من اليمن إلى أفغانستان مرورًا بالصومال وسورية: احتياجات إنسانية متزايدة وأمن غذائي مهدد

قضايا إنسانية

من اليمن إلى أفغانستان مرورًا بالصومال وسورية: احتياجات إنسانية متزايدة وأمن غذائي مهدد

أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرًا نداءً لجمع مبلغ 2.8 مليار فرنك سويسري لتمويل أنشطتها الإنسانية في العام 2023، مشيرة إلى أن هناك عشرات الملايين الذي ينهكهم استمرار المعاناة الإنسانية الناجمة عن مزيج النزاعات المسلحة والكوارث المناخية والأوبئة.

يحتاج ملايين الأشخاص في سياقات مثل اليمن والصومال وأفغانستان وسورية وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دعم عاجل وملموس من أجل إنقاذ الأرواح وتجنب وقوع المزيد من المعاناة الإنسانية.

فخلال السنوات الماضية، لاسيما خلال العام 2022 الذي يوشك على الانتهاء، واجه ملايين المدنيين الذين يعيشون في مناطق متضررة من نزاعات مسلحة مشكلة انعدام أمن غذائي شديد وحاد، عرضت، وما تزال، حياتهم لخطر داهم، إذ تمر عليهم أيام كاملة دون تناول الطعام.

ومع أن بعضهم واجه من قبل أزمات نقص الغذاء الموسمي، غير أن أوضاعهم تتفاقم الآن بسبب تكالب الكوارث عليهم كشدة الصدمات المناخية (مثل موجات الجفاف والفيضانات) وتواترها، والآثار الاقتصادية طويلة الأمد التي خلَّفتها جائحة كوفيد 19، وفوق كل ذلك، أثر النزاعات المسلحة القريبة منهم والبعيدة، التي تعطِّل منظومات الغذاء المحلية والعالمية.

وقالت ميريانا سبولياريتش، رئيسة اللجنة الدولية، «يدور في العالم اليوم أكثر من 100 نزاع مسلح.»

ونظرًا للترابط الشديد الذي يتسم به السوق العالمي، يمكن لنزاع يحدث في مكان ما بالعالم أن يُخلِّف آثارًا متوالية كبيرة عبر القارات.

ويشير التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية إلى أن النزاعات المسلحة والتهديدات الأمنية الأخرى أدت إلى وقوع 139 مليون شخص في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2021، بزيادة قدرها 40 مليون شخص تقريبًا مقارنةً بالعام 2020.

وتشمل الدوافع الرئيسية الأخرى لانعدام الأمن الغذائي الصدمات الاقتصادية (أدت إلى دخول 30 مليون شخص في حالة أزمة) والظواهر المناخية المتطرفة (23 مليون شخص إضافيين). وفي العام 2022، ازداد الوضع سوءًا بفعل التأثيرات القاسية للنزاع المسلح في أوكرانيا على جميع أنحاء العالم.

وقد أدى النزاع المسلح الدولي الدائر بين روسيا وأوكرانيا إلى حدوث ارتفاع جنوني في أسعار الغذاء والطاقة عالميًا. وتشعر المجتمعات المحلية المتضررة من النزاع المسلح والعنف أكثر من غيرها بالآثار المترتبة على هذا الارتفاع.

فعلى سبيل المثال، سجل مؤشر الرصد الذي تجريه اللجنة الدولية لأسعار السوق في 2022 ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 45 في المائة في إثيوبيا واليمن، وأكثر من 30 في المائة في مالي وأفغانستان والصومال.

وتتوقع اللجنة الدولية استمرار هذه المعاناة في عام 2023.

نزاع يهدد الأمن الغذائي عالميًا

يؤدي النزاع المسلح الدولي الدائر في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود عالميًا. وترجع أسباب هذا الارتفاع في تأثير العمليات القتالية على كفاءة الوسائل الصالحة لنقل المحاصيل، وانعدام اليقين بشأن الحصاد مستقبلًا، والعقوبات التي يترتب عليها توقف الإنتاج توقفًا تامًا. علاوة على آثار سلبية ملموسة على الأسواق المالية.

جدير بالذكر أن النزاع في أوكرانيا اندلع في وقت كانت تكلفة المعيشة قد ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا بفعل آثار جائحة كوفيد-19.

وفي داخل أوكرانيا، يواجه القطاع التجاري ومنظمات الإغاثة الإنسانية تحديات متعددة ومتفاقمة. فهناك نقص حاد في السلع بالمناطق المتضررة مباشرةً من القتال بسبب تعطل الإنتاج والإمداد، وكذلك في المناطق التي تُعد بمنأى نسبيًا من النزاع الدائر بسبب الارتفاع المفاجئ في الطلب. ولهذه الأمور آثار سلبية فورية تحجم من قدرة تقديم العون الإنساني للمتضررين من النزاعات المسلحة.

وبالإضافة إلى تعطيل حركة سلاسل الإمداد، يُتوقع أن يعوق استمرار النزاع الزراعة الموسم القادم، فضلًا عن تهديد الحصاد المقبل.

أما على المستوى العالمي، فأوكرانيا وروسيا من كبار موردي القمح وزيوت البذور والذرة والشعير، كما أن روسيا واحدة من أهم مصدري الأسمدة. وقد تقلص الوصول إلى هذه المنتجات بشدة، إذ عطل الوضع الأمني نقل السلع من موانئ البحر الأسود، وفي آذار/مارس أوقفت كبرى شركات شحن الحاويات في العالم شحنات البضائع من روسيا وإليها استجابةً للعقوبات الأميركية والأوروبية.

ورغم أن تصدير الحبوب إلى الأسواق العالمية قد عاد عبر اتفاق تفاوضي، تظل هناك حاجة إلى ضمان وصولها للسكان الأكثر احتياجًا في جميع أنحاء العالم، ومنهم سكان البلدان التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الواردات الغذائية من هذين البلدين، والبلدان التي كانت تعاني بالفعل من معدلات مرتفعة من انعدام الغذاء.

ويقول خبراء إن الحد من الوصول إلى الأسمدة الروسية سيسفر عن تداعيات غير مباشرة تؤثر بالسلب على حصاد الموسم القادم في بلدان متعددة، فضلًا عن ارتفاع أسعار الغذاء على المدى الطويل.

وفي نيسان/أبريل 2022، بلغ مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء – الذي يقيس تكلفة سلة غذاء متوسطة – 160 نقطة وهي أعلى قيمة له على الإطلاق؛ لكنه لحسن الحظ تراجع بحلول شهر آب/أغسطس إلى 138 نقطة غير أنه لا يزال أعلى من مستواه في العام السابق بنسبة 8 في المائة.

سورية

يكافح ملايين السوريين اليوم أكثر من أي وقت مضى لوضع الطعام على موائدهم، إذ تواجه الأسر في جميع أنحاء البلاد مستويات غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي بفعل النزاع المستمر في البلاد منذ أكثر من 11 عامًا.

وتسبب النزاع في نزوح ملايين السكان وأدى إلى انكماش اقتصادي حاد، وانخفاض قيمة الليرة السوريَّة، ما زاد من الضغوط على الأسر التي تكافح الآن من أجل تغطية تكاليف توفير الاحتياجات والسلع الأساسية.

وحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي، فقد عاني 12.4 ملايين سوري في العام 2022 من انعدام الأمن الغذائي.

كما أدى النزاع إلى إلحاق أضرار جسيمة بشبكة المياه، فخفض إمدادات المياه بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المائة. وألقى ارتفاع حالات الإسهال المائي الحاد هذا العام عبئًا إضافيًا يثقل معاناة الناس ويؤكد أهمية الحيلولة دون انهيار البنية التحتية الأساسية.

ومن المرجح أن تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن في عام 2023 في ظل عدم تهدئة النزاع، وضعف التحسينات الاقتصادية، والتأثير المتضخم لأزمات المناخ.

ودمر النزاع، الذي بدأ قبل ثماني سنوات، الاقتصاد المحلي وصار الملايين في جميع أنحاء اليمن يواجهون صعوبات في الحصول على قوتهم وقوت أسرهم.

والآن يعتمد 70 في المائة من سكان البلاد على شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.

مأساة القرن الأفريقي

تواجه دول القرن الأفريقي جفافًا هو الأشد قسوة منذ 40 عامًا بسبب شح الأمطار على مدار أربعة مواسم متتالية، ما دعا كينيا والصومال لإعلان حالة الطوارئ منذ أواخر عام 2021.

وفي الصومال على وجه التحديد، يسفر الجفاف والنزاع عن تفاقم الجوع الذي يفتك بالأصغر سنًا. فقد شهد مركز تثبيت حالة الأطفال المصابين بسوء التغذية التابع للجنة الدولية في “بيدوا” زيادة بنسبة تتجاوز 170 في المائة في عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الذين أُدخلوا المركز لتلقي العلاج مقارنةً بعام 2021، بينما سجلت المستشفيات التي تدعمها اللجنة الدولية زيادة بنسبة 30 في المائة في عدد الإصابات الجماعية.

ويهدد الجفاف المستمر حياة الماشية التي يعتمد الرعاة عليها لكسب معيشتهم. تَنفق الحيوانات بمعدلات مقلقة وما يتبقى منها يصبح هزيلًا وضعيفًا، فيضطر الرعاة إلى قطع مسافات أبعد ولفترات أطول، ما يؤثر في صحة الحيوانات.

وبالإضافة إلى ذلك، أصبح قطاعا الإنتاج الزراعي ورعي الماشية – مع ما يتسمان به من أهمية محورية في منظومة الغذاء المحلية – عرضة للخطر، بفعل تذبذب الزراعة الموسمية المعتمدة على الأمطار ما ترك الكثير من المزارعين بلا خيار سوى هجر حقولهم والانتقال إلى المدن بحثًا عن سُبل بديلة لكسب العيش.

وفي إثيوبيا، ورغم توقف القتال حاليًا في شمال البلاد، فإن الاحتياجات الإنسانية التي خلفها عامان من النزاع المسلح الدامي لا تزال ماسّة. واستأنفت فرق اللجنة الدولية نقل المساعدات الإنسانية إلى “تيغراي” برًا وجوًا.

كما واصلت تقديم المساعدة إلى الناس في إقليمي “أمهرة” و”عفار” المجاورَين. ويجب أن تستمر هذه الجهود ويتسع نطاقها بشكل كبير للحيلولة دون وقوع مزيد من المعاناة بعد أن أمضى الناس شهورًا من دون طعام ورعاية طبية.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا