Close

ميريلا حديب: النزاع في اليمن تجاوز كل قواعد قانون الحرب

العدد 65

ميريلا حديب: النزاع في اليمن تجاوز كل قواعد قانون الحرب

بعد أشهر معدودة من اندلاع النزاع المسلح في اليمن، سبقت الأزمة الإنسانية في البلد المنكوب غيرها من الأزمات، وصارت الأكبر عالميًّا مع ازدياد أعداد المتضررين من القتال الضاري، إذ قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص في حرب طاحنة، قوضت البنية التحتية، وأوقعت البلاد تحت موجتين من وباء الكوليرا، ودمرت الاقتصاد المحلي، فأنهكت السكان المدنيين الذين صارت الأغلبية الكاسحة منهم، 24 مليونًا، في حاجة ماسة للمساعدات.

في هذا الحوار نلتقي مع ميريلا حديب، التي أنهت مؤخرًا مهمتها في اليمن بوصفها الناطقة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتشرح لنا الملامح الأساسية للأزمة الإنسانية في البلاد. 

النزاع في اليمن مستمر منذ أربع سنوات، وقد اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت مبكر للغاية النزاع في البلاد بمثابة أكبر أزمة إنسانية في العالم. ما الأسباب التي دفعت اللجنة الدولية لإطلاق هذا التوصيف مبكرًا؟

– اليمن من قبل الأزمة الأخيرة هو بلد مأزوم، هو من أفقر البلدان العربية على الإطلاق، ومرت عليه سلسلة من الحروب الداخلية، وآخر موجة في سلسلة الأزمات والنزاعات هو النزاع الذي بدأ في العام 2015. وبعد أشهر قليلة من بداية النزاع الحالي اتضح أن الحاجات الإنسانية ضخمة جدًّا لأنها أضيفت إلى أزمة إنسانية قائمة أصلا في البلاد. يمكن القول إنه بعد شهور قليلة من بداية النزاع، أي في بداية العام 2016، بدأت الأمور تتضح، وبدأنا نستعمل هذا التعبير «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» لوصف الوضع في اليمن.

أي متابعة حتى ولو عابرة للوضع في اليمن ستجد أن هناك مشاكل وأزمات وتحديات مستمرة، وهناك تحديات كبرى تظهر في بعض الأحيان ثم تختفي مثل الكوليرا، فما هي أبرز ملامح الأزمة الإنسانية في اليمن، نتحدث هنا عن الخطوط العريضة لهذه المأساة الإنسانية.

– لنبدأ بالإنسان اليمني. الشعب اليمني صار بغالبيته شعبًا مريضًا وجائعًا ومشردًا، منذ بداية النزاع وحتى الآن، هناك تقريبًا 3 ملايين شخص، قد يكون الرقم أقل أو أكثر قليلًا بحسب حدة النزاع، تركوا بيوتهم وأصبحوا نازحين في مناطق البلاد المختلفة. هؤلاء النازحون يشكلون ضغطًا كبيرًا على البنى التحتية اليمنية التي هي في الأساس، بنى تحتية قديمة ومتهالكة. النزاع والنزوح يجعلان هذه البنى التحتية والصحية بوقتنا الحالي في حالة انهيار شبه كامل. لذلك نرى تفشي أمراض يفترض أنها اختفت في العالم وسُيطر عليها، كالكوليرا والدفتيريا والحصبة. من المعروف أن أحد أسباب الحصبة هو سوء التغذية. إننا أمام نظام انهار كليًّا وطبعًا كان لذلك تأثير كبير على الشعب اليمني، فكما قلت في الوضع الحالي للأسف لا نرى إلا جوعًا ومرضًا وتشردًا في اليمن.

تتحدثين هنا عن الجوع، أي نقص الحاجات الغذائية الأساسية للسكان المدنيين، هل هناك مناطق يبدو الوضع فيها أكثر حدة في توفير الاحتياجات الغذائية من مناطق أخرى؟ هل تختلف خريطة الجوع في البلاد؟

