الكوليرا تقتنص الأضعف في حرب اليمن

العدد 63 / من الميدان

الكوليرا تقتنص الأضعف في حرب اليمن

امرأة عجوز تجلس جوار ابنتها المصابة بالكوليرا في أحد المراكز الصحية في الحديدة باليمن في 2017. تصوير: Basheer Al-selwi/ اللجنة الدولية.

بات اليمن الآن حالة يُستشهد بها في سياق علاقة الحرب بالمرض. فبعد عامين من نزاع مسلح ضارٍ، يواجه البلد الأفقر عربيًّا أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، إذ يعتمد قرابة عشرين مليونًا من سكان البلاد على المساعدات، فيما تربص وباء الكوليرا الفتاك بعشرات الآلاف من الفئات الأكثر استضعافًا

أمرية عبد الحميد، 50عامًا، سيدة كمعظم سكان الريف اليمني، لم تعلم شيئًا عن طرق مكافحة وباء الكوليرا الذي انتشر في البلاد، لذا فهي تذهب بشكل يومي لجلب مياه الشرب من أماكن ملوثة، ما أدى سريعًا إلى إصابتها بالكوليرا. نقلها زوجها إلى مركز صحي في قرية الشهلي في محافظة إب الواقعة وسط البلاد. لم تفلح الرعاية الصحية في المركز القروي في تحسين حالتها، شارفت المرأة الخمسينية على الموت.

كان الأمل في نقلها إلى مستشفى الثورة الحكومي في مدينة إب التي تبعد بنحو مائتي كيلو متر من قريتها التي تقيم فيها. غير أنها لم تجد سريرًا وظلت طوال خمسة أيام في حالة غيبوبة. تغلبت أمرية على المرض بعد أن تناولت العقاقير اللازمة وهي خارج المستشفى. تقول: «أصبت بالمرض بعد أن شربت من الماء الذي نحصل عليه من مكان تجمع المياه في قريتنا الجبلية. الماء كان ملوثًا ما أدى إلى إصابة الكثيرين، بعضهم توفاهم الله».

يعتمد السكان في المناطق الريفية في اليمن غالبًا على مصادر المياه المكشوفة للحصول على مياه الشرب مثل الآبار والسدود والبرك، غير مدركين الآثار الصحية الخطيرة المترتبة على الشرب من هذه المصادر. وتبدو الطامة الكبرى في أن الأهالي في هذه المناطق مضطرون إلى شرب المياه حتى لو كانت ملوثة حتى لا يموتوا عطشًا، إذ لا توجد لديهم مصادر مياه بديلة، وهو الأمر الذي أدى إلى استفحال وتفاقم وباء الكوليرا بشكل كبير.

ذات مرة، عاد عبد الله محمد، 22 عامًا، وهو طالب جامعي من محافظة تعز جنوب البلاد، إلى قريته لقضاء الإجازة ليتعرض بعد يومين من وصوله لإسهال وقيء، وجرى إسعافه بسرعة بعد نقله إلى أحد مستشفيات بلدة القاعدة بمحافظة إب. تماثل عبد الله للشفاء بعد أن تناول العقاقير الملائمة، وكذلك بعد أن استمع إلى تعليمات صارمة من الأطباء: ألا يشرب من البئر الموجودة في القرية.

أزمة إنسانية

اجتاح وباء الكوليرا نحو 19 محافظة يمنية من أصل 21 محافظة مخلفًا أرقامًا وإحصائيات مخيفة ومهولة. وقد رصدت السلطات الصحية في البلاد التي تنهكها حرب مضنية تفشي المرض في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2016. وقد نجحت الجهود الكبيرة التي اضطلع بها العاملون في المجال الصحي في السيطرة على هذه الموجة.

لكن مع استمرار الحرب وتقويض النظام الصحي في البلاد، وتدمير البنية التحتية وندرة المياه النظيفة، تفشت موجة أخرى من الوباء في العام 2017 في نصف المحافظات اليمنية تقريبًا. وبحلول نهاية العام 2017، وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوضع الإنساني في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية بسبب الحرب، في ظل حاجة 80 في المائة من السكان إلى المساعدات العاجلة، ووصول عدد الحالات المحتمل إصابتها بالكوليرا إلى مليون حالة.

ليالٍ عصيبة

في وقت متأخر من الليل، اشتد أنين الزغير محمد عثمان، 55 عامًا، جراء معاناته من الإصابة بمرض الكوليرا. أمضى أفراد العائلة ليلة عصيبة، قلقين على مصير رب الأسرة، خاصة في ظل الأخبار المتواترة عن ارتفاع معدلات وفيات بسبب هذا المرض، وارتفاع عدد المصابين به. وهي أخبار تختلط فيها الحقيقة بالشائعات، لتلقي بأجواء من القلق والرعب في نفوس الأهالي.

العامل النفسي، من قلق وخوف على المصاب، يرهق الجميع. بالنسبة للزغير، مرت الليلة العصيبة على أسرته. وعندما جاء الصباح، ذهب أحد أقربائه إلى قرية مجاورة بحثًا عن سيارة لإسعاف الزغير بنقله إلى وحدة صحية على بعد ثلاثة كيلومترات من القرية.  وهناك تلقى الإسعافات اللازمة ثم عاد إلى بيته وهو يشعر بتحسن كبير.

الموت ألمًا

كُتب لأمرية ولعبد الله النجاة، فقد تَعَافَيَا من الوباء القاتل بفضل حصولهما على العقاقير اللازمة. لكن الحال لم تكن هكذا للفتى صالح، 13 عامًا، الذي قضى نحبه جراء الإصابة بالمرض. التقيت والده محمد غالب الوصابي، 52عامًا، الذي ينتمي إلى منطقة وصاب الريفية في محافظة ذمار وسط البلاد. روى الأب المكلوم قصة المعاناة التي مر بها ابنه. «أصيب ولدي بإسهال حاد استمر لمدة ٣٦ ساعة. توقعنا أنه أمر بسيط وسينتهي. لكنه فجأة توقف عن الكلام والحركة. حاولنا إسعافه بنقله إلى مستشفى الحلجوم في سوق المصينعة بمديرية وصاب. أخبرونا أنه ميت وأنه توفي بسبب الكوليرا».

تعيش أسرة صالح في منطقة ريفية نائية. وفي هذه المنطقة ومثيلاتها، تقل التوعية بوباء الكوليرا، علاوة على افتقار المكان إلى بنية تحتية، كوجود مراكز صحية أو طرق ممهدة حتى يسهل نقل المرضى إلى مستشفيات قريبة. «نحن ريفيون لا نعرف شيئًا عن مرض الكوليرا، ولم نجد من يرشدنا عنه وعن أسبابه ومخاطره. ظننا أنا وزوجتي أن ابننا يمر بإسهال طبيعي. لم ندرك الخطر إلا عندما دخلت لتفقد حالة ابني في الصباح ووجدته لا يتكلم ولا يتحرك. نحن هنا في هذه المنطقة الريفية الوعرة، ولا تأتينا منظمات [إغاثية]».

ضيق ذات اليد إلى جانب ضعف الإمكانيات ينطبق أيضًا على أحمد سالم عوض، مدرس من محافظة الحديدة غربي اليمن.  لقد حاول أحمد سالم جاهدًا إنقاذ طفليه المصابين بالكوليرا، لكنه أخفق بسبب عجزه عن توفير نفقات سيارة إسعاف تنقل الطفلين. يعمل أحمد سالم مدرسًا، وهو كغيره من آلاف المدرسين اليمنيين لم يتلقَّ راتبه منذ شهور.

لم يحتمل ابنه البالغ من العمر عشر سنوات أعراض المرض فلقي نحبه. لم تكن الابنة الصغرى البالغة من العمر ثماني سنوات أفضل حظًا. نُقلت الطفلة في سيارة إسعاف من مدينة حيس إلى مدينة الحديدة التي تبعد عنها مسافة أكثر من 150 كيلومترًا. فارقت الطفلة الحياة وهي في طريقها إلى مستشفى المدينة، ليخيم الحزن على أسرة منعها الفقر وضعف الإمكانيات من إنقاذ أبنائها.

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا