تأثر أكثر من ثلاثة أجيال في لبنان بالحرب، بطريقة أو بأخرى، أثناء عقود من النزاعات المسلحة، الدولية وغير الدولية، التي ابتلي بها هذا البلد منذ العام 1975. وشهد كثير من اللبنانيين الحرب كأطفال ثم كناضجين. ومن المؤكد أن الأطفال أكثر تأثرا بالصدمات التي تسببها النزاعات، وربما حملوا اَثرها معهم كبارا، لاسيما إن لم يتلقوا المساعدة والعلاج المناسب.

يتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب لدى الأطفال، لأنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسهولة الكبار، ولا يمكنهم فهم المعنى أو المغزى وراء الفظائع التي يشهدونها. ولأن الأطفال المصابين بالصدمة لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم في كلمات، فهم يلجأون إلى طرق مختلفة للتعبير تتبدى في مسلكهم بشكل أساسي. فقد تظهر الأعراض في صورة حركة زائدة عن الحد، أو تصرفات عدوانية، أو عدم القدرة على التركيز، أو بكاء بلا مبرر، أو كبت تام وفقدان القدرة على الكلام. وتقول الاختصاصية النفسية الدكتورة ميرنا غناجي: “تختلف مظاهر الصدمة بحسب شخصية الطفل، وعمره، ونوع الصدمة التي مر بها”. غير أن أكثر الأعراض شيوعا هو عجز الطفل عن الكلام عن الصدمة التي تعرض لها، حسبما تقول الدكتورة غناجي التي شاركت في معالجة الأطفال الناجين من “مجزرة قانا” التي وقعت في جنوب لبنان في العام 1996.

عملت غناجي مع الأطفال المصابين بصدمات سببتها الحرب من خلال جهة خاصة وهي “مؤسسة حماية الأطفال المتضررين من الحرب”. أنشئت المؤسسة بعد وقوع المجزرة التي قتل فيها أكثر من مائة شخص من بينهم نساء وأطفال في غارة جوية إسرائيلية استهدفت قاعدة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، كان مدنيون قد لجأوا إليها طلبا للحماية. عالجت المؤسسة نحو 40 طفلا، واتبعت من أجل هذا الغرض، كما تقول غناجي، استراتيجيات مختلفة للعلاج النفسي..

شكَّل المعالجون ما أطلقوا عليه اسم “مجموعات التحدث”، حيث قُسِّم الأطفال إلى فرق من خمسة أو ستة أطفال، وطُلب منهم اختيار لعبة أو نشاط من بين أنشطة تضم الرسم والتلوين والتمثيل كوسائط لمساعدتهم على التعبير عن أنفسهم. ولم يكن من المستغرب أن جاءت معظم رسوماتهم تعبيرا عن مشاهد من الحرب بما فيها من قنابل وانفجارات وطائرات مقاتلة. تناول المعالجون ما أخرجه الأطفال على الورق وعملوا على أساسه، إلى أن أصبح الأطفال في النهاية قادرين على التحدث عن الصدمة التي مروا بها والتعبير عنها. “إنها عملية طويلة وتحتاج إلى صبر وإصرار، واستغرق الأمر عاما كاملا لعدد كبير منهم حتى يستطيعوا استيعاب ما حدث لهم والتحدث عنه”.

تعتمد الاستراتيجيات المتبعة في علاج الحالات التي تعاني من الصدمة نتيجة للحرب إلى حد بعيد على طبيعة الحالة نفسها. فالأطفال ليسوا سواء، ولم يمروا جميعهم بالصدمة ذاتها، كما تتفاوت درجة استجابة الأطفال للعلاج. لكن، تقول غناجي “أصعب الحالات هي حالات الأطفال الذين كانت لديهم مشكلات نفسية قبل تعرضهم للصدمة المرتبطة بالحرب”.

ومن بين الحالات شديدة الصعوبة حالة صبي عمره عشر سنوات فَقَدَ كل أفراد أسرته وأصيب هو نفسه، كما يقول الدكتور ربيع الشماعي الطبيب النفسي الذي عمل مع الأطفال المصابين بصدمة في جنوب لبنان: “عندما قابلت الصبي للمرة الأولى لم يكن قادرا على فعل أي شيء سوى الصراخ المتواصل. كان علينا العمل معه عن قرب وفي صبر لتمكينه من الاستيعاب التدريجي لما حدث له. وحينما أدرك وفهم الظروف المحزنة، بدأنا في معالجته من الاكتئاب الذي لازمه”. .

إعادة التأهيل عند الأطفال عبارة عن عملية نفسية واجتماعية لأنه لا يمكن حلها بإعطائهم علاجا دوائيا. ويشترك الآباء والعائلة ككل في العلاج بشكل عميق لأنهم يمثلون صمام الأمان بالنسبة للأطفال. نظم المعالجون، بعد حرب العام 2006 في لبنان، ورش عمل لمعلمي المدارس الابتدائية وآباء وأمهات الأطفال المتضررين لإعطائهم إرشادات عامة عن أفضل الطرق لمساعدة أبنائهم على التغلب على الصدمة. يقول ربيع الشماعي: “كان أول شيء قمنا به أننا طلبنا من الأهل عدم إخفاء الواقع أو تغييره بصرف النظر عن مدى صعوبته وألمه، وضرورة نقله بطريقة رقيقة دون صنع مأساة منه لأن الأطفال أذكياء كالكبار، ولكنهم يفهمون الأشياء ويستوعبونها بطريقة مختلفة، ومن المضر جدا لهم تحريف الوقائع التي سوف يفهمونها في النهاية بإيقاعهم الخاص”. ويضيف الشماعي: “فبدلا من أن نقول للأطفال أن الانفجارات هي ألعاب نارية، على سبيل المثال، ينبغي إخبارهم أنها قنابل تسقط بعيدا عنا، وأننا، الأهل، موجودون لحمايتهم”، وأوضح أن “الأطفال يتضررون أكثر ويزيد شعورهم بعدم الأمان عندما يرون آباءهم خائفين ومضطربين”.

ولأن الأطفال يتسمون بالرقة وسرعة التأثر، فمن السهل عليهم الانزلاق إلى الصدمة مجددا إذا واجهتهم الظروف نفسها، كما يقول الشماعي، الذي يذكر حالة صبي آخر، كمثال على ذلك، عولج من صدمة نتيجة لحرب 2006، ثم عاوده المرض أثناء الحرب على غزة بعدها بعامين. يقول الشماعي: “عادت الأعراض من جديد عندما رأى الصبي صورا من غزة على التليفزيون، رغم أن الأحداث لم تكن تجري في لبنان. كان علينا أن نريه على الخريطة أين تقع غزة وأنها بعيدة عن لبنان لنساعده على التخلص من الصدمة مرة ثانية”.

يتغلب معظم الأطفال على الصدمة إذا تلقوا العلاج الملائم، وإلا فإن ما مروا به في الطفولة قد يؤثر عليهم تأثيرا كبيرا في مراحل عمرهم التالية، وربما يصبحون أشخاصا متوترين وقلقين ومكتئبين.

إن الحصول على الرعاية الصحية النفسية له من الأهمية والخطورة، ما للحصول على الرعاية الصحية البدنية، لاسيما في البلدان التي مرت بنزاعات مسلحة استمرت لفترات طويلة من الزمن. وبالرغم من ما شهده لبنان من أشكال مختلفة من الحروب بما فيها حرب أهلية استمرت 15 عاما، فإنه لا يزال يفتقر إلى مراكز متخصصة للصحة النفسية. لذلك، يشدد الدكتور الشماعي على أهمية “وجود استراتيجية وطنية لكفالة الرعاية الصحية النفسية يمكنها توفير العلاج لجميع المحتاجين لهذه الرعاية”.

وهذه هي المرة الخامسة التي تنظم فيها اللجنة الدولية هذه المسابقة المتميزة التي تستهدف الباحثين والخبراء في القانون الدولي الإنساني.

وهذه هي المرة الخامسة التي تنظم فيها اللجنة الدولية هذه المسابقة المتميزة التي تستهدف الباحثين والخبراء في القانون الدولي الإنساني. وهذه هي المرة الخامسة التي تنظم فيها اللجنة الدولية هذه المسابقة المتميزة التي تستهدف الباحثين والخبراء في القانون الدولي الإنساني.