السحر الأسود والزومبي والتنانين: قصة القانون الدولي الإنساني في القرن الحادي والعشرين

قانون الحرب

السحر الأسود والزومبي والتنانين: قصة القانون الدولي الإنساني في القرن الحادي والعشرين

في إطار الاحتفال في آب/ أغسطس الماضي بالذكرى السبعين لاتفاقيات جنيف، تستكشف مسؤولة القسم القانوني في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعض التحديات التي يواجهها القانون الدولي الإنساني اليوم، وهي تحديات قديمة وأخرى حديثة، روحانية وعملية. نعتقد اعتقادًا راسخًا بأننا لدينا أدوات أساسية لمواصلة تأكيد أنه ما تزال توجد مساحة لممارسة أفعال الإنسانية في أثناء النزاع المسلح.  

عندما كنت مندوبة قانونية حديثة السن في مهمة تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر في بابوا غينيا الجديدة، كان لي نقاش مع وزير الصحة هناك، إذ كنت أدافع عن مسألة استحداث تشريع لحماية شارة الصليب الأحمر. قدم الوزير الذي كان أيضًا زعيمًا قبليًّا من هايلاندز، رأيًا استثنائيًّا. قال إنه رأى الغرض من مثل هذا التشريع، وشارة الصليب الأحمر بوجه أعم، كأنه «سحر أسود»، بمعنى أن المرء إذا آمن بقوته وشَمِلها بالحماية، فإن السحر الأسود بدوره يمكن أن يحمي هذا المرء. وبدلًا من أن أدحض ما قال بحجج قانونية، رأيت أنا أيضًا أن الرسالة الكامنة خلف كلامه، وهي أن احترام البشر الشارة يجلب لهم حمايتها، مماثلةٌ لمفاهيم قديمة في الأفكار المحيطة بالسحر الأسود (أو ربما السحر الأبيض). عبر هذا المفهوم المحرَّف، وجدت دافعًا كي أبدأ محادثة في مساحة يفهمها المتحاورون معي أو على الأقل يشعرون بأريحية فيها. 

وفي السياق العالمي الحالي يدور كلام كثير حول موت النظام الدولي القائم على القواعد، أي أن القانون الدولي – لا سيما القانون الدولي الإنساني – لعله فقد بعضًا من «سحره». وتثار أسئلة جادة بشأن ما إذا كان هذا النظام – القائم منذ عقود إن لم تكن قرونًا – ذا أهمية حقًّا في عالم اليوم.
ومن طرق عديدة، نحن (ممارسو القانون الدولي والأكاديميون المنشغلون به والدبلوماسيون وطلاب هذا المجال المعرفي) مَلومون بشأن خطاب شارَف، في بعض الأحيان، على اليأس. فنحن نفرط في إبراز انتهاكات القانون، فنشير بحق إلى رفضنا لجوانب النزاع الحديث، معبرين عن إحباطنا. ونحن نشعر بالغضب الشديد لأن العمل المهم الذي أُنجِز في العقود القليلة الأخيرة لإنفاذ القانون الجنائي الدولي والمحاكمات، لم يُُحدِث ثورة على مستوى السلوك. كما نتحسَّر بحق على أن الوصول، في هذه الأيام، إلى إجماع من أنحاء الكوكب بشأن أعراف جديدة هو شيء يكاد يكون مستحيلًا.

لكننا يجب أن نبدي قدرًا من الحرص والحذر بألَّا نصوغ سرديةً مدمرة ونطيل أمد بقائها. إذ لو أننا لم نرفع أصواتنا إلَّا عندما يخفق المسؤولون في الامتثال للقانون الدولي الإنساني، فلعموم الناس إذن عذرهم إنْ ظنُّوا أن المنظومة التي نؤمن بها لا تستحق فعليًّا الورق المهدر في كتابتها عليه. إذ عندما لا يؤمن أحد بالسحر، يفقد السحر مفعوله.
وللتعامل مع هذا التحدي، بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مجموعة من المشاريع بهدف «تغيير السردية المرويَّة بشأن القانون الدولي الإنساني». نحن ليس لدينا نظارات وردية نرى بها الواقع. ونحن، أكثر من الغالبية، نرى المعاناة المرعبة في ميدان المعركة الحديث (بمجاله المتغير، وامتداده، وعدده المتزايد من المجموعات المسلحة) ونعرف أن الحالة الراهنة لا يمكن قبولها.

