انعقدت في جنيف الدورة الخامسة والأربعين للجنة السيداو، بين 18 كانون الثاني/يناير و5 شباط/فبراير 2010. وقد ناقشت الدورة التقارير الحكومية لعدة بلدان منها دولتان عربيتان هما مصر والإمارات العربية المتحدة. كما استمعت اللجنة أيضًا إلى تقارير المنظمات غير الحكومية من تلك البلدان وأصدرت توصيات لها. فما هو حال تطبيق الاتفاقية في الدول العربية؟
تمثل “اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة“، والمعروفة باسم “سيداو”، أحد الإنجازات الرئيسية للعقد العالمي للمرأة 1976 – 1985. فرغم أن الأمم المتحدة كانت قد عملت – خاصة من خلال لجنة أوضاع المرأة – على إعداد عدد من الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق المختلفة للنساء منذ أربعينات القرن الماضي، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الأخرى التي أكدت ضمنيا على عدم التمييز ضد المرأة؛ إلا أن اتفاقية السيداو كانت أول وثيقة تتجمع فيها كل هذه الحقوق لتضاف إلى عدد من الاتفاقيات الأخرى المناهضة للتمييز عموما مثل اتفاقية عدم التمييز في مجال الاستخدام والمهنة (1958)، والاتفاقية الخاصة بعدم التمييز في مجال التعليم (1960)، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وعقود الزواج (1962).
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية السيداو في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979، وبدأ نفاذها بالفعل في 3 أيلول/سبتمبر 1981.
حال تطبيق الاتفاقية في الدول العربية
شاركت مصر في الأعمال التحضيرية للاتفاقية، ومثلتها الدكتورة ميرفت التلاوي التي أصبحت فيما بعد عضوًا في لجنة السيداو، ثم ترأست اللجنة لدورتين متتاليتين. ورغم أن مصر لم تكن من الدول العشرين الأول التي صادقت على الاتفاقية، إلا أنها كانت أول دولة عربية تصادق عليها (1981). وبتصديق قطر على الاتفاقية في العام 2008 أصبحت كل الدول العربية –باستثناء السودان والصومال- مصدقة على الاتفاقية.
لكن، للأسف، فإن الغالبية العظمى من الدول العربية وضعت تحفظات على تطبيق الاتفاقية في بلدانها. وتتركز تحفظات الدول العربية على المواد 2، و9 (الفقرة الثانية)، و16، و29، وبدرجة أقل المواد 7 و15. ورغم أن الدول العربية ترجع معظم التحفظات إلى عدم توافق المواد مع الشريعة الإسلامية إلا أن ذلك يتناقض مع حقيقة أن العديد من الدول الإسلامية من مناطق أخرى في العالم لم تضع تحفظات على الاتفاقية (راجع ملحق حول المواد المتحفّظ عليها). .
تعكس تحفظات الدول العربية على الاتفاقية وضع النساء العربيات في بلدانهن. فما زال هناك العديد من القوانين التي تميز ضد النساء وفى صدارتها قوانين الأحوال الشخصية التي تؤبد وضعية دونية للنساء في الأسرة، وتؤثر أيضًا على ممارسة النساء لحقوقهن في مختلف المجالات. إذ يمكن للزوج أن يمنع زوجته من العمل، أو من الحركة –ما زالت العديد من القوانين في البلدان العربية تشترط موافقة الزوج لحصول المرأة على جواز سفر خاص بها، بل وتعطى له الحق في منعها من السفر في أي وقت حتى بعد موافقته على جواز السفر.
وتمثل قوانين الجنسية نموذجًا بارزًا للقوانين التي تنتهك حقوق المواطنة للمرأة العربية التي ما زالت في غالبية الدول العربية، غير قادرة على منح جنسيتها لأطفالها لو كان زوجها من غير جنسيتها. وتميز قوانين العقوبات ضد النساء في غالبية البلدان العربية. فعلى سبيل المثال يمكن أن ينال الزوج الذي يقتل زوجته في حال تلبسها بالزنا حكمًا مخففًا (دفاعا عن الشرف)، بينما تنال المرأة في نفس الظروف عقوبة القتل دون تخفيف. كما ينال الأقارب الذكور أحكامًا مخففة أو لا يعاقبون أصلاً فيما يسمى ب “جرائم الشرف” سواء بنصوص محددة في القانون.
من جانب آخر، فإن المشاركة السياسية للنساء العربيات تعتبر من أقل المعدلات على المستوى الدولي، باستثناء بعض الدول مثل المغرب وتونس، ومصر مؤخرًا. ولم تتبن غالبية الدول العربية مبدأ التمييز الايجابي لتمكين النساء العربيات من المشاركة السياسة والمشاركة في الحياة العامة، والتمثيل اللائق في كافة مستويات اتخاذ القرار، وهو ما يتضح في عدد النساء الوزيرات أو المحافظات، أو عميدات الكليات، أو في اللجان القيادية في النقابات والأحزاب، بل وحتى المنظمات غير الحكومية. كما أن في بعض البلدان العربية مثل مصر ما زال من غير الممكن للنساء الدخول بشكل طبيعي إلى سلك القضاء أسوة بزملائهن من خريجي كليات الحقوق.
وتتمثل العوائق والتحديات الأساسية التي تواجهها النساء العربيات، في الأساس بتصاعد التيارات المحافظة التي تؤيد الأدوار التقليدية للنساء وتسعى إلى منعهن من العمل والمشاركة في الحياة العامة. من جانب آخر فإن غياب المناخ السياسي الديموقراطي في غالبية البلدان العربية، وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتنظيم، يدعم في نهاية الأمر التيارات المعادية لحقوق النساء، ويكرس انتهاك حقوقهن.
حملات نسائية ناجحة لتحقيق الأهداف
على أن هناك جانب مشرق من الصورة أيضًا؛ ألا وهو تنامي الحركة النسائية في غالبية البلدان العربية على المستوى الوطني وكذلك على المستوى الإقليمي. وقد شهد العقد الأخير بشكل خاص تناميا للحركات النسائية في البلدان العربية واستخدامها للآليات الدولية من أجل تمتع النساء العربيات بحقوقهن الإنسانية. واستطاعت النساء المصريات مثلا عبر حملة استمرت لأكثر من عقد من تغيير قانون الجنسية المصري في العام 2004، بحيث أصبح بإمكان المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي أن تمنح جنسيتها لأبنائها. وتجري حملات مماثلة في عدد من الدول العربية بغية تغيير قوانين الجنسية وأبرزها الحملة الجارية حاليًا في لبنان “جنسيتي حق لي ولأسرتي”.
كما استطاعت المنظمات النسائية في المغرب الدفع بتغيير مدونة (قانون) الأحوال الشخصية بعد سنوات من حملة “التغيير ضروري وممكن”. وحصلت تغييرات جزئية في قوانين الأحوال الشخصية في الجزائر ومصر. حاليًا هناك حملات وطنية وإقليمية تسعى لتغيير قوانين الأحوال الشخصية في عديد من الدول العربية لتحقيق العدل والمساواة الحقة بين النساء والرجال داخل الأسرة. وقد نجحت جهود المجتمع المدني في البحرين مثلا في إصدار قانون للأحوال الشخصية. ورغم أن القانون لا ينطبق سوى على المسلمين السنة، ولم يصدر بعد قانون للأحوال الشخصية للمسلمين الشيعة، إلا أن صدور قانون بحد ذاته خطوة للأمام.
ومن جانب آخر شكلت النساء العربيات –في إطار مشاركتهن في الحملة الدولية للتصديق على البروتوكول الاختياري- التحالف الإقليمي “مساواة بدون تحفظ”. وشنت عام 2006 حملتها الإقليمية “مساواة دون تحفظ” من أجل رفع تحفظات الحكومات العربية على اتفاقية السيداو بالإضافة إلى التصديق على البروتوكول الاختياري.
وقد نجحت الحملة عبر الأعوام الماضية في البناء على كل الجهود السابقة، والوصول إلى نجاحات مهمة حيث رفعت خمس دول عربية (مصر والجزائر، والكويت، والأردن، والمغرب) بعضا من تحفظاتها على الاتفاقية، وصادقت تونس على البروتوكول الاختياري. كما نجحت الحملة الإقليمية في الدفع باتجاه حملات على المستوى الوطني في عدد من البلدان العربية، باستخدام الآليات الدولية وعلى رأسها لجنة السيداو، والمراجعة الدولية الشاملة.
أخيرًا حولت النساء المصريات الاحتفال بمرور ثلاثين عاماً على السيداو في مصر إلى فرصة للتأكيد على إصرارهن على الحصول على كافة حقوقهن. فقد نظمن الندوات العامة التي استهدفت أوسع تعريف بتقارير الظل (التقريران الأول 2000 والثاني 2009) التي أعدها ائتلاف المنظمات غير الحكومية قبل السفر إلى جنيف، ونظمن لقاءات إعلامية بعد عودتهن، والأهم أنهن قدن أولى الحملات من أجل تبنى الحكومة لتطبيق التوصيات الختامية للجنة السيداو، ومن بينها الحملة الجارية حاليًا من أجل إعطاء الحق الدستوري للنساء في تولى مناصب قضائية.
وكانت لجنة السيداو قد أصدرت في نهاية الدورة توصياتها الختامية للحكومات التي قدمت تقاريرها، وتضمنت التوصيات القضايا التي تحتاج كل حكومة للعمل عليها والتقدم الذي ينبغي إحرازه بحلول موعد تقريرها المقبل.
وتضمنت التوصيات الختامية للجنة السيداو للحكومة المصرية العديد من التوصيات التي تقدم بها إئتلاف السيداو، وعلى رأسها سحب تحفظات الحكومة المصرية على اتفاقية السيداو والتصديق على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الذي يمنح النساء والمنظمات غير الجكومية حق اللجوء إلى الآليات الدولية –بعد استنفاذ الآليات الوطنية- لوقف الانتهاكات والتمتع بحقوقهن الانسانية التي التزمت بها الحكومة المصرية بتصديقها على الاتفاقية، وتحويل هذه الالتزامات الى ممارسات فعلية.
نُشر هذا الموضوع في العدد 48 من مجلة «الإنساني» الصادر في ربيع 2010، وحمل ملفًا بعنوان «قوة الأيدي الناعمة» للإضاءة على الوجهين المتقابلين الذين يشكلان حياة النساء في مناطق النزاع وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص.
تعليقات