جاء وقت كانت مشاهدة الغلمان الصغار فيه يجوبون الطرقات وهم يحملون الأسلحة وقفًا على أماكن التصوير باستديوهات هوليود. واليوم صار هذا المشهد مألوفًا يوميًا بالبلاد التي تدور فيها الحرب بين إخوة الوطن الواحد، حيث يفرض حملة السلاح قانونهم بالمجتمعات المفككة من جراء اللامساواة في البؤس.
“بالنسبة للمحاربين القدامى الذين لا يجدون العمل أو التأهيل، ينظر للأسلحة في غالب الأحوال باعتبارها السبيل الوحيد للحصول على مكان بالمجتمع”، يشرح كريستوف كارل، نائب رئيس معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح.
وبحسب الدراسات التي قام بها معهد دراسات السلام بأوسلو (النرويج)، فإن نسبة المدنيين الذين يُقتلون بالصراعات المسلحة قفزت من 10 أفراد لكل مائة قتيل في مطلع القرن إلى أن قاربت 75 بين كل مائة قتيل اليوم. وقد أظهر تحليل أخير تم القيام به اعتمادًا على المعلومات الأساسية الطبية للجنة الدولية للصليب الأحمر أنه في أعقاب الصراع، لم يقل عدد المدنيين المقتولين أو الجرحى بشكل أساسي بواسطة الأسلحة الخفيفة ذات الطابع العسكري إلا في حدود نسبة من 20 إلى أربعين لكل مائة قتيل خلال الثمانية عشر شهرًا التي أعقبت العمليات العسكرية.
“والأسلحة الخفيفة ليست كافية بشكل عام لتقرير اندلاع الصراع، ولكنها تلعب دورًا في تغذيته وإطالة أمده، وكذلك في مفاقمة نتائجه. فهي تعمل، ضمن عوامل أخرى، على تغذية مناخ من عدم الأمن يجعل من المستحيل أحيانًا القيام بأي عمليات إنسانية”، يوضح بيتر هربي، عضو الشعبة القانونية باللجنة الدولية للصليب الأحمر.
خطر دائم
في عام 1996، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هدفًا للهجمات المباشرة التي تسببت في مصرع تسعة من العاملين بها في بوروندي والشيشان وأُجبرت المنظمة على الانسحاب من هذين البلدين. وهذه الأحداث الأخيرة عكست النمو المأسوي لأعمال العدوان التي تعرض لها العاملون بالمنظمة. التي قفزت من 21 محاولة عدوان عام 1990 إلى 153 محاولة عام 1996. والعاملون بالاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وبالجمعيات الوطنية صاروا بدورهم يتعرضون لأعمال العنف.
وكانت نتيجة من نتائج ذلك أن الإجراءات الخاصة بحماية العاملين بالإغاثة صارت تستهلك قسمًا من الأعباء المالية لا يستهان به، فعلى سبيل المثال صارت مواد الإغاثة يتم نقلها في بعض الأحيان جوًا. ولا يغير من طبيعة ذلك أن تكون الشارة الحامية بيريهًا أزرق، أو صليبًا أو هلالًا.
“وازدياد تسرب الأسلحة المخصصة للاستعمال العسكري إلى أيدي المدنيين عمل يهدد بتقويض أسس القانون الدولي الإنساني وقدرتنا على إعمال تطبيقه، يشدد بيتر هربي، فهذا القانون يتأسس بالفعل على مبدأ أن الأسلحة العسكرية تكون في أيدي القوات الخاضعة لانضباطٍ ما والمدربة على قواعد تنظيم استعمالها”.
الحاجة الملحة للتدخل
والمشكلات الإنسانية الناتجة عن انفلات استعمال الأسلحة الخفيفة صارت من الخطر بحيث أصبح من الملح البحث عن حل لها. ففي عام 1995، ومع المؤتمر السادس والعشرين للهلال والصليب الأحمر، دعت اللجنة الدولية للقيام بدراسة حول انتشار الأسلحة والانتهاكات للقانون الدولي الإنساني. وفي سبتمبر 1998، تدارس المستشارون القانونيون للحركة باجتماعهم السنوي مسألة التدريب المستلهم لخبرة اللجنة الدولية، وقد جاء عرض المشكلة والتوصيات الخاصة بها على ضوء فكرة حلها.
وعلى حين أن الوفيات والعذابات الناتجة عن الصراعات الحالية منسوبة بشكل أساسي للأسلحة الخفيفة، فإن جهود نزع الأسلحة تنصب بشكل رئيسي على أدوات الدمار الشامل مثل الصواريخ، والطائرات المقاتلة والسلاح النووي، التي لا يتم استخدامها بشكل مألوف لحسن الحظ. ومهما يكن من أمر، فإن ازدياد خطورة مشكلة الأسلحة الصغيرة صار أمرًا معروفًا للكثيرين وعلى هذا الصعيد يجري حاليًا اتخاذ الكثير من المبادرات.
في هذا الإطار يقوم الصليب الأحمر النرويجي، بالاشتراك مع المعهد الدولي للسلام بأوسلو، وهيئة الإغاثة التابعة للكنيسة النرويجية والمعهد النرويجي للشؤون الدولية، وبتمويل من حكومتهم، بدراسة وسائل التحكم في حركة تداول الأسلحة الخفيفة. “هناك الكثير من الأسلحة في عدد كبير من البلدان وهذا يمثل واحدًا من أكبر التحديات الإنسانية في حقبتنا”، يلاحظ جان إجلاند، نائب الوزير السابق بالنرويج والذي يقود حاليًا هذه المبادرة. فبالنسبة له، يشكل هذا الجهد مواصلة طبيعية للدور النشط الذي لعبته بلاده في العام الماضي في حملة منع الألغام الأرضية المضادة للأفراد. ومع ذلك، فهذا الموضوع لن يتوج بنفس نجاح حملة مكافحة الألغام: “فالمشكلة ما زالت أكبر بكثير، وعلينا ألا نوهم أنفسنا. فليس من السهل بالطبع وضع حظر شامل للأسلحة الخفيفة، ولكن بوسعنا مع ذلك أن نحد من انتشارها”.
مثل يحتذى
في مالي، ومنذ السادس والعشرين من مارس 1996، سقطت دكتاتورية عسكرية استمرت لثلاثة وعشرين عامًا بعد ست سنوات من الاضطرابات، وقبل أكثر من 3000 من جنود العصابات تسليم أسلحتهم مقابل المساعدة في إعادة انخراطهم بالحياة المدنية. ومنذ ذلك الحين، تبعهم عشرة آلاف آخرون على نفس الطريق. وقامت بتسهيل هذه العملية وكالات الأمم المتحدة، التي مولت مبادلة السلاح بقطع الأراضي الزراعية وبرامج التأهيل. ومن المؤكد، أن المشكلات العديدة الناتجة عن الصراع تظل بلا حل للآن، ولكن، بالتقليل من عدد الأسلحة المتداولة، أصبحت مالي في آنٍ معًا أكثر استقرارًا وأكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
“علينا أن نقنع الحكومات والمانحين بفائدة تخصيص الأموال لنزع الأسلحة قبل إطلاق مشروعات التنمية في البلاد التي خربتها الحروب، يؤكد كريستوف كارل، من معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح. فبغير حد أدنى من الأمن، لن يكون من السهل القيام بأي تنمية. والنقاش الآن حول أهمية التحكم في تداول الأسلحة الخفيفة وذخائرها، ولا بد من تضافر جهود كافة الجهات المهتمة بهذا الشأن”.
Comments