول على الخدمات الصحية. ويعيش الآباء والأمهات في قلق دائم على أبنائهم؛ حتى الرحلات القصيرة للمدرسة أو اللعب باتت محفوفة بالخطر. تذكرنا هذه المعطيات بأن سكان الضفة الغربية يُصنّفون «محميين» وفق القانون الدولي الإنساني، و«يمتلكون حق الحياة بكرامة ومن دون عنف»، إلا أن الظروف الميدانية الحالية تتناقض مع هذا المبدأ أساسًا.

استجابة اللجنة الدولية والجمعية الوطنية خلال العامين

نساء نازحات يخبزن في فرن مجتمعي بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتخفيف آثار الحرب في غزة

نساء نازحات يعدّن الخبز داخل فرن مجتمعي بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دار الأمل للأيتام، مدينة غزة، 22 أيلول/سبتمبر 2025. تصوير: هشام مناع/اللجنة الدولية.

لعبت منظمات الصليب والهلال الأحمر دورًا حيويًا في الميدان. فقد تولّت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني توفير سيارات إسعاف ومراكز إسعافية متنقلة لمتابعة جرحى الحرب في غزة، بينما نشرت اللجنة الدولية فرقًا للمساعدة الطبية وتوزيع الإغاثة. شارك في العمل الإغاثي مشغلون مدنيون إضافة إلى فرق الدفاع المدني المحلي، لنقل الجرحى أينما كانوا. وقدمت فرق الصليب الأحمر الدعم الطبي لآخر مستشفيات غزة القادرة على العمل، ووفرت الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية والمحركات لتشغيلها. كذلك أسهمت في دعم البنى التحتية؛ فقدمت معدات وأدوات لإصلاح آبار المياه ومحطات التحلية وشبكات الصرف الصحي في القطاع، في محاولة للتخفيف من أزمة المياه النظيفة. كما تابعت تلك المنظمات جهودها لخدمة السكان النازحين، فوضعت اللجنة الدولية خط اتصالٍ ساخن لدعم العائلات المتضررة.

لقد حافظت اللجنة الدولية على جهود إغاثية واسعة رغم كل الصعاب. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدّمت المساعدة لما يقرب من مليوني نازح في غزة بالمواد الغذائية والضيافة والرعاية الصحية. كما وفّرت الماء النظيف لما يزيد على 1.5 مليون شخص من سكان القطاع، عبر إصلاح الآبار وشبكات المياه. واستجابة لاحتياجات العائلات النازحة، تم تشغيل مئات أفران طينية في المخيمات لمئات آلاف الأشخاص، بما مكّن حوالي 147 ألف نازح من الحصول على الخبز يوميًا. وقدمت فرق الإغاثة وجبات مطبوخة لنحو 150 ألف نازح إضافي.

على الصعيد الصحي، استمر مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح بتقديم خدماته على مدار الساعة. وسجل المستشفى أكثر من 160,000 استشارة طبية، وأجرى أكثر من 9,500 عملية جراحية خلال الأربع وعشرين  شهرا الماضية. كما استقبل ما يزيد على 4,000 مريض جديد. وفي غزة المدينة، ساهم مركز الأطراف الاصطناعية وشلل الأطفال التابع للجنة الدولية في مساعدة نحو 3,000 من ذوي الإعاقات بتحسين حركتهم وقدراتهم المعيشية.

ومع انقضاء عامين من المعاناة في غزة والضفة على حدٍّ سواء، يبقى السؤال الأهم: إلى متى يستمر هذا الألم؟ الدموع التي سالت على وجوه الأطفال والأحذية المهشّمة عند أبواب المنازل المهدمة جميعها صرخات تتحدّى النسيان. إن الدعوة اليوم هي لوقف النزيف، لمنح غزة والضفة حقهما في السلام والكرامة. فليس هناك خلاص بلا إنسانية ولا سلام بلا عدالة.

Share this article

تعليقات

There is no comments for now.

Leave a comment