جذور ضبط النفس في الحرب-عرض كتاب

العدد 65 / قانون الحرب

جذور ضبط النفس في الحرب-عرض كتاب

يستند هذا التقرير المهم إلى بحث تجريبي أجراه باحثون مستقلون بتكليف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل تحديد جذور ضبط النفس في العمليات العسكرية تحديدًا أفضل.

ويعني مفهوم «ضبط النفس»: السلوك الذي يشير إلى أفعال متعمدة للحد من استخدام العنف. بكلمات أخرى سعت الدراسة إلى استقصاء العوامل التي تحفز حاملي السلاح من جميع الأطراف على الحفاظ على حد أدنى من الإنسانية واحترام القانون حتى في خضم المعارك. وتشمل انتهاكات قانون الحرب الأكثر شيوعًا التي يشهدها عالم اليوم الاعتداءات على غير المقاتلين، والهجمات غير المتناسبة، واستخدام الأسلحة العشوائية الأثر، والنزوح القسري، والعنف الجنسي، والهجمات على البنية التحتية للرعاية الصحية وموظفيها.

وخلال السنوات الماضية، لوحظ أن ومع شيوع انتهاكات قانون الحرب، لكن تعمد بعض الأطراف المتحاربة على احترام القانون الدولي الإنساني. فمثلا في أثناء اشتباك ثلاثي بين الأطراف الفاعلة المسلحة في بلدة كودوك، جنوب السودان، في نيسان/أبريل 2017، تعرضت البلدة بأكملها للنهب باستثناء المستشفى. وتبرز هذه الحالة من ضبط النفس بشكل ملحوظ من بين حالات نهب المرافق الصحية وتدميرها التي ميزت العنف الذي تعاني منه البلاد على مدار السنوات الماضية. 

وتكمن أهمية الدراسة في أنها تدرك التحول الكبير الذي طرأ على النزاعات التي عالم اليوم، إذ تتسم بانخراط عدد كبير من الأطراف الفاعلة المسلحة ذات الأهداف والإيديولوجيات المختلفة فيها. وفي السابق، كانت أدوات اللجنة الدولية في الحوار مع الأطراف المسلحة يكمن في التركيز على قيادة الجيوش او المنظمات المسلحة، بحيث يحظى القانون الدولي الإنساني بالتقدير والاحترام عبر سلسلة القيادة، ويكون لدى كل وحدة قتالية معرفة أساسية بالأعراف القانونية. لكن طبيعة النزاع المسلح قد تغيرت في العقد ونصف العقد الماضيين، ولاسيما من حيث انتشار المجموعات المسلحة غير التابعة لدولة ما التي ليس لها هيكل هرمي مركزي يمكن من خلاله نقل قواعد القانون الدولي الإنساني إلى أفرادها وتدريبهم عليها.

وقد شهد عدد النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم ارتفاعًا كبيرًا. ووفقًا للتصنيف القانوني للجنة الدولية، تجاوز عدد النزاعات المسلحة غير الدولية الضعف بين عامي 2001 و2016 من أقل من 30 نزاعًا إلى أكثر من 70 نزاعًا. بالإضافة إلى ذلك، ازداد عدد الأطراف المتحاربة في هذه النزاعات ازديادًا كبيرًا. وتظهر بيانات اللجنة الدولية أن ثلث النزاعات اليوم تدور بين طرفين متحاربين، وأن 44 في المئة منها تضم ما بين ثلاث وتسع قوى متعارضة متنازعة، و22 في المئة منها تضم أكثر من عشر قوى. ويوجد في بعض النزاعات مئات الأطراف، ففي نهاية الحرب في ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر 2011، سُجلت 236 مجموعة مسلحة منفصلة في مدينة مصراتة وحدها، وذكر مركز كارتر أنه كان هناك ما يربو على ألف مجموعة مسلحة تقاتل في سوريا في عام 2014. وتؤدي الأعداد الكبيرة إلى تعقيد الجهود المبذولة لفهم طبيعة هذه المجموعات المسلحة والتعامل معها.

نتائج أساسية

توصلت الدراسة إلى أن إدماج القانون في عقيدة القوات المسلحة والمجموعات المسلحة ذات التنظيم المركزي يرفع من درجة ضبط النفس في ساحة القتال. وتحدث كثافة التدريب وكيفية تدريس الأعراف فرقًا، ويكون أفضل اختبار للالتزام في حالة التعرض للضغوط. لكن من ناحية أخرى، فاقتصار التركيز على القانون لا يُعد امرًا فعالاً في التأثير على سلوك الأطراف المتحاربة.

الخلاصة أن القانون يكتسب زخمًا أكبر عن طريق ربطه بالأعراف والقيم المحلية. ويُعد دور القانون أمرًا حيويًا في وضع المعايير، إلا أن تشجيع الأفراد على استيعاب القيم التي يمثلها عن طريق ترسيخ المفاهيم يمثل طريقة أكثر استمرارية لتعزيز ضبط النفس.

كما ذكرت الدراسة أن فهم بنية المجموعات المسلحة هو الخطوة الأولى في تحديد مصادر التأثير المحتملة على سلوكها. وكلما اتسمت المجموعة المسلحة بمزيد من اللامركزية، كانت مصادر التأثير عليها خارجية على نحو أكبر. كما أن التركيز على ضبط النفس والعنف يعني أننا نوسع نطاق فهمنا للأشخاص أو الأشياء التي توثر على السلوك. ويمكن أن يساعد تحليل أنماط العنف في تحديد الحالات التي تمت فيها ممارسة ضبط النفس. كما لاحظت الدراسة أن الشباب يشكلون الجزء الأكبر من المقاتلين في الوقت الراهن وفي المستقبل.

ومن الضروري إيجاد طرق مبتكرة ومعدلة محليًا لتعزيز أعراف الإنسانية بينهم، بما في ذلك عبر الوسائط الرقمية. ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة أيضا أن الكيانات الخارجية تستطيع التأثير على سلوك القوات المسلحة والمجموعات المسلحة. ويؤدي تجريم تعامل اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت الإنسانية واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻣﻊ المجموعات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻜﺴﻴﺔ ويعرقل اﻟﺠﻬﻮد اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﺣﺘﺮام الأعراف الإنسانية.

اقرأ أيضا: 

جلوريا جاجيولي- هل يحظر القانون الدولي الإنساني المعاصر استخدام أسلوب الحصار العسكري؟

في متناول اليد…تبسيط مفاهيم القانون الدولي الإنساني للإعلاميين

مائة وخمسون عامًا على إعلان بطرسبورغ… أول اتفاقية دولية تنظم استخدام الأسلحة زمن الحرب

صدور الطبعة العربية لكتاب مرجعي للباحثين والطلاب حول القانون الدولي الإنساني

أصل ومبادئ وتحديات… حوار حول القانون الدولي الإنساني مع المستشار عمر مكي

إيريك تالبوت جنسن- تحدي قابل للتحقق… إضفاء الطابع الإنساني على الأسلحة الذاتية التشغيل

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا