على الرغم من أن أعمال الإرهاب محظورة بموجب مجموعة عريضة من الأنظمة القانونية على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية (بما في ذلك القانون الدولي الإنساني الدولي، في أثناء النزاع المسلح)، فلا يوجد تعريف عالمي لـ«الإرهاب» بموجب القانون الدولي.
وعلى الرغم من غياب الوضوح، يستخدم البعض البلاغة اللفظية المنتقِصة من إنسانية البشر عبر السياقات التي يوصف فيها الأفراد أو الجماعات بأنهم «إرهابيون». وهذا اتجاه خطير، لا سيما أن مثل هذه الشيطنة قد تؤثر على الفاعلين في مجال العمل الإنساني وعلى السكان المدنيين ممن يُنظر إليهم على أنهم «إرهابيون» أو يُتوهم أنهم مرتبطون بهم في أثناء النزاع المسلح.
يمكن إرجاع جذور مفهوم «الإرهاب» إلى الثورة الفرنسية، ولكن الوسائل والأساليب المستخدمة لإحداث الإرهاب تشهد تطورات باستمرار.
واليوم، يتسم الإرهاب بأنه ظاهرة عالمية – رغم أنها تحدث في زمن الحرب وأوقات السلم – غالبًا ما ترتبط بالنزاعات المسلحة. وعلى الصعيد العالمي، تتراجع الوفيات الناجمة عن الإرهاب منذ عام 2014، لكن أثر الإرهاب ما زال محسوسًا في عدد من بلدان العالم، أكثر مما كان عليه قبل عام 2001. ويشهد التطرف اليميني تصاعدًا، ويعود الإرهاب الداخلي إلى دائرة الضوء، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ.
إن تجريد «العدو» من إنسانيته هو ممارسة قديمة في دعاية الحرب. وقد صرح المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية، السيد «أداما ديانغ»، بأن الإبادة الجماعية تبدأ بتجريد البشر من إنسانيتهم. ويرى باحثون آخرون أن النظر إلى الأفراد المستهدفين بأنهم أدنى من البشر هو شرط مسبق ضروري لاقتراف فظائع أخرى.
وقد أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى التمييز والنبذ والبلاغة اللفظية التي تجرد البشر من إنسانيتهم مما يواجهه الأشخاص المتهمون بالهجمات الإرهابية أو عائلاتهم أو غيرهم من المنتسبين إليهم، وهو ما قد يخلق شعورًا بالاستثنائية، ما يعني أن جهود مكافحة الإرهاب يمكن أن تبرر استخدام تكتيكات تعتبر غير مقبولة في ظروف أخرى، بما في ذلك ارتكاب جرائم الحرب بل حتى التعذيب.
ويمكن ملاحظة ذلك في صعود مصطلح «”المقاتل الأجنبي»” في الخطاب الدولي. «”المقاتل الأجنبي»” ليس مصطلحًا فنيًّيًا في القانون الدولي الإنساني، ولكن كيف تنطبق مبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعده على هؤلاء المتحاربين؟ من بين الدول التي واجهت هذا التحدي فرنسا والدنمارك، مما يدل على أنه من الممكن التعامل مع المواطنين العائدين من ساحة المعركة في سورية والعراق بموجب القانون المحلي القائم والالتزامات الدولية. ومع ذلك، فإن العديد من هؤلاء الأشخاص وأسرهم أُجبروا على العيش في ظروف غير إنسانية، فوُصفوا بأنهم أدنى من البشر.
الدروس الصعبة المستفادة من الحرب
في البلاغة السياسية غالبًا ما يطرح التشكيك في قابلية تطبيق القانون الدولي الإنساني على مجال مكافحة الإرهاب، وهذا أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها المحامون العاملون في المجال الإنساني اليوم. وغالبًا ما تشير السرديات المتعلقة بمكافحة الإرهاب ضمنًا بل وصراحةً إلى أن «”هذه القواعد لا تنطبق»”، ولا سيما فيما يتعلق بالاحتجاز أو استخدام القوة المميتة، لأن التهديد كبير جدًّدًا أو لأن العدو مخادع للغاية.
هذه قراءة ساذجة للقواعد المنطبقة في الحرب والمواقف المتطرفة الأخرى، التي وضعت خصيصًا لتُستخدم في أسوأ الظروف، وعندما تهيمن المشاعر على صوت العقل. وعلى وجه الخصوص، سعت اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي جرى التفاوض عليها بعد الحرب العالمية الثانية بين البشر الذين نجوا للتو من حرب وحشية، إلى تكريس بعض الدروس الصعبة المستفادة من المأساة لمنع تكرار هذه المعاناة في المستقبل. وبما أن المجتمع الدولي يكافح ظاهرة الإرهاب المروعة، فمن الضروري مراعاة هذه الدروس والاعتراف بوجود حدود لما يمكن وما ينبغي عمله لمكافحة هذا التهديد.
علاوة على ذلك، عندما لا تمتثل تدابير مكافحة الإرهاب للالتزامات الدولية، فإنها قد يثبت ضررها، وتقوض مصالح الدولة على المدى البعيد وتغذي التطرف بدلًا من محاربته.
أثر شيطنة البشر في المساعدات الإنسانية
ثمة قلق شديد من أن البلاغة اللفظية المرتبطة بمصطلح «”الإرهاب»” سوف يظهر أثرها في الطريقة التي تتعامل بها الدول مع كل من السكان المدنيين المرتبطين بالفاعلين المصنفين على أنهم «”إرهابيون”»، وكذلك العاملين في المجال الإنساني الذين يسعون إلى تقديم الحماية والمساعدات المنقذة للحياة للمحتاجين.
وردًّااً على تهديد الهجمات الإرهابية، اتخذت الدول والمنظمات الإقليمية والأمم المتحدة تدابير عديدة تستهدف مرتكبي الأعمال الإرهابية. وفي أثناء سعي الدول إلى تحقيق الهدف المشروع المتمثل في كفالة أمن الدولة، يجب على الدول الحفاظ على الضمانات التي تحمي حياة الإنسان وكرامته المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي الإنساني السارية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهذا يشمل القواعد التي تحمي المدنيين الذين يعيشون في الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات التي وُصفت بأنها إرهابية، وحق هؤلاء المدنيين في الحصول على مساعدات إنسانية وطبية بحياد ودون تحيز.
إن تصنيف جماعة مسلحة من غير الدول على أنها «”إرهابية»” يعني أنه من المحتمل أن تُدرج يتم تُإدراجها في قوائم المنظمات الإرهابية المحظورة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدول. ويجب تحقيق التوازن بعناية بين الأهداف السياسية لمجلس الأمن الدولي ومتطلبات القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
إن تأثير تدابير مكافحة الإرهاب في الأطفال هو أحد المجالات التي تسلط الضوء على التوتر بين الاعتبارات الإنسانية والأمنية، وقد يَبرُز في السياسات التناقضُ في كيفية التعامل مع الأطفال المرتبطين سابقًا بالجماعات «الإرهابية».
كما يقع الفاعلون في مجال العمل الإنساني في مأزق، إذ عندما يواصلون الإشارة إلى بواعث القلق بشأن القيود المفروضة على المساعدات المقدمة من أجل مكافحة من يوصفون بالإرهاب، إذ قد تكون لها عواقب غير مقصودة، وقد لا تتوافق مع المبادئ الإنسانية. بل يخشى البعض من هؤلاء العاملين في المجال الإنساني من الملاحقة القضائية بسبب تقديمهم المساعدة المنقذة للحياة لمن يوصفون بأنهم إرهابيون.
يمكن من الناحية العملية أن يؤدي حظر تقديم «الدعم المادي» و«الخدمات» و«المساعدة» للمنظمات الإرهابية كما في بعض القوانين الجنائية إلى تجريم الأنشطة الأساسية للمنظمات الإنسانية وموظفيها. وقد يُظهر التجريم المحتمل للعمل الإنساني مع الجماعات المسلحة من غير الدول المصنفة على أنها «منظمات إرهابية» أن فكرة العمل الإنساني المحايد والمستقل وغير المتحيز قد تقوضت بسبب الدعاية الخطيرة التي تؤدي إلى نتائج عكسية.
نوقشت العلاقة بين الإرهاب ومكافحة الإرهاب والقانون الدولي الإنساني كثيرًا في دوائر القانون والسياسات، ولكن لا تزال توجد هناك قضايا عالقة. وسيكون الإرهاب ومكافحته موضوع إصدار مقبل من المجلة الدولية للصليب الأحمر.
نُشر هذا الموضوع في الأصل في مدونة القانون الدولي والسياسات، وقد نقل عاطف عثمان النص إلى اللغة العربية.
Comments