في وداع حنا لحود: صانع البهجة شهيدًا للعمل الإنساني

من الميدان

في وداع حنا لحود: صانع البهجة شهيدًا للعمل الإنساني

لا تعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر صباحات عادية، فكل شروق شمس يؤذن بيوم جديد وتحديات جمة في الميدان: تقديم المساعدة الطبية العاجلة لجرحى المعارك، أو توفير الإمدادات الغذائية الأساسية للسكان المدنيين، أو متابعة أوضاع الاحتجاز، أو العمل على إصلاح محطة مياه شرب وغيرها من الأنشطة والهدف حماية المدنيين.

ومع ذلك، كان صباح يوم السبت 21 نيسان/ أبريل 2018 صباحًا استثنائيًّا بالنسبة للجنة الدولية، ذلك لأنها استقبلت خبرًا صادمًا مفاده سقوط ضحية جديدة من موظفيها فيما كان يؤدي عمله في التخفيف من معاناة المدنيين اليمنيين الذي يئنون تحت وطأة نزاع مسلح لا يرحم.

والضحية هذه المرة هو حنا لحود، 37 عاما، الذي حمل على عاتقه متابعة أوضاع الاحتجاز في اليمن. وبحسب المعلومات الأولية التي تجمعت لدى اللجنة الدولية، قضى حنا نحبه وهو في مهمة   في تعز حيث تعرضت سيارة اللجنة الدولية التي يستقلها لهجوم غادر. وكانت هذه المهمة هي فصل الختام في حياة حافلة بالبطولة قضاها حنا، سواء في بلده لبنان، أو في بلاد أنهكتها الاضطرابات والنزاعات المسلحة كالعراق واليمن.

الراحل حنا لحود في كوناكري

 

حياة نضالية

الوجه البشوش هو القاسم المشترك في الصور التي تبادلها أصدقاء وزملاء حنا، سواء كانت لقطة جادة من الميدان أو لقطة مرحة وضاحكة في تجمع غير رسمي. مجرد نظرة قصيرة إلى هذه الصور كافية للتعرف على الوجه المحفز لنشر البهجة في هذه اللقطات.

دلف حنَّا إلى العمل الإنساني من أوسع أبوابه: عمل مسعفًا ومتطوعًا في «جمعية الصليب الأحمر اللبناني» في وقت ارتفعت فيه حدة الاضطرابات السياسية في بلده لبنان، مرورًا بالحرب القاسية التي دارت رحاها في العام 2006. كان حنَّا في مقدمة الصفوف للتخفيف من وطأة المعاناة. وبعد مضي ثماني سنوات على عمله في الصليب الأحمر اللبناني، انضم حنَّا إلى اللجنة الدولية منذ العام 2010، فعمل، طيلة ثماني سنوات أخرى، في مواقع ميدانية شتى شملت العراق، وغينيا، وموريتانيا، وتندوف (في الجزائر)، وكذلك في المقر الرئيس للجنة الدولية في جنيف.

اكتسب حنَّا، عند من عرفوه أو سمعوا عنه، تقديرًا واضحًا في جميع الأماكن التي عمل بها. 

علاوة على ذلك كان لحنَّا قصة مقاومة ملهمة، دامت عامين، ضد مرض السرطان الذي تغلب عليه، ثم مضى بعد ذلك يستأنف عمله في المجال الإنساني في بلده لبنان وخارجه. 

كانت هذه نهاية مفجعة لشخص بذل كل ما في وسعه لمساعدة الآخرين ودعمهم في أشد أوقاتهم محنة. عاش حنا سنوات عمره محبًا للحياة، واتسع هذا الحب ليشمل الآخرين الذين عمل، جلّ سنوات عمره، للتخفيف من وطأة الظروف العسيرة عليهم.

وهذه ليست المرة الأولى التي يُهاجم فيها موظفو اللجنة الدولية في المنطقة العربية عامة، وفي اليمن على وجه الخصوص. ففي السنوات الأخيرة الماضية، ومع ارتفاع حدة النزاعات المسلحة في عدد من الدول في المنطقة وخارجها لمستويات كارثية، جرى استهداف موظفي اللجنة بالقتل والخطف في سورية وليبيا واليمن وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديموقراطية وغيرها، علاوة على مهاجمة قوافل الإغاثة التي تُعدها اللجنة الدولية لدعم المدنيين المحاصرين في بعض مناطق النزاع.

وفي اليمن، سبق للجنة الدولية في العام 2015، أن ودعت موظفين اثنين هما عبد الكريم غازي ومحمد الحكمي، شاء القدر أن يستهلا العمل في اللجنة الدولية في اليوم نفسه؛ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2013، فيما كان الثاني من أيلول/سبتمبر من العام 2015 يومهما الأخير بعد أن راحا ضحية هجوم غادر من قبل مسلحين مجهولين. وقبل هذه الفاجعة بثلاث سنوات، فقدت اللجنة الدولية حسين صالح الذي قتل هو أيضاً خلال تأدية واجبه الإنساني. كما شهدت اللجنة الدولية عمليات خطف عدة لموظفين فيها.

ودعت اللجنة الدولية مرارًا أطراف النزاع إلى احترام المدنيين وضمان أن يتمكن العاملون في المجال الانساني من القيام بمهامهم. وفي العام الماضي، دشنت اللجنة الدولية حملة شعارها «نحن لسنا هدفا» كي تعيد على مسامع الجميع حقيقة أن موظفيها عمال إنسانيون هدفهم الوحيد هو التخفيف من معاناة ضحايا الحرب.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا