شارة رقمية للصليب الأحمر والهلال الأحمر؟ خمسة أسئلة في القانون والتكنولوجيا والسياسات

قانون الحرب

شارة رقمية للصليب الأحمر والهلال الأحمر؟ خمسة أسئلة في القانون والتكنولوجيا والسياسات

يعتمد الأطباء الذين يقدمون الرعاية للجرحى ومندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين يعملون في المناطق المتضررة من النزاع المسلح، على رمز حماية فريد ومعترف به عالميًا: شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر المميزة. وطيلة أكثر من 150 عامًا، بثت هاتان الشارتان رسالة بسيطة: يجب ألا تُستهدف المرافق أو المركبات أو الأشخاص الذين يحملون هذه الشارة المميزة.

وتستخدم المرافق الطبية والعمليات الإنسانية اليوم التقنيات الرقمية للاستجابة لاحتياجات المتضررين بكفاءة وفعالية أكبر. ومع ذلك، فهذا التحول إلى الرقمنة يعرِّض المرافق والعمليات الإنسانية لتهديدات جديدة.

وتثار بعض الأسئلة في ظل انتقال النزاعات المسلحة إلى الساحة الرقمية: هل يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز حماية المرافق الطبية؟ وهل يمكن أن ندمج في البيئة الرقمية الفكرةَ القديمة التي تفيد بأن “المستشفيات وسيارات الإسعاف وفرق الإجلاء … يجب أن تعرض صليبًا أحمر على خلفية بيضاء”؟ هل هذا ممكن من الناحية التقنية، وما فوائد هذه الخطوة ومخاطرها؟

دخلت اللجنة الدولية منذ العام 2020 في شراكة مع مركز سيبر ترست (Cyber Trust) و«مختبر الفيزياء التطبيقية» بجامعة جونز هوبكنز، وجامعة سانت بطرسبرغ (ITMO)، وعقدت اجتماعًا لفريق عالمي من الخبراء لتقييم الحلول والفوائد والمخاطر المحتملة المرتبطة بـ «شارة رقمية».

ويقدم تقرير هذا الفريق المعنون «رقمنة شارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والكريستالة الحمراء» الذي أطلق في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حلولًا تكنولوجية وآراء خبراء بشأن الفوائد والمخاطر والسبل الممكنة للمضي قدمًا في اعتماد الشارة الرقمية.

يجيب مستشارا اللجنة الدولية، تيلمان رودنهاوزر وماورو فيغناتي، عن خمسة أسئلة أساسية عن فكرة “الشارة الرقمية”.

ما «الشارة الرقمية» وما الذي يمكن تحقيقه باعتمادها؟

مع تحول المجتمعات إلى الرقمنة، صارت العمليات السيبرانية واقعًا في النزاع المسلح. وحددت الدول الاحتمالية المتزايدة بشأن “استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النزاعات المستقبلية بين الدول” باعتبار ذلك تهديدًا للأمن الدولي.

وحذرت اللجنة الدولية من التكلفة البشرية المحتملة للعمليات الإلكترونية ونبهت إلى انكشاف القطاع الطبي والمنظمات الإنسانية أمام الهجمات السيبرانية، بما في ذلك الهجمات التي يشنها مرتكبو الجرائم الإلكترونية.

ومنذ جائحة كوفيد-19 تسببت هجمات سيبرانية ضد مستشفيات في تعطيل العلاج المنقذ لأرواح المرضى وأجبرت الأطباء والممرضات على اللجوء إلى استخدام القلم والورق في الوقت الذي كانت الحاجة ماسة إلى عملهم العاجل.

وفي عام 2022 وحده، كان أعضاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر هدفًا لعمليات سيبرانية مختلفة، وكذلك منظمات إنسانية أخرى. تعرّض هذه العمليات الأشخاص المستضعفين بالفعل – الجرحى والمرضى ومن هم في أوضاع هشة – إلى خطر أكبر في أوقات النزاع المسلح.

وتتمثل فكرة “الشارة الرقمية” في تطوير علامة رقمية لتحديد هوية المرافق الطبية بالأساس – والإشارة إلى أنها مرافق مشمولة بالحماية – وإدماج هذه العلامة في الإطار القانوني الدولي. من شأن “الشارة الرقمية” أن تضيف مستوى حماية جديد ضد العمليات السيبرانية، تمامًا على نحو ما تفعل شارات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو الكريستالة الحمراء في العالم المادي. هذه الشارة من شأنها أن تقدم إشارة واضحة على أن الكيان الذي يعرض هذه العلامة مشمولٌ بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني ويجب حمايته من الضرر.

من المهم أن نفهم أن “الشارة الرقمية” ليست إجراءً أمنيًّا سيبرانيًّا يتيح حماية فعلية للأنظمة الإلكترونية من الاختراق أو الإضرار، إنما هو علامة على الحماية القانونية. وهذا يعني أن أي مرفق طبي يعرِض هذه الشارة يجب أن يتخذ أيضًا تدابير أمنية سيبرانية بالإضافة إلى استخدام الشارة الرقمية، تمامًا على نحو ما يستخدم مستشفى في منطقة حرب عادة مجموعةً من التدابير الفعلية لحماية المنشأة من الضرر العرضي.

ما مظهر “الشارة الرقمية” وما الخصائص التي تلزمها؟

بعبارة بسيطة، طوَّر شركاؤنا في البحث ثلاثة حلول تقنية ممكنة لـ “شارة رقمية”:

الخيار الأول هو ما نطلق عليه شارة قائمة على “نظام اسم النطاق”. يستخدم هذا الحل علامة خاصة لربط “الشارة الرقمية” باسم النطاق (على سبيل المثال، www.hospital.emblem). ستكون هذه “شارة رقمية” مباشرة، ميسورة القراءة بالنسبة للبشر وتحدد هوية النظام الإلكتروني المشمول بالحماية.

الخيار الثاني سيكون شارة قائمة على “بروتوكول الإنترنت (IP)”. يتطلب هذا النوع من الشارات تضمين دلالات في عناوين بروتوكول الإنترنت لتحديد كل من الأصول الرقمية المشمولة بالحماية والرسائل المشمولة بالحماية التي تعبُر الشبكة.

الخيار الثالث هو “الشارة الرقمية الموثَّقة” ويستخدم بشكل أساسي سلاسل شهادات للدلالة على الحماية. بموجب هذا النهج، يمكن أن تصدق سلطات مختلفة على هذه الشهادات (مثل القفل الصغير الموجود غالبًا بجوار العنوان في نافذة متصفح الإنترنت) وترسلها عبر بروتوكولات الإنترنت المختلفة.

ونحن نعمل حاليًا على تحسين واختبار هذه الخيارات المختلفة مع شركائنا. ونسترشد في هذا البحث بعدد من الخصائص التي أكد الخبراء الطبيون والعسكريون وخبراء العمل الإنساني أهميتها.

ولكي تستخدم المرافقُ الطبية “الشارةَ الرقمية” يجب أن يكون من السهل نشر هذه الشارة والحفاظ على استمراريتها بتكلفة منخفضة في جميع أنحاء العالم، فتسدّ الاختلافات اللغوية والتكنولوجية والثقافية والاختلافات المتعلقة بالموارد. ويجب أن تُدمج الشارة في البيئة التكنولوجية الحالية (بما في ذلك السحب الإلكترونية) وأن تكون قابلة للمواءمة مع التطورات التكنولوجية والبنية التحتية المستقبلية. يجب أيضًا أن تكون “الشارة الرقمية” سهلة الإزالة؛ فذلك ضروري لمواجهة المخاطر الأمنية المحتملة. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون “الشارة الرقمية” قابلة للنشر تحت إشراف السلطة المختصة لأطراف النزاع المسلح.

من أجل إظهار أن الشارة مشمولة بالحماية، يجب أن تكون “الشارة الرقمية” “مرئيًة” ويمكن التعرف عليها وفهمها بسهولة بالنسبة للذين يقومون بعمليات سيبرانية (“المشغلون السيبرانيون”). أكد المشغلون كذلك على ضرورة أن يكونوا قادرين على استكشاف “شارة رقمية” دون تحديد هويتهم بوصفهم طرف تهديد محتمل. من الناحية المثالية، يجب أن تكون “الشارة الرقمية” جزءً من المعلومات التي يطلبها أي متسلل من النظام. يجب أن يكون من الممكن أيضًا التحقق بسهولة من صحة “الشارة الرقمية”.

ما الفوائد والمخاطر الرئيسية المرتبطة بـ “الشارة الرقمية”؟

الفائدة الرئيسية المتوقعة من الشارة الرقمية هي أنها ستجعل من السهل على مشغلي الإنترنت تحديد الكيانات المشمولة بالحماية وعدم استهدافها من خلال تصوّر وتفعيل الحماية القانونية في البيئة الرقمية. في “معمعة الحرب” يمكن أن تكون للإشارة الرقمية قيمةٌ مضافة حقيقية. فالشارة الرقمية ستعزز بشكل أساسي حماية الكيانات التي تعرِضها من مخاطر الضرر الناجم عن المشغلين الملتزمين بالقانون وقد يكون لها أيضًا تأثير رادع على المتسللين الذين يتعمدون الضرر.

لكن في الوقت نفسه فإن وضع الإشارات الرقمية وتحديد هوية الكيانات الطبية والإنسانية قد يزيد من تعرضها للعمليات الضارة. وتتباين شدة هذا الخطر. بالنسبة للعديد من المشغلين، من السهل بالفعل معرفة هوية المنظمات الطبية أو الإنسانية في الفضاء الإلكتروني. وقد يكون الخطر الإضافي لتيسير معرفة هويتها ككيانات مميزة صغيرٌ نسبيًا. ومع ذلك، قد يؤدي عرض “شارة رقمية” إلى خطر التعرض بشكل أكبر للعمليات التي تقوم بها أطراف فاعلة أقل تطورًا. ولكن ستكون لدى هذه الأطراف الفاعلة أيضًا قدرات أقل لإحداث الضرر.

وثم خطرٌ آخر يتمثل في احتمال إساءة استخدام “الشارة الرقمية” لوضع علامات زائفة على بنية تحتية عسكرية أو غير مشمولة بالحماية. هذا الخطر موجود أيضًا في المجال المادي، وإساءة استخدام الشارة محظور على نطاق واسع بموجب القانونين الدولي والمحلي.

من يجوز له استخدام “الشارة الرقمية” ومتى؟

ينظم القانون الدولي الإنساني استخدام الشارات المميزة (انظر: المادة 44 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادتان 18 و 38 من البروتوكول الإضافي الأول، والبروتوكول الإضافي الأول، وغيرها من المواد) والقوانين واللوائح الوطنية المشابهة. بناءً على هذه المواد، يجوز استخدام الشارات المميزة لغرضين هما:

أولا، للإشارة إلى الحماية القانونية. وتحقيقًا لهذا الغرض “الوقائي” لا يجوز استخدام الشارات المميزة إلا في أوقات النزاع المسلح، وليس في أوقات السلم (باستثناء استخدامها خطوة تحضيرية لضمان الحماية بمجرد اندلاع النزاع). ويقتصر استخدامها أيضًا، على وجه الخصوص، على الممثلين الطبيين المصرح لهم (الخدمات الطبية للقوات المسلحة، والمرافق الطبية المدنية المرخصة) وكذلك اللجنة الدولية والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (الاتحاد الدولي).

ثانيًا، في أوقات السلم وفي أوقات النزاع المسلح، يجوز لأعضاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الحركة) استخدام الشارة لأغراض دلالية، أي تعريف أنفسهم بأنهم أعضاء ينتمون إلى الحركة.
يقصُر القانونُ الدولي الإنساني استخدامَ الشارات المميزة على الكيانات الطبية والعمليات الإنسانية المرتبطة بالحركة، بينما توجد شارات أو إشارات أخرى، على سبيل المثال، لتحديد هوية الأمم المتحدة أو الممتلكات الثقافية.

مسارات ممكنة نحو اعتماد “شارة رقمية”

استنادًا إلى الأبحاث والمشاورات، وردود الفعل الإيجابية بوجه عام التي تلقتها مجموعة الخبراء الدولية، والتشجيع الجماعي للحركة “لمواصلة البحث في الجدوى التقنية للشارة الرقمية … وتقييم فوائدها”، ستواصل اللجنة الدولية الأبحاث والتشاور بشأن اعتماد “شارة رقمية”.

ومن الناحية التقنية، سيتطلب الأمر مزيدًا من العمل على التطوير التقني وكذلك الموافقة على الحلول الممكنة والتحقق منها، وهو ما تعتزم اللجنة الدولية القيام به مع شركائها في الأبحاث. وأما على الجانب الدبلوماسي فسيكون على الدول أن تنظر الآن في الفكرة وتقرر ما الخطوات التالية الممكنة. وتهدف اللجنة الدولية إلى عقد مشاورات بشأن هذا الغرض مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، لا سيما الدول والحركة.

تتمثل إحدى نقاط القوة الرئيسية للشارات والإشارات المميزة في أن القانون الدولي الإنساني ينظم شكلها ووظيفتها واستخدامها وحمايتها وأنه يحظر إساءة استخدامها. وإذا استحسنت الدول “الشارة الرقمية” فثمة مسارات مختلفة لإدراج هذه الشارة في الإطار القانوني الدولي، منها على سبيل المثال لا الحصر:

اعتماد بروتوكول إضافي جديد لاتفاقيات جنيف. وقد اتبع هذا النهج في عام 2005 لاستحداث “الكريستالة الحمراء”.

مراجعة البروتوكول الإضافي الأول، الذي ينظم استخدام “الإشارات المميزة” (إشارات الضوء والراديو، والتعريف الإلكتروني) أو الاتصالات (الاتصالات اللاسلكية، والرموز). وينص البروتوكول الإضافي الأول على تحديث هذا البروتوكول بانتظام (انظر: المادة 98).

في ظل نمو التهديدات السيبرانية للمرافق الطبية والمنظمات الإنسانية المحايدة، فقد حان الوقت لتعاون المجتمع الدولي ليضمن التصدي للتهديدات الجديدة عن طريق تحديث وابتكار تدابير حماية عملية على المدى البعيد.

نُشر هذا الموضوع في الأصل بالإنجليزية في مدونة القانون والسياسات الإنسانية التي تصدرها اللجنة الدولية. وقد نقل عاطف عثمان النص إلى اللغة العربية.

اقرأ أيضا:

غوس حسين، ذوات مهددة: من يسيطر على بيانات المتضررين من النزاعات في العصر الرقمي؟

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا