ar
إغلاق

شبكة أمان لأسرى الحرب: خمسة مبادئ أساسية لاتفاقية جنيف الثالثة

القانون الدولي الإنساني
إيفيت إيسار، مستشارة قانونية سابقة لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر

شبكة أمان لأسرى الحرب: خمسة مبادئ أساسية لاتفاقية جنيف الثالثة

ICRC

عقدت البلدان اجتماعات في أعقاب ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ لبحث سبل تحسين الحماية القانونية الممنوحة لفئات معينة من الأشخاص – ومنهم أسرى الحرب – الذين تكبد كثير منهم معاناة هائلة في أثناء النزاع. وقد وردت الأحكام المتعلقة بحماية أسرى الحرب في اتفاقية جنيف الثالثة التي اعتُمدت في عام 1949. وتتناول الغالبية العظمى من مواد الاتفاقية البالغ عددها 143 مادة الظروف المادية لاحتجاز أسرى الحرب. وتناقش المستشارة القانونية السابقة باللجنة الدولية، إيفيت إيسار، في هذا المقال بعض المبادئ الأساسية التي تتخلل أحكام الاتفاقية الثالثة، وترتكز عليها القواعد المعنية بحماية أسرى الحرب طوال فترة الاحتجاز. وتوجه هذه المبادئ كل نواحي حياة أسرى الحرب، سواء المعايير المتعلقة بالإيواء والغذاء والملبس، أو النظام الجنائي والتأديبي المنطبق عليهم. ويعالج التعليق المحدث على الاتفاقية الثالثة الصادر مؤخرًا عن اللجنة الدولية هذه المبادئ معالجة وافية.

تتألف اتفاقية جنيف الثالثة من 143 مادة تنص على تعليمات تتعلق ببداية الاحتجاز ونهايته وتنظم الظروف المادية لاحتجاز أسرى الحرب. وتتناول هذه القواعد أماكن الإيواء والمعايير الدنيا للنظافة الصحية والرعاية الطبية المطلوبة للإبقاء على أسرى الحرب في حالة صحية جيدة، ومنع انتشار الأمراض المعدية أو الأمراض الناجمة عن سوء التغذية أو قلة الحركة. كما تتضمن الاتفاقية قواعد تمنع التعذيب والعمل القسري وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة. وتشترك هذه القواعد في أمر واحد على الرغم من تنوع مضامينها؛ أنها معنيةٌ جميعًا بصون الكرامة الإنسانية لأسرى الحرب.

والغالبية العظمى من قواعد الاتفاقية الثالثة ناشئة عن تفاعل بين عدد من المبادئ الأساسية التي تتخلل الاتفاقية كما لو كانت خيوطًا. وتنسج هذه المبادئ – من مبدأي الضرورة العسكرية والإنسانية إلى مبادئ المساواة في المعاملة والتمييز غير الضار والقياس – شبكة أمان ترمي إلى حماية أسرى الحرب في أثناء فترة الاحتجاز.

مبدأ الضرورة العسكرية

الضرورة العسكرية هي إحدى أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني، فهذا المبدأ «يتيح اتخاذ التدابير الضرورية فعلًا لتحقيق غرض عسكري مشروع، التي لا يحظرها القانون الدولي الإنساني».

المادة 21 – تقييد حرية الحركة والإفراج المشروط

«يجوز للدولة الحاجزة إخضاع أسرى الحرب للاعتقال. ولها أن تفرض عليهم التزامًا بعدم تجاوز حدود معينة من المعسكر الذي يُعتقلون فيه، أو بعدم تجاوز نطاقه إذا كان مسوَّرًا. ومع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية والتأديبية، لا يجوز حجز أو حبس الأسرى إلا كإجراء ضروري تقتضيه حماية صحتهم، ولا يجوز أن يدوم هذا الوضع على أي حال لأكثر مما تتطلبه الظروف التي اقتضته».

وتماشيًا مع مبدأ الضرورة العسكرية، يجوز لأيٍّ من أطراف النزاع احتجاز القوات المقاتلة التابعة للخصم منعًا لها من العودة إلى ميدان المعركة. أي أن مبدأ الضرورة العسكرية يجيز احتجاز فئة كاملة من الأشخاص في أثناء النزاعات المسلحة الدولية. كما يوجه هذا المبدأ القواعدَ المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى، وذلك عند انتفاء الضرورة العسكرية التي تبرر الاحتجاز.

ونظرًا لارتباط أسباب الاحتجاز بالضرورة العسكرية، تبين قواعد الاتفاقية عدم جواز معاملة المقاتلين الأسرى طوال فترة الاحتجاز كمجرمين لمجرد مشاركتهم في النزاع، وهو ما يُعرف بمبدأ حصانة المقاتلين. فيجب ألا يخضعوا للحبس الانفرادي (المادة 21)، وألا يُحتجزوا مع محتجزين جنائيين في مكان واحد (المادة 22). 

مبدأ الإنسانية

تحقق الدولة الحاجزة، إذ تحتجز أسرى الحرب، الغرض المشروع المتمثل في إضعاف قدرة العدو العسكرية. ولا بد أن تلبي الظروفُ التي يخضع لها جنود العدو المحتجزوين الاشتراطاتِ العامة للمعاملة الإنسانية.

وينبني مبدأ المعاملة الإنسانية على إدراك أساسي بأن الكرامة الإنسانية اللصيقة بالبشر يُحظَر المساس بها. وعلى الرغم من أن المعاملة الإنسانية تتخلل قواعد الاتفاقية كافة، فإنها تتضح أيما وضوح في المادتين 13 و14.

المادة 13 – معاملة الأسرى بإنسانية

«يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. ويُحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكًا جسيمًا لهذه الاتفاقية. وعلى الأخص، لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني، أو لا يكون في مصلحته. وبالمثل یجب حمایة أسرى الحرب في جمیع الأوقات، وعلى الأخص ضد جمیع أعمال العنف أو التھدید، وضد السباب وفضول الجماھیر. وتُحظر تدابیر الاقتصاص من أسرى الحرب».

 

المادة 14 – احترام أسرى الحرب في أشخاصهم وشرفهم

«لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال. ويجب أن تُعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن. ويجب على أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال».

«یحتفظ أسرى الحرب بكامل أھلیتھم المدنیة التي كانت لھم عند وقوعھم في الأسر. ولا یجوز للدولة الحاجزة تقیید ممارسة الحقوق التي تكفلھا ھذه الأھلیة، سواء في إقلیمھا أو خارجه إلا بالقدر الذي یقتضیه الأسر».

وتنبثق مباشَرةً من مبدأ المعاملة الإنسانية قواعد عديدة، من بينها عدم جواز تعريض أسرى الحرب لتعذيب بدني أو نفسي. ويجب حمايتهم من أعمال العنف والتهديد والسباب وفضول الجماهير. وتُحظر تدابير الاقتصاص من الأسرى وكذا ازدراء شرفهم.

وعلى الرغم من عدم وجود تعريف لـ«المعاملة الإنسانية» في أي من معاهدات القانون الدولي الإنساني، يقدم التعليق المحدث على الاتفاقية توجيهات إضافية بشأن ما يقتضيه الالتزام بمعاملة أسرى الحرب بإنسانية في سياق قواعد محددة. إذ يوضح التعليق أن الالتزام الذي ينص على المعاملة الإنسانية ليس مجرد حظر للمعاملة اللاإنسانية، فالالتزام بمعاملة أسرى الحرب بإنسانية يشمل جميع أشكال الحظر المفروضة على المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، لكنه لا يقتصر على ذلك، بل يتطلب من الدولة الحاجزة اتخاذ إجراءات إيجابية في بعض الأحيان.

وعلى الرغم من أن أشكالًا معينة من المعاملة تدخل في نطاق المعاملة اللاإنسانية في كل الأحوال، فقد تعتمد السمات المحددة للمعاملة الإنسانية كذلك على مجموعة متنوعة من العوامل، من بينها الخلفية الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية للأسير، ونوعه الاجتماعي وسنه.

يُسترشد بمبدأ المعاملة الإنسانية في كل جوانب حياة أسير الحرب؛ من لحظة وقوعه في الأسر إلى الاستجواب الأولي والإجلاء إلى الخطوط الخلفية، والظروف التي قد يتعرض لها طوال فترة الاحتجاز. لذلك تتضمن الاتفاقية أكثر من مائة حكم تتناول تفصيلًا شرط المعاملة الإنسانية في مجالات محددة، مثل الغذاء والملبس والنظافة الشخصية والرعاية الطبية وسبل الاتصال بالعالم الخارجي. وتشكل هذه الأحكام كافة أساس إطار الحماية بالاتفاقية، وتؤكد ضرورةَ صون الدولة الحاجزة الكرامة الإنسانية اللصيقة بأسرى الحرب، التي يحظر المساس بها، بوصفهم بشرًا.

ويحرص التعليق المحدث على الاتفاقية الثالثة أشد الحرص على بيان هذه الصلات بصورة جلية، فتعزيز المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب يقع في صميم أعمال اللجنة الدولية. وشرط المعاملة الإنسانية أحد الخيوط التي تتخلل نسيج أحكام الاتفاقية، ويستأثر بجانب كبير من هدف الاتفاقية والغرض منها.

مبدآ المساواة في المعاملة والتمييز غير الضار

مبدآ المساواة في المعاملة والتمييز غير الضار يرتبطان أحدهما بالآخر، كما يظهر في نص المادة 16.

المادة 16 – المساواة في معاملة الأسرى

«مع مراعاة أحكام ھذه الاتفاقیة فیما یتعلق برتب الأسرى وجنسھم، ورھنًا بأیة معاملة ممیزة یمكن أن تُمنح لھم بسبب حالتھم الصحیة أو أعمارھم أو مؤھلاتھم المھنیة، یتعین على الدولة الحاجزة أن تعاملھم جمیعًا على قدم المساواة، دون أي تمییز ضار على أساس العنصر، أو الجنسیة، أو الدین، أو الآراء السیاسیة، أو أي معاییر مماثلة أخرى».

وإذ تنص المادة على وجوب معاملة الأسرى كافة على قدم المساواة، فإن القاعدة تشترط المساواة في المعاملة وليس التطابق. أي لا بد من مراعاة ظروف النوعيات (الفئات) الخاصة من الأسرى، واحتياجاتها. ومن ثم، فإن واجب المساواة في معاملة الأسرى قد يستلزم أحيانًا منح بعضهم معاملة متمايزة.

ويجوز منح بعض أوجه التمييز النافعة، مثل التمييز الذي تسوغه ظروف واحتياجات مختلفة اختلافًا جوهريًّا للأفراد المشمولين بالحماية، بل قد يرقى ذلك التمييز إلى اعتباره ضروريًّا. ويشير نص المادة ذاته إلى إمكانية منح معاملة مميزة بناءً على الحالة الصحية والسن والمؤهلات المهنية. وقد تقدم عوامل أخرى كذلك تبريرًا موضوعيًّا ووجيهًا للمعاملة التمييزية، فالتعليق المحدث على الاتفاقية يشير مثلًا إلى احتمالية الحاجة إلى اتخاذ تدابير معينة لتيسير وصول الأسرى ذوي الإعاقات إلى الخدمات والمرافق الكائنة بالمعسكرات.

وتحظر المادة 16 تحديدًا التمييز الضار على أساس العنصر أو الجنسية أو الدين أو الآراء السياسية، والأهم من ذلك «أي معايير مماثلة أخرى». والقائمة هنا ليست حصرية، فقد توقع القائمون على صياغة الاتفاقية تطورها، ولا مناص من تفسير المادة في ضوء التطورات القانونية والاجتماعية المستجدة.

مبدأ القياس

يجسد مبدأ القياس فهمًا مفاده ضرورة حصول أسرى الحرب على معاملة وظروف معيشية مماثلة لما يحظى به أفراد القوات المسلحة التابعة للدولة الحاجزة. وظهر هذا الفهم في لائحتي لاهاي المؤرختين في عامي 1899 و1907، واتفاقية جنيف لعام 1929 بشأن أسرى الحرب. ويحظى هذا المبدأ بمكان بارز في فصل العقوبات الجنائية والتأديبية، حيث تنص عليه الجملة الأولى من المادة 82 المعنية بالقانون المنطبق، تحقيقًا لأغراض هذا الفصل.

وينطوي مبدأ القياس على قيمة عملية، إذ ييسر مهمة إدارة عملية الاحتجاز التي يخضع لها الأسرى، حيث يُطلب من الدولة الحاجزة تطبيق القواعد والمعايير التي تسري على قواتها ذاتها. فالدولة الحاجزة على دراية بكيفية تنفيذ هذه القواعد والمعايير بطبيعة الحال، وتتمتع بخبرة سابقة في هذا الصدد، ما يتيح لها تطبيقها على أسرى الحرب بكل يسر.

وتشير قواعد متعددة في الاتفاقية الثالثة إلى مبدأ القياس باعتباره نقطة البداية التي تتحدد بموجبها الظروف المعيشية ومعايير المعاملة الممنوحة لأسرى الحرب. بيد أن هذا المبدأ لا يعمل في فراغ، بل ترافقه معايير دنيا معينة في الاتفاقية، لا سيما المعايير المتعلقة بالمعاملة الإنسانية.

يتبدى لنا هذا الترابط مثلًا في المادة 25، التي تتناول الظروف المعيشية في مآوي أسرى الحرب، فمبدأ القياس على قوات الدولة الحاجزة ذاتها هو نقطة البداية لهذه القاعدة. وطبقًا للمادة 25، «توفَّر في مأوى أسرى الحرب ظروف ملائمة مماثلة لما یوفر لقوات الدولة الحاجزة المقیمة في المنطقة ذاتھا». لكن يلي ذلك شرط يقضي بمراعاة «عادات وتقاليد» الأسرى، وأحدُ ضمانات الحماية الدنيا الذي يستلزم ألا تكون الظروف «ضارة بصحة [الأسرى] بأي حال».

يمكن أيضًا أن ننظر في المادة 84 المعنية بالمحاكم، فالفقرة الأولى تجسد مبدأ القياس، الذي يشترط محاكمة أسرى الحرب أمام المحاكم العسكرية ما لم تكن تشريعات الدولة الحاجزة تسمح للمحاكم المدنية بمحاكمة أفراد القوات المسلحة التابعة للدولة الحاجزة ذاتها عن مخالفة بعينها. وتحدد الفقرة الثانية المعايير الدنيا المطلقة لمحاكمة أسرى الحرب، فقد تتباين النظم القضائية العسكرية والمدنية بين الدول المختلفة تباينًا كبيرًا.

لذا ترد المعايير الوطنية باعتبارها نقطة البداية في القواعد التي تستند إلى مبدأ القياس، لكن إذا قَصَرَتْ المعاملة المكفولة لأفراد القوات المسلحة التابعة للدولة الحاجزة في هذه الأمور عن تلبية المعايير الدنيا المنصوص عليها في الاتفاقية الثالثة، تسري معايير الاتفاقية على أسرى الحرب.

الخلاصة

تعمل المبادئ التي نوقشت في هذا المقال معًا لتوجيه القواعد السارية على أسرى الحرب طوال فترة الاحتجاز. وقد قدمت اللجنة الدولية في تعليقها المحدث على اتفاقية جنيف الثالثة إرشادات حول الكيفية التي ينبغي تفسير هذه المبادئ – والقواعد التفصيلية التي تقوم عليها – بها في السياقات المعاصرة. 

نُشر هذا المقال في الأصل بالإنجليزية في مدونة القانون الإنساني والسياسات. وقد نقل عاطف عثمان النص إلى العربية. 

 

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا