العمل الإنساني 2.0: إنقاذ الأرواح بالإنترنت

العدد 54

يتحدث باتريك ماير عن الكيفية التي تستطيع من خلالها الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات أن تساعد العاملين في المجال الإنساني على إنقاذ الأرواح في الميدان.  هي المرة الخامسة التي تنظم فيها اللجنة الدولية هذه المسابقة المتميزة التي تستهدف الباحثين والخبراء في القانون الدولي الإنساني.

في يوم من الأيام؛ كانت الإنترنت مكاناً سلبياً نسبياً. فقد لعبت الشبكة العنكبوتية العالمية دور النافذة التي يلتمس الناس المعلومات من خلالها. أما الآن؛ فإنها أصبحت أكثر تفاعلية. ويمكن للويب 2.0 (مصطلح يعبر عن تقنيات الويب التفاعلية التي تسمح بتشارك متبادل أوسع للمعلومات -كما تسمى أحياناً هذه المنصة الرقمية دائمة التطوّر- أن تكون بمثابة مساحة للعمل التعاوني، ويمكن من خلالها تبادل المعرفة والبيانات والخبرات من قبل أي شخص، في أي مكان، وأي وقت.

فبعد زلزال هاييتي في العام 2010، على سبيل المثال؛ أنشأ باتريك ماير ومتطوعون** آخرون خرائط للأزمات على شبكة الانترنت مكنت الضحايا، وعمال الإغاثة من استخدام هواتفهم الجوالة لنشر بيانات لحظية حول مواقع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة. يقول ماير إنه يمكن أن يكون للتقنية الحديثة تأثير بالغ على العمل الإنساني في الميدان.

أظهرت خرائط الأزمات أن باستطاعتها دعم الناس في مختلف الأزمات، ولكن هل لها تأثير ملموس على تقديم المساعدات الإنسانية على الأرض؟

ا يزال هذا الحقل جديداً نسبياً، وما زلنا في البدايات. مر عامان على زلزال هاييتي؛ حيث بدأت فكرة خرائط الأزمات إلى حد ما، وفي حينها لم تكن هنالك إجراءات تشغيل قياسية حول كيفية العمل مع خرائط الأزمات. وهذا لأنه لم يسبق لأحد القيام بذلك من قبل، ولم تكن المنظمات الإنسانية هي من أنشأها أساساً؛ بل قام بذلك طلاب متطوعون ومغتربون هاييتيون اجتمعوا معاً وأنشأوا خريطة حية للأزمة، واستغرق الأمر حوالي عام لتدرك أول منظمة للمساعدة الإنسانية قيمة هذه التقنيات (المعلومات المأخوذة من الجماهير وتقنيات المعلومات الجغرافية).

ونحن نعلم أن أول المستجيبين لما حدث في هاييتي، وهم في هذه الحالة حرس السواحل الأميركي وقوات البحرية، طلبوا بشكل حثيث هذه المعلومات، واستخدموها في جهودهم الخاصة بالبحث والإنقاذ.

أما خريطة الأزمة الليبية؛ فنعلم أنها استخدمت في إنتاج المعلومات الرسمية من قبل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، والتي جرى تداولها في ليبيا من قبل مسؤولي المعلومات في الأمم المتحدة، ويتعين الآن على الأمم المتحدة، وكل من يستعمل خرائط الأزمات أن ينظر إلى تأثير هذه المعلومات على قراراته.

ما مدى مصداقية هذا النوع من المعلومات المقدمة من المتطوعين في الميدان؟

خلال الأيام الأولى من أية أزمة لا تكون المعلومات الواردة من الميدان كاملة أو دقيقة؛ لكن خلال العام والنصف الماضيين، حدث تغيير إيجابي كبير في فهم البيانات والتعامل معها من قبل المنظمات الإنسانية.

وجميعنا يدرك أن هناك مستويات مختلفة من المعلومات والمصداقية في البداية، وهنالك أهمية لأن تكون لدينا عدة مصادر من المعلومات الواردة، وأن نستخدمها لرسم صورة أوسع لما يجري على الأرض، ولا بد من القول إنه من الأفضل أن نحصل على بعض المعلومات بدلاً من لا شيء على الإطلاق، ويمكن دائماً التحقق من مصداقية التقارير حينما تتوفر بعض الأدلة.

كيف يمكنك مواجهة المخاوف من ألا تكون “الجماهير” –هؤلاء الذين يساهمون بالمعلومات عبر هواتفهم الجوالة أو أجهزة الكومبيوتر– يمثلون في الحقيقة من هم في أشد الحاجة، وليس فقط أولئك الذين لديهم إمكانية استعمال التقنيات الحديثة؟

هذا صحيح؛ المصادر الجماهيرية ليست عينة عشوائية. ولكل أسلوب لأخذ العينات بعض المزايا وبعض العيوب، وإحدى مزايا المصادر الجماهيرية هي أنها تحصل على المعلومات بسرعة، ولكن يمكن ألا تعبر دوماً عن جميع السكان.

هنالك مقايضات في كل مرة تجمع فيها المعلومات من مجموع السكان؛ مثل التوقيت، والجهود، والتكاليف على سبيل المثال، وعليك أحياناً أن تختار ما هو مقبول؛ طالما أنك تتبع الشفافية في كلٍ من أساليبك وأوجه النقص لديك. لن تحل المصادر الجماهيرية للمعلومات كل المشاكل؛ لكنها وسيلة إضافية لتجميع المعلومات.

مع ازدياد عدد الأشخاص الذين يشتركون في المصادر المجاهيرية للمعلومات؛ هل هناك خطر من ارتفاع مستوى التوقعات لدى من يرسلون البيانات أو التقارير؟

أي نوع من التدخل الإنساني سوف يرفع مستوى التوقعات؛ هذه هي طبيعة عملنا؛ لذلك فإن السؤال يصبح: كيف يمكننا إدارة هذه التوقعات بأفضل طريقة؟ كان أحد الأشياء التي قمنا بها خلال أزمة هاييتي هي تثقيف الجمهور (عبر محطات الإذاعة في هذه الحالة) حول الهدف من هذه الخرائط.

أمضيت ساعات على محطات مختلفة، وأنا أشرح أنها خدمة معلومات، وأنها لا تضمن الاستجابة. يعطي مجتمع العمل الإنساني الأولوية للطلبات الأكثر إلحاحاً في حالات الحياة أو الموت، ويتفهم الناس هذا الأمر، ولكن يجب إعلامهم بذلك؛ عليك أن تكون صريحاً، وشفافا،ً وصادقاً حول حدود الاستجابة التي يمكن توقعها.

هل يمكن استخدام هذا النوع من التقنية في بيئات النزاعات أيضاً؟

العمل في حالات الصراعات أمر آخر مختلف تماماً، وأحياناً لا يكون المصدر الجماهيري للمعلومات خياراً مطروحاً عند وجود مزيج من المخاوف: السلامة، والخصوصية، والأمان.

ومع ذلك؛ فهنالك بعض الاحتياطات التي يمكن أن تساعد المستخدمين: أحدها هو التحكم في الوصول إلى البيانات مع الاستمرار بتوفير المعلومات للأشخاص المعنيين؛ ففي حالة خريطة الأزمة الليبية كانت هنالك نسخة عامة ونسخة خاصة من الخريطة؛ مع تأخير زمني وحذف لمواقع المصادر على النسخة العامة. ولكن فعالية هذه الآليات مرتبطة بسلوكيات مستخدميها؛ يمكنك أن تمتلك كل الأمان التكنولوجي في العالم، ولكن إذا دخل المستخدمون عن طريق مقاهي الانترنت وتصادف أن كان المسؤولون الحكوميون يراقبونهم؛ فلن تكون المنظومة في مأمن عندها، وقد يتعرض البعض للخطر.

ما هي التقنيات الحديثة الأخرى التي تراها تدخل مجال العمل الإنساني؟

عملت بنشاط من أجل ردم الهوة بين مجتمع التكنولوجيا ومجتمع العمل الإنساني على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وأنا متحمس لإيجاد تطبيقات تجارية ربحية يمكنها أن تساعد العمل الإنساني. وأحد أفضل الأمثلة على ذلك هو “توكيل الآخرين بالمهام الصغيرة” (micro-tasking). فعلى سبيل المثال؛ استخدم مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين طريقة “توكيل الآخرين للقيام بالمهام الصغيرة” لتحليل صور الأقمار الصناعية في الصومال؛ فمن خلال النظر إلى صور الأقمار الصناعية وعدّ الملاجئ في ممر أفجوي، استطاعوا أن يحصلوا على تقديرات عملية (عن عدد الأشخاص المهجرين)، والمشكلة أنه في السابق كان الأمر يستغرق شهراً كاملاً من موظفين اثنين لعدّ جميع الملاجئ ووضع علامات عليها في صور الأقمار الصناعية، وعندما طبقوا طريقة “توكيل الآخرين بالمهام الصغيرة” على نفس العملية، انتهى مئات المتطوعين حول العالم من التحليل خلال أيام قليلة؛ بقدر أعلى من الدقة، ودون مقابل.

 

* نشرت هذه المقالة في العدد الأول للعام 2012 من مجلة الصليب الأحمر والهلال الأحمر 

 

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا