قصص مروعة…رائحة الدم والتراب في مخيم الهول

العدد 65 / من الميدان

قصص مروعة…رائحة الدم والتراب في مخيم الهول

سارا الزوقري

ذهبت سارا الزوقري إلى مخيم الهول من أجل تقديم يد العون إلى النازحين هناك. وهناك التقت نساءً وأطفالًا ورجالًا، استمعت إليهم وهم يروون بعضًا من تفاصيل التجارب القاسية التي مروا بها. هنا تشارك معنا سارا بعض مما رأته وسمعته في المخيم

منذ اللحظة التي تطأ فيها قدماك أرض مخيم الهول ينتابك شعور غريب، ترى أعدادًا غفيرة من الناس على مدى البصر، أكثر من أربعة وسبعين ألف شخص داخل المخيم، فيما المزيد منهم يفترشون الطريق.

الظروف هنا بالغة القسوة، ولست متأكدة من قدرة المخيم والعاملين فيه على مواجهة تدفق النازحين المستمر وتغطية احتياجاتهم. منطقة الاستقبال هي الأشد قسوة، إذ يمكث بها كل الوافدين الجدد حتى يحصلوا على الخيام ويُنقلوا إلى أقسام أخرى. 

طفلة في مخيم الهول ترفع صفحة تحمل ما رسمته. تصوير مي سعد

أينما أولي وجهي، فثمة نساء وأطفال.

أسمع صغارًا يبكون، وأرى نساءً يعتصرهن الألم من جروحهن، وأشعر برياح تهب، وأشم رائحة الدم والتراب والأرض. كلها تندمج معًا.

وضع من الصعب جدًا شرحه. إذ يتسم بالفوضى ويبعث على حزن شديد. نساء وأطفال ينامون في كل مكان دون فراش أو أغطية. كنت حذرة للغاية أثناء المشي، خائفة من أن تدوس قدماي يدي شخص أو قدميه. وما ظننته للحظة مجموعة من الأكياس البلاستيكية الملقاة في أحد الأركان، تبين أنها طفلان نائمان.

كان أكثر من ألفي شخص قد وصلوا في ساعة متأخرة من الليل في حالة مُرَوّعة، معظمهم مصابون بجروح بالغة. بينما كنت أتجول، رأيت طفلة لطيفة جدًا تطعم شقيقها الصغير، اسمه عبد الله. كان عبد الله في غاية الوداعة، وَجْهَه بشوش، ربما لأنه لا يدرك أين هو أو ماذا يحدث حوله. أمسك بخنصري، ولعبت معه فيما تتناول أخته طعامها. كانت أمهما قد ذهبت لإحضار الماء.

عندما نهضت، رفعت سيدة يدها تناديني، كانت بشرتها في سمرتي أو أدكن قليلًا، وعيناها بلون فَيْرُوزِيّ جَذّاب.كانت مستلقية على الأرض مصابةً بجروحٍ في ساقها، تسألني عما إذا كنت من [اللجنة الدولية لـ] الصليب الأحمر. أجبتها بنعم.

قالت لي إنها تبحث عن طفليها. لقد أصيبت أثناء سيرها في الصحراء. أخبرتني أن من كانت تسير برفقتهم ربما ظنوا أنها ماتت، فأخذوا صغيريها وواصلوا سيرهم.

كانت الرمال تغطيها، ولا تذكر كيف نجت. كانت تعاني من ألم شديد، وبالكاد تقوى على الكلام. سيطر على تفكيرها مصير ابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات وابنها الأصغر.

في الخلفية كان طفل يصرخ ويصرخ، يبكي وينادي أمه فيما كان المسعفون يضمدون جراحه.

أحسست و كأن صوته اخترقني. بالقرب منه طفل آخر مصاب بشظايا يتلقى العلاج أيضًا. ومع ذلك فإنه لم يبك حتى مع إنهاكه الشديد. كانت عيناه حمراوين تعبران عن مدى تألمه. كان منهكا لدرجة أنه لم يذرف دمعةً. رأيت العديد من النساء الحوامل أو من وضعن طفلًا للتو. تحدثت إلى إحداهن وأخبرتني عن تعرُّضها للإجهاض، إذ فقدت جنينها بمجرد وصولها للمخيم قبل يومين.كانت لا تزال تنزف ولم تستطع الحصول على المساعدة الفورية.

لم تكن هناك مسعفة من العاملين في مجال الرعاية الصحية عند وصولها فجرًا، لم تقبل أن يساعدها رجل، فضلت الانتظار الى أن تصل المسعفة, فكان عليها الانتظار لساعات قبل أن تحصل على بعض المساعدة.

وأشارت أيضًا إلى امرأة أخرى تجلس على الأرض، تحمل طفلًا حديث الولادة في يديها. قالت إنها وضعته وهي في طريقها في الصحراء، وقد أحاطها آخرون لتغطيتها أثناء المخاض. 

**تحمل قصص رحلات سكان المخيم تفاصيل يصعب تصديقها، فقد اضطروا إلى عبور خطوط الجبهة التي يحتدم فيها القتال، والمشي تحت القصف لساعات طويلة، بل استغرق البعض أيامًا في الصحراء، وهم يعرفون بوجود ألغام وأجسام غير متفجرة في طريقهم.

كان الجوّ باردًا وليس معهم سوى القليل من الطعام والماء.

قالوا إن الأمر كان مخيفًا، في جو قارس البرودة وظلام حالِك، تشتت شملهم عن عائلاتهم وفقدوا أحباءهم في الطريق.

كانت امرأتان تبكيان بصوت خافت وبجوارهما أطفال نائمون. كانوا حفاة، ارتدوا ملابس ممزقة ومتسخة.

اقتربت منهما فأخبرتاني عن أطفالهما الثلاثة الذين فقدتاهم في الطريق، لكن كل ما قالتاه إن أطفالهما لم يستطيعوا إتمام الرحلة، خسرناهم. 

بينما أتجول في هذا المخيم الضخم، أسمع الكثير من اللهجات، لهجات عربية، ولغات أجنبية كذلك. وهناك كثير من النساء من جميع أنحاء العالم، من آسيا وأفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. هناك لغات أعرفها، وأخرى لا أعرفها، وهناك بلدان أتوا منها بالكاد كنت أعرف بوجودها على الخريطة. 

تساءلت بعض النسوة عما إذا كان بإمكانهن العودة إلى بلدانهن، بينما استفسرت أخريات عما إذا كن سيرحلّن. وكن يخبرنني عن مرض أطفالهن وعن عدم توفر رعاية طبية كافية. وهذا صحيح، كن محقات، لا تتوفر رعاية طبية كافية، ولا يوجد ما يكفي من الطعام ولا المياه ولا توجد خيام كافية لإيوائهن.

نحن نعمل في المخيم إلى جانب جمعية «الهلال الأحمر العربي السوري». نقدم العديد من الخدمات وفرقنا تبذل قصارى جهدها بالفعل في ظل ظروف صعبة للغاية.

صورة من شباط/ فبراير الماضي للوجبات التي تعدها اللجنة الدولية للنازخين في مخيم الهول. تصوير: سينثيا لي.

أنشأنا مطبخًا جماعيًا يقدم وجبات ساخنة لأولئك الذين وصلوا للتو وأولئك الذين لا يزالون بانتظار الحصول على خيام. تدفق الناس بأعداد كبيرة، جائعين ومنهكين، فقد قدمنا أكثر من 338 ألف وجبة كما أننا مستمرين بتقديم ما يقارب عشرة آلاف وجبة يوميًا. 

نوزع كذلك مياه الشرب ونقيم الخزانات، كما قدمنا أكثر من 460 ألف لتر مياه من خلال نقل المياه بالشاحنات.
نعمل على توسيع المخيم ونصب الخيام لهم، وتجهيز المراحيض المتنقلة.

أما على مستوى الرعاية الصحية، فلدينا وحدة متنقلة تعالج المرضى والجرحى، ويمكنك أن ترى النساء والأطفال ينتظرون في صفوف طويلة من أجل أن يفحصهم الأطباء والممرضون. كما أننا افتتحنا مؤخرًا مستشفى ميداني لعلاج جرحى الحرب والمرضى.

تسجل فرقنا أيضًا جميع حالات الأشخاص الذين يبحثون عن أفراد من أسرهم: الأزواج والأبناء والبنات، ويمكنك فقط تخيل عدد الأشخاص الذين اتصلوا بنا بحثًا عن أحبائهم.

ولكن مع كل ما نقدمه، وتقدمه جهات فاعلة أخرى أيضًا، لا يزال الأمر غير كافٍ. هناك حاجة إلى بذل المزيد، فالوضع طارِئ حقًا.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا