أسطورة المحارب: حياة متجددة، وقوة لا تنفد

العدد 54

أسطورة المحارب: حياة متجددة، وقوة لا تنفد

ليست المواصفات الجسدية الخارقة فقط هي التي تشكل صورة المحارب في التراث الشعبي العربي، لكن التكوين النفسي الخارق أيضا.

يتحول المحارب إلى طائر يخترق الفضاء، ثم يهوي بسلاحه على عدوه، فيصرعه بضربة واحدة، منقذا أمته أو قبيلته أو دولته من فناء وشيك.

يمتطي المحارب صهوة جواده، ويقطع مسافات مقياسها الليالي والنهارات، ثم يصل إلى قلعة حصينة، سرعان ما تفقد أسوارها قوتها أمام شجاعته، ليقتحمها، منقذا حبيبته، عائدا بها إلى دياره، مؤكدا قدرته على حماية شرف القبيلة، فينال حرية تنهي أزمان عبوديته.

يواجه المحارب تنينا بألسنة نارية متعددة، وأياد تنبت من جديد كلما بترها سلاح، فيسدد ضربة واحدة في قلب التنين، دفاعا عن معتقده، أو دينه، فيصبح قديسا بين أبناء أمته.

يموت المحارب لكنه يحيا حياة متجددة أبدا في ضمير أمته. تصعد روحه إلى السماء، لكنها تبقى خالدة على الأرض في الأشعار والأغاني والموسيقى. تخفظ الرياح اسمه، ويتناقله القمر مع الشمس مع الجبال والوديان، ليبقى البطل جيلا بعد جيل، ولتزداد حكاياته غرابة جيلا بعد جيل، كل جيل يضيف إليها من روحه، فتكبر الأسطورة، وتتسع، وتطول، وتختلط فيها حكابات الحرب بحكايات الحب، وتصبح حكاية لا تنتهي، يغنيها شاعر الربابة في الليالي الصافية، أو تحتضنها كتب التراث، وتهدي جواهرها لقراء المستقبل.

قد تكون أساطير المحاربين مجرد أساطير، فيها مبالغات غير قابلة للتصديق، لكنها –على أي حال- تحمل قيم وأخلاق الحرب والمحاربين في أزمنة خلت. فالمحارب فيها يدافع عن قيمة، ولا يهدر –في المقابل- قيما أخرى من أجل أن ينتصر. فالنصر بالخديعة والعدر ليس نصرا، والنصر بلا شرف ليس نصرا، والنصر بلا احترام لإنسانية العدو –جريحا أو أسيرا أو قتيلا- ليس نصرا.

في الصفحات التالية، أسطورة المحارب.. حياة متجددة.. وقوة لا تنفد، مختارات من لوحات رسمها فنانون شعبيون على جدران تخليدا لأبطال أسطوريين وقيم إنسانية محفوظة في الوجدان الشعبي، اختارها الفنان الكبير الراحل محيي الدين اللباد، وشرح نصوصها طارق يوسف رابطا بينها والقانون الدولي الإنساني، مستخلصا الروابط بين القانون والتراث الشعبي، وأصدرتها اللجنة الدولية في كتاب “سير ورسوم شعبية” تخليدا لمبادئها الأساسية، في العام 1996، وصورها فوتوغرافيا كمال الدين خليفة.

الزناتي خليفة

قال الراوي: يا سادة يا كرام، الصلاة على النبي كنز السعادة. لما اشتد الصدام، بين الزناتي خليفة وفرسان بني هلال، وظلوا على هذا الحال، مدة طويلة من الزمان، جلس الزناتي يوماً يفكر مهموماً، فقالت له ابنته سعدة: إيه؟، والعاشق في جمال النبي يصلي عليه:

صلوا على الهادي دايما يا أسيادي

هو غايتي ومرادي كما تعلمون.

قال الراوي: وزي ما قلنا سابق، إن سعدة كانت بتشجع الزناتي على منازلة دياب، بعد ما ضربت الرمل، وطالعت النجوم، وعرفت أن موت أبيها مقدور له اليوم، على إيد دياب، كما هو مسطور في الكتاب. فلما التقى الخصمان، دياب والزناتي، وبدأ الضرب والطعان، اشتد الصدام، واهتزت الأرض تحت الأقدام، حتى أن الزناتي كر وفر، وطعن وضرب، وأبلى إلى أن صارت الشمس في قبة الفلك الأعلى، فخرج نجمه من الطالع، وحانت ساعته لا يمنعها مانع؛ فسحب دياب دبوسه ورماه، فأصاب رأس الزناتي وأدماه، وطير جميع أضراسه، فوقع على الأرض وهو يقول:

يقول أبو سعدة الزناتي خليفة لما صحى من بعد طعن الديب (دياب)

جرت دمعتي من مقلتي فوق وجنتي بقى الدم والدمع المشوب صبيب

أنا خمسة في الدنيا ما أعرف لهم دوا الأوله، غدر الزمان قريب

والتانية، شايب مايرجعش للصبا ولا اللبن الرايب يعود حليب

قال الراوي: وظل الزناتي ينشد ويقول، حتى وصل إلى فصل القول:

والخامسة، تزرع ابن آدم يقلعك إسأل مجرب لا تحتاجن طبيب

نادي حسن سلطان هلال بني عامر وقاله سلامتك م الجراح يا طبيب

والله أجيبلك يا زناتي مداوي يطبب جراحك أحسن التطبيب

وتبقى تجيني الدار تزورني وأزورك وأنا آجي لك في الديار قريب

واللي جرى بنا ومنك نسامحه نبقى حبايب والأمل بيجيب

قال الراوي: تململ الزناتي في مكانه، وقال لحسن: “إيه جابك ليّه؟، يا أبو العروض النضيفة، اضرب وخلص عليه، ليقولوا اتغلب خليفة”.

لو كنتوا جيتوني وأنا في الصغر من قبل ما أحني وشعري يشيب

لرجعتكم للشرق غصب بلا رضى وأمس قلبك يا حسن في لهيب

إلا أتيتم بعد ما كوسحت أنا وسهم المنية في الأصيل بيصيب

ولولا مُتّى (ميتتي)سابقة عند ربي ماكانش سبع البر، صابه ديب (دياب)

القصد:

للموت جلاله.

ولانكسار الفارس المحارب الجريح النازف المهزوم، جلال.

وللنزال، شرف وأعراف ومن شرف النزال أن المحارب يحني هامته باحترام، للموت والانكسار، ومهما كان العدو فله أحلام تموت معاه وله في ذمة التاريخ، تاريخ من حزن وانشراح، وحب وشوق، ومساحة حياه وله في غالب الأحوال أطفال وحبيبه ح تعد الليالي تستناه، وتتمناه يعود.

سيف بن ذي يزن

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

أما بعد، فهذه قصة الأمير سيف بن ذي يزن، الملقب بوحش الفلا، الفارس الكرار، والبطل المغوار، صاحب البطش والاقتدار، المنجد في وقت المحن، ومخمد الأسحار والفتن. وهي قصة غريبة الوجود، فاقت الخيال وتخطت الحدود.

قال الراوي: وبعد أن اجتمع شمل الأمير سيف بن ذي يزن، بأولاده في حمراء اليمن، وحمدوا الله على ما منّ به عليهم من المنن، أشار عليهم سيف أن يذهبوا جميعاً إلى مصر، وينزلوا في قلعة الجبل، فذهبوا إليها، ثم إن الحكيمة عاقلة انصرفت إلى استفتاء النجوم، وقراءة الطالع لكشف الغيوم، وكانت عاقلة عالمة بتلك العلوم.

وبعد برهة قصيرة من الزمن، عرفت ما كان من أسباب خراب المدن، فقالت لسيف بن ذي يزن: “أنت موعود بتمهيد مجرى النيل، فليس لعمارة هذه المدن من بديل”. فقال لها سيف: “وكيف يكون ذلك؟”.

فقالت له: “بأن تحضر كتاب النيل، الذي يعمر الممالك، ويحمي الناس من المهالك”.

فقال سيف: “لا أعرف أين وضعته، فقد فقدته لما ضيعت الأمانة”.

فقالت له أخته عاقصة: “أنا أعرف مكانه، فقد سرقه منك الحكيم سقرديس، لما تقابلتم في موقعة أبسيس، وأعطاه لسيف أرعد، ملك الحبشة والسودان، وهذا ناوله إلى وزيره بحر قفقان ليحفظه عند الكاهن السيسيبان”.

فقال سيف: “وكيف يمنع سيف أرعد الماء عن الناس؟”.

ثم جهز سيف الركب وسار، فقطع البلاد والأمصار، ليأتي بكتاب النيل، وعندما وصلوا إلى جبل في واد يقال له بركة السحرة وبطن البقرة، برق البرق، وزأر الرعد، وتطايرت شهب النيران، ثم ظهر الكاهن السيسبان، وقال لسيف: “إن كنت تريد كتاب النيل، فأظهر لي قدرتك في الميدان”. وسلط السيسبان على سيف الخوف فأبطله، ثم سلط سيف عليه الرجفة فأبطلها، فنزع السيسبان شعرة من رأسه، وجعلها حربة، فردها سيف إليه شعرة كما كانت، ثم جعلها سيف ثعباناً كأنه النخلة يمشي على بطنه، فردها السيسبان شعرة كما كانت.

فقال السيسبان لسيف: “أنت ند لي، فاطلب ما تشاء”؛ فقال له سيف: “أريد كتاب النيل، لأجري الماء، وأعمر المدن”؛ فقال له السيسبان: “لك ما أردت يا سيف بن ذي يزن”. وأعطاه كتاب النيل، فعاد سيف به، وأجرى المياه، وعمر البلاد، وأفاض بالخير على العباد، ثم دفن كتاب النيل، في المكان المسمى بالمقياس، الذي به قصر ابنته الملكة الروضة، فصان الكتاب من الضياع، وحماه من التيه في البقاع. ومنذ ذلك الحين والزمان، لم يتوقف النيل عن الجريان.

القصد:

بين الحياة .. والعدم نقطة المية

بين الموات .. والنما نقطة المية

والحرب غول أعمى جهول. إنما نقطة المية

لا يصح تبقى سلاح

ولا يجوز منعها في كافة الأحوال

فالمية حق مباح

زي الهوا، والشمس وضحكة الأطفال.

عنتر بن شداد

قال الراوي: كان عنترة العبسي فارسا لا يبارى، وكان أسود اللون، وقد جر عليه ذلك العنت والإنكار وجلب عليه الوبال والاحتقار، فرفض أبوه شداد نسبه، وأنكر بنوته، واستكثر عليه عمه مالك الاقتران بابنته عبلة لتكون زوجته، فكان في منزلة العبيد، يسوق النوق ضارباً في البيد، فشكا للجبال، وخاطب الرمال، بشعره الفصيح حين قال:

فإن عابوا سوادي عند ذكري وجاروا من عنادي في ملامي

فلي قلب أشد من الرواسي ولوني مثل لون المسك نام

وما أسموا بلون الجلد يوماً ولكن بالشجاعة والكلام

قال الراوي: وحدث في بعض الأيام، أن أغار بنو طيّ على مضارب الخيام، وأعملوا في بني عبس الضرب والطعان، حتى أشرفوا على الهلاك والخسران، فنادى شداد على عنترة وصاح به: “ويلك يا عبد السوء، أهذا يوم اشتغال مثلك برعي الأغنام؟ وقد سبيت النساء، وطرحت الرجال بين الخيام، وصرنا حديثاً بين الأنام”.

فقال عنترة: “يا مولاي، وما الذي أصنع؟” ثم ساق الغنم، وترك أباه وعمه يعضان أصابع الندم، فقال شداد: “إذا أردت فاركب اليوم جوادك، حتى تبلغ مرادك، واحمل على الأعداء وكر، وأنت بعد اليوم حر، أدخلك في نسبي، وألحقك بحسبي”.

وقال مالك: “احمل وخلص عبلة من هذه الظلمة، وأنا أكون لك عبد وهي لك أمة، فأزوجها لك”.

فلما سمع عنترة قول عمه، لبس عدة الحرب، وأقبل على عبلة ونجاها من المهالك، وسلمها لأبيها مالك، وعاد إلى الغار ونزل الغمار. فلما انتهى القتال بنصرة بني عبس، بعد أن صال عنترة وجال، ذهب إلى أبيه وعمه يطلب الوفاء بالوعد، فقال مالك: “لا وعد لعبد”، فلما سمع عنترة كلامه، غضب وحنق وجرد حسامه، ولوح به وهو يقول:

“لا أريد منكم نسباً ولا زماما، ولا أبا ولا أعماما، ولا أريد أبا غير هذا الحسام، ولا عما غير هذا الرمح المعتدل القوام”.

القصد:

لون العيون مالوش دلالة على دقة الإبصار..

ولا على جمال الصورة المنطبعة في المخيلة

والبشرة، لونها مش دليل على سعة القلب..

أو على ضيق أفق

والمعضلة

إن القلوب جوه الضلوع ماهيش منظورة للعيان

وإن جريان الدموع مش بالضرورة دليل على رقة الإنسان.

والمسألة

إن ابن آدم بعمله

وإن لون البشرة، أو لون العيون ماهوش دليل على أي شيء.

عبلة بنت مالك

قال الراوي: لما انتهى النزال والقتال بالنصر لبني عبس والخسران لبني كندة، تأخرت جموعهم وانهزمت مرتدة إلى مضارب الخيام، بعد أن أعمل فيهم عنترة سيف الانتقام، حتى ولوا الأدبار، ولاذوا بالفرار، مجللين بالعار.

وبعد أن جمع عنترة رجاله ونظم صفوفه ورتب أحواله، جمع النوق والجمال وحملها بالنساء والأطفال وأمر عشرة من الرجال بالسير مع القافلة لحمايتها، حتى تصل إلى وجهتها في أرض بني عبس، وتعود بسلام إلى مضارب الخيام.

وكانت عبلة بين النساء، فلما حانت ساعة الفراق بكت وذرفت الدمع على تفرق الجمع، وظلت تبكي وهي تقول: “الشمل مني أفترق، وقلبي التهب واحترق”؛ فذرف عنترة الدمع السخين بعد أن ودع عبلة وشد رحاله، وسار إلى وجهته مع رجاله، فلما بعدت المسافة بين الركبين، أنشد عنترة من الشعر بيتين:

جفون العذارى من خلال البراقع أحد من البيض الحداد القوطع

فيا نسمات الريح بالله خبري عبلة عن رجلي بأي المواضع

قال الراوي: هذا ما كان من أمر بني عبس، أما بنو كندة، فبعد هزيمتهم وانكسار شوكتهم قرروا الانتقام، وأضمروا الغدر فلما علموا بالأمر، وعرفوا أن عنترة ورجاله، افترقوا عن القافلة؛ وأن النساء والأطفال لم يعد معهم إلا عشرة من الرجال، حزموا أمرهم، وتحركوا من فورهم، ولحقوا بالقافلة؛ فتكاثروا على الرجال، وأفنوهم في الحال، وأخذوا النساء سبايا، وغنموا الأموال وساقوا الجمال، وعادوا بغنيمتهم إلى الأطلال.

فلما علم عنترة بالأمر طاش صوابه، وصار يتلظى على الجمر؛ فعاد مسرعاً في رجاله، يسابق الريح وهو ينشد ويقول:

ظبية القناص راعيك أتى أبشري بالنصر من سيف الفتى

إفرحي بالقرب يا كل المنى لا تقولي ما أتى ها قد أتى

وافهمي ما قلته من قصتي فمتى هذا التواني ومتى

حل كل الفرح في أرضكمو دائم الأوقات صيفاً وشتا.

القصد:

لما طبول الحرب تضرب..

ويصبح النزال قدر لا مهرب،

للنسوة والأطفال حقوق:

لا يصح تقتلهم، ولا يجوز لك تبهدلهم، ولا تهتك مساتيرهم، ولا تكشف دساتيرهم.

عند النزال والقتال..

يبقى الرجال للرجال

راجل، لراجل شرف،

والنسوة والأطفال، في وقت النزال، ماهماش طرف.

مار جرجس

السلام لك يا كوكب الصبح، السلام لك أيها العفيف المشتمل بالنور، السلام لك أيها الشجاع ذو الاسم المكرم الذي هو جرجس الجوهر المنقذ.

قال الراوي: لما ولد القديس جوارجيوس سنة 280 ميلادية، كان أبوه أنسطاسيوس واليا على كبادوكيه، وأمه ثاؤبستي من فلسطين.

ولما بلغ مارجرجس أربعة عشر عاما، استشهد والده بقطع رأسه، لأنه هكذا مكتوب له، فجميع الذين يريدون أن يعيشوا مسيحيين مضطهدون في تلك الأيام.

وعندما قام الامبراطور أقلاديانوس بهدم الكنائس، وحرق الكتب المقدسة، وحرمان العبيد من الحرية إذا هم كانوا مسيحيين، انتشر الاضطهاد في كل الربوع الرومانية.

حينئذ ظهر الملاك الجليل ميخائيل لمارجرجس، وأمره بالذهاب إلى الملك الذي أصدر أمره باضطهاد المسيحيين، وأنبأه بما سيناله من عذابات مريرة. ثم هكذا اختتم الملاك قوله: “تشجع يا جراجيوس، لا تخف يا جرجس، لأني معك في كل الشدائد”.

وبعد ما قام باكراً في الصباح، وزّع أولاً ثروته وممتلكاته التي كان قد ورثها، على الفقراء والمحتاجين، وبعد ذلك أبحر في سفينة إلى نيقوميديا بآسيا الصغرى للقاء الإمبراطور. ولما وصلت السفينة، شاهد رجال الامبراطور يحطمون أبواب الكنيسة، فذهب إلى حيث مجلس الملك. وللوقت، أقبل القديس وصاح بجرأة: “أيها الملك، وأنتم أيها الرومانيون، إلى متى تصبون غضبكم على المسيحيين الأبرار؟”. فاستشاط الملك غضباً وسأله: “من أنت؟ وكيف تجرأت بالدخول لهنا؟”. أجابه القديس: “أنا جرجس بن أنسطاسيوس والي فلسطين، وقد جئت لأخلص شعبي من عذاباته”.

فصاح الملك صيحة غضب، وأمر بأن يدخل القديس السجن. فمضى به العسكر إلى الداخل، وإذ دخل السجن أذاقوه صنوف العذاب، فمزقوا جسده، وجلدوه بالسياط، وألبسوه حذاء من الخشب به مسامير محماة بالنار في قدميه. وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه، ثم أمر الملك بأن يربط القديس بحبال مشدودة في دولاب كبير، غرست فيه سكاكين حادة وأشواك حديدية حتى تمزق جسده وتناثر لحمه، ولكن القديس، الذي هو نصير المضطهدين، يحتمل العذاب بشجاعة. وفيما هو كذلك، إذ ظهرت سحابة من رعد قوي، وسمع صوت عظيم قائلاً: “لا تخف يا جراجيورس فإني معك”.

وللوقت، شاهدوا القديس معافى ومحلولا من جميع تلك الرباطات التي ربط بها، وأخيراً ضاق صدر الملك بالقديس، الذي تلقى العذاب بشجاعة، وكتب قائلا: “إن جرجس المالطي المسمي نفسه جليلي (مسيحي) من مدينة كبادوكيه، رفض الملك، وتفوه ضد الآلهة، وأهلكها وكسرها بأعماله السحرية، فالآن أصدرنا قرارنا، بأخذ رأسه بحد السيف”. ونال القديس أكليل الشهادة، وكان عمره آنذاك 23 عاماً.

القصد:

ألم مرير، إنك تكون أسير

متقيدة حريتك وإيديك

لا النوم ولا الصحيان ولا الأحلام ملك إيديك

معزول عن العالم، واقف مكانك والحياة بتسير

السجن وحده عذاب

وهذا يكفي

ولو العذاب طال كف اللي بيعذب

كان كف عن تعذيب أخوه

وهذا وحده يكفي

كي يعود إنسان.

أبو زيد الهلالي

قال الراوي: كان أبو زيد في هذا الزمان، في مكة بلد الحبيب طه النبي العدنان، بيحارب العدا من ملة اليونان، اللي طغوا وهجموا على اخواله.

فلما رسولهم جاله، لبى أبو زيد الهلالي، وخلفه كل الهلايل، والنجع بات خالي من رجاله.

ولا موجودين في النجع إلا كبارهم رزق الأمير ويا الملك سرحان

وموجودين في النجع تمانين صبية بنات الهلايل دُبّل الأجفان

قال الراوي: لما الزعيم حنضل العقيلي، عرف بأن النجع خالي من الرجال، وكان ما بين العقيلية وبين بني هلال حرب ونزال وقتال، ركب على طول، ودقت الطبول، صلوا على طه الرسول:

حنضل زحف إلى نحو عرب الهلايل في غياب سلامة الفارس الولعان

هجم على نجع الهلايل يخربه في غياب أبو زيد يوقد النيران

هجموا عجايز بين هلال كبارهم فلايل فلايل

واشتغل ضرب القتال بقى الدم على الأرض سايل

قال الراوي: هذا ما كان من عربة بني هلال، وهذا ما جرى وكان؛ فبعد القتال والطعان، أخذ حنضل الصبايا، ثمانين صبية سبايا. ناحوا النساوين، وصبغوا الملابس طين، وقالوا نشتكي لمين؟ أين الرجال؟ . . وأين أبو زيد فارس بني هلال؟

قالوا: اكتبوا للي غايبين علشان يجونا يشوفونا

مات مين وللي عايش مين ومن البلا.. ينجدونا

كتبوا الجواب بالذي كان أتانا الملك العقيلي

ولم يترك إلا اللي فيه شيب بان وبدّل نهارنا بليلي

ركب العبيد بالجواب سار من نجد إلى مكة السعيدة

في القلب كاتم السّار في الجبل قايم ساعي ده

قال الراوي: أما ما كان من أمر العبد المبعوث بالجواب؛ فلما وصل سلم لأبو زيد الخطاب.

فتح الهلالي الجواب وقراه وشاف اللي فيه واللي حاصل

سلامة قال: الحمد لله ما جزعش م الأمر واصل

قال الراوي: قال أبو زيد يا رجال، قوموا وشدوا الرحال، هجموا العدا الأندال، على النسا والعيال، والندل ساعتن يحارب، يقتل صغير وشايب، ولا يخاف الملامة.

قال الهلالي سلامة:

لاخد بتار الهلايل وبناتنا ح نخلصوها

أنا اللي في الحرب قايل اعمارنا نهوّنوها.

القصد:

لو افتكر المحارب للحظة، إنه أب،

وإنه زوج وابن، وإنه في لحظة من اللحظات زمان، قلبه رقص بالحب،

وإن بنت الجيران، انتظرته ياما ورا الشباك،

وإن نفس النجمة اللي باح لها بسره زمان هناك

هي اللي فوقه الآن بتضوي في السما

لو افتكر للحظة، إن أول دقة حس بيها ف قلبه كانت دقة مش كدابه

لو حس كل ده ح يمتنع عن أنه يبقى ديب من الديابه

وح يعرف أن الحرب تتميز بلونها الكاكي

وساعتها يمكن يحترم تعدد الألوان.

وهذه هي المرة الخامسة التي تنظم فيها اللجنة الدولية هذه المس

الأميرة ذات الهمة

الحمد لله الذي جعل سير الأولين عبرة القوم الآخرين.

أما بعد، فهذه سيرة الأميرة ذات الهمة، ذات التاريخ المنظوم، والسيرة المسطرة في الحروب بين العرب والروم، فهي التي قادت البلاد، وأبلت بلاء غير مسبوق في الحرب والجلاد، فملكت قلوب العباد، ولجأ الناس إليها في كل ملمه، حتى لقبوها بذات الهمة، ونعتوها بداهية العرب أو “دلهمّه”.

قال الراوي: فلما تزوج جدها الصحصاح من ابنة عمه ليلى، وأنجب منها ولدين، سمى الأكبر ظالم والأصغر مظلوم. لما جاءته الرؤية وهو نائم، بأن الأكبر سيكون للأصغر ظالم. فلما شب الولدان، تحققت النبوءة، وكان ما كان، من ظلم ظالم لمظلوم في كل آن وشأن.

ودارت دورة الزمان، فتزوج الولدان، وأنجب ظالم ولدا سمّاه الحارث، أما مظلوم، فقد رزق بابنة سمّاها فاطمة. فخشى مظلوم من شماتة أخيه، ولعن الزمن وتصاريف الدهر فيه، فأنكر البنت وأخفاها، ودفع بها إلى مرضعة تتولاها، وتقوم على تربيتها، فنشأت فاطمة بعيدة عن بيتها، منكرة من أبيها، كأنها الفضيحة أراد أن يخفيها. ولكن فاطمة عندما كبرت، ذاع صيتها واشتهرت، برجاحة العقل والبطولة، وكان ما كان من وقائع وأحداث مهولة.

فأصبحت الفتاة التي أنكرها أبوها، فاطمة بنت مظلوم، قائدة جيوش العرب في حروب الروم، ومخلصة أرضهم من المعتدين، الروم البيزنطيين، فسبحان علام الغيوب، خالق المرأة والرجل من نفس الطين.

القصد:

في الحرب..

المرأة بتشيل قد ما بيشيل راجلها مرتين،

في الحرب..

أهوال القتال والضرب موزعة على الطرفين.. بنفس القدر

ويزيد على المرأة شئون البيت،

وأحوال الولاد،

وخلق جو من الأمان، يسمح لأولادها يناموا ويحلموا

“بغد سعيد”، و “نهار جديد”

الأم مدرسة إذا…

وإذا أداة للشرط، أو الإختيار

فهل نعيد للمرأة كل الإعتبار؟

ولاّ نعيد السيرة من تاني؟

من أول: الحمد لله الذي جعل سير الأولين…

حتى: خلق المرأة والرجل من نفس الطين!

نُشر هذا الموضوع في العدد الـ 54 من مجلة الإنساني الصادر في ربيع/ صيف 2012، ضمن محور العدد «عزيزي الأديب: إنها الحرب».

اقرأ أيضا:

سيد ضيف الله، الجماعة الشعبية وصياغة قواعد أخلاقية لحروب السيرة الهلالية

أخلاقيات القتال في السير الشعبية العربية، حملة جديدة للجنة الدولية للصليب الأحمر

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا