خلال العامين الماضيين، اندلعت حرائق غابات الجزائر التي تعد سابقة أولى في تاريخ البلاد، ومعها اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصور دمار النيران، ما رفع حرارة التضامن الإنساني بين الجزائريين، قبل أن تتدخل الشعوب العربية على الخط عبر منشورات ووسوم معبرة عن تضامنها واستعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية لأشقائهم المتضررين.

مع كل أزمة تولد الهمة، ومع كل همة يُخمد لهيب الصدمة والحاجة، هي ملحمة التضامن التي عاشتها الجزائر بعد حرائق الغابات.

ملحمة تضامن

مع شيوع صور الدمار الذي حل بالجزائر، والمآسي التي عاشها سكان منطقة القبائل (الأكثر تضررًا)، أطلقت دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لإمداد المستشفيات ومراكز توفير الرعاية الصحية، بضمادات ومراهم لمعالجة الحروق، نظرًا للنقص الحاد في هذه المستلزمات، بالإضافة إلى المياه وتوفير أماكن لإيواء العائلات المتضررة.

الجزائريون من مختلف الولايات لبوا النداء وهبوا إلى مساعدة إخوانهم في منطقة القبائل، كل بما استطاع إليه سبيلًا. وانتشرت موجة من التضامن في أنحاء البلاد، تم تنظيمها بشكل أساسي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. وأطلقت المئات من نداءات التبرع، كل منها ينقلها العشرات من مستخدمي الإنترنت الذين يبثون مواقع نقاط التسليم وقوائم المنتجات الضرورية.

ونشرت الفنانة الجزائرية، نوميديا لزول، في قصة على منصة «إنستغرام»، فيديو تقدم فيه مساعدة لجمعية خيرية، وشاحنات تحمل خزانات مياه كبيرة، وأرسلتها إلى المناطق المحترقة للمساهمة في إطفاء الحرائق.

وكتب المعلق الرياضي، حفيظ دراجي: «فخور بالهبَّة الشعبية الوطنية لأبناء بلدي، الذين يقفون مع المتضررين من حرائق الغابات في منطقة القبائل. مصيبة تضرب وطنًا واحدًا، يواجهها شعب واحد كجسد واحد «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». معًا سنتجاوز المحنة، ونعيد اللحمة، لنبني ونغرس، ونقف من جديد بإذن الله».

وسائل التواصل الاجتماعي تقود المواجهة

وتوافق وصول عدد كبير من القوافل التي تحمل التبرعات وقدمت من مدن مختلفة في الجزائر، إلى شمال البلاد مليئة بالمستلزمات الضرورية والمعدات الطبية.

بالتزامن مع ذلك، تنشغل فئة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بنقل معلومات حول الموقف بصورة فورية، وتنبيه السكان إلى المناطق التي يجب تجنبها والتحذير من المعلومات المغلوطة.

ويقوم البعض أيضًا بتوجيه نداءات طلب المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عند ملاحظة انقطاع التيار الكهربائي، أو تعذر الوصول إلى العديد من الأشخاص في المناطق المتضررة، بالإضافة إلى الإبلاغ عن اندلاع حرائق جديدة.

وأظهرت منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات لشباب يتنقل إلى تيزي وزو وبجاية في الشاحنات والحافلات، وآخرون يتنقلون بالجرارات وصهاريج المياه، لمساعدة الأهالي ورجال الإطفاء على إخماد لهيب النيران التي التهمت الأخضر واليابس.

وقد خلفت الحرائق المهولة وغير المسبوقة التي اجتاحت 20 ولاية، مقتل أكثر من 90 شخصًا مدنيًّا وعسكريًّا، كما أتت على مئات الهكتارات من المحاصيل الزراعية والثروة الغابية، وأعلنت الحكومة الجزائرية إثرها حدادًا وطنيًّا.

التضامن يتجاوز الحدود الجغرافية

احتلّت أخبار الحرائق الجزائرية منصات التواصل الاجتماعي في عدة بلدان عربية، وتداعى الناشطون من مختلف هذه البلدان للدعاء وتمني السلامة للشعب الجزائري، واحتل الخبر صدارة منصة تويتر في الجزائر وعدة بلدان عربية أخرى.

أفراد الجالية الجزائرية في الخارج أيضًا، لبوا النداء دون سابق إنذار وعرضوا تقديم المساعدة، وعبروا عن تضامنهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أعلنت عدة جمعيات في فرنسا أنها جمعت تبرعات مالية تعدت قيمتها مليون يورو في ظرف يومين، من أجل إرسالها إلى الجزائر.

كما توحدت الجاليات الجزائرية بمختلف دول العالم في وسم «#صلوا_من_أجل_الجزائر»  (#prayforAlgeria)، أكدوا من خلاله ارتباطهم الروحي بوطنهم مهما كانت ظروفه، ودعوا من خلاله إلى تكثيف حملات التبرع لإرسالها إلى المناطق المتضررة.

ونشر المغني الجزائري «سولكينغ» على حسابه في «إنستغرام» مشاهد من الحرائق والأدخنة وهي تقترب بشدة من السكان وتهدد سلامتهم وحياتهم، وأرفقها بوسوم «تيزي وزو تحترق» و«صلُّوا من أجل تيزي وزو» و«صلوا من أجل منطقة القبائل». ولخَّص اللاعب الدولي، رياض محرز، مشاعر التضامن في وسم «صلوا من أجل الجزائر».

البيوت مفتوحة للجميع

ودون اتفاق مسبق، تجددت قيمة التضامن والتكاتف والتكافل الاجتماعي في الجزائر، وتوالت هبات تضامن من كل حدب وصوب، وعلى كل الأنواع، تقاطرت على المدن والقرى المتضررة.

وبينما كان سكان المناطق المتضررة والمتطوعون من مختلف الولايات ورجال الإطفاء يحاولون إخماد الحرائق، فر الشيوخ والنساء والأطفال إلى بيوت المتطوعين وفنادق وبيوت للشباب ومدن جامعية فُتحت خصيصًا لاستقبالهم، بعد احتراق منازلهم أو محاصرتها بالدخان.

مشاهد ومشاعر سمَّاها الجزائريون عبر منصات التواصل بـ«ملحمة التضامن» التي أطفأت لهيب صدمة الحرائق وحاجة الأهالي المتضررة التي خسرت قوتها، حتى إنها باتت منعزلة عن العالم الخارجي. ولم تكن لحملات التضامن مع المتضررين من حرائق الغابات عناوين أو طرق موحدة، إنما هب الجميع، كلٌّ على طريقته لتقديم يد المساعدة من معظم مناطق الجزائر، فكان ذلك السقف الموحد لملحمة التضامن.

الترويج للعمل الإنساني

وعن دور وسائل التواصل الاجتماعي في العمل الإنساني خلال أزمة الحرائق، يقول أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة «الجزائر3» محمد لعلامة في حديثه لمجلة “الإنساني”، إن مساهمتها جاءت ملحوظة للغاية، وهي المساهمة التي تمثلت بالأساس في الترويج عبر حسابات شخصية وصفحات لمبادرات جمع التبرعات والمواد الغذائية والطبية والألبسة والأفرشة من أجل مساعدة ضحايا الحرائق.

وأضاف لعلامة، أن نشر صور وفيديوهات وتدوينات تدعم وتشيد بقوافل التضامن التي نظمت من مختلف ولايات الوطن نحو ولاية تيزي وزو التي تضررت بشكل كبير، ساهمت في تشجيع المواطنين على تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين. بالمقابل، يرى آخرون أن مواقع التواصل الاجتماعي وإن كانت تؤدي دورًا مهمًّا في الترويج للمبادرات الإنسانية، لكنها لا تعوض دور المنظمات والجمعيات، لأن الأخيرة تملك الإمكانات والوسائل اللازمة والخبرة في إدارة الأزمات والقيام بالعمل الإنساني بشكل منظم ومستمر.

«من خيرك يعيش غيرك»

«من خيرك يعيش غيرك» هي واحدة من وسوم التضامن التلقائية الكثيرة، نموذج عن قيمة التكافل الاجتماعي بالجزائر التي اختارها وقررها شباب في مقتبل العمر.

الحملة أطلقها شباب متطوعون في شوارع الجزائر العاصمة لجمع التبرعات لصالح المتضررين من حرائق الغابات.

مجموعة من الشباب تحدوا خطر كورونا ودرجات الحرارة القياسية التي وصلت إلى 47 درجة بالعاصمة، جمعوا بعضهم ونظموا أنفسهم في أفواج، وانتشروا في معظم شوارع العاصمة، حاملين لافتات مكتوبًا عليها: «جمع التبرعات لإخواننا المتضررين من الحرائق».

اليد في اليد

وعبر منصات التواصل انطلقت حملة تحت عنوان: «#تحيا_الجزائر_اليد_في_اليد»، لتشق طريقها إلى الواقع، بحملات تضامن واسعة جاءت حتى من أقاصي الصحراء الجزائرية.

وعن أسباب انتشار العمل الإنساني عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال أزمة حرائق الغابات في 2021 يؤكد أستاذ علوم الإعلام والاتصال محمد لعلامة أن الأزمات تقوي الروابط الإنسانية، مضيفًا ، «الروابط زادت في حرائق 2021 على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن بعض الأطراف حاولت التفرقة بين الجزائريين وضرب استقرار البلاد والنسيج الاجتماعي، من خلال النبش في الجانب العرقي والترويج للثنائية العنصرية قبائلي-عربي، وهذا باعتقادي ما دفع الجزائريين للمواجهة وإثبات وحدتهم وتماسكهم عبر هبات تضامن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي».

وكشفت وزارة الداخلية الجزائرية عن حجم المساعدات التي وصلت إلى متضرري ولاية تيزي وزو من 11 ولاية فقط، تجاوزت 150 طنًّا من المساعدات في ظرف قياسي.

أزمة حقيقية مرت بها الجزائر صيف 2021، حاصرها واحتواها الجزائريون بملاحم تضامن انطلقت من منصات التواصل الاجتماعي، ليتجند لها في الميدان آلاف الشباب من معظم المدن، وحتى من خارج البلاد مع الجالية بالمهجر، شارك بها رقيقُ الحال قبل الثري، وسقطت معها ألقاب النجوم ليتحول كل مشارك في حملات التضامن إلى نجم لا يقل عن نجوم الرياضة والفن الذين هبوا أيضًا لمساعدة أهالي المدن والقرى المتضررة من حرائق غابات الجزائر.

نُشر هذا المقال في العدد 70 من مجلة «الإنساني» ضمن ملف العدد عن «أنسنة الإعلام». للاطلاع على محتويات العدد، انقر هنا. للاطلاع على العدد كاملًا، انقر هنا