ومع ذلك فنحن نشهد أيضًا التنفيذ اليومي للقانون الدولي الإنساني واحترامه واستخدامه، والفَرْق الذي يحدثه في الميدان. نرى آلاف الأفعال التي تظهر احترام الكرامة الإنسانية كل يوم، حتى في أسوأ الظروف المحتملة. وتجمع قاعدة بيانات «القانون الدولي الإنساني في الميدان» دراسات حالة لأمثلة الامتثال للقانون الدولي الإنساني من حول العالم.

وتوجد أيضًا معلومات أكثر بشأن الرابط بين الامتثال وتقليل معاناة البشر في مجالات أخرى مثل النزوح. وتُظهر دراسة حديثة للجنة الدولية بشأن النزوح في أوقات النزاع المسلح أثرَ احترام القانون الدولي الإنساني. لدينا بعض الحلول للمشكلات التي غالبًا ما يُنظر إليها باعتبارها متفاقمة، لكنها يمكن فعليًّا أن يجري التعامل معها.

سيمكننا جمعُ أمثلة مثل هذه من صوغ المنافع الفورية وبعيدة المدى لاحترام القانون الدولي الإنساني على نحو أفضل، وتغيير السردية العامة بمرور الوقت. ويؤكد تقريرنا بعنوان «جذور ضبط النفس في الحرب» أهمية التدريب في أوساط حملة السلاح في تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، وهو يستقصي أيضًا كيف تكيِّف الأعراف الرسمية وغير الرسمية سلوكَ الجنود والمقاتلين. إن الفهم الأفضل للتطبيع الاجتماعي (أي العملية التي من خلالها تصير الأعراف والقواعد مقبولةً مجتمعيًّا) وإدراك الأسباب السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وراء سلوك الأطراف المختلفة في النزاع مسلكًا معينًا يمكن أن يساعدنا على تكييف عملنا وكفالة احترام أكبر للقانون الدولي الإنساني. 

ومع أنه من المهم التركيز على الانتهاكات والمساءلة، فإن التطبيق اليومي للقانون الدولي الإنساني في الميدان غالبًا ما يمر دون تسليط الضوء عليه. ولمقاومة هذا الاتجاه نحتاج إلى أبحاث أكثر، وسبل مختلفة لإبراز النفع من وراء الامتثال للقانون الدولي الإنساني. ويلزمنا البناء على تأثيرات أمثلةِ احترامِ القانون الدولي الإنساني واسترجاعِ الإيمان بـ«سحر» هذا القانون؛ لأننا إن احترمناه فمن المرجح بدرجة كبيرة أن يشملنا بحمايته. 

الزومبي – خطاب التجريد من الإنسانية

ومن التحديات المعاصرة الأخرى الخطابُ الذي يصوِّر من يقترفون جرائم إرهابية كأنهم كائنات دون البشر، لا يستحقون الحماية القانونية القائمة في القواعد الراسخة. والحق أننا بطرق عديدة حوَّلنا من يرتكبون الجرائم الإرهابية إلى «كائنات دون البشر» – أو زومبي – يبدون كالبشر ويتصرفون تقريبًا كالبشر، لكنهم ليسوا والبشر سواء، فهُم «أمواتٌ في صورة أحياء».

وتوجد أدبيات وفيرة عن الزومبي، ولها تاريخ ثري، بدءًا من فولكلور «الفودو» في الكاريبي وصولًا إلى تباشير قصص الخيال العلمي ممثَّلةً في رواية «فرانكنشتاين Frankenstein». ومؤخرًا ظهر مسلسل الرعب لعالم ما بعد الكارثة «الموتى السائرون The Walking Dead»، إذ نرى الناجين يحاولون البقاء على قيد الحياة في ظل تهديدٍ مستمرٍّ من هجمات الزومبي المعروفين باسم «السائرين». نرى في المسلسل قلقًا عميقًا في البداية من أن «العدو» غير واضح، متخفٍّ في هيئة أطفال ونساء، ومَن لا يظهرون في ميدان المعركة لكنهم منخرطون في أعمال عنف. 

وفي الحياة الواقعية نشهد اتجاهًا مثيرًا للقلق، إذ يتزايد ميلُ بعض القادة إلى تجريد المناوئين لهم من إنسانيتهم، واستخدامهم لغة تُشيطِن هؤلاء لكي يبيِّنوا أن الأطراف الذين يوصفون بأنهم «إرهابيون» لا يستحقون صنوف الحماية التي يتيحها القانون الدولي، وبالأخص تلك التي يتيحها القانون الدولي الإنساني. إن الرغبة في ألَّا «نعيدهم إلى الوطن»، وهي العبارة التي تُستخدم للإشارة إلى المقاتلين الأجانب بل وإلى عائلاتهم (أطفالهم الذين تيتَّموا خلف خطوط العدو)، ترمز إلى الخوف من ضعف السيطرة عليهم وتكاد ترمز أيضًا إلى الخوف من التلوث. 

وفي هذا التوازن بين المصالح الأمنية والضرورات الإنسانية، تُرجم هذا التوجه إلى نُهُجٍ قانونية تتأرجح تدريجيًّا نحو المصالح الأمنية على حساب الضمانات القانونية التي تشمل الأرواحَ بالحماية وتصون الكرامة الإنسانية في أوقات النزاع المسلح. وعن طريق الدفع بأن الأطراف التي توصف بأنها «إرهابية» لا تستحق الحماية التي يضمنها القانون الدولي الإنساني، فإن مؤيدي هذه النظرية يصوغون أعذارًا لمحاربة الإرهاب من دون قيود أو حدود. لكن بموجب القانون الدولي الإنساني فإن وَسْمَ مجموعةٍ ما بأنها «منظمة إرهابية» أو بأن سلوكها يشكل «جرائم إرهابية» ليس له أي أثر بكل تأكيد على انطباق القانون الدولي الإنساني وتطبيقه. إن القانون الدولي الإنساني واضحٌ بشأن احترام الالتزامات تجاه الأشخاص «العاجزين عن القتال» حتى إن وُصفوا بأنهم إرهابيون: إذ تنطبق قواعد القانون الدولي الإنساني التي توفر الحماية عليهم من دون استثناءات. 

ومن خلال وجودنا وقربنا من المتضررين على الأرض وفي تسيير عملياتنا الإنسانية تشهد اللجنة الدولية للصليب الأحمر مباشرةً الأوضاعَ بشأن «المقاتلين الأجانب» وعائلاتهم. نحن نرى أن الإجراءات الأمنية التي تتخذ ضد «المقاتلين الأجانب» متنوعة، وغالبًا ما تتضمن الحرمان من الحرية في ظل ظروف غير مُرضية بل وغير إنسانية، ومحاكمات لا تمتثل بالضرورة للضمانات القضائية الأساسية. إن أثر هذه الإجراءات على الأشخاص الأكثر استضعافًا، بمن فيهم الأطفال وأمهاتُهم، وكذلك ذوو الإعاقات، هو أمر يثير القلق.

ومن المسائل الأخرى التي تثير قلقنا الأثرُ المتزايد للإجراءات المناهِضة للإرهاب على العمل الإنساني غير المتحيز. قد تكون تبعات هذه الإجراءات قانونية/ لها علاقة بالامتثال، أو جنائية، أو متصلة بالسمعة. وبطبيعة الحال قد تكون للدول مخاوف مشروعة بشأن كفالة الأمن ودحر الإرهاب. ومع ذلك، فالإجراءات التي تتخذ في بعض الحالات – لا سيما التشريعات والعقوبات المتصلة بمكافحة الإرهاب – يمكن أن تقيِّد عملنا الإنساني وتجرِّمه.  

إن ما يقف على المحك هو قدرتنا على عبور الخطوط الأمامية لتقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات التي تعيش في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة والأفراد الذين تلحق بهم صفة الإرهاب. فإجراءات مكافحة الإرهاب يمكن أن تؤثر سلبًا على قدرتنا على زيارة الأشخاص المحتجزين من قبل «الجانب الآخر»، واستعادة الجثامين، وتدريب المجموعات المسلحة على القانون الدولي الإنساني، وتيسير إطلاق سراح المحتجزين وتبادلهم. وباختصار، فإن قدرتنا على تنفيذ مهمتنا تواجه عراقيل متزايدة. ونتيجة ذلك أنْ يعاني الناس في وقت يجب فيه على القانون الدولي الإنساني حمايتهم.

يعد قرار مجلس الأمن رقم 2462 بشأن مكافحة الإرهاب ومنع تمويله، الذي اعتُمد بالإجماع في 28 آذار/ مارس 2019، خطوة مهمة إلى الأمام. وقرر مجلس الأمن أن تدابير مكافحة الإرهاب هذه يجب أن تنفذ «بطريقة تتفق مع القانون الإنساني الدولي»، وحثَّ المجلس الدولَ، عند تطبيق هذه الإجراءات، على أن تأخذ في اعتبارها أثر هذه الإجراءات على «الأنشطة الإنسانية البحتة» التي تنفذها «جهات فاعلة إنسانية». وهذا تطورٌ مرحب به للغاية، وتحتاج الدول الآن إلى تنفيذه. ونحن نحتاج إلى تأكيد أن «الأشخاص على الجانب الآخر» – سواء كانوا عسكريين أو عناصر مسلحة من غير الدول أو حتى المتهمين بـ«الإرهاب» – هم بشر.

التنانين – تكنولوجيا جديدة

وإذا تطلعنا إلى الأمام، فهناك احتياج لمزيد من التفكير بشأن التكنولوجيا الجديدة والقانون الدولي الإنساني، وخاصة تطوير الأسلحة ووسائل الحرب. ومع أن البشر يواصلون ابتكار طرق جديدة للقتل والتشويه، فإن من المهم أن نتذكر أن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة قوانين حية، ومن ثمَّ فسوف يواصل تقديم التوجيه بشأن الحقائق القاسية التي تفرضها الحرب. واليوم، يتمثل التحدي الجمعي أمامنا في إيجاد سبل تكفل احترامًا أكبر للقانون ضمن ديناميات النزاع المتغيرة والتحديات التي نواجهها مع التقنيات الجديدة. وبالطبع، يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تحقق تقدمًا كبيرًا للبشرية، لكنها تشكل لها أيضًا معضلات.

وهذا يثير مسائل في كل من القانون والأخلاق. وباعتباري واحدة من المشاهدين المهتمين بمسلسل «لعبة العروش Game of Thrones»، رأيتُ أن الحلقات الأخيرة منه تتيح لنا نافذة رائعة للإطلال على النزاع، حتى في «عالم الخيال» الذي ابتكره صناع المسلسل. في ما يتعلق بأساليب شن الحرب ووسائلها، فإن مشاهدة تنانين تنفثُ ألسنةَ اللهب وهي تحلِّق فوق مدينة مكتظة بالسكان – فلا هي تلتزم مبدأ التمييز ولا الحظرَ على إحداث إصابات مفرطة أو معاناة غير ضرورية – جعلني أفكر على نطاق واسع في قوة الأسلحة الجديدة ودرجة سيطرة الإنسان. ومع أن عمليات القتل الجماعي والتعذيب والاعتداء الجنسي وغير ذلك من الأعمال غير المقبولة كانت سائدة في المسلسل، فإن المعاناة الرهيبة التي سببتها التنانين باللهب الذي أطلقته من الجو، ثَبُتَ في النهاية أنها نقطة محورية بالنسبة للشخصيات في القصة. فالأثر غير المتناسب للهجمات على المدنيين وغير المشاركين في القتال بات واضحًا في خاتمة الأمر.

والمناقشات الحالية على المستوى الدولي تركز على وضع قيود على التشغيل الذاتي لمنظومات الأسلحة، بحيث يحتفظ البشر بالسيطرة على قرارات استخدام القوة في النزاعات المسلحة والمسؤولية عنها. وتستثمر القوى الكبرى بكثافة في الذكاء الاصطناعي تحقيقًا للميزة العسكرية، ويثير «سباق التسلح» المحتمل مخاوف بشأن نشر تكنولوجيات جديدة دون مراعاة كاملة للمخاطر والمسائل القانونية والأخلاقية. واللجنة الدولية ترى ما لا يقل عن ثلاثة مجالات عريضة لها آثار مهمة، هي: الأسلحة ذاتية التشغيل المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقدرات شن الحروب السيبرانية وحروب المعلومات، ونظم صنع القرار.

ونحن ندعو إلى تبني نَهْجٍ متمركز حول الإنسان والإنسانية في استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، بما يكفل الامتثال القانوني والقبول الأخلاقي. والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات أدواتٌ ينبغي أن تُستخدم لتعظيم – لا استبدال – الحكم البشري على الأمور في النزاع المسلح. وتواصل اللجنة الدولية دعوتها لاعتماد قيود متفق عليها دوليًّا تكفل السيطرة البشرية على الأسلحة واستخدام القوة. 

وبالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي، تهتم اللجنة الدولية أيضًا بالكلفة البشرية المحتملة للعمليات السيبرانية. وقد أضرت هجمات سيبرانية رئيسية بالفعل شبكات الكهرباء ومرافق طبية ومحطات نووية. وهذه الهجمات تذكرةٌ جلية بهشاشة البنى التحتية الأساسية أمام الهجمات السيبرانية والتبعات الإنسانية الخطيرة التي قد تحدث. وفي اللجنة الدولية تشغلنا بصورة أساسية العمليات السيبرانية التي تشكل جزءًا من النزاع المسلح، وتُستخدَم وسيلةً من وسائل شن الحرب. ومن وجهة نظرنا فإن القانون الدولي الإنساني ينظم العمليات السيبرانية عندما تُستخدم في إطار نزاع مسلح دائر تُستخدم فيه أدوات ومعدات. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أيضًا أن يرقى استخدام هذه العمليات السيبرانية وحدها إلى نزاع مسلح ما يجعل القانون الدولي منطبقًا في هذه الحالة. ومن حيث الجوهر، يحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات السيبرانية ضد الأعيان أو الشبكات المدنية، ويحظر تلك الهجمات العشوائية وغير المتناسبة. 

إن تأكيد وجوب احترام الحرب السيبرانية قواعد القانون الدولي الإنساني لا يعني بأي حال من الأحوال تشجيعًا على صبغ الفضاء السيبراني بصبغة عسكرية، ولا هو يُشرعِن الحرب السيبرانية. وبالنسبة لنا، النقطة الأساسية هي أن القيود المفروضة بموجب القانون الدولي الإنساني تحكم أيضًا وتقيِّد أي عمليات سيبرانية قد تلجأ إليها الدول أو أطراف نزاع مسلح. ومن وجهة نظرنا من الضروري بالنسبة لكل الدول أن تدرك بوضوح أن القانون الدولي الإنساني ينطبق على العمليات السيبرانية. ويسعدنا أن المزيد من الدول يتبنون هذه النظرة.

يلزمنا نقل المناقشة إلى المستوى التالي والتركيز على كيف ينطبق القانون الدولي الإنساني على العمليات السيبرانية. ومع أن القواعد الحالية تنطبق على الحرب السيبرانية، فإن الترابط بين الشبكات العسكرية والمدنية يشكل تحديًا عمليًّا وقانونيًّا كبيرًا في ما يتعلق بحماية المدنيين من الأخطار التي تشكلها الحرب السيبرانية. وفي هذا السياق، يجب على الدول أن تعالج على عجلٍ أسئلةً بشأن تفسير قواعد القانون الدولي الإنساني التي أثارتها الخصائص الفريدة للفضاء السيبراني. يلزم أن تقيِّم هذه الأسئلة ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من التطوير المعياري المحدد لاستكمال القواعد العامة.

بعد مرور 70 سنة على اتفاقيات جنيف، نَعلَمُ أن واضعيها لم يطلبوا المستحيل. فهُم قد توصلوا إلى صياغة وطوروا التزامات تُوازِن بين الضرورة العسكرية ومبدأ الإنسانية بعنايةٍ. واليوم، نحن نواجه تحديات جديدة بما فيها نقص الثقة في النظام القائم على قواعد، وخطاب متنامٍ عن «تجريد البشر من إنسانيتهم»، وتطوراتٌ تكنولوجية سريعة في منظومات الأسلحة الجديدة. ومع ذلك، ما تزال اتفاقيات جنيف مهمة ونافعة للغاية. إن أثرها العملي يمكن أن يُرى ويُستشعَر على الأرض، حيث يكون الاحتياج إليها في أشده، كل يوم. وهي تتضمن أدوات تساعدنا على استكشاف معضلات في الوقت الحاضر والمستقبل. وأخيرًا، ما تزال اتفاقيات جنيف تقف شامخة تعبر عن فكرة هي أنه حتى الحرب يجب أن يكون لها حدود. 

هيلين دورهام– خبيرة قانونية بارزة، وهي الآن مديرة دائرة القانون الدولي والسياسات الإنسانية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وظهر المقال في الأصل في مدونة «القانون الدولي والسياسات»، وقد نقل عاطف عثمان النص إلى اللغة العربية. وقد نشرنا المقال بالعربية في العدد 66 من مجلة الإنساني ضمن محور العدد عن سبعين عامًا على اتفاقيات جنيف. للاطلاع على محتويات العدد، انقر هنا.

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

اكتب تعليقا