– طبعًا. للجوع أبعاد كثيرة، لا تكمن الأزمة في اليمن في شح الطعام فقط. فالطعام متوفر، وإن كان قليلًا، ولكن القدرة الشرائية ضعيفة ما يمنع الكثيرين من شراء احتياجاتهم الغذائية. والطعام القليل سببه تحديات دخول وخروج البضائع لليمن. هناك قيود فرضتها الحرب على نقل الغذاء من مكان إلى مكان. بُعد آخر للجوع باليمن يكمن في اختلاف حدة الأزمة بين المناطق، فتقترن ظاهرة الجوع بالمناطق التي تقع عند خطوط تماس، هناك يصعب الوضع الإنساني والأمني. ويزداد الجوع في المناطق التي شهدت نزوحًا سكانيًّا كبيرًا إليها.
التنقل أيضًا باليمن صعب والمسافات طويلة. ليس من السهل على الأسرة أن تهرب من منطقة نزاع إلى منطقة أكثر أمنًا. الطرقات المعبدة قبل الحرب لم تعد موجودة. الرحلة التي كانت تستغرق نصف ساعة قبل اندلاع النزاع، أصبح اجتيازها يحتاج إلى ست ساعات في دروب جبلية وعرة. 

لو انتقلنا من الجوع للوضع الصحي في البلاد، كيف تقيمين حال النظام الصحي في يمن الحرب؟

– النظام الصحي من أكثر القطاعات المتأثرة باليمن لعدة أسباب، فالنزاع جعل النظام الصحي يعمل بنصف كفاءته، في حين أنه كان يعمل قبل الحرب بكفاءة مائة في المائة، وأسباب ذلك عدة، منها طبعًا النزاع والأوضاع الأمنية. بعض المؤسسات الصحية تضررت أو تعرضت للدمار كليًا، وهذا مخالف للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على حماية المنشآت الطبية والصحية والعاملين الصحيين خلال النزاعات. لا ننسى أيضًا أن الحرب أجبرت بعض العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين على أن يتركوا أماكن عملهم. هناك قيود على الاستيراد تمنع وصول المواد الطبية والأغذية للبلاد. إذ لا تتوفر الآن سوى 30 في المائة من الأدوية والمواد الطبية التي يحتاج إليها المرضى.

قبل الحرب كان هناك نحو 40 مركز غسيل كلى باليمن، وبسبب النزاع انخفض العدد إلى 28 مركزًا. وحتى تكتمل المأساة، فإن مريض الفشل الكلوي يضطر لأن يسافر لمسافات بعيدة، تستغرق ساعة أو ساعتين أحيانًا، ليصل إلى أقرب مركز، وعندما يصل يضطر لانتظار دوره فترة طويلة. عالميًّا، يجري مريض الكلى عمليات الغسيل من ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًّا، وتستغرق كل جلسة من ثلاث إلى أربع ساعات. لكن في اليمن من غير الممكن أن يحدث هذا نظرًا للضغط الكبير. هناك طلب ولكن لا يوجد عرض. الجلسات تستمر تقريبًا لمدة ثلاث ساعات مرتين فقط بالأسبوع. فلك أن تتخيل طبيعة الأوضاع الصحية باليمن.

وسط هذا الوضع المأساوي، هل يمكن القول إن هناك قصص نجاح؟ مع أن هناك ضحايا، لكن احتواء وباء الكوليرا كان أمرًا يبعث على الأمل، وشاهدًا على قدرة اليمنيين على تطويق هذا الوضع الصحي المتدهور.

– أول موجة للكوليرا كانت في العام 2017 فاجأت الجميع لذلك كان عدد الوفيات كبيرًا. في العام 2018 و2019 تحسنت الأمور لأن المنظمات الإنسانية استعدت للموجات اللاحقة. هذه تعتبر أيضًا قصة نجاح للجنة الدولية للصليب الأحمر. في المراكز التي ندعمها بجميع أنحاء اليمن في 2019، رأينا انحسارًا كبيرًا لحالات مشتبه بإصابتها بالكوليرا. رصدنا تدنيًا ملحوظًا جدًّا لهذه الحالات.

سأنتقل إلى سؤال عن الأطراف المتحاربة في اليمن، اللجنة الدولية تحدثت بوضوح عن انتهاكات واضحة من قبل الأطراف المتحاربة للقانون الدولي الإنساني، وقد وجهت دعوة صريحة لهذه الأطراف تطلب منهم الامتثال إلى قواعد قانون الحرب. هل ترين أثرًا لهذه الدعوة؟ ما أهمية ما تفعله اللجنة الدولية من تذكير الأطراف المتحاربة بالتزاماتها القانونية؟

– القانون الدولي الإنساني يحدد أُطرًا للعمل العسكري خلال النزاعات ويسعى لتقليص الخسائر المدنية، ولكن باليمن للأسف نرى انتهاكات للقانون الدولي الإنساني من جميع الأطراف، وهذا يؤدي إلى خسائر إنسانية فادحة. الخسائر في صفوف المدنيين تولد نوعًا من المرارة، وتؤخر عملية المصالحة الوطنية. وهذا يجعل اللجنة الدولية تؤكد وستظل تؤكد أنها في حوار مستمر، قد لا يكون علنيًّا في كل الأوقات، مع كل أطراف النزاع ومع جميع داعمي الأطراف المتحاربة حتى يُحترم القانون الدولي الإنساني خلال العمليات العسكرية لتجنب استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، مستشفيات وعاملين صحيين، معامل كهرباء ومياه، مدارس، مساجد. لأن ذلك يقلص من الخسائر المدنية، ويفتح طريقًا للحل السياسي، ويساعد على إتمام المصالحة الوطنية بطريقة أكثر سلاسة. يجب أن نشدد على أن الحوار مع الأطراف مستمر وغير معلن عنه.

وعندما تتحدث اللجنة الدولية عن انتهاكات وتذكِّر أطراف النزاع بالتزاماتها تحت القانون الدولي الإنساني، فإن ذلك جزء من الحوار المستمر الذي يحدث وراء الكواليس مع أطراف النزاع باليمن وداعميهم، كي نؤكد احترام هذا القانون لتخفيف الخسائر المدنية باليمن.

ما هي التحديات التي رصدتها اللجنة الدولية في حوارها مع أطراف النزاع؟ وهل هناك أي ملامح إيجابية يمكن الحديث عنها؟
– مصطلح حوار بالأصل يعني شيئًا على مدى بعيد، لا نستطيع القول إنه ستحدث حلول سحرية. الحوار مع أطراف القتال في اليمن مستمر منذ أربع سنوات. ما نستطيع قوله إننا نرى في كثير من الأحيان بصيص أمل باليمن، المحادثات التي تمت بالنسبة لتبادل الأسرى، فكرة أن الفرقاء جلسوا على الطاولة نفسها تعني أنهم أعطوا أولوية للجانب الإنساني رغم خلافاتهم، هذا بصيص أمل. هناك بصيص أمل آخر يتمثل في أننا نرى في الخطاب السياسي للفرقاء وداعميهم تشديدًا على احترام القانون الدولي الإنساني، وبدأنا نرى وعيًا كبيرًا بالموضوع. ومثال على ذلك إطلاق سراح المحتجزين، ونقل أطفال من مأرب إلى صنعاء لإعادة لم شملهم مع عائلاتهم. بالرغم من حدة النزاع باليمن ومن أن البنادق لم تسكت بعد، عندما تكون هناك أوضاع إنسانية تحتم وجود حل إنساني لها، نجد أن الفرقاء يحترمون القانون الدولي الإنساني بهذا المجال.

فيما يتعلق بعملية تبادل المحتجزين، ما طبيعة الدور الذي تؤديه اللجنة الدولية في ضمان أن يتلقى المحتجزون معاملة إنسانية لائقة؟ وهل هناك أشكال تعاون بين اللجنة الدولية والمنظمات الإنسانية الأخرى التي تعمل في الملف؟

– تؤدي اللجنة الدولية دورًا محايدًا، ولديها باع طويل وخبرة طويلة في موضوع الاحتجاز في شتى أنحاء العالم، لذلك تلجأ أطراف النزاع، وحتى المنظمات الإنسانية الأخرى مثل الأمم المتحدة التي يمكنها أن تنخرط في مفاوضات أو مباحثات عن الموضوع، للجنة الدولية لتسهيل مثل هذه العمليات بحكم خبرتنا. الآن نحن مستعدون استعدادًا تامًّا من بعد اتفاق ستوكهولم [الذي نص على هدنة بين الأطراف المتحاربة في اليمن العام الماضي] كي نؤدي مهمة تبادل المحتجزين. استكملت كل تدابير إطلاق سراح ونقل محتجزين في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي. نحن ما زلنا في انتظار القوائم التي سيتفق عليها الأطراف للتبادل. نحن ليس لدينا أي سلطة ولا نريد أن يكون لنا أي تدخل في المباحثات والمفاوضات الخاصة بهذه اللوائح. دورنا تقني أكثر في هذا الموضوع، الفرقاء يتفقون على من سيطلق سراحه ونحن نؤمِّن الجانب التقني.

ما هي أهم الأنشطة التي تضطلع بها اللجنة الدولية في زيارة المحتجزين وتحسين أماكن الاحتجاز؟

– واحدة من المنظمات القليلة التي تستطيع دخول السجون وتطلع على الأوضاع وتهتم بتحسين أحوال المساجين هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. نحن نسعى لعمل ذلك في جميع أنحاء اليمن، في الشمال والجنوب، ونحن نعرف أن هذا الملف مهم جدًّا عند أطراف النزاع. في العام 2018 استفاد أكثر من 14 ألف محتجز من التحسينات بالأوضاع المعيشية في السجون أو مراكز الاعتقال أو الاحتجاز. عملنا في هذا الملف مستمر، وهو يعتمد على ثقة الأطراف باللجنة الدولية.

نحن لا نتحدث كثيرًا في الإعلام عن تفاصيل عملنا بملف الاحتجاز باليمن. هذا له سبب مهم جدًّا وهو أننا نريد أن نكسب ثقة واحترام جميع الأطراف، مثلًا إذا رأينا بسجن أو مكان احتجاز ما، بعض الخروقات، فنحن نعبر عنها بطريقة شفافة مع السلطات المعنية فقط وليس مع الإعلام. هذا أمر مهم حتى نستطيع الاستمرار في زيارة مراكز الاحتجاز ونلتقي بالمحتجزين، نحاول تسهيل اتصالهم بعائلاتهم عبر رسائل اللجنة الدولية أو عبر التليفون. كذلك فإن تحسين الأمور المعيشية بمراكز الاحتجاز، هو ملف دقيق ومهم جدًّا، هو من صميم عمل اللجنة الدولية، هذا هو الحمض النووي للجنة الدولية. نحن لا نتكلم في العلن ولكن الحوار مع سلطات الاحتجاز مستمر دائمًا ونرى أمورًا كثيرة تتحسن عند حدوث مثل هذا الحوار.

فيما يخص صورة اللجنة الدولية في اليمن، اللجنة الدولية موجودة في اليمن منذ الستينيات، وهناك قصص نجاح منذ عقود حول قبول اللجنة الدولية كوسيط محايد، هل هذه الصورة الإيجابية ما تزال مستمرة؟

اللجنة الدولية للصليب الأحمر موجودة باليمن منذ العام 1962، أي لدينا باع طويل في البلاد، الصورة المعروفة أنها منظمة محترمة تفي بوعودها والتزاماتها. ولكن اليمنيين يطالبون اللجنة الدولية بعمل المزيد. هذا طلب مبرر جدًّا ومشروع، لأن الاحتياجات الإنسانية باليمن عظيمة وكبيرة جدًّا. لا يمكن للجنة الدولية أو حتى المنظمات الإنسانية مجتمعة أن تلبيها. علينا أن نفسر للشعب اليمني أنه لدينا حدود في النهاية سواء بالنسبة للميزانية أو بالنسبة للعمالة، نحاول تغطية أكبر قدر من الاحتياجات بجميع أنحاء اليمن.

كذلك نحن نشارك اليمنيين الأحزان والأفراح. منذ العام 2012، فقدنا أربعة من زملائنا بينما هم يقدمون العون في الميدان. فقدنا الزميل حسين صالح في عدن، وفقدنا الزميلين عبد الكريم غازي ومحمد الحكمي في الشمال، وفقدنا الزميل اللبناني حنَّا لحود في تعز. جميعهم كانوا في مهمات ميدانية عندما استهدفوا. وأعتقد لذلك هناك علاقة مميزة بين اللجنة الدولية واليمنيين، فما يميزنا عن آخرين، غير مشاركة الأفراح والأتراح، هو أننا منظمة لها علاقة مباشرة بالميدان، نحن لا نعتمد على وسطاء، نحن موجودون بالميدان، موجودون في المستشفيات أو في أماكن توزيع المياه، موجودون على الأرض مع شركائنا في الهلال الأحمر اليمني. هذا ما يجعلنا قريبين من اليمنيين. قد يحدث في مرات أن ينتقدونا ويكونوا قاسين في انتقادهم، وفي بعض الأحيان يكون هذا الانتقاد مبررًا، لأنهم يعرفون مدى القرابة والتلاحم بين اللجنة الدولية والشعب اليمني.

