من الأرشيف.. وثائق تكشف عن جهود حثيثة للجنة الدولية لمكافحة الأوبئة

العدد 63

من الأرشيف.. وثائق تكشف عن جهود حثيثة للجنة الدولية لمكافحة الأوبئة

سيارة تابعة للجنة الدولية ضمن طاقم عمل للسيطرة على مرض التيفوس في إستونيا العام 1921. صورة من أرشيف اللجنة الدولية

يقدم أرشيف اللجنة الدولية للصليب الأحمر مرشدًا لا غني عنه لمعرفة كيفية تعاملها مع التحديات التي خلفتها النزاعات المسلحة الكبرى. هذه السطور تقدم إطلالة يسيرة على الدور الذي اضطلعت به المنظمة الإنسانية الأقدم عمرًا في مجابهة وباء التيفوس فترة ما بين الحربين العالميتين

في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الأولى دُعيت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستكشاف مجالات جديدة لأنشطتها، ومنها مكافحة الأوبئة. كانت الشعوب في الدول المهزومة التي أنهكها نقص الغذاء والأدوية بسبب الحصار خلال الحرب، على موعد مع صدمة تمثلت في انتشار مرض التيفوس في وقت كان العوز قد أعياهم بالفعل.

وقد دخل المرض إلى تلك البلاد عن طريق أسرى الحرب الذين أُعيدوا إلى أوطانهم واللاجئين والهاربين، ما أدى إلى انتشاره في أرجاء أوروبا الوسطى كافة، وكانت عواقبه كارثية.

وكتب الطبيب فريديريك فيريير، أحد أعضاء اللجنة التابعة للّجنة الدولية: «الأجساد الهزيلة أكثر عرضة للإصابة بالمرض، والقذارة المصاحبة للفقر المادي تؤدي إلى نقص المناعة ضد تفشي الكائنات الطفيلية التي تسبب المرض. إذ ينقل المرضى بملابسهم الرثة وأسمالهم البالية التي استوطنها القمل والحشرات الطفيلية العدوى من مكان إلى آخر حيثما ذهبوا». وذكر مندوب تابع للجنة الدولية في رومانيا «لم يعد للموت أي اعتبار، فهو الخلاص من المعاناة التي لا سبيل للتخفيف منها».

اجتمع مندوبون طبيّون من بولندا وأوكرانيا ويوغوسلافيا والنمسا في فيينا في عام 1919، وطلبوا من اللجنة الدولية إنشاء لجنة ذات طابع عالمي بصلاحيات واسعة لمكافحة الأمراض، وتتوافر لديها وسائل للتخفيف من معاناة ضحاياها. وطُلب من اللجنة الدولية أيضاً التماس المساعدة من القوى الأوروبية الكبرى. فلجأت المنظّمة إلى القوى المُجتمعة في مؤتمر السلام في باريس. ووجهت إليهم نداءً في آذار/مارس من عام 1919 وصفت فيه مأساة الناس الذين يواجهون المجاعة، والحالة المتردية للمستشفيات والمرافق الصحية الأخرى في الدول المتضرّرة. وناشدت اللجنة الدولية كرم دول الحلفاء بصفتها الوحيدة التي تمتلك وسائل تقديم المساعدة اللازمة.

لجنة طبية دائمة

اجتمع الدكتور فيريير ومندوبون آخرون تابعون للجنة الدولية مع مندوبي الشؤون الطبية من الدول المعنية في فيينا في نيسان/أبريل من عام 1919، حيث اعتمد المشاركون مقترح اللجنة الدولية بتشكيل لجنة طبيّة دولية دائمة، وإلى حين تحقق ذلك، تشكيل لجنة طبيّة دائمة مؤلفة من الدول التي كانت سابقاً تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية. على أن تكون فيينا مقر هاتين اللجنتين وترعاهما اللجنة الدولية.

واتفق المشاركون أيضاً في حزيران/يونيو 1919 على إنشاء مكتبٍ مركزي لمكافحة الأوبئة في أوروبا الشرقية والوسطى. تألّف هذا المكتب من ممثّلين عن الدول المعنية وترأسته اللجنة الدولية. وخطط المكتب لفرض طوقٍ صحي لوقف انتشار الأوبئة. على أن تقام مراكز للفحص والتطهير عند جميع المعابر على امتداد خط يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ومن جهتها، أرسلت اللجنة الدولية عددًا من البعثات الطبية إلى أوكرانيا حيث كانت الأوضاع تتدهور من سيء إلى أسوأ.

وفي عام 1920، طلبت اللجنة الدولية إلى عُصبة الأمم التي أُسست حديثاً تحمّل المسؤولية العامة عن مكافحة الأوبئة. واستمرت بعثات اللجنة الدولية الموفدة إلى بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا بالعمل على مكافحة الأوبئة حتى عام 1923، وأُرسلت بعثات جديدة إلى روسيا وإسطنبول (القسطنطينية آنذاك).

شكّلت هذه الحملة ضد الأوبئة أحد أهم برامج اللجنة الدولية في السنوات الأولى لفترة ما بين الحربين، وكانت جديدة من نوعها. وأظهرت اللجنة الدولية في مواجهتها مشكلة إنسانية بهذا الحجم بعد الحرب العالمية الأولى، مستعينة بوسائل وموارد بشرية ضئيلة، كفاءة وقدرات ابتكارية في الوقت عينه، لتسطر لنا درسًا علينا أن نعيه ونتذكره جيدًا.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا