ليس للحرب نواميس في اليمن، ففي عشية أو ضحاها قد يجد عشرات المدنيين أنفسهم فجأة تحت أنقاض مدن كانت عامرة بالحركة قبل أشهر قليلة مضت. ومع استمرار القتال، ترتفع كلفة الحرب على المدنيين، ويزاد تدمير الأعيان المدنية والبنية التحتية لأغلب المدن اليمنية.
كلمة «مروِّعة» هي الكلمة التي لجأت إليها بعض التقارير الصحافية لوصف النتائج المدمرة لما فعله قصف الطيران على مدن اليمن. لقد انسحبت وكالات الإغاثة تاركة البلاد في شح حاد في أسرَّة المستشفيات والمعدات الطبية. وقد أصاب نحو ثلث الغارات الجوية المدنيين في حواضر المدن اليمنية. كما استهدف بعضها المدارس والمستشفيات. وتحصي دراسة أنه خلال الحرب في اليمن وقع 942 هجومًا على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين، و144 هجومًا على أسواق، و147 هجومًا على مدارس، و26 هجومًا على جامعات، و378 هجومًا على وسائل مواصلات.
لقد ظلَّ استهداف المدن والممتلكات العامة والخاصة نمطًا مألوفًا خلال النزاع الجاري في اليمن. ففي تعز وحدها تعرضت أسواق مزدحمة وأحياء سكنية ومستشفيات ومدارس إلى قصف مدفعي متكرر بقذائف الهاون ومدفعية وصواريخ غراد. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تعرض حيُّ سوق الهنود، أحد أحياء مدينة الحديدة الساحلية (226 كيلو غرب صنعاء) للقصف. وتحولت بعض مساكنه المجاورة للقصر الجمهوري نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي إلى ركام يرزح تحته عشرات القتلى والجرحى.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو نصف مستشفيات مدينة تعز توقفت عن العمل بسبب نقص الإمدادات أو الوقود أو جراء تضرر المرافق أثناء القتال. وقد ازداد الوضع سوءًا مع استمرار المعارك واشتدادها. لقد فقدت مدينة تعز، العامرة بأسواقها وشوارعها المكتظة والحيَّة وعراقة أحيائها، نكهة السلام ودبيب الحياة اليومية المألوف والصاخب. وتحول كثير من مبانيها إلى أطلال تسكنها الأشباح، واحتلت طوابير النساء والأطفال للبحث عن الماء وغاز الطهي والطعام حيِّزًا كبيرًا من المشهد اليومي في شوارع المدينة. فقد ودعت تلك الأرصفة منذ عامين تقريبًا – إلى أجل قد يطول أو يقصر- الإحساس المدهش بالاستقبال اليومي المبهج لشروق الشمس وولادة يوم جديد. وفيما أخذت مدينة عدن ومدن أخرى في الجنوب في التعافي ببطء من موجة الدمار التي عصفت بها بفعل السعي إلى السيطرة عليها العام 2015، ما زالت مدنٌ عديدة اليوم تقاسي ويلات الحرب والدمار في تهديدٍ جدِّي لقلة قليلة باقية من ملامحها وإنسانيتها.
أصول الأزمة
منذ آذار/ مارس من العام الماضي، يشهد اليمن – أشد البلدان العربية فقرًا وذو الخمسة والعشرين مليون نسمة – نزاعًا مسلحًا نتج عن انقسام سياسي حادٍ وأزمة سياسية خانقة سبَّبها الصراع على السلطة، أو كان هذا عنوانها الأبرز. وفي الواقع، أضاع اليمنيون فرصة ذهبية للخروج من عنق الزجاجة بعد تداعيات «الربيع العربي» تمثلت في مخرجات «مؤتمر الحوار الوطني» التي لاقت إجماع مختلف القوى السياسية في العام 2013. لكن جاءت أزمة العام 2014 لتربك المشهد السياسي برمته، وتُدخِل البلادَ في أتون صراع مسلح أوشك على إتمام عامه الثاني دون أي بارقة أمل لإنهائه. ومع استمرار القتال وفشل كل محاولات التفاوض والتسوية التي رعتها الأمم المتحدة حتى الآن؛ تزداد كلفة الحرب على المدنيين؛ وتتنامى بعد إزهاق أرواح أكثر من عشرة آلاف شخص، وإصابة آلاف آخرين حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، وتدمير كثير من الممتلكات العامة والخاصة، فيما تشير التقارير إلى نزوح أكثر من ثمانية ملايين شخص خارج منازلهم.
أثر بعد عين
تركَّز الصراع المسلح في اليمن منذ اندلاعه في بعض المدن الكبرى، ولم يمنع هذا انتشار تداعيات القتال المفزعة إلى مناطق البلاد المختلفة. عانى اليمن ريفًا وحضرًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أو على مستويات الأمن النفسي والجسدي والغذائي للمواطنين. فقد دكت آلة الحرب دون هوادة تلك المكتسبات التنموية التي حظي بها اليمنيون بمشقةٍ وجهدٍ بالغيْن خلال عقود ما بعد ثورة العام 1962، وأصبحت المباني الحكومية والعسكرية والمدارس والمشافي ومنازل المواطنين أهدافًا عسكرية محتملة، حتى مدينة صنعاء القديمة المحمية ضمن التراث العالمي لم تسلم بعض أبنيتها التاريخية من التدمير. طمس القتال بعضًا من أهم معالم المدن التي ألفها الناس، خاصة التاريخية منها مثل «العرضي»، مقر وزارة الدفاع حاليًّا، وهو من مآثر الأتراك في اليمن. فيما تحول غيره من الأبنية في بعض مناطق النزاع إلى أثرٍ بعد عين. كما تعرضت البنية التحتية، مثل الشوارع والجسور، للضرر، سواء داخل المدن أو تلك القليلة التي شكلت – حتى وقت قريب – شريانًا ضروريًّا يربط بين المدن. وبينما يصبح التوجس والقلق هو السمة النفسية الغالبة لتنقل الناس في شوارع المدن اليمنية، يتحول الأمر إلى خوفٍ حقيقي جوار المعسكرات أو المرافق، خاصة الحكومية، المعرضة للاستهداف.
وفي بعض مدن اليمن، لم يعد هناك مكان آمن، فالحيز العمراني مُعَرض باستمرار لخطر القصف والتدمير. ويمكن بسهولة ويسر رصد الدمار المؤلم الذي يحدثه القتال في مدن مثل صنعاء وتعز وغيرهما. كما أن معاناة السكان في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجَّة بفعل القصف والمواجهات لا تقل إيلامًا ومأساوية، وهي الغائب الأبرز عن المشهد الإعلامي المتاح.
ويدفع المدنيون في كل مدن اليمن وقراه ثمنًا باهظًا لا يستهان به في حرب باتت عبثية تأبى الصمت احترامًا لكرامة الإنسان. وفي ظل انشغال المتحاربين اليوم بالصراع المسلح، يبرز تهديد جدي مستمر من نوع آخر عنوانه التنظيمات المسلحة الموسومة بـ«الإرهابية»، إذ يسعى هؤلاء للاستفادة من حدوث أي فراغ أمني أو عسكري، وهو ما وقع بالفعل في جنوب اليمن في أبين وحضرموت خلال العامين الماضيين.
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
لقد ظلَّ استهداف المدن والممتلكات العامة والخاصة نمطًا مألوفًا خلال النزاع الجاري في اليمن. ففي تعز وحدها تعرضت أسواق مزدحمة وأحياء سكنية ومستشفيات ومدارس إلى قصف مدفعي متكرر بقذائف الهاون ومدفعية وصواريخ غراد. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تعرض حيُّ سوق الهنود، أحد أحياء مدينة الحديدة الساحلية (226 كيلو غرب صنعاء) للقصف. وتحولت بعض مساكنه المجاورة للقصر الجمهوري نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي إلى ركام يرزح تحته عشرات القتلى والجرحى.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو نصف مستشفيات مدينة تعز توقفت عن العمل بسبب نقص الإمدادات أو الوقود أو جراء تضرر المرافق أثناء القتال. وقد ازداد الوضع سوءًا مع استمرار المعارك واشتدادها. لقد فقدت مدينة تعز، العامرة بأسواقها وشوارعها المكتظة والحيَّة وعراقة أحيائها، نكهة السلام ودبيب الحياة اليومية المألوف والصاخب. وتحول كثير من مبانيها إلى أطلال تسكنها الأشباح، واحتلت طوابير النساء والأطفال للبحث عن الماء وغاز الطهي والطعام حيِّزًا كبيرًا من المشهد اليومي في شوارع المدينة. فقد ودعت تلك الأرصفة منذ عامين تقريبًا – إلى أجل قد يطول أو يقصر- الإحساس المدهش بالاستقبال اليومي المبهج لشروق الشمس وولادة يوم جديد. وفيما أخذت مدينة عدن ومدن أخرى في الجنوب في التعافي ببطء من موجة الدمار التي عصفت بها بفعل السعي إلى السيطرة عليها العام 2015، ما زالت مدنٌ عديدة اليوم تقاسي ويلات الحرب والدمار في تهديدٍ جدِّي لقلة قليلة باقية من ملامحها وإنسانيتها.
أصول الأزمة
منذ آذار/ مارس من العام الماضي، يشهد اليمن – أشد البلدان العربية فقرًا وذو الخمسة والعشرين مليون نسمة – نزاعًا مسلحًا نتج عن انقسام سياسي حادٍ وأزمة سياسية خانقة سبَّبها الصراع على السلطة، أو كان هذا عنوانها الأبرز. وفي الواقع، أضاع اليمنيون فرصة ذهبية للخروج من عنق الزجاجة بعد تداعيات «الربيع العربي» تمثلت في مخرجات «مؤتمر الحوار الوطني» التي لاقت إجماع مختلف القوى السياسية في العام 2013. لكن جاءت أزمة العام 2014 لتربك المشهد السياسي برمته، وتُدخِل البلادَ في أتون صراع مسلح أوشك على إتمام عامه الثاني دون أي بارقة أمل لإنهائه. ومع استمرار القتال وفشل كل محاولات التفاوض والتسوية التي رعتها الأمم المتحدة حتى الآن؛ تزداد كلفة الحرب على المدنيين؛ وتتنامى بعد إزهاق أرواح أكثر من عشرة آلاف شخص، وإصابة آلاف آخرين حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، وتدمير كثير من الممتلكات العامة والخاصة، فيما تشير التقارير إلى نزوح أكثر من ثمانية ملايين شخص خارج منازلهم.
أثر بعد عين
تركَّز الصراع المسلح في اليمن منذ اندلاعه في بعض المدن الكبرى، ولم يمنع هذا انتشار تداعيات القتال المفزعة إلى مناطق البلاد المختلفة. عانى اليمن ريفًا وحضرًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أو على مستويات الأمن النفسي والجسدي والغذائي للمواطنين. فقد دكت آلة الحرب دون هوادة تلك المكتسبات التنموية التي حظي بها اليمنيون بمشقةٍ وجهدٍ بالغيْن خلال عقود ما بعد ثورة العام 1962، وأصبحت المباني الحكومية والعسكرية والمدارس والمشافي ومنازل المواطنين أهدافًا عسكرية محتملة، حتى مدينة صنعاء القديمة المحمية ضمن التراث العالمي لم تسلم بعض أبنيتها التاريخية من التدمير. طمس القتال بعضًا من أهم معالم المدن التي ألفها الناس، خاصة التاريخية منها مثل «العرضي»، مقر وزارة الدفاع حاليًّا، وهو من مآثر الأتراك في اليمن. فيما تحول غيره من الأبنية في بعض مناطق النزاع إلى أثرٍ بعد عين. كما تعرضت البنية التحتية، مثل الشوارع والجسور، للضرر، سواء داخل المدن أو تلك القليلة التي شكلت – حتى وقت قريب – شريانًا ضروريًّا يربط بين المدن. وبينما يصبح التوجس والقلق هو السمة النفسية الغالبة لتنقل الناس في شوارع المدن اليمنية، يتحول الأمر إلى خوفٍ حقيقي جوار المعسكرات أو المرافق، خاصة الحكومية، المعرضة للاستهداف.
وفي بعض مدن اليمن، لم يعد هناك مكان آمن، فالحيز العمراني مُعَرض باستمرار لخطر القصف والتدمير. ويمكن بسهولة ويسر رصد الدمار المؤلم الذي يحدثه القتال في مدن مثل صنعاء وتعز وغيرهما. كما أن معاناة السكان في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجَّة بفعل القصف والمواجهات لا تقل إيلامًا ومأساوية، وهي الغائب الأبرز عن المشهد الإعلامي المتاح.
ويدفع المدنيون في كل مدن اليمن وقراه ثمنًا باهظًا لا يستهان به في حرب باتت عبثية تأبى الصمت احترامًا لكرامة الإنسان. وفي ظل انشغال المتحاربين اليوم بالصراع المسلح، يبرز تهديد جدي مستمر من نوع آخر عنوانه التنظيمات المسلحة الموسومة بـ«الإرهابية»، إذ يسعى هؤلاء للاستفادة من حدوث أي فراغ أمني أو عسكري، وهو ما وقع بالفعل في جنوب اليمن في أبين وحضرموت خلال العامين الماضيين.
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
أصول الأزمة
منذ آذار/ مارس من العام الماضي، يشهد اليمن – أشد البلدان العربية فقرًا وذو الخمسة والعشرين مليون نسمة – نزاعًا مسلحًا نتج عن انقسام سياسي حادٍ وأزمة سياسية خانقة سبَّبها الصراع على السلطة، أو كان هذا عنوانها الأبرز. وفي الواقع، أضاع اليمنيون فرصة ذهبية للخروج من عنق الزجاجة بعد تداعيات «الربيع العربي» تمثلت في مخرجات «مؤتمر الحوار الوطني» التي لاقت إجماع مختلف القوى السياسية في العام 2013. لكن جاءت أزمة العام 2014 لتربك المشهد السياسي برمته، وتُدخِل البلادَ في أتون صراع مسلح أوشك على إتمام عامه الثاني دون أي بارقة أمل لإنهائه. ومع استمرار القتال وفشل كل محاولات التفاوض والتسوية التي رعتها الأمم المتحدة حتى الآن؛ تزداد كلفة الحرب على المدنيين؛ وتتنامى بعد إزهاق أرواح أكثر من عشرة آلاف شخص، وإصابة آلاف آخرين حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، وتدمير كثير من الممتلكات العامة والخاصة، فيما تشير التقارير إلى نزوح أكثر من ثمانية ملايين شخص خارج منازلهم.
أثر بعد عين
تركَّز الصراع المسلح في اليمن منذ اندلاعه في بعض المدن الكبرى، ولم يمنع هذا انتشار تداعيات القتال المفزعة إلى مناطق البلاد المختلفة. عانى اليمن ريفًا وحضرًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أو على مستويات الأمن النفسي والجسدي والغذائي للمواطنين. فقد دكت آلة الحرب دون هوادة تلك المكتسبات التنموية التي حظي بها اليمنيون بمشقةٍ وجهدٍ بالغيْن خلال عقود ما بعد ثورة العام 1962، وأصبحت المباني الحكومية والعسكرية والمدارس والمشافي ومنازل المواطنين أهدافًا عسكرية محتملة، حتى مدينة صنعاء القديمة المحمية ضمن التراث العالمي لم تسلم بعض أبنيتها التاريخية من التدمير. طمس القتال بعضًا من أهم معالم المدن التي ألفها الناس، خاصة التاريخية منها مثل «العرضي»، مقر وزارة الدفاع حاليًّا، وهو من مآثر الأتراك في اليمن. فيما تحول غيره من الأبنية في بعض مناطق النزاع إلى أثرٍ بعد عين. كما تعرضت البنية التحتية، مثل الشوارع والجسور، للضرر، سواء داخل المدن أو تلك القليلة التي شكلت – حتى وقت قريب – شريانًا ضروريًّا يربط بين المدن. وبينما يصبح التوجس والقلق هو السمة النفسية الغالبة لتنقل الناس في شوارع المدن اليمنية، يتحول الأمر إلى خوفٍ حقيقي جوار المعسكرات أو المرافق، خاصة الحكومية، المعرضة للاستهداف.
وفي بعض مدن اليمن، لم يعد هناك مكان آمن، فالحيز العمراني مُعَرض باستمرار لخطر القصف والتدمير. ويمكن بسهولة ويسر رصد الدمار المؤلم الذي يحدثه القتال في مدن مثل صنعاء وتعز وغيرهما. كما أن معاناة السكان في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجَّة بفعل القصف والمواجهات لا تقل إيلامًا ومأساوية، وهي الغائب الأبرز عن المشهد الإعلامي المتاح.
ويدفع المدنيون في كل مدن اليمن وقراه ثمنًا باهظًا لا يستهان به في حرب باتت عبثية تأبى الصمت احترامًا لكرامة الإنسان. وفي ظل انشغال المتحاربين اليوم بالصراع المسلح، يبرز تهديد جدي مستمر من نوع آخر عنوانه التنظيمات المسلحة الموسومة بـ«الإرهابية»، إذ يسعى هؤلاء للاستفادة من حدوث أي فراغ أمني أو عسكري، وهو ما وقع بالفعل في جنوب اليمن في أبين وحضرموت خلال العامين الماضيين.
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
أثر بعد عين
تركَّز الصراع المسلح في اليمن منذ اندلاعه في بعض المدن الكبرى، ولم يمنع هذا انتشار تداعيات القتال المفزعة إلى مناطق البلاد المختلفة. عانى اليمن ريفًا وحضرًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أو على مستويات الأمن النفسي والجسدي والغذائي للمواطنين. فقد دكت آلة الحرب دون هوادة تلك المكتسبات التنموية التي حظي بها اليمنيون بمشقةٍ وجهدٍ بالغيْن خلال عقود ما بعد ثورة العام 1962، وأصبحت المباني الحكومية والعسكرية والمدارس والمشافي ومنازل المواطنين أهدافًا عسكرية محتملة، حتى مدينة صنعاء القديمة المحمية ضمن التراث العالمي لم تسلم بعض أبنيتها التاريخية من التدمير. طمس القتال بعضًا من أهم معالم المدن التي ألفها الناس، خاصة التاريخية منها مثل «العرضي»، مقر وزارة الدفاع حاليًّا، وهو من مآثر الأتراك في اليمن. فيما تحول غيره من الأبنية في بعض مناطق النزاع إلى أثرٍ بعد عين. كما تعرضت البنية التحتية، مثل الشوارع والجسور، للضرر، سواء داخل المدن أو تلك القليلة التي شكلت – حتى وقت قريب – شريانًا ضروريًّا يربط بين المدن. وبينما يصبح التوجس والقلق هو السمة النفسية الغالبة لتنقل الناس في شوارع المدن اليمنية، يتحول الأمر إلى خوفٍ حقيقي جوار المعسكرات أو المرافق، خاصة الحكومية، المعرضة للاستهداف.
وفي بعض مدن اليمن، لم يعد هناك مكان آمن، فالحيز العمراني مُعَرض باستمرار لخطر القصف والتدمير. ويمكن بسهولة ويسر رصد الدمار المؤلم الذي يحدثه القتال في مدن مثل صنعاء وتعز وغيرهما. كما أن معاناة السكان في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجَّة بفعل القصف والمواجهات لا تقل إيلامًا ومأساوية، وهي الغائب الأبرز عن المشهد الإعلامي المتاح.
ويدفع المدنيون في كل مدن اليمن وقراه ثمنًا باهظًا لا يستهان به في حرب باتت عبثية تأبى الصمت احترامًا لكرامة الإنسان. وفي ظل انشغال المتحاربين اليوم بالصراع المسلح، يبرز تهديد جدي مستمر من نوع آخر عنوانه التنظيمات المسلحة الموسومة بـ«الإرهابية»، إذ يسعى هؤلاء للاستفادة من حدوث أي فراغ أمني أو عسكري، وهو ما وقع بالفعل في جنوب اليمن في أبين وحضرموت خلال العامين الماضيين.
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
وفي بعض مدن اليمن، لم يعد هناك مكان آمن، فالحيز العمراني مُعَرض باستمرار لخطر القصف والتدمير. ويمكن بسهولة ويسر رصد الدمار المؤلم الذي يحدثه القتال في مدن مثل صنعاء وتعز وغيرهما. كما أن معاناة السكان في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجَّة بفعل القصف والمواجهات لا تقل إيلامًا ومأساوية، وهي الغائب الأبرز عن المشهد الإعلامي المتاح.
ويدفع المدنيون في كل مدن اليمن وقراه ثمنًا باهظًا لا يستهان به في حرب باتت عبثية تأبى الصمت احترامًا لكرامة الإنسان. وفي ظل انشغال المتحاربين اليوم بالصراع المسلح، يبرز تهديد جدي مستمر من نوع آخر عنوانه التنظيمات المسلحة الموسومة بـ«الإرهابية»، إذ يسعى هؤلاء للاستفادة من حدوث أي فراغ أمني أو عسكري، وهو ما وقع بالفعل في جنوب اليمن في أبين وحضرموت خلال العامين الماضيين.
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
أمل اليمنيون في إرساء أسس الدولة القادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم المشروع هذا أن يوشك على التحقق، لكنهم اليوم باتوا فقط يتوسلون الأمن والسلامة والحفاظ على نزْرٍ قليلٍ متبقٍ من ملامح المدنيَّة والعمران المهددة بدورها بالتدمير والزوال في حال استمرار الحرب وامتدادها إلى مدن أخرى ما زالت في منأى عن الصراع القائم.
وكم يأمل اليمنيون – في لحظة فارقة اليوم من تاريخهم المعاصر- ألا يتجاهل المجتمع الدولي الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم، في ظل تعاظم مآسيها وتفاقم خطر استمرارها إقليميًّا وعالميًّا، وحتى لا تصبح الحرب في اليمن «حربًا منسية»، أو أن تصبح مدن اليمن – الوادعة إلى عهد قريب – مدنًا لا يبكي عليها أحد.
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
نُشر هذا الموضوع في العدد رقم 62 (خريف/ شتاء 2017) من مجلة «الإنساني».
Comments