يبلغ صادق من العمر 15 عامًا، وهو من سكان قضاء سنجار في شمال غربي العراق. لا يستطيع صادق كتابة اسمه؛ إذ إن تعاقب نكبات الحرب والنزوح، ثم مؤخرًا كوفيد-19، حرمه من التعليم.
كان من المفترض أن يكون صادق في الصف التاسع الدراسي، لكن في عام 2014، وقعت بلدته في قبضة الجماعة المعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية لمدة ثلاث سنوات. ولم تقتصر جناية هذا التنظيم على التعليم على حظر التعليم الرسمي في المناطق التي تسيطر عليها، وإنما تعدَّت ذلك إلى الهجوم على المدارس واستخدمتها لأغراض عسكرية، كاتخاذها قواعد عسكرية أو مخازن للأسلحة، على نقيض ما تؤكده الشريعة الإسلامية من أهمية التعليم.
وفي عام 2017، فر صادق مع عائلته العربية من سنجار، وبعدها أمضى أكثر من عام في مخيم للنازحين داخليًّا حيث لم يحظ بفرص للتعليم. وفي عام 2019، تمكن صادق وعائلته أخيرًا من العودة إلى بلدتهم، غير أنه ظل ينتظر ثلاثة أشهر أخرى حتى تنفض مدرسته غبار الحرب وتلملم شتات مدرسيها.
عاد صادق أخيرًا إلى المدرسة في كانون الأول/ ديسمبر 2019، بعد سنوات عجاف حُرم فيهن لذة التعليم. وصار يُبلي بلاءً حسنًا. بيد أنه في أقل من ثلاثة أشهر، أُغلقت مدرسته بسبب جائحة كوفيد-19.
ونظرًا لعدم توفر سبل للتعليم عن بعد في مدرسته، مكث صادق في المنزل لا يفعل شيئًا يذكر. فوالده منشغل بإدارة متجر له، وأمُّه أميَّة لا يمكنها المساعدة كثيرًا في تعليمه.
قال والده لنا في هيومن رايتس ووتش: «ما نلبث أن نخرج من أزمة حتى تُطبق علينا أخرى، وأطفالنا يدفعون الثمن».
واليوم [9 أيلول/سبتمبر] تحتفل الأمم المتحدة بالمناسبة الأولى لـ«اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات.» ويأتي ذلك في خضم جائحة كوفيد-19 التي تسببت في انقطاع أكثر من 1.5 مليار طالب عن الدراسة في وقت سابق من هذا العام، ما يجعل لليوم وقعًا خاصًّا.
لكن الأطفال الذين يعيشون في البلدان المتضررة من النزاعات المسلحة كانوا بالفعل الأكثر عرضة لخطر الحرمان من التعليم حتى قبل تفشي الجائحة، وصادق واحد منهم. وليس التعليم مجرد ضرر جانبي في العديد من النزاعات الحالية: إذ يُستهدف المعلمون والطلاب والمدارس عن عمد. وقد ورد ما لا يقل عن 11 ألف خبر عن هجمات استهدفت طلابًا أو معلمين أو مدارس أو جامعات، أو استخدام منشآت تعليمية لأغراض عسكرية على مستوى العالم في الفترة بين عامي 2015 و2019، بحسب التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات.
ألحقت هذه الحوادث أضرارًا بأكثر من 22 ألف طالب ومعلِّم وعامل في مجال التعليم. وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 حالت دون اجتماع الطلاب والمعلمين في الفصول الدراسية، فإنها لم توقف هجمات القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة على المدارس.
ومثلما فاقمت جائحة كوفيد-19 العواقب التي تواجهها الأنظمة التعليمية التي أضعفتها النزاعات المسلحة، يمكن للنزاعات المسلحة أيضًا أن تفاقم تبعات كوفيد-19 على تعليم الطلاب.
ولعل من الأمثلة الحديثة على ذلك، ما حدث في 14 حزيران/ يونيو عندما اقتحم أفراد شبه عسكريين على متن مركبات مزودة بمدافع رشاشة، مدرسة ابتدائية للفتيات في كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان في السودان. وقد حفر المسلحون الذين ينتمون إلى قوات الدعم السريع السودانية خندقًا حول المدرسة وبدأوا في استخدامها قاعدة تدريب عسكرية.
لم تكن المدرسة وقتها تشهد فصولًا دراسية، إذ أُغلقت بسبب جائحة كوفيد-19، شأنها شأن المدارس الأخرى في جميع أنحاء العالم، وظلت الفتيات في بيوتهن. ومع ذلك، كان من المفترض أن تعيد المدرسة فتح أبوابها للطالبات لإجراء اختبارات القبول للمرحلة الثانوية. وبدلًا من ذلك، لم يسمح المسلحون للسكان بالاقتراب من المدرسة، ولم تتمكن الطالبات من العودة.
وقد أفاد التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات بورود أنباء عن استخدام مدارس أو جامعات لأغراض عسكرية – مثل تحويلها إلى قواعد وثكنات عسكرية ومخازن أسلحة، أو قواعد تدريب كما حدث في تلك الحالة في السودان – في 33 بلدًا على الأقل بين عامي 2015 و2019. ويُعرِّض استخدام المدارس لأغراض عسكرية الطلاب والمعلمين فضلًا عن فرص التعليم، للخطر.
لكن ينبغي ألا نسلِّم بهذا الوضع بأي حال من الأحوال. إذ توضح أمثلة قانونية وعسكرية متنوعة من جميع أنحاء العالم أنه لا ينبغي أن يكون غاية مسعانا تقليص استخدام المدارس لأغراض عسكرية إلى الحد الأدنى، وإنما تجنب هذا الفعل بالكلية. وقد ظهرت العديد من هذه الأمثلة للممارسات الجيدة عقب فتح باب التصديق على إعلان المدارس الآمنة أمام الدول في عام 2015.
وبمجرد أن تصدق الدول على هذا البيان، يمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تدمج تدابير الحماية الواردة في الإعلان في حواراتها مع السلطات المعنية. وتعمل منظمة نداء جنيف أيضًا مع جهات فاعلة مسلحة غير تابعة للدول، بما في ذلك بشأن تعهدها بتجنب استخدام المدارس لأغراض عسكرية وفق ما ورد في صك الالتزام بحماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة.
وفي الواقع، شهدنا في الأشهر الأخيرة جهودًا جديدة لحماية المدارس من استخدامها عسكريًّا. إذ أصدرت قوات سورية الديمقراطية، في تموز/ يوليو الماضي، أمرًا لجميع القادة «بالامتناع عن استخدام المدارس للأغراض الحربية وعن وضع أي معدات أو أسلحة بالقرب منها إلا في حالات الضرورة العسكرية القصوى كأن تكون المدارس معرضة لعدوان من أطراف عسكرية أخرى وتحتاج إلى حماية»، وأخلت على الفور عشر مدارس.
وفي آب/ أغسطس، كتب وزير التعليم العالي آنذاك إلى وزارة الدفاع لتذكير القوات المسلحة بالتزاماتها بموجب إعلان المدارس الآمنة بتجنب استخدام أي مدرسة شاغرة حاليًّا بسبب جائحة كوفيد-19 لأغراض عسكرية.
مثل هذه الأمثلة الإيجابية جديرة بالتقدير لا سيما في خضم وضع يبدو شديد القتامة. وثمة حاجة ماسة الآن إلى تخصيص يوم دولي لحماية التعليم من الهجمات، خاصة إذا كان هذا من شأنه تحقيق المزيد من النتائج البنَّاءة.
ويُعد قرار النيجر استخدام رئاستها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإصدار بيان رئاسي غدًا بشأن حماية التعليم من الهجمات خطوة إيجابية. وقد صيغ هذا البيان بالاشتراك مع بلجيكا، رئيس الفريق العامل التابع لمجلس الأمن المعني بالأطفال والنزاع المسلح، تقديرًا لليوم الجديد. وينبغي أن يدفع مجلس الأمن إلى النظر في التدابير الملموسة التي يمكن أن يطرحها في قرار خاص بهذا الموضوع في العام المقبل. وتشمل التدابير الممكنة ما يلي:
• معالجة مسألة التعليم، ليس من خلال جدول أعمال «الأطفال والنزاع المسلح» فحسب، ولكن أيضًا تناول قضية حماية طلاب التعليم العالي والمعلمين والمؤسسات التعليمية من خلال جدول أعمال مجلس الأمن المتعلق بـ«حماية المدنيين».
• الإصرار على إدراج الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف التي تشن هجمات على الطلاب والمعلمين والمدارس في تقريره السنوي إلى مجلس الأمن بشأن الأطفال والنزاع المسلح استنادًا إلى الأدلة المقدمة وليس رضوخًا أمام ضغط أو تأثير سياسيَّين.
• المطالبة بمساءلة حقيقية عن التهديدات والهجمات التي تستهدف الطلاب والمعلمين والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى. وعلى الرغم من بعض «الجهود المفيدة»، لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي عمله للاعتراف بطيف من الجرائم المرتبطة بالنزاعات التي تُرتكب ضد الأطفال أو التي تؤثر عليهم، ومنعها ومعاقبة مرتكبيها.
• الدعوة إلى اعتماد قوات حفظ السلام الإقليمية قواعد مثل تلك التي وضعتها إدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تحظر على قوات حفظ السلام التابعة لها استخدام المدارس في عملياتهم. وقد اضطلع الاتحاد الأفريقي بدورٍ فعالٍ في الضغط من أجل إعمال حقوق الأطفال وحمايتهم في النزاعات المسلحة، بما في ذلك من خلال حث مجلس السلام والأمن التابع له مرارًا وتكرارًا أعضاءه على التصديق على إعلان المدارس الآمنة. ويجب على قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي أن تحظر على قواتها استخدام المدارس
• الدعوة إلى إعادة إنشاء المرافق التعليمية بعد الهجمات وضمان استمرار التعليم أثناء النزاع المسلح. يمكن أن يشمل هذا النهج استجابات من خلال برامج بمشاركة جدِّية من المجتمعات المتضررة.
• مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير عن الدروس المستفادة وأفضل الممارسات بشأن حماية الطلاب والمعلمين والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى أثناء النزاع المسلح.
• حث جميع الدول الأعضاء على أن تحذو حذو غالبية أعضاء الأمم المتحدة، والتصديق على إعلان المدارس الآمنة.
جاء إعلان يوم دولي لحماية التعليم من الهجمات متأخرًا. ذلك أن ممارسات حماية التعليم من العمليات العسكرية ضاربة بجذورها في التاريخ الإنساني، إذ تعود إلى عام 333 ميلاديًّا على الأقل، وكذلك قواعد الحماية الصريحة المكفولة للطلاب في أوقات الحرب، التي تعود إلى عام 697 ميلاديًّا على الأقل، في حين تعود قواعد حماية المدارس من الهجمات إلى عام 1631 ميلاديًّا على الأقل. لكن الهجمات المستمرة، التي تضاعفت آثارها بسبب جائحة كوفيد-19، تنبهنا إلى أن هذه المناسبة التاريخية تستحق أكثر من مجرد إحياء ذكرى واحتفال؛ إنها تتطلب كذلك تحركًا حقيقيًّا.
نُشر النص الأصلي لهذا المقال بالإنجليزية في مدونة «القانون الإنساني والسياسات»، وهي إصدار للجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد نقل عبد الله حبيشي النص للغة العربية.
اقرأ أيضًا:
من صنعاء وعدن وتعز: التعليم صار سرابًا لأطفال اليمن- تقرير مصور
أن نرى طفولتنا في عيون الأطفال ضحايا الحرب-عدد جديد من المجلة الدولية للصليب الأحمر
Comments