المعلومات المضللة في اليمن: الواقع وتقنيات التحقق

قضايا إنسانية

المعلومات المضللة في اليمن: الواقع وتقنيات التحقق

صورة توضيحية عن «الأخبار الزائفة» - تصميم: جوجل جيميناي

يشهد العالم اليوم تحولات رقمية متسارعة تنتج عنها تحديات غير مسبوقة في البيئة المعلوماتية، من أبرزها تصاعد المعلومات المضللة أو الضّارة. ويصنّف تقرير المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هذه الظاهرة بوصفها من بين أخطر التحديات. وفي اليمن، تزداد حدّة المشكلة ومدى تأثيرها على الناس في ظل نزاع مسلح ممتد لأكثر من عقد، وأزمة إنسانية طويلة، وضعف مؤسسي واسع.

تشير نتائج استطلاع أجرته منظمة سام للحقوق والحريات إلى أن ثلاثة أرباع اليمنيين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، بينما يعتمد أقل من الربع على المواقع الإخبارية. ويعكس هذا الاتجاه تراجع الثقة في وسائل الإعلام التي تتأثر بالتجاذبات السياسية والاستقطاب. كما بيّن الاستطلاع أن أبرز دوافع التضليل الإعلامي في اليمن تتمثل في تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، وصرف الانتباه عن بعض الحقائق، وإيذاء أفراد أو جماعات فاعلة.

وأشارت دراسة أخرى إلى أن غالبية اليمنيين يعتقدون أن التضليل الإعلامي منتشر في مجتمعهم. وأظهرت الدراسة أن96  في المئة من المشاركين تعرضوا لمعلومات مضللة، وأن كثيرين يشاهدون أو يسمعون أخبارًا يعتبرونها غير صحيحة عدة مرات أسبوعيًا. ويسهم انتشار هذا النوع من المحتوى في إرباك الجمهور وإضعاف قدرته على اتخاذ قرارات مبنية على معلومات موثوقة.

الآثار والتبعات

أصبحت المعلومات المضللة في اليمن ظاهرة متنامية تؤثر في الحياة اليومية لكثير من الأفراد، وتنعكس تداعياتها على مجالات متعددة. وسياسيًا وعسكريًا، قد تُستخدم بعض أشكال التضليل للتأثير في توجهات الرأي العام أو لتغيير صورة الأحداث، الأمر الذي يحدّ من فرص التهدئة ويعقّد الجهود الرامية إلى إنهاء النزاع. وتُعد الأخبار المرتبطة بالتطورات العسكرية والسياسية من أكثر المجالات التي تشهد تداولًا لمحتوى غير دقيق.

واقتصاديًا، تؤثر المعلومات المضللة في اليمن على أوضاع الأفراد المعيشية بطرق متعددة. فقد تؤدي الشائعات المتعلقة بسعر العملة، مثل الحديث عن انهيار أو تراجع وشيك، إلى اضطراب الأسواق وزيادة المضاربات. ويمكن أن يسهم هذا الاضطراب في ارتفاع الأسعار أو ظهور ممارسات احتكارية، ما يفاقم الضغوط على الأسر التي تعيش ظروفًا اقتصادية صعبة أصلًا.

أما في الجانب الصحي، برزت آثار المعلومات المضللة خلال جائحة كورونا. فقد انتشرت شائعات، منها الادعاء بأن اللقاح «مؤامرة لتقليص عدد السكان»، أو الزعم بوجود «علاج سحري» مستخلص من عشبة محلية. وأسهم هذا النوع من المعلومات في إرباك الجمهور والتشويش على الرسائل الوقائية. ويتكرر الأمر في مجال الصحة الإنجابية، حيث تنتشر رسائل تخويفية تستهدف الأمهات وتعتمد على معلومات غير موثوقة.

وتطال آثار المعلومات المضللة الجانب الاجتماعي أيضًا. إذ تشير تجارب عديدة إلى أن انتشار هذا النوع من المحتوى يمكن أن يزيد حدة التوتر بين بعض المكوّنات، ويغذّي تصورات سلبية تؤثر في الروابط الاجتماعية. كما تسهم بعض الشائعات المسيئة للأفراد أو العائلات في تأجيج نزاعات محلية أو قبلية، ما يعزز حالة الهشاشة الاجتماعية في بعض المناطق.

وتظهر آثار المعلومات المضللة أيضًا في المجال الإنساني. فقد تعرضت بعض المنظمات العاملة في اليمن لاتهامات أو حملات تشويه متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، ما أسهم في خلق حالة من الشك تجاه عملها لدى بعض المجتمعات. وفي هذا السياق، يواجه العاملون في المجال الإنساني تحديات إضافية، تتمثل في التعامل مع الأزمات الميدانية من جهة، والتعامل مع انتشار معلومات غير دقيقة قد تؤثر في فهم الجمهور لجهودهم من جهة أخرى.

فهم المعلومات المضللة

لمواجهة المعلومات المضللة بفعالية، من الضروري فهم طبيعتها وأنواعها الأساسية. وهي تصنّف إلى ثلاث فئات رئيسة:

المعلومات المغلوطة

محتوى غير صحيح يُنشر أو يُعاد تداوله دون قصد، ودون نية إلحاق الضرر.

المعلومات المضللة

محتوى غير صحيح يجري إنتاجه ونشره بقصد الإضرار.

المعلومات الضارة

معلومات صحيحة، لكن تُستخدم أو تُنشر بقصد إلحاق الأذى بأفراد أو جهات.

وفي اليمن، تتداخل هذه الأنواع في فضاء إعلامي مضطرب، حيث ضعف البنية المؤسسية، وتضارب المصادر، وتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيس للأخبار.

أساليب وأدوات التحقق

يقف الصحافي أمام تدفق مستمر للمعلومات، ويعتمد في عمله على التحقق والتدقيق قبل النشر. ومع توسع الفضاء الرقمي، لم تعد هذه الممارسة مقتصرة على الصحافيين وحدهم، إذ بات المتلقي العادي بحاجة إلى مستوى أساسي من التحقق قبل مشاركة أي محتوى. كما أصبح امتلاك أدوات وأساليب التحقق عنصرًا مهمًا لحماية الوعي الفردي والمساهمة في بيئة معلوماتية أكثر أمانًا. وفيما يلي نعرض لأبرز هذه الأساليب.

يرتكز التحقق من أي محتوى متداول على الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي على ثلاثة عناصر رئيسية: الوسيلة، والمصدر، والمحتوى. ويُعد التفكير النقدي جزءًا أساسيًا من هذه العملية من خلال طرح أسئلة تساعد على فهم السياق وتقدير مدى صحة المعلومات. ويمكن تناول هذه العناصر على النحو الآتي:

  1. الوسيلة: ما نوع المنصة التي نُشر عبرها المحتوى؟ هل الحساب أو الصفحة موثوقة؟ متى أُنشئت؟ وهل يظهر عليها نشاط حقيقي أم إشارات قد تدل على ممارسات غير موثوقة؟

  2. المصدر: من نشر المحتوى أولًا؟ وكيف جرى تداوله لاحقًا؟ وما الدافع المحتمل لنشره؟ وهل يتمتع المصدر بسمعة موثوقة؟ وهل تعتمد حساباته على متابعين أو تفاعلات غير حقيقية؟

  3. المحتوى: ما طبيعة المادة المنشورة؛ نص أو صورة أو فيديو؟ وهل سبق ظهورها في سياق آخر؟ وهل تبدو متسقة مع الحقائق المعروفة؟ وهل يظهر أنها عُدّلت أو أُخرجت من سياقها؟ وهل يجري تقديمها بطريقة مثيرة أو تحريضية؟

وتشكل هذه الأسئلة مدخلًا عمليًا لعملية التحقق، وتساعد على بناء وعي نقدي قادر على مواجهة التضليل الرقمي.

أدوات التحقق من الصورة/ الفيديو

إحدى الاستراتيجيات المفيدة للتحقق هي استخدام البحث العكسي عن الصور لمعرفة ما إذا كانت الصورة نُشرت سابقًا وفي أي سياق. وعند إجراء البحث، يُستحسن إضافة كلمات دلالية تصف محتوى الصورة بدقة، ما يسهم في الوصول إلى السياق الصحيح. كما يُفضّل طلب النسخة الأصلية عند الإمكان لاستخراج البيانات الوصفية، مثل تاريخ الالتقاط ومكانه، ومعرفة الظروف التي صُوّرت فيها.

ومن الطرق الجيدة للتحقق من الصور هو البحث عن البيانات الوصفية (Metadata)، والتي تعطيك تفاصيل أكثر عن الصورة من تاريخ التقاطها، ونوع الكاميرا، إلخ. يمكنك أيضا التدقيق في الصورة لمعرفة ما إذا كان هناك تلاعب فيها، أو تعديلات. قد لا تعطي التقنيات نتيجة على الدوام بسبب عدم نشر الصورة/ الفيديو سابقًا على شبكة الإنترنت أو لأنها غير مبوبة، وهنا يجب الاستعانة بدلائل بصرية ومعرفة المعالم الظاهرة في الصورة/ الفيديو (اللغة، الإشارات في الشوارع، نمط معماري، إلخ)، لتحديد الموقع الجغرافي.

ويمكن الاستعانة بالأدوات أدناه للتحقق من الصور والمعلومات الموجودة فيها:

شكل 1: أدوات التحقق من الصور

شكل 1: أدوات التحقق من الصور – تصيم Gemini

أدوات التحقق من الحسابات والمنشورات

كخطوة أولى في عملية التحقق، يُستحسن الرجوع إلى خيار شفافية الصفحة أو الحساب قبل استخدام أي أدوات رقمية. يساعد ذلك في كشف أي تغيّرات في المعلومات الأساسية، مثل تاريخ إنشاء الحساب، عنوان الرابط أو المعرّف، وعدد مرات تغيير الاسم. هذه المعطيات تمنح مؤشرات أولية حول مصداقية ناشر المحتوى، سواء أكان صفحة، حسابًا شخصيًا، أم موقعًا إلكترونيًا.

كما يُنصح أيضًا بفحص الصورة الشخصية للحساب أو الصفحة، والتأكد من أن الصورة الشخصية للصفحة/ الحساب تعود لاسم المستخدم الموجود، وليست شخصية وهمية. من خلال البحث العكسي بالصور. ومن المهم جدًا قراءة التعليقات على المنشورات لمعرفة السياق الحقيقي.

شكل 2: أدوات التحقق من الحسابات والمنشورات - تصيم Gemini

شكل 2: أدوات التحقق من الحسابات والمنشورات – تصيم Gemini

التحقق من المحتوى المتداول على تطبيق الواتساب

تشير التقارير إلى أن تطبيق واتساب يُعد الأداة الأكثر استخدامًا حول العالم للمراسلة والتواصل حتى 2025. لكن طبيعته المغلقة، حيث لا يمكن تتبع المنشورات علنًا أو الرجوع إلى مصدرها بسهولة، تجعل التحقق من المحتوى المتداول عبره أكثر تعقيدًا.

هناك خطوات يمكن اتباعها للتحقق من المحتوى المتداول عبر تطبيق واتساب، من أبرزها:

  1. توقف قبل إعادة التوجيه: لا تشارك أي رسالة قبل التأكد من مصدرها. وإذا كانت غير واضحة أو تحتوي على معلومات غير مؤكدة، تجنّب إعادة إرسالها.

  2. اسأل عن المصدر: من أرسل الرسالة؟ ومن أين حصل عليها؟ قد يقود هذا السؤال إلى معرفة مصدرها الأول، سواء كان فردًا أو جهة أو حسابًا تجاريًا.

  3. افحص صيغة الرسالة: هل تتضمن لغة عاطفية أو تحريضية؟ هل تفتقر إلى مصدر موثوق؟ وهل تحمل عبارات مثل «انشر بسرعة» أو «معلومة خطيرة»؟ وإذا ظهرت عليها علامة «أُعيد توجيهها مرات عديدة (Forwarded many times) فهذه إشارة تستدعي الحذر.

  4. ابحث عن مضمون الرسالة: انسخ جزءًا من النص وابحث عنه في محركات البحث لمعرفة ما إذا جرى نفيه أو تأكيده من جهات موثوقة.

  5. تحقق من الروابط: قبل النقر على أي رابط، تأكد من أنه لا يؤدي إلى موقع مشبوه. ويمكن استخدام أدوات مثل فايروس توتال، أو إجراء بحث سريع للتحقق من موثوقية الموقع.

يمثل التصدي للمعلومات المضللة مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية والجهات الفاعلة والمجتمعات والأفراد على حد سواء. فامتلاك حدٍّ أدنى من مهارات التحقق يسهم في الحد من انتشار الشائعات ويعزز الثقة في الفضاء الرقمي. وفي السياق المعقدة، هذه الممارسات تصبح خطوة ضرورية لدعم الوصول إلى معلومات موثوقة، ومساندة الجهود الهادفة إلى بناء بيئة معلوماتية أكثر أمانًا واستقرارًا للجميع.​

Share this article

تعليقات

There is no comments for now.

Leave a comment