للتغير المناخي العالمي آثار بادية للعيان على البيئة، ما بين تقلص الكتل الجليدية، وتكسر الجليد الذي يكسو الأنهار والبحيرات قبل موعده، وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحار، واشتداد حدة موجات الحرارة، وتغيُّر النطاقات الجغرافية للنباتات والحيوانات، هذا فضلًا عن الأشجار التي تُزهر قبل أوانها. كل تلك التبعات تنبَّأ بها علماء المناخ قبل حدوثها بسنوات طويلة.
ويتفق معظم علماء المناخ أن السبب الرئيس لظاهرة «الاحترار العالمي» (Global Warming) الحالية هو ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بفعل ازدياد معدل «الاحتباس الحراري» جراء النشاط البشري. وتحدث هذه الظاهرة عندما يحبس الغلاف الجوي للأرض الحرارة المنبعثة من الأرض ويمنع نفاذها إلى الفضاء. ويحذر هؤلاء العلماء من أن درجات الحرارة عالميًّا ستواصل الارتفاع لعقود قادمة، ومردُّ ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى الغازات الدفيئة التي تنتج عن الأنشطة البشرية.
وبلغة الأرقام، تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)- التي تتألف من فريق من 1300 خبير علمي مستقل من مختلف دول العالم وتعمل تحت رعاية الأمم المتحدة – ارتفاعًا في درجات الحرارة بمقدار 4,22 درجة مئوية.
ووفقًا للهيئة الدولية للمناخ، وهي أكبر جهة دولية تُعنى بدراسة تغير المناخ وآثاره، يُتوقع أن يستمر تغير المناخ العالمي على مدار القرن الحالي وما بعده، ويعتمد حجم التغير المناخي في المقام الأول، فيما بعد العقود القليلة المقبلة، على كمية انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، ومدى حساسية مناخ الأرض لهذه الانبعاثات.
وتقول الهيئة الدولية للمناخ إن لكل منطقة حظها من التغير المناخي، إذ إن آثاره ليست واحدة على كل مناطق العالم. فالتبعات تختلف من منطقة إلى أخرى، بحسب موقعها الجغرافي، أو بحسب قدرة المنطقة وأنظمتها الاجتماعية والبيئية على التكيف مع التغير المناخي أو التخفيف من آثاره.
وتتوقع الهيئة الدولية للمناخ أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار أقل درجة مئوية وحتى 3 درجات مئوية فوق مستويات حرارة العام 1990، سينتج آثارًا مختلطة في نفعها وضررها، بحسب المنطقة، لكن «بشكل مُجمل، تشير الأدلة المنشورة إلى ترجيح ارتفاع صافي تكاليف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، وإلى زيادتها بمرور الوقت».
وفي تقريرها الصادر في العام 2018، قالت الهيئة إن الحد من الاحترار العالمي ليكون 1.5 درجة مئوية بدلًا من درجتين مئويتين مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية، سيحقق فوائد حقيقية للبشر وسبل كسب الرزق والنظم البيئية الطبيعية. ويتطلب الوصول لهذا الهدف إحداث تغييرات غير مسبوقة في جميع قطاعات المجتمع.
كيف يحدث التغير المناخي؟
توصف الغازات المعمرة التي تظل بشكل شبه دائم في الغلاف الجوي ولا تستجيب فيزيائيًّا أو كيميائيًّا للتغيرات في درجة الحرارة بأنها عوامل «مُستحِثة» لتغير المناخ. أما الغازات التي تستجيب فيزيائيًّا أو كيميائيًّا للتغيرات في درجة الحرارة مثل بخار الماء فيُنظر إليها على أنها «تأثيرات تفاعلية».
وتشمل الغازات التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري ما يلي:
بخار الماء: وهو أكثر غازات الاحتباس الحراري وفرة، ولكن الأهم أنه في حد ذاته تأثير تفاعلي للمناخ. ويزداد بخار الماء كلما ارتفعت درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، ولكن تزداد أيضًا إمكانية تشكل السحب وتساقط الأمطار، وهذه العمليات من أهم آليات التأثيرات التفاعلية لظاهرة الاحتباس الحراري.
ثاني أكسيد الكربون: وهو مكوِّن بالغ الأهمية في تركيب الغلاف الجوي للأرض رغم نسبته الضئيلة فيه. ويُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي عبر عمليات طبيعيَّة، مثل التنفس والثورات البركانية، ومن خلال الأنشطة البشرية مثل إزالة الغابات، والتغير في استخدام الأراضي، وحرق الوقود الأحفوري. وبفعل التأثير البشري، ازداد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسبة تجاوزت الثلث منذ قيام الثورة الصناعية. ويُعد هذا أهم عامل «مُستحِث» لتغير المناخ.
الميثان: وهو غاز هيدروكربوني ينتج من مصادر طبيعية ومن أنشطة بشرية، بما في ذلك تحلل المخلفات في مكبات النفايات، ومن الأنشطة الزراعية ولا سيما زراعة الأرز، ومن عمليتي الهضم لدى الحيوانات المجترة وإدارة مخلفاتها العضوية المرتبطتين بتربية الماشية المنزلية. وإذا عقدنا مقارنة بين السمات الجزيئية لغازي الميثان وثاني أكسيد الكربون، فإن الأول أكثر نشاطًا من الثاني، غير أنه أقل وفرة في الغلاف الجوي.
أكسيد النيتروز: وهو من غازات الاحتباس الحراري القوية الذي يُولَّد من ممارسات الزراعة بالتربة، وبخاصة من استخدام الأسمدة التجارية والعضوية، واحتراق الوقود الأحفوري، وإنتاج حمض النيتريك، وحرق الكتلة الحيوية.
مركبات الكلورفلوركربون (CFCs): وهي مركبات تخليقية منشؤها صناعي بالكامل وتستخدم في عدد من التطبيقات، غير أن إنتاجها وانبعاثاتها إلى الغلاف الجوي ينظمهما إلى حد كبير اتفاق دولي، وذلك بسبب قدرتها على الإسهام في تدمير طبقة الأوزون. وهذه المركبات من غازات الاحتباس الحراري أيضًا.
تتسبب الأنشطة البشرية على الأرض في إحداث تغيير في غازات الاحتباس الحراري الطبيعية. وعلى مدار القرن الماضي، أسفر حرق أنواع الوقود الأحفوري كالفحم والنفط عن زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. ويعود السبب في ذلك إلى أن عملية حرق الفحم أو النفط تنطوي على اتحاد الكربون بالأكسجين في الهواء لتكوين غاز ثاني أكسيد الكربون. وأدى تمهيد الأرض للزراعة، والأنشطة الصناعية، وغيرهما من الأنشطة البشرية، وإن كان بدرجة أقل، إلى زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري. ومع أنه من العسير التنبؤ بطبيعة التبعات التي قد يخلفها تغير غازات الاحتباس الحراري الطبيعية في الغلاف الجوي، لكن من المرجح حدوث آثار معيَّنة مثل:
- ارتفاع في متوسط درجة حرارة الأرض. وقد يُعد ارتفاع درجات الحرارة تغيرًا إيجابيًّا في بعض المناطق، بينما لا يكون الأمر كذلك في مناطق أخرى.
- من الممكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر والهطول بشكل عام، ولكن أثر ذلك يختلف من منطقة إلى أخرى؛ فبعض المناطق تصبح أكثر رطوبة والبعض الآخر أكثر جفافًا.
- سيسفر عن اشتداد ظاهرة الاحتباس الحراري ارتفاع درجة حرارة المحيطات وإذابة الكتل الجليدية وغيرها من الأسطح الجليدية جزئيًّا، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار. ويؤدي ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات إلى تمددها، الأمر الذي يسهم إلى حد أبعد في ارتفاع مستوى سطح البحر.
في الوقت ذاته قد تستجيب بعض المحاصيل والنباتات الأخرى إيجابيًّا لزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويظهر أثر ذلك في نموها النشط واستهلاكها الأكثر كفاءة للماء. وقد يُغير ارتفاع درجات الحرارة وتقلُّب أنماط المناخ طبيعة المناطق التي تنمو فيها المحاصيل على أفضل وجه، فضلًا عن التأثير على بنية المجتمعات النباتية الطبيعية.
دور النشاط البشري
خلص تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن هناك احتمالًا تتجاوز نسبته 95 بالمائة أن يكون النشاط البشري على مدار الخمسين عامًا الماضية مسؤولًا عن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا.
فقد أدت الأنشطة الصناعية الحديثة إلى زيادة مستويات تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو من 280 إلى 400 جزء بالمليون خلال المائة وخمسين عامًا الماضية. وخلُصت الهيئة أيضًا إلى أن ثمة احتمالًا يتجاوز 95 بالمائة أن الارتفاع الملاحظ في درجات الحرارة على كوكب الأرض على مدى الخمسين عامًا الماضية مرده إلى غازات الاحتباس الحراري التي تُنتَج بفعل النشاط البشري مثل ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز.
الإشعاعات الشمسية
لعل من المعقول أن نُسلِّم أن التغيرات في الناتج من طاقة الشمس من شأنها تغيير المناخ، ذلك أن الشمس هي المصدر الأساسي للطاقة التي تحرك نظامنا المناخي.
وتظهر الدراسات أن التغيُّرية الشمسية أدت دورًا في التغيرات المناخية فيما مضى. فمثلًا، يُعتقد أن انخفاض النشاط الشمسي كان السبب وراء ظاهرة العصر الجليدي الصغير خلال الفترة بين 1650 و1850 تقريبًا، عندما شق الجليد طريقه إلى غرينلاند بين عامي 1410 و 1720، وامتدت الأنهار الجليدية إلى جبال الألب.
غير أن أدلة متعددة تظهر أن الاحترار العالمي الحالي لا يمكن أن نعزوه إلى التغيرات في الطاقة التي تأتينا من الشمس، ومن هذه الأدلة نسوق ما يلي:
منذ عام 1750، ظل متوسط مقدار الطاقة القادمة من الشمس إما ثابتًا أو زاد بنسبة ضئيلة.
إذا كان الاحترار ناجمًا عن ارتفاع النشاط الشمسي، لتوقع العلماء ارتفاع درجات حرارة طبقات الغلاف الجوي كافة، ولكنهم لاحظوا بدلًا من ذلك انخفاض درجة حرارة الغلاف الجوي العلوي، واحترار سطح الأرض والأجزاء السفلى من الغلاف الجوي. وسبب ذلك أن غازات الاحتباس الحراري تحبس الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.
لا تستطيع النماذج المناخية التي تتضمن تغيرات في الإشعاعات الشمسية أن تستنسخ الاتجاه الملاحَظ لدرجات الحرارة على مدار القرن الماضي أو قبل ذلك من دون تضمين ارتفاع غازات الاحتباس الحراري.
* مصدر المعلومات:
١- موقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
٢- موقع التغير المناخي على وكالة ناسا
https://climate.nasa.gov/
نُشر هذا الموضوع في العدد 65 من مجلة «الإنساني» الصادر في ربيع وصيف 2019، ضمن ملف حول تغير المناخ والنزاعات المسلحة. للاطلاع على محتويات العدد انقر هنا ولتصفح العدد إلكترونيا انقر هنا
تعليقات