ar
إغلاق

في اليوم العالمي للمفقودين: دع الباب مفتوحًا، لعل الغائب يعود يومًا

القانون الدولي الإنساني

في اليوم العالمي للمفقودين: دع الباب مفتوحًا، لعل الغائب يعود يومًا

يسلط «اليوم الدولي للمفقودين» الضوء على واحدة من القضايا الإنسانية المعقدة في عالم اليوم، قضية يكاد يغلفها الصمت، وهي محنة الأسر التي تجاهد في البحث عن ذويها وأحبتها المفقودين.

يُعد العالم العربي، وبسبب موجات النزاعات المسلحة والعنف، من أكثر مناطق العالم التي تضم مفقودين. وهناك عائلات يُقدر عددها  بالآلاف عائلات تبحث عن مصير ذويها الذين فُقدوا سواء في موجات  الحروب والعنف الأخيرة، أو في نزاعات مسلحة دارت رحاها منذ ثلاثين أو أربعين عامًا. وتعيش هذه العائلات واقعًا قاسيًا للغاية عماده القلق والألم بسبب عدم معرفة مصير أحبتها.

ويكون الشاغل الرئيسي للأسر هو الإجابة عن تساؤلات حول ما إذا كان الأشخاص المفقودون ما يزالون على قيد الحياة أم لاقوا حتفهم. وبعض الأسر تواجه صعوبات جمة في التعامل مع الآثار اللاحقة لفقدان الأشخاص، سواء كان ذلك نتيجة غيابهم أو وفاتهم علاوة على التساؤل المحير عن سبب اختفائهم في المقام الأول.

وتتنوع الأسباب التي يُفقَد الأشخاص نتيجة لها. فهناك أشخاص يختفون كرهًا، وهو ما يسمي بـ «الاختفاء القسري»، ويُقصد به حسبما ورد في «الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري»:

«…الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.»

وهناك أسباب أخرى للاختفاء نتيجة لكوارث طبيعية أو للهجرة، وكذلك بسبب الحروب أو الاضطرابات الداخلية. وتُعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر «الأشخاص المفقودون»:

«بأنهم الأفراد الذين انقطعت أخبارهم عن أسرهم و/أو الذين جرى الإبلاغ عن فقدهم استنادًا إلى معلومات موثوق بها، نتيجة نزاع مسلح – دولي أو غير دولي – أو عنف داخلي أو اضطرابات داخلية أو أي سبب آخر.»

وتؤدي حالات النزاع المسلح أو العنف الداخلي إلى انفصال واختفاء الجنود والمدنيين على حد سواء. وفي سياق النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، تكون انتهاكات القانون الدولي الإنساني سبباً في معظم حالات فقدان الأشخاص.

وقد تضع الحروب أوزارها، وتخف حدّة القتال وتقل مستويات العنف، ولكن يستمر القلق والخوف لدى عوائل المفقودين. وأيا ما كان السبب الذي أدى إلى فقدان الأحبة وظروف الاختفاء، تواجه جميع الأسر المآسي والمصاعب ذاتها. يعيش هؤلاء وهم عالقون بين الأمل واليأس في انتظار الحصول على إجابة عن مصير أحبتهم.

الوضع في العالم العربي

أدّت عقود من النزاعات المسلحة المتعاقبة، وموجات العنف التي عصفت ببلدان عربية عدة، إلى أزمة كبيرة بشأن المفقودين لا سيما بسبب تراكم النزاعات والارتفاع الرهيب في أعداد المفقودين ليس فقط بسبب الموجات الأخيرة من النزاعات في سورية واليمن والعراق، ولكن أيضا بسبب آلاف الحالات التي ما تزال مفتوحة من نزاعات سابقة عصفت بالمنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي في لبنان وفي منطقة الخليج في العراق والكويت وإيران.

ففي لبنان، خلّفت الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد في الفترة من 1975 إلى 1990 آلاف المفقودين. وتجاهد الأسر اللبنانية من أجل معرفة مصير الآلاف من أحبتها ممن ذهبوا في عداد المفقودين خلال سنوات الحرب.

وشكل المدنيون الغالبية العظمى من المفقودين. ونسبة كبيرة منهم من الشباب الذكور في العشرينيات من العمر ومن جنسيات عدة، لبنانية وسورية وفلسطينية وغيرها، ومن انتماءات دينية شتى، مسلمين ومسيحيين، وكذلك من انتماءات سياسية مختلفة.

وخلال الحرب ذاتها، تلقت اللجنة الدولية  طلبات للبحث عن المفقودين تقدمت بها عائلات اختفى أقاربها. وبرغم التوصل إلى حل لبعض الحالات، ما زال مصير الآلاف مجهولا منذ أن وضعت الحرب أوزارها وحتى يومنا هذا.

وشكل غياب آلية وطنية لمعالجة قضية المفقودين وعدم وجود قائمة رسمية شاملة للمفقودين عقبتان كبريان في ملف المفقودين في لبنان.

وقبل ثلاث سنوات أقر البرلمان اللبناني تشريعًا بشأن المفقودين والمخفيّين قسرًا. ويعد هذا التشريع، الذي خرج بعد نضال كبير من قبل أسر المفقودين، اعترافا بحقّ العائلات في الكشف عن مصير أحبّائها.

ونص التشريع، القانون رقم 105، على إنشاء هيئة وطنية مستقلّة بمهمة إنسانية بحتة وهي الكشف عن مصير المفقودين في لبنان وأماكن وجودهم. وتفاءل كثيرون بصدر هذا القانون بوصفة خطوة لمساعدة المجتمع على التصالح مع ماض مضطرب.

