تشير تقديرات خبراء بيئيين إلى أن مصر واحدة من أكثر الدول التي تواجه تحدي التغير المناخي، فارتفاع منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط يهدد بغرق أجزاء من الدلتا المصرية، مصدر الغذاء الرئيس في البلاد، علاوة على الضغوط التي يفرضها ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل وعلى الموارد المائية.
خلال السنوات الماضية، شهدت مصر تقلبات حادة وغير معتادة في المناخ، فقد رُصدت موجات شديدة البرودة في فصل الشتاء أدت إلى هطول أمطار غزيرة وسيول في سيناء والصحراء الشرقية. وفي العام 2015، تسببت الأمطار الكثيفة في غرق قرية «عفونة» في محافظة البحيرة (شمال مصر)، علاوة على توقف الحياة في مناطق بمحافظة الإسكندرية. كما شهدت البلاد ارتفاعًا في درجات الحرارة في فصل الصيف، وزيادة حدة العواصف الترابية خلال فصلي الخريف والربيع، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات نتيجة تطرف المناخ، وإلى تلف بعض المحاصيل الزراعية.
هذه التغيرات تشير إلى ما يقوله خبراء بأن مصر من أكثر دول العالم تعرضًا لتهديدات ومخاطر التغيرات المناخية. وتشمل هذه المخاطر ارتفاع سطح البحر المتوسط بما يعني غرق أجزاء من الدلتا، وهي منطقة محورية ومسؤولة بشكل كبير عن تأمين جزء كبير من الغذاء لنحو مئة مليون نسمة هم سكان البلاد. ولمصر ساحل طويل على البحر المتوسط يمتد لمسافة نحو ألف كيلو متر مربع. كما تشمل المخاطر انخفاضًا في تدفقات مياه نهر النيل، ما يعمق من أزمة الفقر المائي في البلاد علاوة على تأثيرات سلبية قد تؤدي إلى تدهور الصحة العامة.
ويرصد محمد الراعي، وهو أستاذ الدراسات البيئية بجامعة الإسكندرية، ما تعرضت له البلاد خلال السنوات القليلة الماضية من ارتفاع في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، وزيادة في الطقس المتطرف من سيول وعواصف رملية وغيرها، فضلًا عن الارتفاع النسبي في مستوى سطح البحر في بعض المناطق بدلتا النيل، ما أدى إلى زيادة معدلات الملوحة في التربة بتلك المناطق، وفي البحيرات الشمالية ما أدى بدوره إلى نقص الإنتاجية الزراعية والسمكية، ونزوح بعض الأيدي العاملة إلى الصعيد للبحث عن أراضٍ زراعية أكثر خصوبة.
هجمة على الساحل
ويقول الراعي «إن التحذير من مخاطر التغير المناخي على مصر ليس جديدًا. فقد أجريت منذ سنوات طويلة دراسات تفصيلية حول التحديات التي تواجه موارد البلاد جراء التغيرات المناخية». ويوضح، «نشرنا في العام 2004 دراسة، بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حذرت من مخاطر التغير المناخي على المناطق الساحلية في مصر. ما تنبئنا به من أخطار الملوحة في الأراضي الزراعية، وقلة الإنتاجية الزراعية والسمكية حدثت بالفعل في محافظة كفر الشيخ (شمال شرق) وبحيرات مثل المنزلة والبرلس». وضعت الدراسة «التنمية والتغير المناخي في مصر» سيناريوهات مستقبلية عدة للمدن الساحلية الأربع الإسكندرية وبورسعيد ودمياط ورشيد بناء على معدل ارتفاع مستوى سطح البحر خلال أعوام 2010 والتوقعات لعامي2025 و2050.
توقعت الدراسة أن تكون قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة هي الأكثر تأثرًا من التغيرات المناخية في الإسكندرية، حيث حذرت أنه في حالة ارتفاع سطح البحر 0.5 متر فقط، فإن الإسكندرية ستفقد نحو 30 في المئةمن أراضيها، وسيضطر أكثر من مليون ونصف مليون شخص للبحث عن مكان آخر للسكن، كما سيصل حجم الخسارة في الوظائف إلى قرابة مئتي ألف وظيفة، ما يعني خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات.
ويتفق خالد فهمي، وهو وزير مصري سابق للبيئة، مع ما سبق معتبرا «أن المناطق الساحلية الشمالية في مصر هي الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية». ويضيف: «علينا أن نستعد لمواجهة السيناريوهات الأكثر تشاؤما، في ما يتعلق بشح المياه، وتأثيرها على الأرض الزراعية في منطقة الدلتا، ما يستدعي سرعة العمل على استنباط سلالات محاصيل زراعية مقاومة للجفاف والملوحة والتوسع في زراعتها، فضلًا عن تحسين سلالات بعض الحيوانات التي تتحمل الظروف الصعبة والمراعي قليلة الجودة».
مياه النيل في خطر
في العام 2016، أطلقت الحكومة استراتيجية تنموية مستقبلية بعنوان «رؤية مصر 2030»، وكان من أبرز التحديات التي بلورتها هذه الاستراتيجية تحدي إدارة الثروة المائية في البلاد لا سيما في ظل ثبات أو تناقص حصة مصر من المياه مع زيادة عدد السكان. وتعتمد مصر اعتمادًا كبيرًا على مياه نهر النيل كمصدر أساس للمياه العذبة في استخدامات الشرب والزراعة وغيرهما من الأنشطة. ويقول خبراء إن نهر النيل أيضًا سيتأثر بالتغيرات المناخية، ومخاطر ذلك ستنعكس على الأمن المائي والغذائي في مصر. ويذكر الراعي أن ارتفاع درجة الحرارة نتيجة التغيرات المناخية سيؤدي إلى زيادة معدلات تبخر مياه النيل، ما يعني حدوث انخفاض في تدفقات النهر تصل إلى أكثر من النصف في المائة. وتبلغ معدلات البخر الحالية في خزان أسوان نحو 10 في المئة. من ناحية أخرى، فمن شأن ارتفاع درجة الحرارة أن يزيد من الحاجة إلى المياه، سواء في استخدامات السكان أو النشاط الصناعي أو الزراعي، وهي الأنشطة التي تستهلك معظم المياه النظيفة.
ويطرح الراعي سيناريوهات محتملة لتأثير المناخ على الأمن الغذائي، إذ يحتمل أن يؤدي نقص المياه إلى انخفاض في إنتاجية محصولي القمح والذرة من 10 إلى 20 في المئة بحلول العام 2060. الوجه الآخر من الصورة لا يقل قتامة، إذ يتوقع خبراء بأن ترتفع معدلات هطول الأمطار على المرتفعات الإثيوبية والنيل الأزرق، وبالتالي زيادة التدفقات المائية من 15 إلى 25 في المئة، ما يعني احتمال تعرض المصريين المتمركزين حول الدلتا ووادي النيل، إلى خطورة الفيضانات، علاوة على ما تمثله هذه التدفقات المائية من أثر سلبي على النشاط الزراعي في البلاد.
وإضافة إلى تحدي تأثير التغير المناخي على مياه النيل، تخوض مصر منذ سنوات مفاوضات شاقة مع إثيوبيا بخصوص سد تبنيه الأخيرة على النيل وتأمل أن يوفر لها الكهرباء، لكن القاهرة تقول إن السد يهدد حصتها من مياه النهر الذي يعد شريان الحياة بالنسبة لها. ويترك خبراء الباب مفتوحًا للسيناريو الأسوأ وهو أن يتحول الخلاف حول الموارد المائية بين دول حوض النيل إلى نزاع مسلح.
مبادرات حكومية
تخوض الإدارة المصرية سباقًا مع الزمن من أجل تنفيذ خطط طموحة لمواجهة تحديات التغير المناخي في مصر. ويقول شريف عبد الرحيم الذي يرأس وحدة مسؤولة عن التغيرات المناخية في وزارة البيئة المصرية «إن الإجراءات العاجلة التي نفذتها الحكومة المصرية من أجل صد مياه البحر ومنعها من غمر الشواطئ شملت بناء حوائط بحرية، وحواجز غاطسة مع التغذية الصناعية للشواطئ بالرمال لتعويض نحر الشواطئ، وتثبيت التربة لمنع تداخل مياه البحر في اليابس لحماية المباني والمنشآت وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي في العديد من المدن الساحلية من السلوم غربي مصر إلى رفح في شرقي البلاد.»
أما بالنسبة لبرامج التكيف لمواجهة مخاطر التغير المناخي على نهر النيل، فيقول عبد الرحيم إن الحكومة تحاول جاهدة تحسين وتطوير شبكات التوزيع من مواسير ومحابس وخزانات وغيرها، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالج، مع الاستفادة القصوى من مياه السيول والأمطار والتي تقدر بنحو 1.3-1.5 مليار متر مكعب سنويًّا، من خلال تدابير عدة أهمها التوسع في إنشاء السدود والخزانات لتجميع هذه المياه، واستخدامها في الشرب أو الزراعة أو تخزينها لحين الاستفادة منها.
نُشر هذا الموضوع في العدد 65 من مجلة «الإنساني» الصادر في ربيع وصيف 2019، ضمن ملف حول تغير المناخ والنزاعات المسلحة. للاطلاع على محتويات العدد انقر هنا ولتصفح العدد إلكترونيا انقر هنا
تعليقات