في أوقات النزاع، هناك فئات يقع عليها العبء مضاعفًا، النساء مثلًا، هل يمكن أن تصفي لنا الصورة العامة لأوضاع النساء في اليمن؟

– أعتقد أن من أكثر الفئات المتضررة أو التي انعكس عليها النزاع وأدى إلى تغيير كبير في حياتها هنّ النساء اليمنيات. مكثت سنتين باليمن فتحت عينيَّ على أمور كثيرة بالنسبة للنساء اليمنيات، قد يراهن العالم الخارجي بنظرة لكن من يعرفهن يراهن بنظرة أخرى تمامًا. هن نموذج شجاع، هناك حركات تغيير كبيرة في العالم من أجل تمكين المرأة، وهي نماذج محمودة جدًّا لأنها أحدثت تغييرًا إيجابيًّا بحياة النساء في عدة مناطق، ولكن هناك نموذجًا يمنيًّا، هو ليس مطابقًا بالضرورة للنموذج الغربي أو حتى لنماذج أخرى في العالم العربي، التغيير يكون بطريقة ناعمة، طريقة النساء اليمنيات. كثيرات منهن مضطرات لإعالة عائلات بأكملها، أخوات وأولاد أخوات يعملون. والسبب هو النزاع، هجرة الذكور، الأوضاع الأمنية، فقدان المعيل، كل ذلك جعل النساء اليمنيات ينزلن للعمل، أنا أرى نماذج منهن في المكتب هنا [مقر اللجنة الدولية]. نساء يعُلن عائلات بأكملها.

نرى أيضًا نساء بدأن أفكارا لمشاريع صغيرة أكان طبخًا أو حرفيات أو حضانات أو أنشطة أخرى. متطوعات جمعية الهلال الأحمر اليمني لهن دور رئيس في عمليات الإغاثة وعمليات تدريب المتطوعين الآخرين. هناك نماذج لنساء حوامل يقطعن مسافات طويلة بين عدة قرى وقد لا يكون معهن أية أموال يدفعن بها أجرة السيارة، ويبقين من ست إلى سبع ساعات في الطريق حتى يصلن إلى مركز صحي لعمل كشف طبي أو للولادة. العمل النسوي باليمن لا يخفى على أحد وموجود منذ سنين طويلة، لكن أنا أرى أن النزاع عزز الأمور أكثر، النساء اليمنيات يحدثن تغييرًا عميقًا على طريقتهن، لا يتبنون أي نموذج من أي بلد آخر، التغيير العميق من داخل اليمن، من النساء اليمنيات اللاتي هن مثال للشجاعة والصبر.

في النهاية، يبقى سؤال، أنت مكثت في اليمن عامين، هل كانت هذه أول مرة تزورين فيها هذا البلد؟ ماذا كان تصورك عن اليمن قبل زيارتك؟

هي أول مرة أزور فيها اليمن. سمعت عن هذا البلد كثيرًا وكنت مسحورة به. والحقيقة زاد السحر عندما زرته. هو بلد صعب الفهم، وحتى لو مكثت عشر سنوات سيصعب عليَّ فهم اليمن كتركيبة سياسية ومجتمعية، ولكن هو بلد يسحرني ويفاجئني. بلد يعطيني مفاجآت سارة كل يوم.

تعلمت الكثير في اليمن، عن العالم وعن نفسي، وعن العمل الإنساني والنزاعات. أنا من بلد ممزق من الحروب، فقد ولدت وتربيت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لكن قدرة الحياة عند اللبنانيين هي نفسها إن لم تكن أكثر عند اليمنيين، مستوى تأقلمهم مع الأوضاع، مع قدرتهم على الذهاب إلى العمل كل يوم، قدرتهم على أن يبدعوا، وأن يحاولوا المساعدة. لدى اليمن مقومات عظيمة، ولكن لأسباب ما، هذه المقومات لا تبرز. الأمر الرائع بالنسبة لي هو أني تعرفت إلى هذا الشعب الخلاق والشجاع والصبور.

نشرنا في السنوات الأخيرة عدة مساهمات حول النزاع في اليمن والوضع الإنساني للسكان المدنيين في البلاد، انظر مثلا:

نزاع دامٍ يدخل عامه الخامس… هل من نهاية للحرب في اليمن؟

مسؤولة باللجنة الدولية: لا ننحاز لطرف على حساب آخر، ونحاول مد يد العون لليمنيين كافة

سلمى عودة، شريط الأخبار لا يكفي.. 20 مليون قصة يمنية بين الأمل والمعاناة

نشوان محمد السميري، لا أحد يبكي على مدن اليمن 

نبيل اليوسفي، الكوليرا تقتنص الأضعف في حرب اليمن

 

Share this article

Comments

There is no comments for now.

Leave a comment