«وبقيت» أغنية بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين جمال أبو حمد: الفن أداة لتوثيق الذاكرة الجمعية وإحيائها

ثقافة / حوارات

«وبقيت» أغنية بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين جمال أبو حمد: الفن أداة لتوثيق الذاكرة الجمعية وإحيائها

الفنانة جمال أبو حمد خلال أمسية غنائية في منطقة الأشرفية شرق بيروت. تصوير: وسام أندراوس

جمال أبو حمد فنانة لبنانية شابة، مختلفة، ترفض أن تؤطرها حدود. تمتد رحلتها من الموسيقى إلى السينما والتمثيل وتنسج أدواتها بخيوط من شغف. انطلقت من استكشاف العلاقات الإنسانية في أعمالها الأولى، لتصل إلى مواجهة قضايا اجتماعية شائكة. كمن سبقها من الفنانين الملتزمين، تؤمن جمال أن بإمكان الفن تحطيم جدار الصمت، وأن دورها كفنانة هو مواصلة الطرق على هذا الجدار حتى يسمع الجميع صوت القضايا الإنسانية. وهي تعبّر عن رؤيتها لقضية المفقودين بوضوح وثبات: معرفة مصير المفقود حقٌّ إنسانيٌّ أصيل لا يسقط بالتقادم، وحمل ذاكرة المفقودين أمانة في أعناق الأجيال. في هذا الحوار، وبمناسبة اليوم العالمي للمفقودين، تضيء جمال أبو حمد على عملها الغنائي “وبقيت”، المخصص لهذه القضية، ورؤيتها للفن كصوت الضمير الجمعي المقاوم للنسيان.

 

«الإنساني»: عرفي بداية قراء «الإنساني» عليك وكيف تتشابك أدواتك بين الموسيقى والسينما والتمثيل اليوم لخدمة القضية التي تريدين إيصالها؟

بدأتُ دراسة الموسيقى ثم انتقلتُ إلى الإخراج السينمائي، وتوّجتُ ذلك بالتمثيل في معهد «ستيلا أدلر»(Stella Adler)  في لوس أنجلوس (الولايات المتحدة الأميركية). تعمّدتُ تنويع تكويني لأن الاقتصار على مجال واحد يضيّق النظرة؛ فدراسة السينما منحتني فهمًا لبناء المشهد ورؤية الفريق، وربطتُ بين الصورة والتمثيل والموسيقى لنقل الرسالة. في التمثيل، خطّطتُ لدورة قصيرة ثم مدّدتُ لعامين إضافيين بسبب ثراء التجربة. وخلال وجودي في أميركا سنحت لي فرصة الغناء ضمن جوقة عالمية على مسرح  «قاعة كارنيجي» في نيويورك. هكذا تتشابك أدواتي الفنية اليوم كنسيج متكامل؛ فأنا أوظّف معرفتي بالموسيقى والسينما وفن الأداء معًا في خدمة القصة التي أريد روايتها وتجسيد رؤيتي من خلال عمل فني متكامل العناصر آمل أن يصل إلى القلب والعقل معًا.

 

«الإنساني»: تستند فلسفة «ستيلا أدلر» على أن «نمو الممثل ونمو الإنسان مترادفان». صفي لنا كيف انعكست هذه الفلسفة على تجربتك هناك، وكيف ساهمت في تشكيل رؤيتك؟

في معهد «ستيلا أدلر» عشتُ هذه الفلسفة واقعًا؛ فقد وجدتُ نفسي أتطوّر على الصعيد الشخصي بقدر ما كنتُ أنمو فنيًا في بيئة جديدة متعددة الثقافات، صقلت شخصيتي ومنحني منظورًا أوسع للحياة، وحررني من قيود فكرية كثيرة يفرضها علينا المجتمع أحيانًا. عدتُ من هناك أكثر وعيًا بذاتي وبما أريد تحقيقه، وأكثر جرأة على اتباع قلبي في اختياراتي الفنية والحياتية، وأكثر تصميمًا على أن أكون صوتًا لمن لا صوت لهم. باختصار أن أكون فنانة ملتزمة بإنسانيتي قبل أي شيء.

 

 «الإنساني»: عرفك الجمهور اللبناني والعربي من خلال تجربة فرقة «رند» التي بدأت كعمل عائلي مستقل. حدثينا عن تلك المرحلة، وكيف أثرت قناعة الاستقلالية الفنية التي وُلِدت هناك على قراراتك لاحقًا؟

 كانت تجربتي مع فرقة «رند» الموسيقية، التي أسّستها ضمن العائلة، تجربة مهمة منحتنا نوعًا من الحرية الإبداعية أصفه بالحرية المقدسة. عملنا كعائلة بشكل مستقل تمامًا عن أي قيود تجارية أو إملاءات من المنتجين، مما أتاح لنا مساحة حرة لنجرّب ونعبّر دون خوف أو رقابة. في تلك المرحلة المبكرة تكرّس لديّ إيمان عميق بأن الاستقلالية الفنية هي مفتاح الصدق في الفن. شعرتُ أننا نصنع موسيقانا ونكتب كلماتنا بدافع شغفنا الحقيقي، وليس لإرضاء سوق أو ذوق عام مفروض. هذه الحرية المقدسة التي عشتها مع «رند» زرعت في نفسي ثقة كبيرة وجرأة لاتخاذ قرارات فنية جريئة في المراحل اللاحقة. فعلى سبيل المثال، حين تراكمت لديّ عبر السنين أفكار وألحان شخصية لمشروع مختلف، لم أتردد في اتخاذ قرار حاسم عام 2019 بإطلاق مساري الفني الفردي بالتوازي مع الفرقة. أحببتُ فرقة «رند» وما زلتُ أعمل معها، لكنني شعرتُ بأن لديّ رؤى ومواضيع خاصة بي أريد التعبير عنها بصوتي المنفرد. هكذا أصدرتُ أول أغنية خاصة بي، ثم واصلتُ بشكل مستقل إصدار الأعمال عامًا بعد عام حتى بلغ رصيدي اليوم ثماني أغانٍ فردية.

 

«الإنساني»: بأي طرق تسمح لك الاستقلالية الفنية بمواجهة المحرمات الاجتماعية والسياسية والحفاظ على الذاكرة الثقافية بطريقة قد يعجز عنها الفن التجاري السائد في كثير من الأحيان؟

 منحتني الاستقلالية الفنية جرأة ومرونة لمواجهة مواضيع حساسة قد يتجنبها الفن التجاري السائد. في أعمالي الفردية وجدتُ نفسي أتناول قضايا يعتبرها البعض شائكة أو صعبة، مثل الزواج بين منتمين إلى ديانات مختلفة، وما يرافقه من تحديات اجتماعية وثقافية. هذه المواضيع كثيرًا ما يُحجم عنها الفن التجاري خوفًا من إثارة الجدل أو ابتعاد الجمهور، لكنني كفنانة مستقلة أشعر بمسؤولية تجاه تسليط الضوء عليها. لديّ قناعة بأن رسالة الفن كسر حاجز الصمت حول معاناة كثيرين في المجتمع. الاستقلالية منحتني أيضًا القدرة على المساهمة في توثيق الذاكرة الجماعية والحفاظ على قصص الناس وآلامهم من النسيان. فمثلا، حين قدّمتُ أغنية عن المفقودين، كنتُ أدوّن فنيًا فصلًا من تاريخ معاناة العائلات على مدى عقود. أعتقد أن هذه هي قوة الاستقلالية: أن يكون للفنان صوت حر قادر على مواجهة المسكوت عنه، وعلى تخليد ما يستحق البقاء في وجدان الناس وذاكرتهم الجمعية.

 

«الإنساني»: نلاحظ في مسيرتك الفردية انتقالًا من استكشاف العلاقات الإنسانية إلى مواجهة قضايا اجتماعية شائكة فما الذي يحركك داخليًا لتوجيه فنك نحو هذه المساحات الصعبة والمهمشة في المجتمع؟

 بداياتي في الأغاني الفردية انطلقت مع أغنية «مسويّة»، التي عكست مواضيع إنسانية عامة وعلاقات شخصية، لكنني سرعان ما وجدت نفسي أتناول قضايا أعمق مرتبطة بالواقع الاجتماعي المؤلم من حولي. الذي يحركني داخليًا هو التعاطف والمسؤولية تجاه ما أراه وأعيشه في مجتمعي. أحسّ بأننا كبشر مترابطون في المشاعر، وما يؤلم فئة من الناس يؤلمنا جميعًا بشكل أو بآخر. لذلك كلما شهدتُ مشكلة مسكوتًا عنها أو معاناة يتجنبها الناس، وجدتُ نفسي مدفوعة لتسليط الضوء عليها في فني. قد لا يُحدِث ما أقدّمه تغييرًا جذريًا فورًا، لكن ربما يفتح نقاشًا أو يغيّر نظرة شخص واحد نحو قضية ما، وهذا بالنسبة لي كافٍ ودافعٌ كبير.

 

«الإنساني»: كيف تنظرين إلى دورك كفنانة في استخدام الفن لتوثيق الذاكرة الجماعية، خاصة في مجتمع يواجه ضغوطًا مستمرة للنسيان؟

أنا أؤمن بأن الفن لغة خالدة لا تموت؛ فهو قادر على عبور الزمن وترسيخ ذكرى الأحداث والمشاعر في الوجدان الجمعي. دوري كفنانة يحمل رسالة يشبه دور المؤرّخ العاطفي للمجتمع؛ لتوثيق قصص الناس وهمومهم بطريقة تجعل ذاكرتنا الجماعية أكثر يقظة وحضورًا لاسيما في مجتمعنا، حيث نعاني أحيانًا من ضغوط النسيان المتعمّد أو غير المتعمّد. فعندما أغني عن المفقودين وأمهاتهم وزوجاتهم المنتظرات، فإنني أحوّل معاناتهم إلى عمل فني يسمعه الآلاف، وهكذا تصبح قصصهم جزءًا من ذاكرة المجتمع بأسره لا مجرد شأن خاص. لذلك أحرص في أعمالي على أن أسجل قصص من عايشوا الألم والأمل، حتى لا تُمحى حكاياتهم.

 

«الإنساني»: بين فيلمك «شجن» عام 2016 وأغنية «وبقيت» عام 2024، تتكرر فكرة الفقد. لماذا؟

بالفعل، بدأتُ تأملاتي الفنية في موضوع الفقد عام 2016 مع فيلم «شجن» الذي عبّر بصورة عامة عن ألم الغياب والخسارة. لكن خلال السنوات التي تلت، أخذ هذا الموضوع شكلاً أكثر تحديدًا وارتباطًا بقضية المفقودين. ففكرة الفقد القسري، أي أن يختفي إنسان فجأة ولا يعود، هزّتني بعمق حتى قبل أن ألتقي عائلات أشخاص مفقودين بشكل مباشر. فوجدتني أكتب في العام2020  كلمات أغنية «وبقيت» وأنا في الغربة بعيدًا عن وطني. كتبتُ الأغنية بتأثر شديد رغم أنه لم يكن لديّ حينها قريب مفقود؛ لكنها كانت بمثابة تأمل فني في وجع إنساني تخيّلته كثيرًا. تركتُ الأغنية جانبًا في الدُرج تلك الفترة. عندما التحقتُ بالعمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قسم التواصل تعرّفتُ عن قرب إلى قسم «اعادة الروابط العائلية»، وجهودهم وبدأتُ ألتقي فعليًا عائلات المفقودين وأستمع إلى قصصهم الحقيقية عن الانتظار المفتوح طوال سنوات وعقود. وكان كل لقاء مع أمٍّ أو زوجة أو ابن لشخص مفقود يهزّني ويمسّ قلبي مباشرة، لأني رأيتُ بأم العين حجم الألم والصبر والأمل الذي يعيشونه يوميًا. هذه اللقاءات جعلت قضية المفقودين بالنسبة لي قضية شخصية وإنسانية من الطراز الأول، ولم تعد مجرد فكرة عامة عن الفقد. وهنا أدركتُ أن الوقت حان لخروج أغنية «وبقيت» إلى النور لتكون صرخة مدوية باسم هؤلاء المفقودين وعائلاتهم وأداة للتوعية والتضامن. فقررتُ أن أطلقها بالشراكة مع اللجنة الدولية، مع ثقتي بأن هذا التعاون سيخدم العمل لما للجنة من خبرة في مخاطبة الجمهور حول معاناة المفقودين، وجاءت الأغنية لتكمل تلك الجهود بأسلوب فني مؤثر. ويوم أديتُ الأغنية العام الماضي في فعالية مخصصة لقضية المفقودين، بحضور أهاليهم، كان لحظة فارقة في رحلتي الفنية؛ لمستُ كيف وصل صداها إلى قلوب الكثيرين وحرّك المياه الراكدة في حديث المجتمع عن قضيتهم. عندها شعرتُ أن كل ما مررتُ به كان يمهّد لهذه الصرخة الإنسانية. فهمتُ لماذا أصنع الموسيقى حقًا: لأحكي قصص من لا يستطيعون إيصال صوتهم، ولأطالب بحقوق أساسية كحق كل أم وزوجة وابن في معرفة مصير مفقوديهم.

قضية المفقودين لا تخص الجيل الذي عاش فترة الاختفاء فحسب، بل هي حق يمتد عبر الأجيال. أحفاد المفقودين اليوم لهم حق أن يعرفوا ماذا حلّ بأجدادهم، وأن يرثوا ذكرى صادقة عنهم لا فراغًا مجهولًا.

«الإنساني»: ما هو الحوار الذي أملتِ أن تفتحه أغنية «وبقيت» في المجتمع؟ وما هو الأثر الذي تتمنين أن تتركه في ذاكرة الناس وقلوبهم؟

عندما أكتب أغنية، يكون هدفي الأول أن أعبّر عمّا أشعر به وما أرغب في قوله في تلك اللحظة، قبل أن أفكر في الأثر الذي قد تتركه. فإذا حقّقت أي صدى أو تأثير لاحقًا، فهذا مكسب إضافي بالنسبة لي.

في حالة «وبقيت»، جاءت فكرة الفقد لتشغلني بعمق: أن يختفي إنسان فجأة ولا يعود. هذه القضية لا تخص الجيل الذي عاش فترة الاختفاء فحسب، بل تمتد كحقّ عبر الأجيال. أحفاد المفقودين اليوم لهم حق أن يعرفوا ماذا حلّ بأجدادهم، وأن يرثوا ذكرى صادقة عنهم لا فراغًا مجهولًا. كنتُ أطمح أن تفتح الأغنية باب الحوار في المجتمع حول مسؤوليتنا الجماعية تجاه هذه القضية. أردتُ للناس أن يتساءلوا: كيف سيكون شعورنا لو كبرنا ونحن لا نعرف مصير جدّ أو عمّ أو خال فُقد قبل ولادتنا؟ هذا التساؤل الإنساني قادر أن يقرّب القضية إلى قلب كل شخص، حتى من لم يختبر الفقد في عائلته مباشرة.

كان طموحي أن تُسهم الأغنية في كسر حالة اللامبالاة أو الصمت المحيط بمعاناة عائلات المفقودين، وأن تصبح حديث الناس في البيوت ووسائل الإعلام، فيتجاوز الأمر حدود الجهات الحقوقية ليصبح قضية رأي عام ومصدر تعاطف واسع ويطلق حوارا صريحا عن حق الذاكرة وحق المعرفة لكل عائلة، وأن مرور الزمن لا يعني نسيان القضية أو سقوط الحق. وأتمنى أن تترك الأغنية في ذاكرة الناس وقلوبهم أثراً وجدانياً عاطفياً يجعل كل من يسمعها يشعر بعمق ألم الانتظار المفتوح الذي يعانيه الآلاف؛ وأثراً توعوياً مستداماً يبقي قضية المفقودين حيّة في الأذهان. أريد عندما تُذكر أغنية «وبقيت» مستقبلًا أن يتذكر الناس تلقائيًا قضية المفقودين وحق الأحفاد في معرفة الحقيقة.

«الإنساني»: في الأغنية ترجمتي شعورا معقدا مثل «الانتظار المفتوح» إلى كلمة ولحن وصورة. كيف فعلت ذلك؟

كانت صورة «السرير لاثنين» نواة الفكرة منذ لحظة الكتابة؛ فالسطر النصّي «وبقيت وحدي في تخت لاثنين» في كلمات الأغنية سبق الرؤية البصرية ووجّهها. أثناء الكتابة كنتُ أرى الفيديو كليب في ذهني، لكن الرؤية اكتملت فجأة قبيل التصوير، فقرّرنا – بالشراكة مع مدير التصوير رامي لطوف – أن تبقى الكاميرا ثابتة طَوال العمل، كأنها صورة فوتوغرافية قديمة مؤطَّرة على الجدار تمثّل الغائب الذي تُخاطبه الزوجة المنتظرة. أردتُ بهذا الاختيار أن أوحي بأن الزمن توقّف عند لحظة الفقد، وأن ما يتحرّك فعلًا هو المرأة وحدها. أبقيتُ ديكور الغرفة كما هو منذ السبعينيات/الثمانينيات، أي الحقبة المفترضة للاختفاء؛ عالمها الخارجي لا يتبدّل، فيما العمر يترك آثاره عليها.. تتبدّل الإضاءة والملابس مع تعاقب الفصول والسنين لتجسيد بطء الزمن وثقله.

بحثت عن الرمز البسيط العميق – كسرير لشخصين يشغله شخص واحد – وبنيت حوله قصة بصرية وموسيقية تجعل المُتلقّي يشعر بقلبه بمعنى الانتظار، قبل أن يفهمه بعقله. وأثناء الكتابة والتلحين كنتُ قريبة جدًا من مشاعر الشخصية التي تغني (الزوجة المنتظرة)، ولأنني أنا نفسي من أداها غناءً حاولت إيصال تلك المشاعر بكل ما فيها من ألم وحنين دون فلترة.

 

«الإنساني»: ما القضايا أو القصص التي تشغل تفكيرك الآن وتناديك لترجمتها إلى فن؟

 ليس لديّ قضية واحدة محددة أخطط لمعالجتها فورًا، بل هناك باقة من الهموم الإنسانية التي تشدّني وتطالبني بصوت خافت أن أحوّلها إلى أعمال فنية. ما زالت الصحة النفسية مثلًا من المواضيع التي أرغب في التعمق فيها أكثر، لأن مجتمعاتنا تحتاج لمزيد من الحديث الصادق عنها. كذلك مسألة الحرية الشخصية واحترام خيارات الفرد في مجتمع تقليدي هي قصة أخرى تستفزني كإنسانة اختبرتُ حدود الحرية في الشرق والغرب. لديّ أيضًا اهتمام بقضايا الهوية والانتماء وما يواجهه الجيل الجديد من حيرة بين ثقافات متعددة – وهي تجربة عشتُ جانبًا منها خلال اغترابي. باختصار، يشغل تفكيري كل ما هو إنساني وحقيقي ويؤثر فينا ولا يجد من يعبّر عنه كفاية. في الوقت نفسه، علّمتني تجربتي ألا أخطط بشكل صارم لما سأقدمه؛ فأحيانًا تأتي الفكرة من حيث لا أدري وتلحّ عليّ لأحولها إلى عمل. كل ما أعرفه أنني سأبقى وفية لنهجي في تسليط الضوء على الأصوات المكتومة والقصص المهمشة.

إذا تمكّنتُ عبر فني من ملامسة روح إنسان واحد وإحداث فرق في وعيه أو وجدانه، فهذا هو النجاح بعينه.

والنجاح الحقيقي بالنسبة لي ليس بعدد المشاهدات أو الجوائز، بل بمدى الأثر الإنساني، مهما كان صغيراً، الذي يتركه عملي الفني في حياة الآخرين وفي مجتمعي. فأنا أؤمن بتأثير الفراشة: ربما عمل فني صغير يطلق موجة من التغيير تمتد وتتواصل بطرق غير مباشرة. وتجربة «وبقيت» عززت هذا الإيمان لديّ. فلا شيء يضاهي شعوري عندما يأتيني من يقول: «أغنيتك غيّرت فيّ شيئًا» أو «قصتك أيقظت فيّ مشاعر دفينة». تلك اللحظات الثمينة هي ما أعتبره دافعًا لمواصلة الطريق على النهج نفسه.

Share this article

تعليقات

There is no comments for now.

Leave a comment