وفي العراق، أدّت النزاعات المسلحة المستمرة وموجات العنف في البلاد إلى فقدان مئات الآلاف من الأشخاص، وأصبح هذا البلد اليوم أحد الدول التي تضم أكبر عددٍ من المفقودين في العالم.

وتبحث الأسر العراقية عن أحبتها المفقودين منذ العام 1980، الذي شهد بداية النزاع المسلح بين العراق وإيران واستمر طيلة ثماني سنوات.

وقد وباشرت بعثة اللجنة الدولية  في العراق الحوار مع السلطات المعنية والأطراف ذات الصلة بملف المفقودين منذ العام 1991.

جدير بالذكر أن اللجنة الدولية ترأس لجنة ثلاثية بشأن المفقودين تضم الكويت والعراق وأخرى تضم إيران والعراق واللتان تهدفان لتوضيح أماكن تواجد هؤلاء المفقودين.

وتساهم اللجنة الدولية في دعم جهود كلتا السلطتين، العراقية والإيرانية، من خلال مبادلة الجثامين بين البلدين، وتدريب خبراء الطب الشرعي، وتوفير معدات متخصصة لمعامل الطب الشرعي في إيران والعراق. كما تساعد عوائل المفقودين من خلال خدمة إعادة الروابط الأسرية في تعقب أفراد عوائلهم الذين فقدوا خلال جميع فترات النزاع المسلّح.

وفي سورية، تتلمس عشرات الآلاف من العائلات أخبارًا عن أحبائها الذين فقدوا خلال النزاع المسلح الذي ضرب البلاد في السنوات العشرة الماضية.

وتقول اللجنة الدولية إن إحراز أي تقدم في المحادثات السياسية الخاصة بسورية يتعمد على اتخاذ قرارات إنسانية بشأن قضايا رئيسية مثل المفقودين والاحتجاز.

مشروع اللجنة الدولية

أطلقت اللجنة الدولية في العام 2018 «المشروع الخاص بالأشخاص المفقودين»، اقتناعًا منها بضرورة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية حول العالم من أجل تحسين الاستجابة العالمية لمعالجة مأساة المفقودين وأقاربهم.

تسعى هذه المبادرة، بالشراكة مع أطراف فاعلة أخرى، إلى جمع خبراء وممثلي العائلات وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين من جميع أنحاء العالم من أجل بناء توافق في الآراء بشأن أفضل الممارسات، وتعزيز المعايير التقنية القائمة وتطوير معايير جديدة، عند الضرورة.

وللجنة الدولية خبرة عريضة في ملف المفقودين، إذ إنها تعمل في عشرات البلدان والسياقات، ولديها سجلات خاصة بالأشخاص المفقودين في أكثر من 70 دولة كأرمينيا وأذربيجان والبوسنة والهرسك وبوروندي وشيلي وإثيوبيا والعراق والكويت وإيران وغيرها.

ويعكف «مشروع المفقودين» الآن على وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية العملية بشأن إنشاء آليات وطنية معنية بالمفقودين في ما يتصل بالنزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى.

ويوجد لدى اللجنة الدولية «الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين» وهي كيان محايد مُفوض بموجب اتفاقيات جنيف البحث عن المفقودين جراء النزاعات المسلحة. ولهذه الوكالة خبرة 150 عامًا في البحث عن المفقودين ولم شمل العائلات التي تشتت شملها.

وتمكنت الوكالة في العام 2018، من تسجيل أكثر من 45 ألف طلب لأشخاص مفقودين. وتقول اللجنة الدولية إن هذا الرقم ما هو إلا غيضٌ من فيض ولا يعكس الحجم الحقيقي للمشكلة ولا ينصف معاناة كل عائلة.

مبادرات إنسانية 

كراسي فارغة، عائلات تنتظر

عنوان مشروع أنجز لتخليد ذكرى المفقودين اللبنانيين، جرى بالتعاون بين اللّجنة الدوليّة  وجمعيّة “لنعمل من أجل المفقودين” (ACT) واستوديو أرضي شوكي.

تُمثّل هذه الكراسي الفراغ الذي خلّفه المفقودون عند اختفائهم وهي من تصميم أشقّاء أشخاص فُقدوا في لبنان جرّاء النزاعات المسلّحة منذ العام ١٩٧٥ وآبائهم وأمّهاتهم وزوجاتهم وبناتهم وأبنائهم وحتّى أحفادهم ومن تنفيذهم.

سجلات صور الأحباء

في جنوب السودان وباستخدام 2000 صورة شخصية، وجد ما يربو على 600 شخص أفراد عائلاتهم بعد أن شتتت الحرب شملهم.

تعمل اللجنة الدولية على التقاط صور للأفراد في أماكن متفرقة في جنوب السودان وإثيوبيا. وتنتقل سجلات هذه الصور وتطوف عبر مخيمات اللاجئين في خمسة بلدان هي: السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو.

يتصفَّح الأشخاص الذين فقدوا الاتصال بأحبائهم سجل الصور بحثًا عن أفراد عائلاتهم. وإذا ما شاهدوا صورة لأحد أقاربهم، يجري التحقق من العلاقة العائلية عبر توجيه عدة أسئلة، ثم يتم التواصل بين الطرفين عبر مكالمة هاتفية أو رسالة مكتوبة. أما إذا كان الشخص الذي انفصل عن عائلته قاصرًا أو من البالغين المستضعفين، فإنه يتم جمعه بعائلته في جنوب السودان بموافقة جميع الأطراف.

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا